ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 18/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

17-03-2013

سورية.. حتمية التقسيم مستحيلة!

يوسف الكويليت

الرياض

17-3-2013

مجريات أحداث سورية رفعت سقف الجدل حولها من دول عربية تتأثر بمسارها، سواء انتصرت المعارضة، أو سارت الحكومة في حرب استنزاف قد تجرها إلى تدخل في شؤون دول تلاصقها بالحدود، طالما الغريق لا يخشى البلل، غير أن الموقف تعدى هذا الحيز إلى تداول الأوروبيين والأمريكيين عندما ذهبوا لضرورة دعم المعارضة، وتسليح الجيش الحر؛ حيث ظلت المخاوف من الإقدام على هذه الخطوة أن تذهب هذه الأسلحة إلى منظمات إسلامية متطرفة تخوض الحرب مع النظام، ولها تواجد مؤثر في العمليات الجارية، وتأييد من بعض المواطنين..

الجدل الآخر هو قراءة خارطة سورية السياسية والدينية والاجتماعية، والخشية من انفجار عام يؤدي إلى حرب أهلية تنتهي بتقسيمها إلى دويلات بهويات أخرى جديدة، وهي احتمالات تثير المخاوف ليس على الداخل السوري فحسب، وإنما على المحيط الجغرافي كله، لكن ولأن الحراك الاجتماعي في العقود الماضية، وما قبلها، حيث الهجرة من الريف إلى المدينة، وتداخل العائلات بالمصاهرة، والتعايش ضمن الوظيفة الاجتماعية الواحدة، لجميع الأعراق والقوميات وأصحاب الأديان، ربما تبعد هذه الهواجس بحكم الاختلاط في هذه المدن، كذلك الأمر بالنسبة للعشائر غير المتجانسة أصلاً، لكنها في سورية ليست رعوية تطارد العشب، وإنما هي زراعية اكتسبت روح الحضر أكثر من البداوة، ما جعل الأرومات تتمسك بأصولها ولكنها لا تسعى إلى حروب وحالات انفصال..

أيضاً سورية يعتبر شعبها أكثر وعياً وثقافة من غيره، حيث التعليم بدأ مبكراً، وانتشار القراءة بين صفوف الطلاب من الجنسين، والتواصل مع الثقافات الأخرى بوجود اللغة الفرنسية التي كانت سائدة، أو الإنجليزية والروسية..

وتكاثر المترجمين، ودور النشر أعطيا الشعب تميزاً خاصاً، لكن الدكتاتوريات العسكرية هي التي أعاقت كلّ النشاطات بما فيها الإنتاج الصناعي، والتجاري واللذان برعت فيهما سورية قبل أن تختنق بالمصادرة والتأميم، وتحصر الثروات كلها في يد الدولة والتي سخرتها في المحافظة على سطوتها على الشعب وثرواته، وتوزيعها على دوائر حمايتها وأزلامها..

كذلك ما جرى في الحرب الأهلية اللبنانية، والتي قدمت دروساً هائلة لسورية، وينطبق الحال مع الأوضاع العراقية التي وضعت الخارطة الاجتماعية في مهب عواصف الطائفية، والتي تنذر بحرب بينها، شبيهة بما جرى في لبنان، والتي أعيت كل الأطراف الخسائر البشرية والمادية، لتلتقي في النهاية، على اتفاق الطائف كمخرج من سنوات الحرب العبثية الطويلة، وعلى هذا الأساس ليس هناك مبرر لأنْ لا يحصل الجيش الحر على الدعم العسكري حتى تتساوى الكفة مع النظام، لتحسم الأمور بالقوة، وهذه المرة ستكون المصلحة، سواء لأوروبا التي تشترك مع سورية في محيط البحر الأبيض الذي تطل عليه هذه الدول، أو وجود وريث معتدل لا تهيمن عليه جبهة النصرة أو غيرها..

لقد حارب الجزائريون الاستعمار الفرنسي طيلة سبع سنوات ونصف، وبإمكانات متواضعة أدت إلى مقتل مليون ونصف المليون شهيد، والشعب السوري لا يحارب استعماراً، ولكنه يقف ضد نظام أبشع من الاستعمار نفسه بطائفته ومصادرته الحريات كلها، وصموده فقط جاء من دعم روسي وإيراني لكنهما لن يكونا الدرع الواقية لنظام يتهاوى..

===================

واشنطن وجبهة النصرة؟

عماد الدين اديب

الشرق الاوسط

17-3-2013

دخول الولايات المتحدة رسميا في صراع مع جبهة النصرة في سوريا، هو أمر يحقق 3 حقائق رئيسية على الأرض:

1 - انسجام كامل للموقف الأميركي مع الموقف الرسمي السوري باعتبار جبهة النصرة منظمة إرهابية، وهو ذات الموقف الذي اتخذته واشنطن على مدار سنوات من حزب الله ولم يصل بها إلى شيء.

2 - إحداث شرخ داخل صفوف تيارات المعارضة السورية في الداخل والخارج ما بين معارضته أصدقاء أميركا وأعدائها.

3 - تأجيل الحسم العسكري من قبل المعارضة في جبهات القتال، بعدها أصبح وصول السلاح إلى جبهة النصرة وحلفائها يعني بالمفهوم الأميركي دعما للإرهاب. ومن هنا يصبح موقف كل من تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي من الموقف الأميركي مسألة بالغة الأهمية لأنها هي وحدها التي تمسك بمفاتيح غرف العمليات على الأرض للدعم بالمال والسلاح وتأمين انتقاله بشكل منظم ومناسب.

ويأتي الموقف الأميركي من جبهة النصرة كجزء مكمل لما بدأ به السيناتور كيري أول من أمس من الدعوة للحوار مع نظام الرئيس الأسد ورموزه مع المعارضة وكأنها عودة إلى المربع رقم واحد في مسألة أسلوب التعامل مع هذا النظام وجرائمه. ويبدو أن تاريخ المواجهة بين جبهة النصرة وروافدها في العراق تجاه القوات الأميركية الغازية للبلاد هو أحد عناصر قيام الولايات المتحدة باتخاذ موقف متشدد من تلك التيارات الإسلامية المتشددة التي تعتمد مبدأ الجهاد المسلح كضرورة وفريضة شرعية ضد الحاكم الظالم ومن يدعمه ومن يواليه. ويبدو أيضا أن الولايات المتحدة الأميركية سوف تدخل في القاموس السياسي لجبهة النصرة على أنها نظام موال ومساند لنظام حكم الرئيس بشار الأسد أكثر منها نظاما مخالفا أو مضادا لجبهة النصرة!

هذا المنطق قد تكون له تداعياته السلبية للغاية في محاولات الحسم العسكري أو التفاوض السياسي اللذين يمكن أن يؤدي أحدهما إلى إنهاء الإشكاليات الدموية للملف السوري. وتأتي إسرائيل كطرف رئيسي في هذه القضية وفي يقيني أن تقديرات المخابرات العسكرية الإسرائيلية تجاه حقيقة الوضع في سوريا هو العنصر الحاسم في توجيه الموقف الأميركي تجاه سوريا. ويبدو أن رؤية المخابرات العسكرية السورية الشديدة الخبرة بحقائق الوضع داخل مراكز صناعة القرار وجهات القتال في سوريا تؤكد المبدأ التالي: «أن مخاطر نظام الدكتور بشار الأسد ومتاعب بقائه أقل بكثير من مخاطر حكم التيارات الإسلامية المتشددة عقب سقوط هذا النظام».

===================

العراق في أزمة سوريا!

فايز سارة

الشرق الاوسط

17-3-2013

يمثل العراق أحد أهم جيران سوريا، وهو صاحب أحد أطول حدود معها، وبحكم العديد من العوامل فإن موقفه شديد الأهمية والتأثير على ما يحدث في سوريا، وستكون للموقف العراقي تداعيات مستقبلية في مستوى العلاقات بين البلدين وفي مستوى العلاقات الإقليمية، وهذا بين أسباب تدفع إلى التدقيق في مواقف العراق من الأزمة في سوريا ومحاولة الإجابة عن الأسئلة المتصلة بموقف العراق من الأزمة السورية، ومجموعة السياسات والإجراءات العملية التي تتابعها السلطة العراقية في الموقف من النظام والمعارضة.

وقبل التدقيق في موقف العراق الحالي، لا بد من الإشارة إلى أن العراق عانى واشتكى طوال العقد الماضي من السياسات والممارسات السورية، التي اعتبرها العراقيون تدخلات فجة في شؤونهم الداخلية، وجاء في سياقها دعم السلطات السورية لقوى وشخصيات عارضت الحكومات العراقية، التي جاءت للسلطة بعد احتلال العراق عام 2003، ومنها دعم فلول نظام صدام حسين. واتهمت حكومات بغداد السلطات السورية طوال سنوات بتمرير الجماعات المسلحة ورموز «القاعدة» إلى العراق للقيام بعمليات إرهابية، وبالسماح بمرور الأموال والأسلحة إلى الجماعات المسلحة. وأثارت الحكومات العراقية هذه القضايا لدى مؤسسات عربية وإسلامية ودولية.

وبخلاف ما كان عليه الوضع من صراع في العلاقات العراقية - السورية، فقد اتجهت تلك العلاقات إلى التهدئة في الفترة الثانية من عهد رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو أمر يرتبط بالعلاقات الجديدة والوثيقة التي جرى نسجها بين المالكي وإيران، وكرست تحالفا بينهما، مما ترك تحسنا محدودا في علاقة العراقيين والسوريين بحكم علاقة الطرفين مع طهران، وكان من أثر ذلك انخفاض حدة الاتهامات العراقية للسوريين لجهة تدخلهم في شؤون العراق، وبدء دورة من التقارب في علاقات بغداد - دمشق.

إن الانعكاس المباشر لتحسن علاقات بغداد - دمشق تجلى بسياسات وإجراءات اتبعتها بغداد حيال دمشق من دون أن تعلن موقفا يؤازر السلطات السورية أو يتبنى موقفها من الأزمة خلال العامين الماضيين، والسبب في ذلك أنها لا تريد أن تصنف في حلف سياسي واحد، يضمها إقليميا مع إيران وسوريا، وهي في المستوى الداخلي لا تريد أن تظهر بمظهر الاصطفاف الطائفي على اعتبار أن المالكي يمثل الطائفة الشيعية، خاصة أن علاقات المالكي سيئة مع الجناحين الآخرين في العراق؛ سيئة مع الأكراد في الشمال وسيئة مع سنة العراق أيضا.

وللأسباب السابقة بدا الموقف العراقي من الأزمة في سوريا أقل تأييدا للنظام وأقل في العداء للمعارضة، وهذا ما يجد له ترجمة في سياسات ومواقف العراق المعلنة، حيث حاول قادته الوقوف في منتصف المسافة من النظام والمعارضة في تصريحاتهم بأحقية التغيير في سوريا مع تأكيد اعتراضهم على الحل العسكري والتشهير بالمعارضة المسلحة، لكن ذلك لم يمنع من التحذير من سلبيات تغيير النظام ورأس النظام، والتي رأى فيها رئيس الوزراء نوري المالكي احتمال دفع بلدان المنطقة إلى حروب أهلية مدمرة، مما يتضمن تأييدا غير مباشر للحفاظ على النظام ورأس النظام، وهو جوهر موقف دمشق وطهران أساسا.

ولا يمكن فصل جوهر الموقف العراقي إزاء النظام في سوريا عن علاقاته مع المحيط العربي والإسلامي، حيث تراكمت مشاكل العراق مع الدول الداعمة للمعارضة السورية ومنها قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا، وبدا من الطبيعي وقوفه في الصف المقابل لها، وفي اتخاذه مواقف وسطية، عندما تطرح أو تناقش الأزمة السورية في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وفي الأمم المتحدة، وقد توجت مواقف العراق السياسية والإعلامية بخطوات عملية، جاء في سياقها تشديد الإجراءات العراقية على الحدود مع سوريا لمنع المرور عبرها، وتكثيف مراقبة المناطق المتاخمة للحدود السورية بهدف منع العراقيين من تقديم أي عون ومساعدة للسوريين في المناطق المجاورة، والسماح بمرور مجموعات مسلحة عراقية مع تجهيزاتها باتجاه الأراضي السورية للمشاركة في الصراع إلى جانب قوات النظام الحاكم، وقيام السلطات العراقية بإغلاق الحدود في وجه السوريين بما في ذلك اللاجئون، مع تأكيد أن أغلب اللاجئين السوريين من الأكراد وأكثرهم موجودون في شمال العراق، كما كان في سياق الإجراءات العراقية السماح باستخدام الأراضي والأجواء العراقية لمرور البضائع والأسلحة والذخائر من إيران ومن كوريا الشمالية، وأدت تلك السياسة إلى دفع القوات العراقية للاشتباك مع قوات الجيش الحر مرات عديدة، وكان آخرها ما حصل في اشتباكات معبر اليعربية مؤخرا.

لقد سعت السلطات العراقية إلى التغطية على حقيقة موقفها وممارساتها إزاء الأزمة في سوريا، ووقوفها إلى جانب النظام من خلال الإيحاء بمواقف وسطية وعبر مناداتها بضرورة الحل السياسي للأزمة، غير أنها في الواقع ومن خلال الخطوات الإجرائية والعملية أكدت أن خياراتها هي الوقوف إلى جانب النظام ودعمه بأشكال مختلفة، الأمر الذي ستكون له انعكاسات سلبية على العلاقات العراقية - السورية وعلى علاقات العراق الإقليمية والدولية، ولعل الأهم في تلك الانعكاسات هو تأثيرها السلبي على واقع العراق الداخلي، وهذا ما بدأت تظهر مؤشراته بوضوح.

===================

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

سيكون تشكيل الحكومة المؤقتة عاملاً هاماً في قدرة الثورة على مقاومة ضغوطٍ قد تحاول خلق أمرٍ واقع يتمثل في تشكيل حكومة تُفرض من الخارج

د. وائل مرزا

الأحد 17/03/2013

المدينة

الحكومة السورية المؤقتة: لماذا وكيف؟

كلما قلتُ متى موعدُنا ضحكت هندٌ وقالت بعد غد.

قد يعبّر هذا البيت من الشعر العربي عن حال الثورة السورية مع معارضتها السياسية. فرغم المحاولات المختلفة للقيام بالدور المطلوب من قِبلها، لاتبدو هذه المعارضة حتى الآن في وارد القدرة على تحقيق ذلك الهدف، ولو في حدّه الأدنى.

نعم، هناك عوائق تحول دون ذلك، منها ماهو ذاتي ومنها ماهو خارجي، لكن النتيجة تبقى واحدةً في نهاية المطاف. وهذا واقعٌ، وإن كان صعباً ومُحبطاً في بعض الأحيان، لكنه لايعني افتقاد المعارضة، وتحديداً الائتلاف الوطني، لأوراق يمكن استخدامها لاستعادة المبادرة، ولو بشكلٍ تدريجي.

من هنا، تأتي المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتق نفرٍ من المخلصين مع حلول الذكرى الثانية لانطلاق الثورة هذه الأيام. خاصةً مع تصاعد الحديث عن تشكيل حكومةٍ مؤقتة يمكن أن يُصبح إيجادُها مفرق طريق في مسيرة المعارضة، ونقلةً إيجابية في أدائها وعملها .

أول مايجب أن يراه الناس في هذا الإطار هو الجدّية الكاملة في التعامل مع هذا المشروع. إذ لامجال، مع حساسية الظرف الراهن، للدخول فيه كمن يقدّم رجلاً ويؤخر أخرى. ثمة حاجةٌ لدرجةٍ عالية من الحسم النفسي والفكري والعملي لابد من امتلاكها لتأمين ظروف النجاح ومقدماته. وظهورُ مشاعر التردد والحيرة سيكون مدعاةً لانتشار روحٍ سلبية تصبح بدورها المسمار الأول في نعش الحكومة، وربما إجهاضها قبل الولادة.

علينا أن نستحضر في هذا المقام أن وجود مثل هذه الحكومة أصبح مطلباً شعبياً واسعاً يكاد يكون محطّ إجماع. وهي قبل هذا وبعده استجابةٌ طبيعية لحاجاتٍ واستحقاقاتٍ ملحّةٍ لم يعد ممكناً تأجيلُ التعامل معها.

على سبيل المثال، أصبحت المناطق المحررة واسعةً إلى حدٍ كبير، وفي وجود مجالس وهيئاتٍ محلية يزيد عددها باستمرار، فإن الحاجة باتت ملحة لتجنب الفوضى التي يمكن أن تنشأ عن تضارب الأنظمة وقواعد العمل السائدة فيها على تنوع مناطقها وخلفياتها. وبدلاً من هذا، يجري توحيد وتعزيز مثل تلك الجهود في قالب حكومي يؤسس لسوريا المستقبل، ويجنب البلاد وجود فراغ سياسي في حال سقوط النظام بشكل مفاجئ.

وسيكون تشكيل الحكومة المؤقتة عاملاً هاماً في قدرة الثورة على مقاومة ضغوطٍ قد تحاول خلق أمرٍ واقع يتمثل في تشكيل حكومة تُفرض من الخارج، كما حصل سابقاً في أفغانستان والعراق. إذ لم يعد خفياً أن هناك «أفكاراً» يجري تداولها في بعض الأوساط الدولية بهذا الخصوص.

ولاتخفى في هذا الإطار الحاجة إلى عملية تنظيم كبرى للعمل العسكري من جانب، وللتنسيق الكامل بينه وبين المسار السياسي من جانبٍ آخر. ورغم جهود الائتلاف في هذا المجال، إلا أن وجود الحكومة يمكن أن يدفع باتجاه تحقيق الهدف من خلال تعيين وزير دفاعٍ مدني بالتنسيق مع قيادة الأركان. وفوق أهمية الموضوع بذاته، فإن لهذا الإخراج رمزية كبرى تتعلق بالعلاقة بين الساسة والمدنيين في سوريا المستقبل ستصل رسائلها للمعنيين داخل سوريا وفي النظام الدولي.

هناك بعدٌ آخر يتمثل في بذل كل جهدٍ ممكن لتأمين احتياجات المواطنين في المناطق المحررة. وهذه لاتقف عند المأكل والمشرب والمأوى على أهميتها، وإنما تمتد إلى تنظيم عمليات الصحة والتعليم والإدارة المدنية بكل مستوياتها، وإدارة الموارد الطبيعية، والحفاظ على سلامة وأداء أجهزة الدولة المدنية. ويأتي في هذا الإطار تنظيم وتنسيق جهود الإغاثة والمساعدة للشعب السوري .

ثمة نقطةٌ لابدّ من إشاعة الحديث فيها بصراحة وشفافية. فالتوقعات العالية من الحكومة المؤقتة يمكن أن تكون غير واقعية، خاصة في البدايات. وهذا يقتضي أولاً مساهمة جميع الأطراف في التعامل مع الموضوع بواقعيةٍ وتدرج. كما أنه، وهذا هو الأهم، يتطلب إشاعة دورٍ أساسي للحكومة المؤقتة يجب التركيز عليه .

فالهدف الاستراتيجي الأول والأكبر من وجود الحكومة يتمثل في تسريع عملية إسقاط النظام من خلال دعم العمل العسكري بشكلٍ فعال، ثم عبر مسارات العمل السياسي والدبلوماسي الدولية التي ستعمل على إزالة المشروعية الكاملة عن النظام في مؤسسات النظام الدولي والإقليمي، والاستحواذ تدريجياً على مواقع ومقاعد هذا النظام في تلك الساحات. بحيث نخلق أمراً واقعاً يتمثل في كون الحكومة هي الحاضر الوحيد باسم الشعب السوري في المحافل الدولية، بالتنسيق الكامل وتوزيع الأدوار مع الائتلاف. ويعرفُ من يعرف تقاليد عمل النظام الدولي وقوانينه، أن هذه ستكون ضربة معلم تُشكل نوعاً من الأمر الواقع الذي يُلغي كل إمكانيات الالتفاف على الثورة من جانب، ويدفع الجهات ذات العلاقة إلى حسم موضوع دعمها للثورة وممثليها، إما قناعةً، أو تحت ضغط ذلك الأمر الواقع.

كثيرةٌ هي المكاسب الأخرى من تشكيل الحكومة، فوجودها سيكون جاذباً مؤسسياً يدفع باتجاه المزيد من الانشقاقات السياسية عن النظام واستثمارها في بناء الشرعية البديلة عن النظام الساقط. كما أنه سيزيد قدرة الثورة على طرح بدائل ذات مصداقية للأقليات والفئات الصامتة التي لا تزال تدعم النظام أو تلك التي لاتزال مترددة في مواقفها.

وأخيراً وليس آخراً، فإن من مهمات الحكومة المؤقتة الحساسة وضع بذور المشاريع التي ستكون نواة مخطط إعمار سوريا وبنائها من جديد.بدءاً من إطلاق حملة مصالحة وطنية تبدأ العمل مباشرة في المناطق المحررة بدل الانتظار حتى بعد سقوط النظام.مروراً بالعمل على إحصاء ميداني في تلك المناطق بشكل منظم، وعن طريق جسم حكومي مسؤول، بدل أن يكون دخول المنظمات الدولية في تلك المناطق عشوائياً وغير مدروس التبعات والنتائج. وانتهاءً بتعبئة المساعدات الدولية وتنسيق مشاريع إعادة الإعمار وإيجاد السكن المؤقت لعدد كبير من النازحين في المناطق المحررة.

باختصار، ثمة فرصةٌ كبيرة أخرى يوفرها تشكيل الحكومة. لكنها لايمكن أن تحقق كمونها الكبير إلا بوجود إرادةٍ سياسية تضع المصالح الوطنية فوق كل اعتبار، وتتجاوز مهازل المحاصصات الحزبية والأيدولوجية والعرقية بشكلها الحادّ والمعيق، وتركز على خلفية تكنوقراطية لأفرادها يمتلكون الأهلية ويكونون قادرين على أدائه بعيداً عن العصي التي يضعها البعض من الآن، وسيتابعون وضعها في عجلات الحكومة، خوفاً على ضياع أدوارٍ موهومة، أو انسجاماً مع طريقة تقليدية في عمل المعارضة.

ثمة رمزية هائلة في أول حكومة سورية حرة تظهر بعد عقود من التهميش والتزوير. ولامفرّ من ارتقاء شرائح أكثر وعياً من الشعب السوري للارتفاع إلى مستوى تلك المسؤولية.

===================

لبنان: أي نأي بالنفس؟

عبدالله إسكندر

الأحد ١٧ مارس ٢٠١٣

الحياة

باتت الإعلانات المتكررة لمسؤولين لبنانيين في شأن النأي بالنفس عن الأزمة السورية تعبر عن موقف سياسي لمطلقيها، وليست تعبيراً عن موقف حكومي أو موقف السلطة التنفيذية في دولة تملك قرارها. فما يقوله رئيس الجمهورية ميشال سليمان او رئيس الوزراء نجيب ميقاتي يبقى في حدود التعبير عن موقف هذين المسؤولين بصفة شخصية وليس سياسة حكومية. ما يجعل الصيغة الرسمية للنأي بالنفس، بغض النظر عن النيات، نوعاً من إراحة ضمير معذب يخرج كلية عن إمكان التأثير الرسمي به.

ثمة ادعاء بوجود ائتلاف حكومي في لبنان، يضم قوى مختلفة. لكن في الواقع، ما يقرره طرف واحد في الائتلاف، ولحساباته الخاصة، يمكن أن يمر في الحكومة. لكن من المستحيل أن يمر أمر آخر يرفضه هذا الطرف بالذات. وهذا يعني أن الحكومة، وبغض النظر عن تلاوينها السياسية وتوزيع الحصص الطائفية فيها، تظل تخضع في قرارتها لرضى «حزب الله».

هذا الاختلال في القرار يتجاوز الانقسام السياسي بين قوى «8 آذار» بزعامة «حزب الله» وقوى «14 آذار» بزعامة تيار المستقبل. إنه يتعلق بكيفية اتخاذ القرار الحكومي الذي بات حالياً في خروج واضح عن نص تسوية الطائف ودستورها وروح هذا النص. ما يجعل مؤسسات الدولة المنبثقة عن هذه التسوية شهود زور على تحول القرار إلى خارجها.

ومنذ بدء تطبيق هذه التسوية التي كان من شروطها الرعاية السورية لها، عمدت دمشق وبشكل منهجي، سياسياً وأمنياً وعسكرياً، لإعداد «حزب الله» وحده لدور الحكم الرديف في لبنان. كما هو الحال في سورية مع أجهزة الاستخبارات، التي هي المؤسسة الوحيدة التي فوق كل مؤسسات الدولة.

صحيح أن القوة العسكرية الفائضة حالياً لدى «حزب الله» هي التي تجعل الجميع يخشون بطشها أو يسعون إلى استبعاد لجوئها إلى قلب الأوضاع رأساً على عقب، لكن الصحيح أيضاً، أن الحزب وبتسهيل سياسي وأمني ومالي من سورية وايران، اخترق مؤسسات الدولة واستحوذ على قرارها، خصوصاً المؤسسات الأمنية والعسكرية، ما يجعله قادراً على تنفيذ قرار يتخذه عبر هذه المؤسسات ومن دون المرور بالمؤسسة التنفيذية، كما لوحظ من خلال اعتقالات هنا وهناك، وأيضاً من خلال موقف وزير الخارجية في الاجتماع الوزاري العربي الأخير. كما اخترق الحزب عبر وسائل عدة، منها المال، جمعيات ومؤسسات مدنية ترفده بالجمهور وتغطي ما بات شعوراً عاماً في لبنان وسورية، أي النزاع المذهبي.

في مقابل هذا الانسلاخ الشيعي عن موقع النأي بالنفس، ثمة انسلاخ آخر يعبر عنه أساساً في الشريط الحدودي مع سورية، وإن كان يتردد صداه أحياناً في العمق اللبناني. إنه انسلاخ أهل سنّة الريف، الذين لم تستقطبهم تسوية الطائف، بعدما كان الصدام المذهبي الأول للنظام السوري معهم يوم دخل إلى لبنان في صيف 1976، فهم اعتبروا هذا التدخل عدواناً عليهم على أكثر من صعيد، سياسياً باستهدافه المقاومة الفلسطينية آنذاك، ووطنياً بإرسال قوات عسكرية نظامية لقتال لبنانيين، ومذهبياً باعتبار انهم امتداد تاريخي لمن قضى عليهم حافظ الأسد. لذلك واجه الجيش السوري أعنف المواجهات في البقاع وطرابلس وعلى أبواب صيدا. وظلت هذه المناطق على «قهرها الطائفي» الذي لم ينهه دستور الطائف. وما تشهده، أو شهدته، عرسال وطرابلس، هو التعبير عن هذا الانسلاخ الذي لم يندمل، لا بل راح يتغذى من الانسلاخ الآخر.

===================

لا لتأجيج الصراع في سوريا

المصدر:    صحيفة «غارديان» البريطانية

البيان

التاريخ: 17 مارس 2013

الإعلان عن أن بريطانيا ستعزز دعمها للثوار السوريين، يمثل مرحلة جديدة في انخراط بريطانيا مع قوى المعارضة. وبشكل مأساوي، يمثل هذا الشهر أيضا الذكرى السنوية الثانية لبدء الصراع الوحشي، مع حصيلة ضحايا تقدر بحوالي 70 ألف شخص، ومليون لاجئ. وبينما تقع المسؤولية الأساسية على عاتق الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه الوحشي، تمثل هذه الكارثة الإنسانية كذلك فشلا ذريعا للمجتمع الدولي في التصرف بشكل حازم وجماعي.

وفي مواجهة هذا الفشل، من المفهوم أن بريطانيا، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، تسعى للقيام بالمزيد للتأثير على وضع متدهور، إلا أن نجاح سياسة وليدة للإحباط، أمر أقل ترجيحا من نجاح سياسة أخرى تقوم على تفكير واضح ورؤية استراتيجية. ولتكون ناجحا، ينبغي أن يكون لأي مساعدات للمجلس الوطني السوري، معايير محددة بوضوح. فسوريا اليوم تعج بالأسلحة، ومن المستحيل ضمان الاستخدام النهائي لها، نظرا لعد الوضوح بشأن هوية ونوايا وتكتيكات بعض قوى الثوار.

وربطت تقارير بين وجود القاعدة وبين المتشددين من "جبهة النصرة" داخل سوريا، وهي تقارير يجب أن تجعل المجتمع الدولي يفكر مليا قبل تكرار أخطاء الماضي. لقد أشارت الأمم المتحدة مؤخرا، إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان تحدث الآن في كلا الجانبين من الصراع.

وأنها تتحول إلى "مأزق مدمر". وينبغي أن لا تكون زيادة الدعم التقني وغير القتالي للمعارضة، ممرا نحو تسليح الثوار. وتسببت أخبار عن أن بريطانيا ستمول تدريبات لقوات الثوار، في قلق لدى كل أطراف البرلمان. وكُشف لاحقا عن أن القوات البريطانية والأميركية، منخرطة مسبقا في تدريب بعض قوى المعارضة السورية في الأردن، ليثير ذلك أسئلةً بشأن الاتجاه الحقيقي للسياسة. إن الخيار ليس بين زيادة الدعم العسكري.

وعدم فعل أي شيء على الإطلاق. لقد تمت الموافقة مسبقا على 11 حزمة مستقلة من العقوبات ضد سوريا، لذلك فإن القضية في الوقت الحاضر، ليست بالضرورة عقوبات جديدة، بل التطبيق الفعال، فالتطبيق الأفضل قد يساعد على تضييق الخناق على الدعم المالي الذي يبقي على الرئيس بشار. ورغم أنه لن يقول ذلك علنا، يتوجب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يشك في ديمومة نظام الأسد على المدى الطويل.

وبالنسبة لكل الأطراف، هنالك سؤال حقيقي: ماذا بعد سقوط الأسد؟ ليس من مصلحة أحد، لا الغرب ولا روسيا، رؤية "نصر كارثي" في سوريا يذهب بموجبه الأسد، ويترك فراغا في سلطة دولةٍ فاشلة في قلب المشرق العربي. لذلك فإن حدوث تحول سياسي معقول، هو أمر ضروري لتفادي ذلك.

والفجوة بين ما ترغبه روسيا وما يريده الغرب لسوريا، لا يمكن رأبها. وقد دعا الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الخاص إلى سوريا، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مرة أخرى، لاستئناف مبادرة دبلوماسية تقودها الأمم المتحدة، لجلب جميع الأطراف المتحاربة إلى طاولة النقاش. وبينما التقى وليام هيغ وزير الخارجية البريطاني نظيره الروسي سيرغي لافروف في لندن، فإن مهمته الأساسية ينبغي أن تكون تأمين الدعم الروسي لهذه المبادرة، لا توسيع نطاق الانقسام بشكل أكبر.

===================

ثورة سوريا... بين الريف والمدينة

تاريخ النشر: الأحد 17 مارس 2013

خليل علي حيدر

الاتحاد

ترى الصحفية اللبنانية «بيسان الشيخ»، أن الرئيس السوري «بشار الأسد» هيمن في الواقع على مسار الثورة الحالية، وأجبرها على التحرك في إطار معين! وتقول إن الأسد حقق ثلاثة نجاحات في الواقع كلها قاتلة. «أولاً، بعسكرة الثورة، التي دفع الأسد دفعاً مباشراً نحوها. فإذ واجه المتظاهرين بالقتل والاعتقال، خلق لهم حاجة الدفاع عن أنفسهم، وزودهم بوسيلتها. هكذا فتح بعض ثكناته وباع الثوار سلاحاً ليعود ويمتلك ذريعة لمواجهتهم بأقوى منه. ثانياً، جعلُ الثورة «طائفية»، وتحويلها صراعاً بين مجموعات متطرفة ونظام يحمي الأقليات. ولا شك في أن انزلاق الثورة إلى تبني تنظيمات كالنصرة وأخواتها وما صدر عنها من تجاوز، ساعد في تكريس تلك النظرية. فامتنع المجتمع الدولي عن دعم «المعتدلين» من «الجيش الحر»، فيما استمر دعم «الأقلية» المتطرفة فيه حتى طغت على ما سواها... أو هكذا بدا.

ثالثاً، تحويل الثورة إلى حالة إنسانية لا سياسية، تختزل المطالب بتأمين الخبز والغاز والكهرباء والأمن، وهي اليوم شبه غائبة. فكأن النظام أعاد السوريين إلى اشتهاء ما كان عندهم، وبوفرة، فيما الحرية لم تظهر بوادرها بعد.

نعود إلى الثورة السورية الجارية منذ عامين، فنتساءل مع ريتشارد سبنسر، مراسل صحيفة «التلجراف»، من يشارك في هذه الثورة؟ ولماذا لا تعم البلاد؟

يقول «سبنسر»، إن ثمة انقساماً واضحاً في حلب مثلاً بين الريف والمدينة. وعندما تقدم الثوار واحتلوا نصف حلب في شهر يوليو، سيطروا على الأحياء الفقيرة التي تقطنها الطبقات الدنيا والعاملة. أما الأحياء الشمالية الأكثر رقياً، فما زالت خاضعة لسيطرة النظام حتى اليوم. ونرى الانقسام عينه في دمشق، حيث يسيطر النظام على معظم المدينة لكن الضواحي البعيدة والريف سقطت بيد الثوار».

ومن هنا، يضيف سبنسر، «يأتي معظم الثوار من الضواحي والقرى والبلدات الصغيرة والمتوسطة الحجم، لا من المدن الكبرى الراقية، ولا يتردد بعض قادة الثوار في إظهار احتقارهم علانية لشباب المدن».

الكثيرون قبل الثورة اعتبروا سوريا «دولة علمانية»، فالناس- يقول سبنسر، لم يكونوا متشددين دينياً، والنساء يتجولن في الشوارع ليلاً، ومحبو السهر يستمتعون في الحانات والملاهي الليلية الغربية، وكانت كل الطوائف والاثنيات تعيش معاً بفرح. ولكن هؤلاء المراقبين ما كانوا يرون بوضوح جزءاً كبيراً من سوريا، وبخاصة الجزء الذي يقود الثورة الحالية. «فخلال تجربتي في القرى والبلدات في الضواحي، حتى في مطلع الحرب، لاحظت أنها مقسمة وفق الانتماء الديني. فالقرى الشيعية منفصلة عن السنية والمسيحية، كل واحد من سكانها كان يعرف إلى أي دين ينتمي الآخرون».

لم تعرف هذه المناطق كذلك تمازج الجنسين في الحياة العامة: «لا ترى في هذه الأماكن الشابات خارج المنزل، واعتمد نظام فصل كامل في المناطق السُنية، فكان الصحفيون ينزلون في منازل محلية لا يرون فيها النساء، فضلاً عن أن الشبان يصلون بانتظام وإيمان».

من جانب آخر، خاض «النظام العلماني» لعبة غريبة مع الإسلاميين المتشددين، يقول سبنسر. «فلم يكتف بالسماح لتنظيم القاعدة بالعمل من داخل البلاد وعبره لينفذ الهجمات الطائفية في دولة العراق المجاورة، بل شجع أيضاً بعض المجموعات الإسلامية، التي ظن أنها قد تقف في وجه عدوه التاريخي الكبير، جماعة «الإخوان المسلمين». لكن السحر ينقلب على الساحر أخيراً، فتقوم «جبهة النصرة» اليوم على رجال سوريين حاربوا مع «القاعدة» في العراق.

على رأس هؤلاء يقول مراسل صحيفة «التلجراف»، شخصية مثل عبدالقادر صالح الحجي، الملقب بـ«حجي مرعي»، قائد أقوى لواء في حلب «لواء التوحيد»، ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة السورية. «وكان حجي مرعي سابقاً أحد أعضاء مجموعة الدعوة السُنية التي حظيت بدعم الدولة، وسافر إلى دول كثيرة، بما فيها داغستان المليئة بالإسلاميين... فلا أحسد الشابات الطموحات اللواتي يعشن في سوريا راهناً وكذلك الحال بالنسبة للشباب الذين يعيشون هناك، خصوصاً أنهم تحولوا إلى ضحايا إما على أيدي حكام مستبدين فاسدين رافضين للإصلاح، وإما على أيدي إسلاميين أصوليين متشددين».السوريون يخشون النظام والمعارضة أيضاً، المعارضون العلمانيون، يقول «جوناثان ستيلي» مراسل صحيفة «الجارديان» البريطانية في سوريا، «تراجعوا وتركوا المجال للسلفيين الذين سيطروا على المشهد. وفيما يحرز المعارضون تقدماً ميدانياً في مناطق معينة، تتمكن القوات الحكومية من استعادة السيطرة على مواقع في مناطق أخرى. ورغم انشقاق عدد من الضباط، فإن الجيش لا يزال متماسكاً تحت سيطرة علوية بنسبة 60 في المئة».

السوريون المدنيون بين نارين، النظام والمعارضة المسلحة، لجنة التحقيق المستقلة حول أعمال العنف، أفادت كما جاء في الصحف يوم 2013-2-19، «بأن أفراداً من قوات الأمن السورية ومن المعارضة السورية مسؤولون عن وقوع «جرائم حرب» في سوريا، موضحة أن تلك الممارسات شملت إعدامات وتعذيب وترهيب المدنيين العزل. واتهم التقرير قناصة المعارضة السورية بتسببهم في سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى المدنيين».

ويلقي بعض الكتاب السوريين في الخارج اللوم على الأمم المتحدة لاهتمامها بهذه التفاصيل «الهامشية» في الثورة السورية. من هؤلاء «فايز سارة» الذي يعتقد أن «سياسة غض البصر عن جوهر الأزمة السورية، والتعامل مع تفرعاتها، صارت سياسة دولية، تتعامل بها الهيئات الدولية بما فيها الأمم المتحدة، وكذلك الدول التي تعرف حقيقة الأزمة وجوهرها، وتذهب للحديث في موضوع وحدة المعارضة وانقسامها، وحضور السلفيين فيها، وقضايا المهجرين داخل سوريا واحتياجاتهم، وموضوع اللاجئين السوريين في دول الجوار وظروفهم الصعبة، وتأثيرهم في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك البلدان، وكلها أمور تفصيلية في قضية أساسية».

لكن هذه التفاصيل غيض من فيض في الواقع، وهي بلا شك أسوأ بكثير مما تصورها التقارير الدولية المتحفظة، وباستطاعة الجماعات الإسلامية المتشددة تمزيق أي مجتمع وارتكاب أعمال قتل طائفية أو الانتقام من خصومهم بأشكال لا تقل وحشية عن بعض ما يرتكبه النظام. فنحن جميعاً لا نزال نذكر إرهاب ومذابح لهذه الجماعات في العراق وبخاصة تلك التي أنجزها «أبو مصعب الزرقاوي» بدم بارد، وكانت أعماله موضع فخر للإسلاميين في بلاد الشام كلها بما في ذلك الإخوان المسلمين في الأردن، الذين استقبلوا المعزين به بعد مقتله في العراق، رغم تبنيه واعترافه بقتل المئات والآلاف من شيعة العراق وسنتها، ورغم دعوته العلنية إلى إشعال نار الطائفية في العراق بأخبث الوسائل.

ويقدم د. برهان غليون تحليلاً سوسيولوجياً لتخوف الأقليات في سوريا وضعف مشاركتها في الثورة. ويقول، «إن الأقليات بسبب هشاشة موقعها في التوازنات المجتمعية، ميالة في كل مكان وزمان، لتجنب الانخراط في الصراعات الأهلية إن لم تكن مستهدفة بالذات، وهي تنزع إلى المسالمة والحياد بانتظار أن يحسم الصراع وتهدأ الأجواء. وحتى عندما تتعرض لهجومات تفضل الأقليات في الغالب الرحيل والهجرة إلى سماء أرحم على الدخول في معارك حاسمة تعرف بأنها ستخسر فيها الكثير على جميع الأحوال».

ويغلب د. غليون التفاؤل، فيقول مؤكداً عن مستقبل سوريا: «لن يكون هناك، لا تفكيك ولا تقسيم لسوريا الوطن والشعب، ولن يسمح الشعب السوري بذلك في كل الطوائف والقوميات. ويبقى التحدي الأكبر للسوريين انهيار مؤسسات الدولة وانتشار الفوضى وغياب السيطرة الذي يزداد كلما تأخر الانتصار». ماذا عن الاقتصاد السوري في هذه المعمعة؟

البعض يقدر خسائر الاقتصاد السوري خلال الشهور الـ22 الماضية بنحو 48.4 بليون دولار. وقدر التقرير خسائر رأس المال السوري خلال الأزمة بنحو 42 بليون دولار. والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يقدر أن 12 في المئة من السوريين يعيشون تحت الخط الأدنى للفقر، وأن ما يقارب ثلث السوريين يعيشون تحت الخط الأعلى للفقر... في «المناطق الريفية». ويذكر هنا التقرير من جديد بالتحليل، الذي جاء في صحيفة «التلجراف» عن مساندة الريف للثورة!

===================

 الثورة السورية.. عامان من الكفاح والدم

سمير الحجاوي

    أخر مشاركة: 17/03/2013

الشرق القطرية

عامان ويومان مرا على اندلاع الثورة السورية العظيمة التي فجرها أطفال درعا.. ثورة علم السوريون خلالها العالم معنى الاصرار والتصميم والقتال بلا هوادة ضد واحد من أشرس الأنظمة الحاكمة في تاريخ البشرية.

عامان من القتال ضد الآلة العسكرية الأسدية الطائفية العلوية البعثية الدموية الارهابية .. لم يكل خلالها أبناء سوريا عن تقديم الغالي والرخيص، قدموا الأرواح والأموال رخيصة في سبيل الحرية والعدالة والكرامة وحق تقرير المصير وحكم الذات.

عامان من المعاناة والدماء والدموع والتشريد والنزوح والجوع والعطش والبرد.. عامان طويلان لكنهما دخلا تاريخ البشرية كأكثر الثورات الشعبية كلفة ..  100 ألف شهيد .. 200 ألف جريح .. 160 ألف معتقل ..  20 ألف امرأة حرة تعرضت للاغتصاب .. مليون مهجر خارج سوريا .. 4 ملايين نازح داخل سوريا .. 5 ملايين سوري يعانون من الجوع .. مدن دمرت وأحياء أزيلت عن الأرض .. حي بابا عمرو في حمص ..واحياء في حلب وحماة ودرعا ودير الزور وادلب وجسر والشغور وريف دمشق واللاذقية وغيرها من المدن والأحياء.

عامان على الثورة السورية والشعب يقاتل ويتقدم إلى الامام رغم كل التحديات والمؤامرات الإقليمية والدولية، ورغم التجاهل العربي والدولي ومحاولة تفكيك الثورة من الداخل لإفشال اعظم حركة شعبية تطالب بالحرية في العالم العربي على مر التاريخ وفي العصر الحديث على وجه خاص.

عامان ونظام الأسد الإرهابي أو عصابة المافيا الأسدية تمارس القتل وترتكب المذابح والمجازر وتسفك الدماء بدون توقف، وتستخدم كل أدوات الموت الشامل، دبابات وطائرات ومدافع وراجمات صواريخ وبراميل متفجرة وصوارخ سكود البالستية والغازات السامة، ليرتكب أكثر من 500 مجزرة سفك خلالها نظام الأسد الإجرامي شلالا من الدم الذي لا يتوقف.

عامان من الثورة السورية والعرب يتفرجون على المذبحة المستمرة، ولا يلوون على شيء وهم يشاهدون إيران وحزب الله وحكومة المالكي والمليشيات الشيعية العراقية يقاتلون إلى جانب نظام الأسد الارهابي كتفا بكتف.. إنه "تحالف الشر المدنس للأقليات" ضد الغالبية السورية العربية المسلمة .. تحالف يقدم المال والرجال والسلاح ويقاتل دفاعا عن "مشروع قلوي طائفي" ضد رغبة الشعب السوري بالانعتاق من الدكتاتوري والتسلط والظلم.

عامان من الثورة السورية وروسيا تدعم نظام الإرهاب الأسدي سياسيا وعسكريا وتقدم له الغطاء الدولي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وكل المؤسسات الدولية الأخرى التي تملك فيه تأثيرا، مما أطلق يد نظام الأسد الإجرامي لقتل المزيد من الأبرياء السوريين.

عامان من الثورة السورية وأمريكا مستمرة في ممارسة سياسة الخداع والنفاق والكذب والقفز على الحبال وانتهاج استراتيجية "اللف والدوران والتشكيك"، وهي استراتيجية لا تزال تستخدمها حتى الآن، بل ذهبت خطوة إضافية إلى الأمام بعد تسريب انباء ان الإدارة الأمريكية  ستتدخل في الحرب ضد الشعب السوري لصالح بشار الأسد، حسبما ذكرت صحيفة لوس انجلوس تايمز، التي قالت إن وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه"، تجمع معلومات حول "الإسلاميين المتطرفين" في سوريا، لإمكانية توجيه ضربات إليهم بطائرات بدون طيار في مرحلة لاحقة، وان "السي آي ايه" قامت بتغييرات في صفوف الضباط ، لتحسين جمع المعلومات حول الناشطين في سوريا، ويتمركزون  هؤلاء في مقر وكالة الاستخبارات المركزية في لانغلي في ولاية فرجينيا.

عامان من المجزرة المذبحة المفتوحة والمنقولة على الهواء مباشرة، لم تحرك الأخوة العربية ولا انسانية المتشدقين بحقوق الإنسان.. مجزرة مستمرة ومع ذلك يجتمع الغرب، اوروبا الغربية والشرقية سابقا، ليناقشوا: هل يزودون الشعب السوري بالسلاح؟ وهل ستصل السلاح إلى المعارضة المعتدلة؟ وهل سيصل السلاح إلى ال\أيدي الصحيحة؟ وهل ستقطع الأيدي الخطأ في الثورة السورية؟.. يتناقشون ويتناقشون بينما تسيل الدماء السورية الطاهرة كالأنهار دون ان يثير كل هذا الدم المسفوك ما دام البحث عن "الأيدي الصحيحة" جاريا.

عامان من الثورة السورية المجيدة والغرب، أمريكا وأوروبا، معهما روسيا والصين، ومن خلفهم أطراف عربية تمول الثورة المضادة، وهم يبحثون عن تكسير الثورة السورية أخلاقيا ونزع الغطاء الأخلاقي والقيمي عن ثورة الشعب السوري، وتحويلها  من حركة شعبية تطالب بالحرية إلى "حرب اهلية" واقتتال داخلي وصراع على السلطة ليس أكثر

لكن وعلى الرغم من كل ذلك ستنتصر الثورة السورية المجيدة، فالشعب السوري العظيم يواصل القتال من أجل أهدافه بإسقاط نظام الأسد الإرهابي وفتح سوريا على فضاء الحرية.. ستنتصر الثورة السورية رغم المؤامرة .. ستنتصر الثورة السورية رغم خذلان العرب .. ستنتصر الثورة السورية رغم منع السلاح .. ستنتصر الثورة السورية رغم النفاق الغربي .. ستنتصر الثورة السورية رغم الدعم الروسي والإيراني وحزب الله .. ستنتصر الثورة السورية رغم النفاق الأمريكي والغربي..ستنتصر الثورة السورية رغم الدم المسفوك .. ستنتصر الثورة السورية رغم تدمير المدن والقرى والأحياء .. ستنتصر الثورة السورية رغم الألم والمعاناة وضنك العيش .. ستنتصر الثورة السورية لو وقف العالم كله ضدها .. فإرادة الشعب السوري لا تقهر ولن تقهر بإذن الله تعالى.

===================

 كيف تـُفشل حروب إفشال الدولة؟

فيصل القاسم

    أخر مشاركة: 17/03/2013

الشرق القطرية

البروفيسور ماكس مانورينج، الأستاذ بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي هو صاحب نظرية "الجيل الرابع" من الحروب، وهي حرب إفشال دول الأعداء بزعزعة استقرارها وتحويلها إلى دول فاشلة. هي بوضوح "حرب"، لكن أدوات هذه الحرب ليست الدبابات والطائرات والجنود، بل أدواتها الإعلام والاقتصاد والسلوك الاجتماعي، وأحياناً الشعب نفسه. فكرة الجيل الرابع من الحرب غير التقليدية هو اكتساب النفوذ من أجل فرض الإرادة وإرغام الطرف الآخر على الإذعان لمطالب وأهداف صاحب النفوذ. ومن مظاهر حروب إفشال الدولة تحويل مناطق في دولة العدو إلى ما يسمى "منطقة غير محكومة"، وخلق دولة فاشلة غير قادرة على التحكم في شعبها أو حدودها أو مواردها، وهو يعتبر ذريعة قوية للدول العدوة للتدخل وإحكام شروطها وفرض السيطرة.

 ويضيف صاحب النظرية أنه ليس مطلوباً إسقاط الدولة واختفاؤها، فهذا لن يحدث، إنما المطلوب أن تظل موجودة بكامل مواردها وقدراتها، ولكن يتم "اختطافها" عن طريق "التحكم" الفكري والسياسي لنظام الحكم والسيطرة عليه كاملاً، بحيث تصدر قرارات وسياسات لا لتعبر عن إرادة الشعب، وإنما تعبر عن إرادة الدولة التي قامت بالاحتلال والسيطرة. وهناك طرق مختلفة لأشكال إفشال الدولة يمكن تحويلها إلى دولة جريمة، أو دولة خلافات عرقية أو طائفية، أو دولة مخدرات... إلخ.

ومن أدوات تنفيذ حروب إفشال الدولة: زعزعة الاستقرار، الإكراه والإرغام على قبول قرارات تحت ضغوط، التحكم في مصادر صنع القرار، استخدام وسائل ناعمة للتأثير العاطفي، حرب العقول الذكية لا حرب النيران، تحويل دولة العدو إلى دولة فاشلة، ألا تكون الحكومة مسيطرة إدارياً وسياسياً على جميع أجزاء الدولة، إضعاف السيادة على الإقليم والشعب.

 إذن، الغاية هي التحكم في العدو، والقاسم المشترك في كل هذا هو "زعزعة الاستقرار".

ويرى رجل الاستخبارات الأمريكي، أن زعزعة الاستقرار في الغالب تكون بوسائل حميدة إلى حد ما، مثل أن ينفذها مواطنون من الدولة العدو. باختصار، إيجاد دولة فاشلة، وأول ملامحها هو إيجاد أماكن داخل حدود العدو ليست له سيادة عليها، عن طريق دعم مجموعات محاربة وعنيفة للسيطرة على هذه الأماكن، وتنتهي بتحويل الدولة إلى "دولة فاشلة". وتبدأ بإخراج جزء من الدولة عن السيطرة، فيصير خارج سيادة الدولة، وذلك باستخدام مجموعات محاربة وعنيفة وشريرة في جزء معين من الدولة لتصنع ما يطلق عليه "إقليم غير محكوم"، أو بالأحرى هو "إقليم محكوم" من قبل قوى أخرى خارج الدولة. وينتهي الأمر إلى دولة فاشلة يستطيع أعداؤها التدخل والتحكم فيها. وينهي مانوارينج حديثه بالتذكير بكلمتين أساسيتين: هما: "الحرب" التي هي الإكراه، سواء كانت قاتلة أو غير قاتلة. و"الدولة الفاشلة" التي تتم ببطء وثبات. "وإذا فعلت هذا بطريقة جيدة ولمدة كافية باستخدام مواطني دولة العدو، فسيسقط عدوك ميتاً".

البعض حاول تطبيق نظرية "حرب إفشال الدولة" على دول الربيع العربي وما تشهده من اضطرابات وفوضى. لكن حتى لو كانت تلك النظرية صحيحة، وتمكن رؤية ملامحها على الأرض، فهي تبقى ضمن إطار نظرية المؤامرة السخيفة، لأنه، ببساطة، تمكن مواجهتها وإفشالها، ناهيك عن أن الديكتاتوريات العربية المتساقطة التي تشتكي من حروب إفشال الدولة هي أكبر مساهم في تنفيذها في بلدانها بسبب ظلمها وفسادها وغبائها المفرط ورعونتها ولجوئها إلى العنف الوحشي مع شعوبها، مما يساهم بقوة في تحويل بلدانها إلى دول فاشلة ومفككة.

ما من شك أن الخارج قد يتصرف مع هذه الدولة أو تلك بمنطق الذئاب، لكن الكارثة الأكبر أن تكون هذه الدولة أو تلك تتصرف مع شعوبها بمنطق الذئاب، فتحتار الشعوب إلى أي الذئاب تميل. أو بعبارة أخرى، العدو الخارجي قد يتصرف معك بمنطق الوحوش، لكن الكارثة الأكبر أن تتصرف أنت مع شعبك بمنطق وحشي، فيحتار الشعب إلى أي وحش يميل. فالمفكر البريطاني الشهير هوبز اعتبر أن الإنسان ذئب للإنسان، فما بالك الدول، فهي تتعامل مع بعضها البعض كالذئاب وأكثر. وهذه حقيقة، لكن الأمر يصبح أكثر خطورة عندما يقدم بعض الطواغيت بلدانهم للذئاب على طبق من ذهب من خلال سياساتهم الإجرامية الطائشة التي تدفع الكثيرين من الذئاب للتدخل بحجة حماية الشعوب من البطش والقتل. لهذا قبل أن تلوم ذئاب الخارج، لم الذين مهدوا للذئاب الطريق كي ينقضوا هنا وهناك لإفشال هذه الدولة أو تلك.

إن أكثر ما يسيء لسمعة أي حاكم في العالم التعامل الوحشي مع شعبه، حتى لو كان من أفضل الحكام وأكثرهم إنجازاً على الطلاق. تذكروا أن جوزيف ستالين انتصر في الحرب العالمية الثانية على النازية، وبنى الاتحاد السوفيتي القوة الثانية في العالم وقتها، مع ذلك لا يتذكره الروس إلا كقاتل وسفاح ومجرم، لأن يديه تلوثتا بدماء الملايين من شعبه، فما بالك إذا كان بعض الحكام لا يرتقون إلى حذاء ستالين في الإنجازات، ومع ذلك يقتلون ويبطشون ويسفكون دماء مئات الألوف من شعوبهم؟ مشكلة الطواغيت العرب أنهم يخربون بلدانهم، ويسرقونها، ويبطشون بشعوبهم ذبحاً وسحلاً وتشريداً لمجرد مطالبتها بأبسط حقوقها، ثم يتحدثون عن مؤامرة "إفشال الدولة". من الذي أفشل الدولة في المقام الأول؟، أليس طغاتها بفسادهم ووحشيتهم؟ قبل أن نلوم الأعداء الذين يريدون تحويل بعض المناطق في هذه الدولة أو تلك إلى مناطق خارج سيطرة الدولة، يجب أن نلوم سياسات الإقصاء والتهميش التي يمارسها هذا الطاغية أو ذاك في بلده. فعندما تجد الشعوب كرامتها وحريتها ولقمة عيشها النظيفة في أوطانها فهي قادرة ومستعدة أن تحمي أوطانها بأسنانها. لماذا تنجح مخططات إفشال الدولة في بلداننا، وتفشل فشلاً ذريعاً في البلدان الديمقراطية المحترمة؟ لأن طواغيتنا بسياساتهم الظالمة والقاتلة يعطون كل المبررات لشعوبهم أن تكفر بأوطانها.

لا تلوموا ذئاب الخارج، بل لوموا ذئاب الداخل، فهي أخطر خطراً وأشد فتكاً بالبلدان والشعوب، وهي أكبر عون للمتآمرين على أوطانهم. يشتكون من "حروب إفشال الدولة"، وهم من أفشل الدولة، وحوّلها إلى أرض مستباحة يعيث فيها القاصي والداني تخريباً وفساداً وتفتيتاً وتدخلاً.

أسهل طريقة لإفشال "حروب إفشال الدولة" تطبيق مقولة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: "حصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم!".

===================

وبدأ عامٌ جديد !

صالح القلاب

الرأي الاردنية

17-3-2013

عندما بدأت أحداث سوريا ،التي أصبحت ثورة عارمة بكل هذا العنف وبكل هذه الشمولية، لم يكن حتى الأكثر تشاؤماً وسوداوية يعتقدون بأن تستمر الأمور أكثر مما إستمرت في تونس وفي ليبيا وفي مصر لكن ها هي هذه «الثورة» تدخل عامها الثالث ،بعد أكثر من ثمانين ألف قتيل وبعد كل هذا الدمار والخراب الذي شمل البلاد كلها بكل مدنها وقراها، ومع عدم وجود ما يشير بإمكانية الحسم النهائي وذلك مع انَّ هذا النظام ساقط لا محالة.. وهذا ليس مجرد أمنيات بل هو إستنباط واقعي وموضوعي لما هو قائم على الأرض.

لقد كان الإعتقاد أنه ستكون هناك تسوية على أساس تقديم نظام بشار الأسد بعض التنازلات «المعقولة» وعلى أساس الإستجابة لبعض مطالب الشعب السوري لكن ولأن هذا النظام قد ورث النزعة الدموية التي أدَّت إلى مقتل نحو أربعين ألفاً من أهل حماه في «وجبةٍ» واحدة عام 1982 فإنه ذهب مباشرة إلى خيار العنف وإراقة الدماء فحصل كل هذا الذي حصل وكل هذا والأوضاع لا تزال مفتوحة على أسوأ الإحتمالات.

إن ما أطال أمد هذه المجازر ،التي أزهقت أرواح عشرات الألوف من أبناء الشعب السوري والتي حولت سوريا كلها إلى كومة من الركام، هو أن هذا النظام بسياساته الخرقاء التي إتبعها منذ اللحظة الأولى قد حوَّل «بلده»!! إلى مسرح للعبة دولية جديدة وحولها إلى ساحة تصفية حسابات ومصالح بين روسيا من جهة وبين الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.

ما كان على نظام بشار الأسد أن يفتح أبواب سوريا وحدودها وسماءها ومياهها لا لإيران ولا لحزب الله والميليشيات الطائفية العراقية وكان عليه أن يدرك أن كل ما يهم روسيا من هذا الصراع المحتدم على الأرض السورية هو وضع حدٍّ للتمدد الأميركي في إتجاه الجمهوريات الإسلامية الغنية بالنفط وذات الموقع الإستراتيجي التي كان الأميركيون فور سقوط الإتحاد السوفياتي قد أعلنوا وعلى رؤوس الأشهاد أنها تشكل بالنسبة إليهم منطقة مصالح حيوية من الدرجة الأولى.

والآن وعندما تدْخل الثورة السورية عامها الثالث فإنه يجب عدم توقع أي حلٍّ قريب ،وذلك مع التأكيد على أن هذا النظام ساقط لا محالة، طالما أنَّ الروس لم يتفاهموا على حدود مصالح كلٍ منهم ليس في سوريا وإنما في منطقة بحر قزوين وفي الجمهوريات الإسلامية الآنفة الذكر وأيضاً في أوروبا الشرقية حيث كانت الولايات المتحدة قد نصبت صواريخها الإستراتيجية بحجة مواجهة التطلعات الإيرانية بينما هدفها الحقيقي هو القدرات الروسية في تلك المنطقة الحساسة.

وهنا فإنه لابد من الإشـارة إلى أن هنـاك مساومات ومفاوضـات أميركية-روسية تجري في الخفاء هدفها التفاهم على تقاسم المصالـح بين هاتين الدولتين لكن الواضح أنه لا يوجد بين نظام بشار الأسد وبين المعارضـة السورية إلاَّ حل «كسر العظم» فهذا النظام وكما إتضح خلال مجريات العامين الماضيين مصرٌّ على البقاء..وإلى الأبد حتى وإنْ لم يبقَ في سوريا حجر على حجر وحتى وإنْ أُفني الشعب السوري عن بكرة أبيه وذلك بينما إزداد تصميم هذه المعارضة الباسلة على إزاحة بشار الأسد وبالقوة العسكرية.

===================

"تهديد" لبنان يختلف عن اتهام تركيا والأردن

النظام السوري يضغط على الحلقة الأضعف

روزانا بومنصف

2013-03-17

النهار

تفاعل كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ولو في اثناء زيارته لافريقيا ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ايجاباً مع رسالة الخارجية السورية التي هددت لبنان بقصف اراضيه بذريعة وجود " عصابات ارهابية " تنتقل الى الاراضي السورية تحديداً من الشمال تجنيباً للبنان اي انعكاسات بفعل الموقف السوري، علما ان مصادر سياسية تشتبه بوجود اهداف سياسية  للتهديدات التي اطلقها النظام السوري والتي يمكن ان ينفذها لاعتبارات قد لا تتصل بعبور مسلحين من لبنان الى سوريا. اذ تقول هذه المصادر استناداً الى اتصالاتها بقوى أمنية ان لا شيء استثنائياً او متزايداً يتم عبر الحدود الشمالية وهناك ما اشار اليه حتى تقرير الامين العام للامم المتحدة حول تنفيذ القرار 1701 حول تهريب اسلحة وعبور مسلحين على الحدود بين البلدين، علماً ان هناك الوف العائلات التي انتقلت من سوريا الى لبنان تحت وطأة القصف وتقيم في الجانب اللبناني من الحدود وتبقى مستنفرة من اجل التقاط لحظات هدنة او هدوء لاستطلاع اراضيها او بيوتها. لكن مع التسليم جدلا بأن هناك مسلحين يعبرون الى سوريا وهو امر لا يمكن نفيه في المطلق لوجود معابر غير شرعية عدة بين البلدين وتداخل في الحدود، فان لبنان حاول ضبط حدوده وبذل جهدا خلال العامين الماضيين من اجل تقليص حركة المسلحين ومنعها قدر المستطاع، علماً انه من غير المستبعد ان يكون تهديد النظام  بمثابة استفزاز استدراجاً لأمر ما او تحضيرا لأمر ما.  اذ لفتت هذه المصادر ان هذا التهديد من النظام السوري للبنان أعقبه توجيه لوم للاردن من مصادر النظام لجهة اتهامه بالسماح بعبور " الجهاديين " الى اراضيه في الايام العشرة الاخيرة وكذلك بعبور الاسلحة التي تمولها المملكة العربية السعودية، كما نقل عن هذه المصادر. الا ان هذا اللوم للاردن لم يحمل تهديدا كالذي ساقته الخارجية السورية ضد لبنان بقصف اراضيه. كما ان النظام عمد في الاسابيع القليلة الماضية الى توجيه رسائل الى الامين العام للامم المتحدة والى رئاسة مجلس الامن تشكو تركيا طوراً بالعمل على تسليح الثوار السوريين وتشكو طوراً آخر كلا من السعودية وقطر للغاية نفسها. لذلك كان لافتاً ان التهديد سيق ضد لبنان على نحو يوحي انه يبقى الحلقة الاضعف من حيث قدرة النظام على استهدافه والاقل كلفة بالنسبة اليه باعتبار أنه كان يمكنه ان يشكو لبنان الى مجلس الامن ايضاً من اجل ضبط حدوده لولا ان النظام يعلم انه هو من تصدى لمساعي المجلس في ترسيم الحدود واقامة نقاط مراقبة بين البلدين بعد العام 2006. ويصب هذا المشهد من حيث تكامله بين الشكاوى السورية الى الامم المتحدة والعتب على الاردن وتهديد لبنان في محاولة تثبيت ما يذهب اليه النظام من انه لا يواجه ثورة داخلية، بل حرباً خارجية من جهات عدة من محيطه المباشر. والبعض يعتقد استكمالا للمنطق نفسه بأنها محاولة لموازنة تزايد الكلام الاعلامي والسياسي الدولي في شكل خاص على انخراط "حزب الله" في  الحرب الى جانبه في القصير وقرى حدودية اخرى وبأن هناك تورطاً من جهات اخرى ترعى عبور تنظيمات او عناصر " ارهابية " وفق تعبيره من اجل مواجهة النظام.

ويتوقف سياسيون في هذا الاطار عند واقع تعرض القرى الشمالية في لبنان الى القصف من الجانب السوري حين كانت المواجهة محتدمة بين النظام ومعارضيه في المدن والقرى المجاورة للحدود مع لبنان وسقط قتلى وجرحى في القصف السوري، ولا يزال  اهالي القرى الحدودية اللبنانية يعيشون يوميا تحت هاجس سقوط القذائف  على قراهم في حين  ان التهديدات تسبق راهنا القصف المباشر او ربما تصعيد القصف على نحو يعزز الانطباع بوجود اهداف او رسائل من وراء ذلك. ولذلك لا يستبعد هؤلاء السياسيون ان يستخدم التهديد من اجل الضغط عبر لبنان من خلال التلويح بنقل حلقة  اليه  خصوصا كلما شعر النظام بتضييق الخناق عليه سياسياً وعسكرياً. اذ ان النظام السوري استخدم لبنان طوال العقود الماضية من اجل الضغط على الغرب من اجل تحصيل مصالح او اهداف له. والأمر لا يزال سارياً حتى مع الوضع الذي اصبح عليه الآن. اذ ان في الافق القريب الاستعدادات الفرنسية والبريطانية بعد الاستعدادات العربية من أجل مد المعارضة السورية بالاسلحة بعد المساهمة في توحيدها في مسار متكامل يهدف الى زيادة الضغوط على النظام من اجل القبول بالتنحي ونقل السلطة الى حكومة انتقالية. وهو يرد على هذا الضغط بالضغط على لبنان وفق ما ترجح هذه المصادر خصوصا في ظل الحرص الذي يبديه الخارج الاوروبي والعربي على الاستقرار اللبناني في هذه المرحلة من التأزم في سوريا. فاذا كان الأمر ينطوي على تخويف للغرب، فهذا يعني رفع الحماوة  على الارض. فهل يقوم النظام باجراءات معينة من أجل تثبيت  التخويف من تمدد الحرب في سوريا  الى لبنان او ان الوقت بالنسبة اليه يستلزم رفع وتيرة التهديد الكلامي تمهيدا للتنفيذ الفعلي لاحقاً؟  فالوضع  الامني اللبناني هش عموماً، وهناك بين المسؤولين من حلفاء النظام من يساهم في تعزيز الانطباعات بأن الامور تقف على شفير الانفجار، خصوصاً في الشمال ومن بينهم افرقاء في الحكومة بحيث يطرح الأمر تساؤلات جدية عن عدم اخذ الحكومة هذه التحذيرات على محمل الجد وعقد اجتماعات  ملحة وطارئة سياسية وأمنية من أجل اتخاذ اجراءات تتجنب الوصول الى لحظة الخطر الذي يتقدم الواجهة في التحذير منها وزراء شماليون، بدلا من انتظار وقوعها.

ومن جهة أخرى، هناك زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما  لاسرائيل ورام الله والاردن الاسبوع المقبل. وكانت الرسائل الى الاميركيين في السابق لدى اي زيارة مهمة لكبار مسؤوليهم  الى المنطقة تمر عبر جبهة الجنوب اللبناني، في حين يتعذر القيام بذلك راهنا في ظل تحول لبنان و"حزب الله" معه ضرورة استراتيجية للنظام في حين يمكن اللجوء الى اوراق اخرى موجودة يمكن اعتمادها واهمها  الضغط من شمال لبنان وفق ما بات الأمر عليه منذ بداية الحرب الداخلية في سوريا.

===================

 هي الذكرى الثانية للثورة رغماً عن إرادة الأعداء و"الأصدقاء"!

عمر قدور()

المستقبل

17-3-2013

لن يكون سهلاً على أفئدة السوريين أن تمر الذكرى الثانية للثورة من دون قطف ثمارها كاملة، مع ذلك يمكن الجزم بأن الثورة على مشارف عامها الثالث أصبحت أكثر تجذراً في الأرض، لا في النفوس فقط، وبأن النظام الذي يستميت للتشبث بالسيطرة على بعض المدن والمناطق يفقدها واحدة تلو الأخرى، ولم يعد يتوقع حقاً من أين تأتيه الضربة التالية. في العام الأول للثورة أدى رأس النظام صلاة العيد في مدينة الرقة، في إشارة مخادعة إلى موالاة أهلها، وفي نهاية العام الثاني باتت محافظة الرقة أول محافظة سورية تحررت بالكامل، أما رأس النظام فلم يستطع قبل أشهر أداء صلاة العيد إلا في مكان منعزل أُعلن عنه لاحقاً خشية أن يداهمه الثوار.

في السنة الثانية قدّم النظام الكثير من الوعود لحلفائه في الخارج ومناصريه في الداخل بأنه سيحسم المعركة على العديد من الجبهات، غير أنه لم يتمكن من الوفاء بأيّ من وعوده، وكان الحسم الموعود يتحول دائماً إلى انتكاسة جديدة، فلم يبقَ من هم للنظام سوى إيقاع أكبر أذى بالمدنيين. صار واضحاً أن إستراتيجية النظام تقتصر على الانتقام من السوريين الأحرار فحسب، فهو لم يعد قادراً على سلبهم حريتهم التي اكتسبوها بقواهم الذاتية وبدمائهم، وصار واضحاً أيضاً أنه يسترخص دماء مؤيديه، إذ طالما تخلى عن دعم قواته المحاصرة، وطالما زجّ بهم في اشتباكات يعلم قادته العسكريون أنها خاسرة سلفاً.

لقد أرادها النظام سنة الحرب، لذا تُقاس أولاً بالوضع الميداني الذي يتجسد من قبل الثوار إما بالصمود في جيوب صغيرة، أو بالسيطرة على مدن ومساحات شاسعة كمدينة حلب وريفها، حتى أحياء حمص المحاصرة منذ أكثر من سنة لم تتمكن قوات النظام من اقتحامها والسيطرة عليها، فعمدت أخيراً إلى الانتقام بقصف رمزها التاريخي "جامع خالد بن الوليد". نظرياً، يملك النظام ترسانة ضخمة من الأسلحة، ويقوم حلفاؤه بتوريد السلاح يومياً، فضلاً عن إمداده بالمقاتلين كما بات مفضوحاً في الأشهر الأخيرة، لكن ما لا يُحسب نظرياً هو قدرة شعب يقاتل على أرضه، وهذا ما يفشل المحتلون في إدراكه عادة.

لو اقتصرت الحرب على النظام لكان الثوار قد حسموها قبل أشهر، هم كانوا قريبين من اقتحام العاصمة دمشق لولا الحصار الخانق الذي فرضته الإدارة الأمريكية على توريد السلاح لهم. في الوقت نفسه كانت توريدات الأسلحة والمقاتلين تسارع إلى نجدته بتواطؤ دولي مكشوف، ولم يعد سراً أنه يحظى بحماية دولية قلّ نظيرها، ولم يعد يخفى على أحد أن "نظام الممانعة" يلقى رعاية إسرائيلية تؤخر سقوطه، وأن الحديث عن الأسلحة الكيماوية وكونها خطاً أحمر لا يعني سوى توجيه رسالة للنظام نفسه بوجوب الحرص على هذه الأسلحة وعدم وقوعها في أيدي الثوار. على الرغم مما سبق تُثبت الأحداث يومياً قدرة السوريين على مواجهة أقذر تحالف يواجههم، فعندما حُرموا من مضادات الطيران خاضوا معركة تحرير المطارات، واستولوا على المضادات من قوات النظام نفسه، وقد لا يكون بعيداً اليوم الذي يحيّدون فيه صواريخ سكود، وحينها ربما سيترتب على حماته التدخل مباشرة لإنقاذه.

على مشارف السنة الثالثة يدرك السوريون أن حربهم قد تطول لأنهم سيواجهون حلفاء النظام من الشرق والغرب، فالتحذيرات والتهديدات التي كيلت لهم من قبل قد توضع موضع التنفيذ قريباً، وفي الواقع لقي بعضها طريقه إلى الميدان متمثلاً بتوابيت المقاتلين العائدة إلى البقاع اللبناني، ولم يعد نوري المالكي يخفي نيته في جرّ جزء من العراقيين إلى الحرب في سوريا. لقد أعلن قيادي إيراني أن سوريا هي المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثون، ولم يحتج النظام أو ينكر ذلك، أي أنه يقرّ بخوضه الحرب على السوريين بالوكالة، ويستعد ليصبح مجرد شريك في الحرب، وربما الشريك الأضعف والأقل قدرة على المشاركة في القرار.

قد تتحول الحرب في السنة الثالثة إلى حرب تحرير مكشوفة بفعل القوى التي ستهب لنجدة النظام، وقد يكون قدر السوريين أن يقاتلوا لا لتحرير بلدهم فقط وإنما بالنيابة أيضاً عن جيرانهم، هي حرب استرداد القرار الوطني الذي يرتهن كلياً أو جزئياً، هنا وهناك، للطموح النووي الإيراني. مع ذلك من الخطأ وصفها بحرب طائفية شاملة، لأن ردّ الاعتداء والاحتلال من الحقوق الذي لا ينتقص منها التمايز الديني أو المذهبي، إلا إن كان أحد طرفيها يتوسل الطائفية للهيمنة السياسية. لا يمكن بأي حق وصف الطرف المعتدى عليه بالطائفية، فقط لسعيه للتخلص من الاحتلال؛ هذه حيلة قديمة لطالما استخدمها المحتلون للتفريق بين أبناء الشعوب، ولطالما انكشف زيفها بزوال الاحتلال.

بالطبع ليست بشرى هذه الإشارات المتكررة إلى الحرب، غير أنه سيكون من مخادعة النفس التعويل على الحلول السياسية المطروحة الآن، فحلفاء النظام تمسكوا بنهجهم الثابت، وهو الدفاع المستميت عنه، ونجحوا بتواطؤ من بعض "أصدقاء الشعب السوري" في تصوير أن التسوية الوحيدة الممكنة هي الإبقاء على النظام مع الإيهام بتجميله. لقد أسقط المجتمع الدولي من اعتباراته آلاف القتلى من الأبرياء وملايين النازحين والمشردين من ملايين البيوت التي قصفها النظام؛ ذلك لا يعني التغاضي فقط عن الجرائم التي ارتكبها الأخير وعدم دفعه ثمناً، بل يعني مكافأته على جرائمه واستمرار التفويض الممنوح له بالتنكيل بالسوريين. في الواقع لا توجد جهة في المعارضة السورية تتجرأ على التضحية بهذا الثمن الباهظ والقبول بالتسوية المطروحة مع النظام، وحتى إن وجدت جهة ما تقبل بالتسوية فهي لا تستطيع فرضها على الأرض، ليس هناك على الإطلاق من يستطيع ردع السوريين عن الاستمرار في ثورتهم حتى تحقيق هدفها الأول بإسقاط النظام، وأي حل سياسي لا يضمن تماماً هذا الهدف لن يكون مقبولاً.

مع الأسف لا تُستخدم السياسة في الملف السوري من أجل إيجاد الحلول الحقيقية، ووضعها في التنفيذ، وإنما تستخدم من أجل التسويف واللاحل. لقد كان ثمن المداولات السياسية طوال سنتين المزيد من إراقة الدماء، وكانت الغاية الفعلية إعطاء المهل للنظام كي يجهض الثورة، أقله ليس حباً بالنظام ولكن رغبة في الانتهاء من ملف الربيع العربي وإقفاله نهائياً. ربما لا يزال العالم مخدوعاً بقدرة النظام على تأدية هذه المهمة، ذلك يتضمن أيضاً عدم دراية العالم بواقع السوريين، وعدم إدراكه لمغزى الشعار البسيط الذي يرفعونه في مظاهراتهم: "الموت ولا المذلة".

على العكس مما يردده الساسة الدوليون، ومما يتمناه السوريون أيضاً، من المستبعد أن يُحل الصراع في سوريا سياسياً، لأن النظام وحلفاءه غير مستعدين للقبول بأدنى شروط الحل، وهو رحيل رموز النظام بلا محاكمة. هذا هو التنازل المؤلم الوحيد الذي قد يقبل به السوريون، وأي تسوية أخرى تفكر في فرضها الدول الكبرى ستكون بمثابة إشهار للحرب الواقعة فعلاً على إرادتهم. لذا لن تكون السنة الثالثة للثورة سنة فرض الإرادة الدولية بقدر ما هي مرشحة لتكون السنة التي يفرض فيها الثوار إرادتهم على الأرض، ومن ثم على القوى الدولية المترددة.

نعم، هي الذكرى الثانية لثورة تزداد زخماً رغماً عن إرادة أعدائها، وقبل ذلك رغماً عن الإرادة الحقيقية لبعض الذين يدّعون صداقتها!

 

===================

سنتان على آذار سوريا.. ربيع مخضّب بالدم وانتصار مؤجّل

المستقبل

17-3-2013

هي ثورة الثورات العربية. الأكثر دموية وأطولها زمناً. هي في كل يوم بين حدّي الاستعصاء والانتصار. هي ثورة السوريين وحدهم، لكنها تبدو أيضاً من أجل سوريا كما من أجل العراق ولبنان وإيران وفلسطين وكردستانات المنطقة وأقلياتها وأكثرياتها وأديانها وطوائفها وشعوبها. كأنها هي جردة حساب مؤجلة مع التاريخ، من الزمن العثماني والزمن الإنتدابي والزمن الاستقلالي والزمن الانقلابي العسكريتاري. ثورة من أجل مئة عام مضت هدراً وفساداً وعجزاً، لكنها أيضاً تستحضر أحياناً ما حدث في 1400 عام، بكل كوابيسها وأشباحها وأمواتها وخرافاتها القاتلة.

هي ثورة السوريين الواضحة بالتأكيد: خبز وحرية وكرامة. لكنها باتت حرب الجميع كذلك. هي ثورة شعب وحرب دول في آن واحد.

ربما لهذا السبب نفهم الآن لماذا تحمّل الشعب السوري ما لا يطاق في أربعين عاماً من السحق والإذلال والقمع. كان يدرك أن تمرّده ستكون كلفته لا تطاق أيضاً. كان يدرك، منذ تجربة حماة عام 1982 الى آخر تجربة مع انتفاضة الكرد عام 2004، أن آلة القتل ووحشية السلطة ستحوّل أي ثورة الى حمّام دم ولن تتورع عن إبادة السكان وتسوية المدن بالأرض وتشريد الملايين من البشر وتنظيم المجازر كـ"عمليات جراحية" ضد شعب بأكمله.

خرج الشعب السوري من قمقم الصبر ومن زنزانة الصمت ومن عتمة الخوف، مدفوعاً بإلهام "الربيع العربي" وزخمه، الذي أطاح بأنظمة زين العابدين ومبارك والقذافي وصالح، في لحظة درعا، حين أمعن النظام بالدم الأكثر براءة، دم الأطفال. أراد النظام من تلك الجريمة، التي نفذت باصرار وتصميم، ان يقول لشعبه "سوريا الأسد" ليست تونس ولا مصر ولا ليبيا ولا اليمن. بمعنى آخر، النظام هو الذي فرض على السوريين الامتحان الأصعب، تحدي الكرامة: "أنتم أقل إباء من تلك الشعوب، وعليكم العيش في الذل والهوان". هكذا جاء النظام نفسه بالثورة إلى سوريا. ولذا فإن عبارة النظام الأشهر بوجه كل مواطن يتم دعسه أو اعتقاله أو إعدامه كانت "بدك حرية؟ إيه خود حرية". كان النظام بذلك يعترف ان المعادلة هي ببساطة شديدة: إما الحرية وإما النظام.

هكذا أعلن الاستبداد البعثي، بلا مواربة، إنه نقيض الحرية، ونقيض الكرامة، ونقيض العدالة. أعلن عداءه السافر للشعب السوري.

خلال عامين، "نجح" النظام في فرض الثورة عليه بوصفها الأفق الوحيد للسوريين، لكنه أيضاً نجح في فرض الحرب الشاملة عليهم. وهي اليوم حرب تخوضها إيران وروسيا، و"بعض" لبنان و"بعض" العراق ضد سوريا ذاتها. وكأن الثورة، في مآلها الأخير، ورغماً عن الشعب السوري، ستحمل عبء مستقبل المشرق العربي، مستقبل الديموقراطية في العالم العربي بأسره. وربما ايضاً مستقبل الثورات التي حدثت أو التي ستحدث، من إيران إلى السودان.

من أمل الثورة إلى يأس الحرب، سنتان على ربيع سوريا الدموي، سنتان من التضحيات والبطولة والألم والموت، من أجل الشرط الإنساني الأول: الحرية.

هذا العدد الخاص من "نوافذ" مكرس للذكرى الثانية لاندلاع شرارة تلك الثورة التي لطالما تأجلت إلى أن تبدد الخوف في ذاك اليوم 15 آذار 2011 الإعجازي.

"نوافذ"

===================

 العام الثالث.. الثورة المركّبة

ماهر الجنيدي()

المستقبل

17-3-2013

لا يمكن القول إن الثورات العربية التي وعدت بها نسائم الربيع العربي ثورات بسيطة. بل هي ثورات مركبة، متعددة المهام. غير أنّ سيرورتها المتدرّجة في بلدان الربيع العربي عموماً، ما كانت لتعاني من درجة التشابك والتعقيد ذاتها التي وسمت ملحمة الثورة السورية.

في سوريا، لم يركّز الوعي الجمعي السوري على تعقيدات المهام الماثلة في الأفق، فهذا شأن جميع الثورات من تونس إلى اليمن التي خرجت لإسقاط النظام فأسقطته. لكن هذا الوعي الجمعي استطاع أن يدرك بوضوح منذ اليوم الأول للثورة أنّ التراجع محال. ولعلّ رسالة رياض الترك، قبيل بدء الثورة، في وداع ما سماه "مملكة الصمت"، كانت خير معبّر عن الإدراك الجمعي بأن هذه الثورة درب ذو اتجاه واحد، لا مجال فيه للعودة.

ترى هل هذا مأخذ على الثورة، أو نقطة ضعف عند الثوار؟

الحال هو أن هذا الإدراك لم يأت من فراغ. فهو مبنيّ على تجربة مريرة مرّ بها السوريون خلال أربعين عاماً، وخصوصاً بعد مجازر حماه ولبنان، انقسمت خلالها رعيّة مملكة الصمت تلك إلى أربعة أصناف أساسية فاعلة: صنف جريح مكلوم صامت، أثخنت فيه جرائم النظام تقتيلاً وتنكيلاً وسجناً وسلباًَ وتعدياً؛ وصنف مقهور متألّم مغلوب على أمره، لم تمسّه مباشرة تلك الجرائم، لكن ما كان ليتوانى عن اتخاذ موقف أخلاقي نزيه في مواقعه؛ وصنف منافق لم يجد حرجاً في الجعجعة الصوتية "بضرورة الإصلاح"، المترافقة مع استفادة صريحة من فتات موائد فساد النظام؛ وصنف أخير، اصطفّ مع النظام سواء مشاركاً في جرائمه أو مصدّقاً بروباغانداه، أو مرعوباً من عدوّ داخلي موهوم، تفننت الخيالات في رسم ملامحه. بيد أنها، بأي حال، أصناف غير مقولبة، إذ يتباين أفراد كل صنف فيما بينهما أخلاقياً وطبقياً ومذهبياً وانتماءً.

لقد كانت مهمات الثورة في أيامها الأولى بسيطة وواضحة للجميع: الكرامة، بما تعنيه من إسقاط الاستبداد، والمواطنة المتساوية، وإيقاف الاعتداء على حقوق الناس وحريتهم وأموالهم، واجتثاث الفساد، والكفّ عن سرقة الدولة.

لكنّ جميع السوريين الفاعلين، من دون استثناء، أدركوا في وعيهم الجمعي، ومنذ اليوم الأول، أنهم بصدد ملحمة. فتوزعت آراؤهم أيضاً في أربعة أقسام، ليست بالضرورة امتداداً للأصناف الأربعة التي سبق ذكرها. قسم ثائر لم يتردد، منذ اقتلاع أظافر أطفال درعا، في المضيّ قدماً في مسيرة الثورة حتى اقتلاع الاستبداد؛ وقسم محجم أذهلته روعة هذه الثورة وبسالتها، لكن إدراكه لمدى إجرام نظام اغتصب السلطة على مدى نصف قرن، وما قد يلجأ إليه من ترويع، جعله يحذّر من مآلات دموية تنتظر سوريا، فلم يشارك فوراً في الثورة، بل حثّ على ضرورة العثور على حلول يمنّي النفس بها، رغم إقراره بأنها حلول مستحيلة، فلم يستطع حتى أن يتبيّن ملامحها في ظل التجارب المريرة السابقة؛ وقسم انتهازيّ لم ينظر سوى في مصالحه العاجلة، فوقف ضدّ الثورة لهذا السبب، ضارباً عرض الحائط بكل المسائل الأخلاقية التي طرحتها الأحداث المتلاحقة (كان بعضهم يقول إنه ضد النظام أيضاً)؛ وقسم رابع اصطفّ مع النظام، وهو يتكوّن غالباً من معظم أفراد الصنف الرابع من رعيّة مملكة الصمت، بالإضافة إلى بعض المتحوّلين بحكم الزمن من الأصناف الثلاثة الأخرى (منهم سجناء سياسيون سابقون).

كما أن معطيات الوضع الجيوسياسي السوري، كانت أعقد من مسألة شعب ضاق ذرعاً بالاستبداد، فمضى يطالب بحريته المسلوبة. فهناك طغمة حاكمة لا ترى في مستقبل البلد سوى احتمالي المزرعة أو المحرقة، وهناك إيران، وروسيا، وتركيا، وهناك أولاً وقبل كل هذا إسرائيل، بطبعتيها العبرية والعربيّة.

تضافرت هذه العوامل المعيقة، الداخلية منها والخارجية، فساهمت في إطالة عمر النظام، الذي لجأ إلى تعديلات دستورية لا معنى لها، وتغييرات وزارية فارغة من أي محتوى، ودعوات إلى حوارات لمعارضة لا يرى أساساً أنها موجودة، مشفوعة بسياسة كذب إعلامي ممنهج، نجحت في زيادة غموض الرؤية داخلياً وخارجياً. بيد أن استطالة عمر النظام حوّلت الوضع إلى أشبه بدمّلة متقرّحة تتيح للجراثيم بأن ترتع في البلاد. فكان قدر هذه الثورة أن تجابه، قبل إنجاز انتصارها، عقبات كأْداء أخرى، لتصبح ثورة مركّبة ومتشابكة.

لعلّ ما تحتاج اليه سوريّا اليوم هو النموذج البديل المأمول لسوريا الجديدة، على أي بقعة تراب وطني محررة.

هل هو قدر الثورة السورية أن تحلّ مسألة الدولة العلمانية، ومسائل التعدد القومي والثقافي والديني، ومسألة الدستور، ومفاهيم الهوية والمواطنة، والعلاقات مع دول الجوار؟ هل هو قدرها أن تعالج قضايا الإغاثة الإنسانية ومسائل النازحين في وطنهم، ومشاكل اللاجئين في الدول المجاورة ودول الشتات؟ بل وأن تعالج الأمراض النفسية لهذا وذاك داخل المعارضة وخارجها؟ وأن تفكّر في مهمات اليوم التالي، وضبط السلم الأهلي، ووحدة التراب الوطني، ولجم حالات الانتقام المحتملة؟ هل هو قدرها أن تتصدى لهذا كله، تحت وقع "هولوكوست" جديد، وظروف جحيمية، من قصف، وإبادة جماعية، وانعدام شروط الحياة الأولية؟

يبدو بعد عامين، أن الجواب: نعم!

===================

 سنتان على آذار سوريا.. ربيع مخضّب بالدم وانتصار مؤجّل

المعضلة اللبنانية مع الثورة السورية

دلال البزري

المستقبل

17-3-2013

بدل أن يُصاب لبنان بعدوى الثورات العربية الديموقراطية، أخذت هذه الثورات تُصاب بالعدوى اللبنانية. الثورة السورية تحديداً، بعد عامين على لاءاتها الثلاث المدوّية، ضد العسْكرة والطائفية والتدخّل الخارجي، ها هي تنزلق فيها، ناسخةً ملامح "النموذج" اللبناني الفذّ؛ وليتَ الأمر اقتصر على هذا؛ بل إن هزيمة اللاءات، وتسيُّد نقائضها، أعيد تصديرها الى لبنان، لتزيد جرعة تطييفه وتمذْهبه، وعسكرته، وطبعاً، التدخل الخارجي، الشرقي والغربي، بشؤونه. مع تفرعات جديدة، طبيعية، هي ابنة عصرها؛ نقصد الأسْلمة السنية، أو التسلّف السني، نظير الأصولية الشيعية، المصدَّرة، بدورها من إيران، موطن الولي الفقيه.

حاول اللبنانيون منذ عامين السير بخطوط متوازية مع الثورات العربية. ارتجلوا تظاهرات "إسقاط النظام الطائفي". سرعان ما تلاشت هذه الوثبة، حتى بهتت كلياً. ربما أسبوع أو أكثر بقليل فصل بين نضوب هذه التظاهرات وبين اشتعال درعا، وقبيلها تظاهرة سوق الحريقة في قلب دمشق، المتفق على أنهما سجّلا تاريخ اندلاع الثورة السورية. فسادَ صمت الترقب والشغف؛ وأمل لدى نصف اللبنانيين، المعادين لبشار الأسد، بانهيار نظامه. ثم شلل وانتظار وشعار رسمي بـ"النأي عن النفس" سوف يتحول مع الوقت الى نكتة بائخة. ذلك أن سوريا ليست، بالنسبة للبنان، مصر أو تونس. إنها عنوان انقسام عميق بين اللبنانيين، إنها مفتاح تكوّن سلطة "دولتهم"، إنها الجارة اللدودة، والشعب المحيِّر، إنها صاحبة المسار المتلازم مع مسارنا. قواتها العسكرية انسحبت من لبنان، ولكن شبكة هائلة من العلاقات والمصالح والتواطؤات، كلها معقّدة ومركّبة، ربطت مصيرها بمصيرنا، وبنوع من التأثير الذي لا تجده بين دولتين، أو شعبين جارَين.

اللبنانيون منقسمون منذ بداية الثورة بين موالين للنظام ومتعاطفين مع الثورة. لكن هذا الانقسام ليس قائماًً على تطلعات ديموقراطية ضد تشبّثات استبدادية. فالذين نزلوا الى الشارع تضامناً مع هذه الثورة مدفوعين بتطلعات المواطنة ودولة القانون، كانوا قلائل ومشرذمين؛ غالبيتهم مثقفون وإعلاميون. أما الذين وقفوا بأعداد غفيرة وبتظاهرات وفعاليات منتظمة وبنبرة عالية لا حدّها حدّ، فهم المجموعات الإسلامية السنية. والمؤشرات الكثيرة تدلّ على طبيعة تفاعلهم مع الثورة السورية: تبدأ بالشعار "الشعب يريد القيام بالجهاد" المرفوعة في تظاهراتهم، ولا تنتهي بالأخبار المتفرقة عن تعاون وإمداد أو ما شابهما... وبديهي أن هذه المجموعات تؤجج النعرة المذهبية، المستنفرة أصلاً. مبرر ظهورها وصعودها هو الدفاع عن "كرامة أهل السنة". هي ضد بشار ليس من أجل الديموقراطية... إنما من أجل رفع "أهل السنة" الى المرتبة القيادية التي كانوا عليها قبل أن يستولي "حزب الله"، المذهبي الشيعي، على قرار لبنان. من المضحك، هنا، أن "حزب الله"، وبمساعدة التهريجات الخطيرة لأحمد الأسير، أبرز وجوه هذه المجموعات، أتاحت له تقديم نفسه كقطب "كبير العقل"، "نابذ للفتنة"... بل ذهب أحد نوابه الى حدّ القول في مهرجان شعبي إنه مع "دولة المؤسسات والقانون"! هو الحزب الذي بنى دولة داخل الدويلة اللبنانية، دولة مسلحة، مذهبية، مرتبطة أشدّ ارتباط بالخارج، مستقوية به، ومنفذة لأجنداته، بصراحة ووضوح. وقد وجد لتدخله العسكري المنهجي مع قوات بشار الأسد سردية يذيعها: من أن ميليشياته في سوريا، في القصير مثلاً، "إنما تدافع عن أهالي بعض قراها، وهم لبنانيون، لصدّ هجمات الإرهابيين عليهم". فتسلحهم وتشرف على عملياتهم وترسل لهم التعزيزات إلخ... الأمر المؤكد أن هؤلاء المواطنين المهدَّدين، ليسوا من أبناء الطائفة الاسماعيلية أو الأرثوذكسية أو السنّية...

إذاً، الديناميكيتان الأبرز في لبنان الآن، الأقدر على لعب أدوار مؤثرة على مستقبله، تتجسدان في قوتين غير متساويتين حيناً ومتعادلتين أحياناً: منابتها أصولية، يقودها "رجال دين"، تلحمها عصبية مذهبية، تدعمها جهات خارجية. الأولى، الشيعية، هي الأسبق، الأكثر انضباطاً وتنظيماً، الأكثر مركزية في القرار. الثانية، السنية، الناشئة، على الأقل في المشهد، العشوائية، المتعددة القيادة، التي تبدو كمن يلحق بالركب... الأولى كدّست السلاح بعدما جرّبته، فاعتبرت نفسها منتصرة، والثانية تظهر سلاحها في المهرجانات ولا أرقام دقيقة حول حجم ما تمتلكه منه. عصبية الأولى، الشيعية، أقوى من الثانية، السنّية. هذه الأخيرة موزّعة بين عدد من "الأمراء" وعدد آخر من القيادات السياسية؛ فيما الأولى أشدّ بأساً، ولحمة (منطق العصبيات الأقلوية والأكثروية).

لكن بالمحصلة، الاثنان مندمجان بالثورة السورية سياسياً وعسكرياً، خصوصاً عسكرياً. ولولا القرار الدولي، ومصدره الامبرياليات الغربية، بتجميد "الساحة" اللبنانية وبالنوم على حكومة "النأي بالنفس".... لكانت الحدود اللبنانية السورية مفتوحة على مصراعيها للمقاتلين من الجهتين. "هي الآن مفتوحة" قد يقول البعض. هي كذلك، نعم، ولكن ليس كما لو صارت لها قوانين وآليات وروايات، لو تقنّنت، كما تقنّن عيشنا تحت تهديد السلاح "الحزب اللهي"، والقائم على مبدأ "توازن الرعب" غير المتكافئ. الآن الثورة السورية غيرت هذا التوازن، استقوت بها العصبية السنية لتصرفها بـ"أئمتها" السلفيين.

لم يَعُد لبنان "ينتظر" كما فعل بعد انطفاء تظاهرات "إسقاط النظام الطائفي". باتَ جزءاً من الثورة، على طريقته. وإذا تقرر يوماً في الأروقة الدولية بإفلات حبل توتره المذهبي، المكتفي، حتى الآن، ببعض الحوادث الأمنية، فان إعادة تصديره اللاءات الثلاث، عسكرة وتطييفاً وتدخلاً، سوف يهدّد وجوده: فتح الحدود، أو بالأحرى تقنين وتنظيم خرقها ذهاباً وإياباً، سوف ينهي شيئاً اسمه الكيان اللبناني، كان إشكالياً قبل الثورة السورية... فما بالك، مع عسكرتها وتطييفها...؟

أفضل ما يمكن توقّعه من مآل للثورة السورية في لبنان هو اهتراء الدولة اللبنانية، نحو قاع أعمق، ترافقه جولات أمنية محدودة، نسبياً. أما الأسوأ، فانهيار لبنان واختلاط حدوده بالحدود السورية، وغلبة كل أنواع السلاح، القديم والجديد، المنظم والفوضوي، وتجذّر الأسس المذهبية للصراع، بل إضفاء الشرعية التامة على هذه الأسس... تلك "الفتنة" التي لا يكفّ أصحابها عن التحذير منها.

بكثير من الورع قال بعض "الحكماء" بأن تجنيب لبنان هذا المصير يمر بالتوقف عن المشاركة العسكرية بالقتال الدائر في سوريا؛ ومهما كانت طبيعة المشاركة، مع بشار أو مع الثورة. ويقترح هؤلاء "الحكماء" قصْر المواقف المتعارضة هذه على الجوانب الإغاثية والإعلامية. هل هذا ممكن؟ أم مجرد تعبير عن أمنيات؟

"الممكن" يعطي أملاً، يوسع الأفق. ربما من واجبنا التمسّك به. رغم القوة الجبارة التي تقف بوجهه. الممكن هذا، على تواضعه وقلّة عظمته، يتوسل نوعاً جديداً من المقاومة؛ مقاومة اليأس من المستقبل. مع الوعي المسبق بهزاله. فالسلاح وحده يتكلم في المعارك، ومعه العصبيات، العابرة للدول، الأقوى منها. ولبنان يمتلك كل شروط انفجاره. وإذا أفلت من المصير الكالح، عليه، مثله مثل أشقائه العرب، أن يعيد من الصفر بناء دولته. ولكنه لكي يفلت من هذا المصير، عليه أن يجمّد معضلته مع الثورة السورية، ويتوقف عن إعادة تصدير الثلاثي، عسكرة وتطييف و... الذي هو أساس "نموذجه".

مثل سحابة صيف، كل هذه الأمنيات "الممكنة"؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ