ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 20/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مقالات مختارة من الصحف العربية ليوم

19-03-2013

المواقف الدولية والوضع في سوريا

عمر كوش

المستقبل

19-3-2013

الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأميركية الجديد، جون كيري، إلى عدد من الدول الأوروبية والشرق أوسطية، لا تشير إلى تغير كبير في مواقف الإدارة الأميركية حيال الوضع في سوريا. ويبدو أنها لن تتخذ في المدى المنظور موقفاً حاسماً حياله، إذ ما زالت تفضل الحل السياسي، من دون أن تبذل جهداً لتحفيفه.

ويبدو أن أسباباً عدة تتحكم بمواقف الولايات المتحدة الأميركية، لعل أهمها هو موازنتها الثابتة ما بين مصالحها الاستراتيجية ومصالح حليفتها إسرائيل، حيث يمكن القول إن ما من شيء يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، إلا وكان هدفه ضمان أمن إسرائيل ومصالحها، بوصفه العامل الرئيس والمحدد للتحرك الأميركي في المنطقة، لذلك لم يكن عبثاً عندما ربط أحد رموز النظام السوري (رامي مخلوف) ما بين أمن إسرائيل وأمن النظام السوري. كما أن هناك من الساسة الأميركيين من ينظر إلى الأزمة السورية، بوصفها عامل استنزاف للنظام السوري وللنظام الإيراني الداعم له، عسكرياً ومادياً وسياسياً، وبالتالي يمكن أن نفهم في هذا الإطار سعي الإدارة الأميركية من أجل إبقاء الأزمة ضمن الحدود السورية، ومنعها من أن تفيض على دول الجوار، وبالأخص على إسرائيل، ونفهم كذلك امتناعها عن تزويد المعارضة السورية بالسلاح وبالمال، خوفاً من أن يصل السلاح إلى أيدي مجموعات يمكنها أن تهدد مستقبلاً أمن إسرائيل. وهو أمر أفصح عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في أكثر من مناسبة. وفي السياق نفسه تدرج مواقف سائر الدول الأخرى، المسماة "مجموعة أصدقاء سوريا"، التي يقيدها الموقف الأميركي، حيث لم ترتقِ نتائج مؤتمر روما الذي عقدته إلى مستوى ما تطلبه وتتمناه المعارضة السورية، واكتفت بتقديم مساعدات "غير قاتلة" للثوار، بما يفضي إلى توريد عربات مدرعة و"معدات عسكرية غير فتاكة"، وتقديم مساعدة فنية "للجيش السوري الحر"، شريطة أن توجه لحماية المدنيين. في حين أن الولايات المتحدة الأميركية أعلنت، على لسان وزير خارجيتها، جون بايدن، تخصيص 60 مليون دولار، تقدم مباشرة "للمجموعات المسلحة المعتدلة"، على شكل مساعدات "غير قاتلة".

وتلتقي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الإدارة الروسية في تفضيل الحل السياسي، مع فارق أن الساسة الروس يريدون تسوية، تبقي على النظام بكافة رموزه، مع القيام بخطوات إصلاحية على الطريقة الروسية المافيوية. كما تلتقي معها في تخوفها من صعود دور المجموعات الإسلامية المتطرفة، مثل "جبهة النصرة"، التي اعتبرها تنظيماً إرهابياً، لكن الإدارة الروسية تغلف معاداتها للثورة السورية بأغلفة متعددة، ولا ترى فيها سوى مؤامرة، هدفها إسقاط النظام، وبناء دولة إسلامية، ويقوم بها متشددون ومتطرفون.

ولا شك في أن الساسة الروس، ومعهم ساسة دول كثيرة، لا ينظرون إلى الثورة السورية، بوصفها قضية عادلة، لأنها ثورة شعب على نظام ديكتاتوري، عدوها الأول هو النظام، وباتت ثورة يتيمة، أو ثورة "مقطوعة من شجرة"، أي ليس لها من داعم حقيقي سوى أبنائها، في حين أن النظام يلقى دعماً وإسناداً غير محدودين من طرف قوى دولية وإقليمية، وبخاصة من طرف روسيا، لذلك لا يتحدث رموز النظام الروسي شيئاً عن دعمهم، المتعدد المستويات، للنظام السوري، الذي يشن حرباً شاملة على الثورة وناسها، مارس فيها أبشع الممارسات والانتهاكات، وأطلق العنان لكل ممكنات التطرف ولمختلف النعرات.

ولعل دفاع النظام الإيراني عن النظام السوري، ورهانه عليه، يعكس طبيعة تركيبة النظام الإيراني، ويضيف خصوصية إلى خصوصيات الثورة السورية، التي لا تتلخص في مواجهة نظام دموي له امتداداته الإقليمية والدولية، بل يجسدها ارتباط النظام الأسدي بشبكة تحالف صلبة، ذات نسيج مذهبي في الظاهر، باطنها يخفي أهدافاً متعددة، لا يحصرها الحفاظ على تركيبة الأنظمة والقوى الميليشياوية، بل تمتد إلى تأبيد وتأليه رموزها، ومصادرة حقوق العامة واحتلال الفضاء العام، وبسط هيمنات وأجندات، وسواها. وتمتد خيوطها من طهران مروراً ببغداد ودمشق، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، وتفسر الحيثيات التي تجعل نظام إيران الإسلامي يخوض معركة مكلفة، دفاعاً عن رصيفه السوري، حيث كشفت إرهاصات معركة الدفاع عن النظام الأسدي التي يخوضها النظام الإيراني منذ بداية الثورة، عن مضمرات، ما كانت لتظهر، لولا إحساس بعض ساسة النظام الإيراني وملاليه، بأن النظام الأسدي بات في حكم الماضي، ويعيش مرحلته الأخيرة، الأمر الذي أخرجهم عن طورهم الهادئ أو الناعم، وكشف ملامح مشروعهم القومي، وبالتالي لم تك زلّة لسان ما تحدث عنه مهدي طائب، واعتبر فيها أن سوريا بالنسبة إلى المشروع الإيراني هي المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثون، وأنها تكتسي أهمية أكبر من أهمية عربستان (خوزستان) بالنسبة إلى ملالي إيران.

وبصرف النظر عن أهمية المواقف الدولية، والموقف الأميركي تحديداً، إلا أن العامل الحاسم والمحدد لاتجاهات حلّ الأزمة السورية، هو الثورة الشعبية السورية، التي باتت تتحكم قواها الفاعلة في تطور الأحداث بشكل كبير، وأضحت سرعة الخلاص من نير الاستبداد والقتل مرهونة بتلاحم وتكاتف جهود مختلف قواها الفاعلة على الأرض.

===================

لبنان: الانفجار... إلا إذا...

علي حماده

2013-03-19

النهار

أثبتت حادثة الاعتداء على المشايخ السنة الاربعة في مناطق سيطرة الثنائي الشيعي "حزب الله" وحركة "أمل"، وتداعياتها على مناخات البلد، اننا بتنا على شفير انفجار كبير في البلد، وان انعكاسات الازمة السورية على لبنان، مضافاً اليها الوضع الذي نشأ في كانون الثاني ٢٠١١ مع اسقاط حكومة سعد الحريري بالطريقة التي نعرفها، ومعها "اتفاق الدوحة"، اوصلت لبنان الى مرحلة صارت فيه اقل حادثة منطلقا لشرّ مستطير. وما عادت كل المعالجات الترقيعية بكافية لحماية لبنان من ذلك "الشر المستطير". والحال ان الاحتقان السني - الشيعي وصل الى اعلى الدرجات، الامر الذي يتطلب مسارعة الاطراف جميعاً الى "تسوية" مرحلية جدية تسحب الاحتقان من الشارع، وتمنع الازمة السورية من التمدد الى الداخل اللبناني بهذه الطريقة.

نقول هذا ويقيننا ان ثمة مصلحة كبيرة للنظام في سوريا لاشعال لبنان، وفي المقابل ثمة مصلحة لـ"حزب الله" والايرانيين من خلفه للابقاء على الوضع الشاذ القائم هنا كما هو، على أساس جعل لبنان ساحة لتعويض الخسارة الكبيرة في سوريا. ان النظام في سوريا زائل مهما صار، ومهما فعل الايرانيون ومعهم الروس، و"حزب الله" المارد في لبنان لا يعدو كونه قزما في الساحة السورية. واذا ما استمر في التورط في القتال فيها، فإنه سيغرق في رمال متحركة ويغرق معه الشيعة اللبنانيين في مستنقع لا فكاك منه، إلا بمزيد من النعوش و"التوابيت" التي ستتوزع على جميع قرى الديموغرافيا الشيعية، من الجنوب الى البقاع مرورا بالضاحية الجنوبية لبيروت.

 لا أمل بإنقاذ بشار الاسد، فما من قوة يمكنها الانتصار على الديموغرافيا السورية المعادية للنظام، والمعادية لايران ولـ"حزب الله". وكلما طال الوقت وازداد التورط في قتل السوريين على أرضهم، سترتفع احتمالات ان يذبح هؤلاء الذين يتوهمون انهم لا يهزمون وانهم فوق البشر. وحدها تسوية سياسية جدية تمنع الانفجار المرتقب والذي لا يعترف أطرافه بموازين القوى الموروثة عن غزوات "حزب الله" في ٧ أيار ٢٠٠٨، تسوية يكون حدها الادنى عودة موقتة الى "اتفاق الدوحة" وتطبيق جميع بنوده بحذافيرها، بدءا من تشكيل حكومة وحدة وطنية سياسية برئاسة سعد الحريري تعيد شيئا من التوازن الى المشهد السياسي المذهبي في لبنان الذي فقد نهائيا يوم توهم "حزب الله" انه قادر على السيطرة على البلاد وحكمها بالقوة وحدها. واذا نظرنا الى بنود "اتفاق الدوحة" وجرى تنفيدها بأمانة ودقة، ربما، أمكن تجنيب البلاد الانفجار. في الأساس، اعتبرنا "اتفاق الدوحة" سيئا لأنه يجوف اتفاق الطائف بمنح الثنائي الشيعي فيتو على الحكم، ولكن هذا هو الممكن الوحيد الذي لا يكسر احدا، بل يعيد بعضا من التوازن الى البلد، وإن مرحليا.

سيكون"حزب الله" واهما اذا اعتقد انه قادر على ترهيب كل الناس، فمع الوقت، ستنشأ "حالات" ما من شيء يرهبها، لا موازين القوى ولا الصواريخ. يكفي ان نتعلم من سوريا كيف ينتهي الاحتقان الى كسر حاجز الخوف من القوة، وكيف يصير الخائف نمرا لا يهاب ذئاب التسلط والظلم. فاعقلوا وتعقّلوا.

 

===================

 عارٌ وعيب ولا يجوز!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

19-3-2013

قد يكون بعض التذمُّر مقبولاً بالنسبة لتزايد أعداد اللاجئين من الأشقاء السوريين الأعزاء فعلاً أمَّا الإستهداف وعلى هذا النحو الذي نسمعه وإنْ من فئة قليلة فإنه مستغرب جداً من قبل الأردنيين الذين هم «شوامٌ» بالمصطلحات الجغرافية القديمة والذين بلدهم، المملكة الأردنية الهاشمية، جزءٌ من سوريا الكبرى بالفعل، والذين هم قبل هذا وذاك عربٌ أقحاح يعتزون بإنتمائهم القومي وقد بقوا يستقبلون أشقاء لهم ما يلبثوا أنْ أصبحوا جزءاً منهم على هذا الأساس.

إنَّ من إستقبلوا أشقاءهم الذين جاءوا إليهم إنْ من الغرب وإنْ من الجنوب والشرق والذين كوَّنوا معهم هذا المجتمع التعددي الموحد الفعَّال والبنَّاء والجميل لا يجوز إطلاقاً ان تضيق صدورهم بأقرب العرب إليهم وبخاصة وأن هؤلاء قد أُجبروا تحت ضغط قذائف المدافع وهدير الطائرات وفضائع «الشبيحة» الطائفيين على الإحتماء بهذا البلد وعلى العيش الصعب في هذه المخيمات المزرية التي هي مؤقتة على أيِّ حال فالفرج بات قريباً بإذن الله.. ولهذا فإنه يجب عدم السماح لقلَّة موتورة أن تجعل التاريخ يسجل على الشعب الأردني أنه لم يرحِّب بمُستجير وأنه لم يتقاسم لقمة العيش وقطرة الماء مع إخوة ساقتهم الأقدار إلى هذا الوضع المأساوي الذي فُرض عليهم فرضاً الذي أصبحوا عليه.

إنه لا جدال إطلاقاً في أنَّ كل هذه الأعداد المتزايدة، من الذين يفرون يومياً بأطفالهم وكراماتهم وأعراضهم وأرواحهم من بطش نظام إستبدادي عائلي ظالم، قد تجاوزت طاقة الأردن ومقدرته لكن ما العمل وهذا هو قدرنا وهذه هي رسالتنا وهذا هو دورنا القومي الذي بقينا نلتزم به.. وهل من الممكن يا ترى أن نقبل أن يُسجِّل جيلنا هذا على أبنائنا وأحفادنا أنَّ آباءهم وأجدادهم قد أغلقوا الأبواب في وجوه أقرب الأشقاء وأعزهم الذين لم يجبرهم على المرِّ إلاَّ الذي أمرَّ منه والذين، وقد باتت سوريا الحبيبة تغرق في بحور من الدماء على هذا النحو المؤلم والموجع، كان خيارهم الإحتماء بهذا البلد وأهله لإعتبارات كثيرة أولها أواصر القربى وواجبات الجوار.

ولهذا فإنه على الأردنيين أن يلفظوا هذه القلَّة الرديئة التي إمَّا لجهل أو قلة أخلاق أو لإنحياز إلى جانب الجزار ضد الضحية قد دأبت على الإساءة لهؤلاء الأشقاء والتشنيع عليهم وإلصاق تهم غير صحيحة بهم..وهذا غير جائز ويجب التصدي له بكل جرأة وشجاعة وهنا فإنه علينا أن نفاخر بقواتنا المسلحة-الجيش العربي التي بقيت وعلى مدى عامين تواصل الليل بالنهار وتتحمل ما لم تتحمله رواسي الجبال من أجل توفير الملاذ الآمن لأطفال هم أطفالنا ولأمهات وبناتٍ هنَّ أمهاتنا وبناتنا قد جار عليهم الزمن ولم يجدوا ما يستجيرون به إلاَّ هذا البلد العربي الذي هو بلدهم وإلاَّ هذا الجيش العربي الذي هو جيش الأمة العربية.

إننا بحكم تكوين بلدنا وبحكم تكويننا العربي وبحكم أواصر الدم والقربى وبحكم القيم الإنسانية التي نتمسك بها وبحكم اننا غير محكومين بمليشيات حزب كحزب الله اللبناني على أن لا نقتدي بمن هددوا بإغلاق حدودهم أمام أخوة وأشقاء بحجة أن أعدادهم قد تجاوزت الأرقام المحتملة.. فهل المطلوب يا ترى أن نردهم على أعقابهم ونسلم أجسادهم وأجساد أطفالهم لشظايا القنابل والصواريخ ونسلم كرامات بناتهم لفضاعات «الشبيحة» المتوحشين.. أمْ أنْ نجبرهم تحت ضغط هذا كله على الإحتماء بالإسرائيليين واللجوء إليهم لتحقيق نبوءة الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب الذي قال في ستينات القرن الماضي:

أأمتـي يا شمـوخ الرأس متلعـة

من غلَّ رأسك في الأوحال والركب

أأنت أنت أم الأرحام قاحلة

وبدَّلت عن أبي ذرٍّ أبا لهب

لا يجوز أن يُسجَّل على الأردنيين أنهم سمحوا بالإساءة إلى هؤلاء الأشقاء الأعزاء الذين جاءوهم مستجيرين وفارين بأرواح أطفالهم وكرامات بناتهم ونسائهم وهنا وإذا كانت بين ظهرانينا إمتدادات فردية لـ»شبيحة» هذا النظام المجرم هي التي تسيء لأخواننا من أبناء الشعب السوري هؤلاء فإنه علينا أن نضرب على أيديهم بيد من حديد لنجبرهم إما على الإلتزام بقيم الشعب الأردني وإمَّا على الإلتحاق بمليشيات حزب الله وفيلق القدس للقتال في أنْذل المعارك التي عرفها التاريخ.

===================

قضية التمثيل في الجامعة العربية

تاريخ النشر: الثلاثاء 19 مارس 2013

د. أحمد يوسف أحمد

الاتحاد

تناولت في المقال السابق أعمال الدورة الـ «139» للمجلس الوزاري للجامعة العربية، التي انعقدت في 6 مارس الجاري بمدينة القاهرة. كان موضوع المقال هو موقف المجلس من «قضية العرب الأولى» والتي لم تد كذلك نتيجة متغيرات ألمت بالوطن العربي منذ ثمانينيات القرن الماضي. غير أن ثمة موضوعاً بالغ الأهمية لم تتسع له سطور المقال السابق، وإن كانت أهميته تفرض ضرورة تناوله قبل أن يخفت الاهتمام به، والموضوع ببساطة يتعلق بقضية تمثيل الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وقد كان نصيب الدورة الـ «139» من هذه القضية متعلقاً بقضية تمثيل سوريا التي كانت قد جُمدت عضويتها في عام 2011 كرد فعل من الجامعة على العنف المفرط الذي وظفته قوات النظام ضد معارضيه أسوة بما تم قبل ذلك مع ليبيا في ظل ظروف مشابهة. وانتصرت الثورة في ليبيا فشغلت حكومة الثورة مقعد ليبيا على الفور، واستمر الوضع على ما هو عليه بالنسبة لسوريا، فبقي التجميد قائماً حتى انعقاد الدورة الأخيرة للمجلس الوزاري الذي قرر منح «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» مقعد سوريا في الجامعة شريطة تشكيل هيئة تنفيذية تمثله، وكان مفهوماً في المؤتمر الصحفي الذي انعقد بعد انتهاء أعمال المجلس أن «الائتلاف» يستطيع إن فعل أن يحضر قمة الدوحة في أواخر هذا الشهر باعتباره ممثلاً لسوريا، كما فهم من تصريحات وزير الخارجية المصري ورئيس الدورة أن هذا الوضع سيبقى إلى أن يتم تشكيل حكومة منتخبة في سوريا.

صوّت العراق والجزائر ضد القرار، ونأى لبنان بنفسه عن التصويت أصلاً، غير أن ما يعنيني أن القرار يقدم حالة جديدة لقضية تمثيل الأعضاء في الجامعة، وهو أمر يختلف عن تعليق عضوية دولة بالجامعة نتيجة إقدامها على سلوك يتنافى مع مألوف سلوك الجامعة وأعضائها، كما حدث بالنسبة لمصر عقب عقدها معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979. هنا لا تثور قضية التمثيل لأن سلوك الحكومة المصرية لم يؤد إلى معارضة منظمة قوية -ناهيك عن أن تكون مسلحة- تنازع النظام شرعيته، ولذلك بقي تعليق عضوية مصر قائماً حتى قررت القمة العربية في المغرب في عام 1989 إنهاءه، ولكن سجل الجامعة عرف عدداً من حالات تمثيل الدول الأعضاء عكس نوعاً من التباين في المعايير.

ولعل أكثر الحالات تعقيداً فيما يتعلق بتمثيل دولة عضو في الجامعة العربية قد واجه الجامعة في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003. بداية فإن عضوية الجامعة حق للدول المستقلة، ومن ناحية ثانية فمن المعروف وفقاً لمبادئ القانون الدولي أن الاحتلال لا ينشئ وضعاً قانونياً يجب ما قبله، بدليل أن القمة العربية في القاهرة التي عقدت في 8 أغسطس عام 1990 للنظر فيما يمكن فعله إزاء الغزو العراقي للكويت قد حضرها ولي العهد الكويتي قبل الاحتلال، وليس أي ممثل للأوضاع التي نشأت بعده، ويعني ما سبق كله أن نظام صدّام الذي أسقطه الاحتلال كان هو صاحب الحق القانوني في تمثيل العراق، غير أن هذا النظام كان قد تبدد عند حلول موعد انعقاد أول دورة للمجلس الوزاري لجامعة الدول العربية بعد الاحتلال، وكانت في سبتمبر عام 2003، ولذلك لم يظهر أحد ينتمي لذلك النظام يطالب بتمثيل العراق، بل على العكس كان الحاضر هو هوشيار زيباري وزير خارجية العراق في الحكومة التي شكلها مجلس الحكم الانتقالي في العراق، والذي كان يأتمر بأوامر بول بريمر الحاكم الأميركي المدني للعراق، وبطبيعة الحال فإن زيباري كان قد جاء مطالباً بمقعد العراق في الجامعة العربية بحثاً عن شرعية عربية لحكومته.

كان في مقدور دول الجامعة أن ترفض تمثيل العراق بحكومة تكونت في ظل احتلال عسكري استناداً إلى المبادئ المستقرة للقانون الدولي، وفي هذه الحالة كانت أي جماعة مقاومة للاحتلال تستطيع أن تطالب بوضع المراقب الذي يشارك في المداولات دون أن يكون له حق التصويت، غير أنه من الواضح أن عديداً من الدول العربية كان سعيداً باختفاء نظام صدّام، كما أن تمثيل مقاومة الاحتلال في الجامعة بوفد مراقب كان من شأنه أن يغضب الإدارة الأميركية، ولم يكن هذا وارداً لدى الدول العربية التي كانت تدرك جيداً أن الوضع الاستراتيجي في المنطقة قد تغير جذرياً بعد الاحتلال الأميركي للعراق، ولذلك كان من شأن إغضاب الإدارة الأميركية أن يحدث لهذه الدول ما لا تُحمد عقباه، أي أن القرار كان «سياسياً» ولم يكن «قانونياً». وفي هذا الإطار «السياسي» لحل قضية تمثيل العراق كان من الممكن لجامعة الدول العربية أن تجامل الحكومة العراقية تحت الاحتلال بأن تعطيها هي دون غيرها وضع المراقب وليس مقعد العراق، غير أنه كان واضحاً أن النهج «السياسي» قد استمر فاختارت الدول الأعضاء في الجامعة حلاً غريباً لا أساس له من القانون، وهو أن تعترف «مؤقتاً» بالحكم الجديد -وكثيراً ما قيل إن أكر الأشياء دواماً هي المؤقتة- ومن ثم تعطيه مقعد العراق على أن يأتي ممثل العراق الجديد في الدورة التالية للمجلس ومعه وثيقتان الأولى تتعلق ببناء العملية الديمقراطية في العراق وآفاقها، والثانية تتضمن جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأميركية من العراق، وحين حل موعد تلك الدورة في مارس عام 2004 لم يأت ممثل العراق معه بأي شيء، ولم يحدث أدنى تغيير في موقف الدول الأعضاء بالنسبة لتمثيل العراق، وعندما ذكَّر أحد الصحفيين الأمين العام السابق بقرار المجلس الوزاري في سبتمبر عام 2003 أجاب بأن الدول الأعضاء ثابرت على موقفها بشأن تمثيل العراق دون أن يعترض أحد.

أما شغل مقعد سوريا فهو أمر مختلف في طبيعته، لأننا إزاء حرب أهلية وليس عدواناً خارجياً، وكانت الدول الأعضاء في الجامعة تستطيع ببساطة أن تقول إن شغل مقعد سوريا ليست له أولوية الآن. صحيح أن الجميع يتمنى للثورة السورية أن تنتصر، ولكن الموقف لم يُحسم بعد، ومرة ثانية كان يمكن للمجلس الوزاري أن يعطي الائتلاف الوطني السوري وضع المراقب، وكان من شأن هذا الوضع أن يؤدي إلى النتيجة نفسها طالما أن النظام الحالي غير ممثل في اجتماعات الجامعة، وبهذا كان بمقدور المجلس الوزاري أن يضرب عصفورين بحجر واحد دون شبهة خروج على صحيح القانون. ومن ناحية ثالثة يعلم الجميع أن فصائل المعارضة والثورة في سوريا تنتمي إلى كافة ألوان الطيف السياسي، ولا يدري المرء هل سبقت هذا القرار دراسة انتهت إلى أن الائتلاف الوطني سيكون معبراً عن هذه الألوان جميعها بحيث لا يواجه تحديات من أحد، لأن الخشية أن نتصور أن قراراً كهذا أوجد حلاً لقضية شغل مقعد سوريا في الجامعة العربية بينما يمكن أن تتحول المسألة إلى صراع على هذا المقعد بين فصائل مختلفة يضر كثيراً بالثورة السورية.

تبدو قضية تمثيل الأعضاء في الجامعة معقدة في بعض الأحيان، غير أن ما لا يدركه البعض أن النهج «القانوني» في التعامل مع هذه القضية أفضل بكثير من النهج «السياسي» الذي يمكن أن يريحنا الآن لكنه قد يفضي إلى مزالق خطيرة في المستقبل غير البعيد.

===================

الانتفاضة السورية والسياسة

تاريخ النشر: الثلاثاء 19 مارس 2013

د. طيب تيزيني

الاتحاد

في مثل هذه الأيام قبل عامين منصرمين خرجت جموع الشباب من مختلفي الأعمار وببعض المدن السورية، لنواجه مشهداً متعدد الدلالات، من هذه الأخيرة تبرز دلالتان اثنتان، تقوم أولاهما على الإيحاء بأن ذلك المشهد أوقع بعض الخارجين والمراقبين المدققين في لحظة من الذهول «المستغرب»: مَنْ هم هؤلاء الذين يسيرون في الشوارع؟ هل هم من فصيل ما اعتاد الناس أن يروهم؟ جمع من السائرين في «مسيرة شبيبة نسبة إلى منظمة شبيبة الثورة أو شبيبة الأسد، أم في مسيرة طلائعية (نسبة إلى منظمة الطلائع البعثية)؟ أم أن الأمر يحتمل تصوراً آخر، هو «تظاهرة احتجاجية»؟! وكان على الناس أن يدققوا، حتى وصلوا إلى القول بأنه حقاً «تظاهرة»، ذلك أن هذه الظاهرة بدأت تفقد احتمال ظهورها في سوريا، منذ تأسست الوحدة بينها وبين مصر عام 1958، وبعد تكريسها قانونياً من خلال قانون الطوارئ الذي صور في سوريا بعد الانفصال عن مصر عام 1963.

منذ ذلك العام، كان تكريس القانون المذكور قد جاء نتيجة الانقلاب العسكري، الذي قام به حزب «البعث». لقد غابت السياسة بعد ذلك حتى يومنا هذا، حيث حلّ محلها نظام أمني استوفى شروطه في سنوات لاحقة، خصوصاً بعد تسلّم السلطة من قِبل حافظ الأسد عام 1970، والآن ومع بداية الانتفاضة الثورية في سوريا، وجد المنتفضون أنفسهم خاليي الوفاض، إلا من حماسة متدفقة تحميها وتطورها منظومة الحرية والكرامة والعدالة، لكن ظهر في سباق الشعارات التي راح يطلقها أولئك، غياب ملحوظ لخطاب سياسي ناضج، ومن أين لأولئك بهذا، بعد أن سحبها ذلك النظام الأمني من المجتمع السوري، وكرّس بدلاً عنها مجموعة مظاهر على رأسها «الرياضة العابثة»، و«رياضة الكرة»، منها في مقدمتها، بعد أن ألفها الناس: الرشوة وما يتصل بها راشياً ومرتشياً، وغيرها، ولكن قبل ذلك تعميم أجهزة الأمن وجعلها شاملة الحضور والفعل.

واكتملت المسألة مع إفساد دون استثناء، للقضاء الذي تحولت أمكنته إلى مراكز مخابراتية أو ملحقات بمثل هذه المراكز، تُصفى فيها الحسابات مع المواطنين المدانين تحت الطلب. ذلك كله، ومعه ما مر مظاهر الثقافة والتعليم والتحديث، أنتج وعياً بالبؤس والعار والهزيمة، مما جعل الأمر هذا طبيعياً في نظر جموع الفقراء والمفقرين والمذلين والمراقبين الآخذين في التنامي، وإذا كان الوضع قد بلغ تلك الدرجة من اليأس وافتقاد الأمل، فإن سؤالاً كبيراً ومركّباً أخذ يفرض نفسه على الناس بأشكال شتى، من مثل الشكل التالي: هل إن ما يُصيبنا يمثل قدَراً مطلقاً؟ أم إنه قابل للمواجهة، وفق «جدلية العين والمخرز»؟ كان عنصر الشباب، ذكوراً وإناثاً، قد أخذ يتحول إلى حالة تتأرجح بين الأمل في الاستمرار وبين الانكسار أمام أخطبوط «دولة أمنية» تلتهم الأخضر واليابس، وهنا ظهرت مواقف ساذجة مرة وخاطئة خطِرة أحياناً، مثل ترنيمات وهتافات ذات طابع وطني مدني.

وقد نسجل هنا بعض ما يُفرزه مثل هذه الحال، لتظهر أمامنا صيغة من صيغ الهزل أو الخداع التاريخي، وذلك حين خرج الشباب بشعارات كان النظام الأمني قادراً على اللعب عليها، لو لم يلجأ إلى أسوأ الحلول والرهانات، نعني رهان المواجهة العسكرية المباشرة، لقد استخدم الرصاص، يداً بيد مع رؤية انتقامية متوحشة، وربما كذلك طائفية، فدلل بذلك على غباء تاريخي ونظري ومنهجي فظيع في قسوته، لقد أخطأ في قراءة الحدث، مَسوقاً بوهم تكون في أوساطه، هو التالي: إما الأسد، وإما نحرق البلد، ها هنا نتبين درجة مكر التاريخ السوري، الذي لم يُتح لـ«السياسة» أن تكون على الأقل إحدى رهانات الحل، فحصد ما زرع، ولذلك، فإن المقولة الحاسمة في سلوك النظام الأمني، أكملت ما كان عليه أن يحدث، تعبيراً عن قصوره التاريخي الكارثي الفظيع، أما المقولة فهي هذه التي نعيش سقوطها المدوي راهناً: إن أقل ما يقبل به ذلك النظام الفاشي إنما هو كل الأشياء، فإما هذا، وإما ذاك.

الثورة السورية تجد نفسها، والحال كذلك، أمام مهمات عظمى، خصوصاً في المرحلة القادمة، أي المرحلة الانتقالية، فمهمة إنتاج مجتمع مدني ديموقراطي تدخل في حال التأسيس بعد الدمار الإجرامي، كما تستمر في مرحلة استعادة السياسة كمنظومة ديموقراطية وبرلمانية ناظمة تتحقق بمشاركة الجميع.

===================

كيف ولدت فكرة مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري»؟ ولماذا أخفق؟

رضوان زيادة *

الثلاثاء ١٩ مارس ٢٠١٣

الحياة

دائماً كان يقال عندما تطول الأزمات السياسية تتعقد الحلول، وهذا ينطبق تماماً على الثورة السورية، فالثورة التي انطلقت من درعا مطالبة بإسقاط النظام ثم امتدت إلى كل المدن والمحافظات السورية تدخل عامها الثالث من دون أية استجابة من قبل الأسد للمطالب الشعبية، بل إنه يعيش في عالمه الخاص وازداد شراسة مع استخدام كل أنواع الأسلحة الثقيلة بما فيها البالستية المصنفة كأسلحة دمار شامل واستخدام الطيران الحربي لقصف المناطق المدنية المحررة التي خرجت من تحت سيطرته.

وفوق ذلك يترك سورية على بركان من الحقد والانتقام والكراهية بعد أن كانت الثورة السورية نجحت في خلق شعور توحيدي بين كل مكونات الشعب السوري بشكل لا مثيل له، لكن سورية اليوم بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قبل قوات الأسد تكاد تكون على حافة حرب أهلية حيث تمعن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في التحريض الطائفي والمناطقي بقصد تفتيت وحدة السوريين وتأليبهم ضد بعضهم البعض بما يضمن استمرار النظام وهو ما أصبح من المستحيلات.

وأمام التفوق النوعي بين قدرات جيش الأسد الذي يتلقى الدعم والسلاح من إيران وروسيا وقدرات «الجيش السوري الحر» أصبح من الواضح أن لا إمكانية لأي حوار مع الأسد وأصبح الخيار الوحيد أمام السوريين هو دعم «الجيش الحر» ومعاضدته بالتدخل الدولي عبر ضربات جوية مستهدفة أو فرض حظر جوي جزئي يمنع الأسد من استخدام سلاح الطيران من أجل قلب توازن القوى لصالح الثورة السورية.

لكن فرض كل هذه الإجراءات يحتاج إلى غطاء قانوني دولي عبر مجلس الأمن، غير أن هذا المجلس وبعد مرور أكثر من عامين كان عاجزاً تماماً عن إصدار قرار واحد حتى لإدانة العنف المستمر الذي تقوم به الحكومة السورية حيث استخدمت روسيا الفيتو مرتين خلال أقل من عام من أجل حماية النظام السوري، وبذلك أصبح من الضروري التفكير في الخيارات الأخرى التي يجب اتباعها من أجل حماية الشعب السوري، عبر بناء تحالف دولي يكون إطاراً دولياً للتدخل من خارج إطار مجلس الأمن وهو ما جرى في حالات مشابهة في كوريا في الخمسينات من القرن الماضي أو في البوسنة والهرسك في التسعينات حيث كان مجلس الأمن عاجزاً تماماً عن اتخاذ القرارات الخاصة بحماية المدنيين بسبب الفيتو الروسي أو السوفياتي سابقاً، ولذلك أتت فكرة تأسيس ما أطلق عليه «أصدقاء الشعب السوري». كانت الفكرة تراود المعارضة منذ بداية الثورة وقد أثرتها في كل لقاءاتي الرسمية مع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين خلال فترة وجودي في «المجلس الوطني» السوري، لكن كانت الولايات المتحدة تقول إن إنشاء تحالف في تلك الفترة قد يفزع روسيا التي تتذرع دوماً وتقول بأن الغرب يريد أن يكرر في سورية ما عمله في ليبيا ولذلك يجب أن لا نعطي حججاً إضافية لروسيا في موقفها الرافض في مجلس الأمن.

استمر الأسد في حربه الدموية ضد الشعب السوري واستمر مجلس الأمن في انقسامه، ومع اجتماعه الثاني من أجل الموافقة على مشروع القرار الأميركي الأوروبي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١ بناء على طلب جامعة الدول العربية كانت لنا اجتماعات مع المندوبين الدائمين في مجلس الأمن وبخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا، وكان التهديد باستخدام الفيتو مجدداً من قبل روسيا ماثلاً في كل الاجتماعات الماراتونية التي عقدناها، ولذلك كان السؤال: ما هي البدائل؟ وهل يعقل أن يترك المجتمع الدولي السوريين وحدهم ولمصيرهم؟ وهنا طرحت فكرة التحالف الدولي مجدداً عبر تأسيس ما يسمى «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» بهدف جعله بديلاً عن مجلس الأمن المعطل بسبب الفيتو الروسي. وهنا كانت فكرتي أن تكون المعارضة السورية ممثلة بـ «المجلس الوطني» على المستوى الرسمي وليس كما كان في مجموعة الاتصال من أجل ليبيا حيث لا حضور للمجلس الانتقالي الليبي، وهو ما يعتبر تعزيزاً لشرعية المعارضة وعزلاً تاماً للأسد وفعلاً راقت الفكرة للدول الغربية وأعلن عن اللقاء مباشرة من قبل الرئيس الفرنسي ثم مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس.

عقد المؤتمر الأول لأصدقاء الشعب السوري في تونس في شهر شباط (فبراير) ٢٠١٢ بعد استخدام الفيتو الروسي في مجلس الأمن حيث شارك ممثلون عن أكثر من ست وخمسين دولة على مستوى وزراء الخارجية، وتركز على تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية للشعب السوري بعد منعها من قبل نظام الأسد وعصاباته، ولكن بسبب غياب أجندة واضحة محددة للمؤتمر فإن الآمال المعقودة عليه لم تكن بحجم التوقعات، ولذلك توجهت الأنظار إلى المؤتمر الثاني الذي عقد في إسطنبول والذي كان الأمل منه أن يشكل نقطة انطلاق وتحول في الأزمة السورية عبر تحقيق التدخل الدولي الضروري لإنقاذ الشعب السوري عبر فرض المناطق الآمنة وهو ما أعلن رئيس الوزراء التركي أن الحكومة التركية تدرسه، فإذا اتخذ قرار على مستوى دول أصدقاء الشعب السوري فإن ذلك سوف يعطي غطاء للتحرك الدولي ضد الأسد ويشجع الحكومة التركية على تطبيق المناطق الآمنة وحمايتها على طول الحدود التركية السورية داخل الأراضي السورية، وهو مطلب طالما طالب الثوار به وأصبح يشكل أولوية لحماية «الجيش السوري الحر» وتشجيع المزيد من الانشقاقات داخل جيش الأسد.

لكن ذلك لم يحصل بسبب غياب الإرادة الدولية وأهمها الموقف الأميركي الذي ثبت على مدى أكثر من عام ونصف على فكرة زيادة المساعدات الإنسانية وتشديد العقوبات. بعد ذلك تكرر المؤتمر في فرنسا ثم المغرب وبعدها في إيطاليا من دون أن تخرج أية قرارات ذات معنى ومع غياب تام للآليات التنفيذية التي تحول القرارات إلى أفعال، وهو ما أفقده مصداقيته في عيون السوريين الذين لم يجدوا فيه سوى مهرجان خطابي للتأييد المعنوي لا أكثر، مقابل ما يشهدونه يومياً من تصعيد النظام في استخدام الأسلحة الثقيلة ضدهم وقتلهم بالمئات يومياً، ولذلك يجب أن يعود هذا المؤتمر إلى الهدف الأساسي الذي أسس من أجله وهو التدخل الدولي لحماية المدنيين السوريين. فليس السوريون اليوم بحاجة إلى مزيد من بيانات التأييد والتعاطف والدموع.

===================

شعور بشار وشعرة معاوية

مشاري الذايدي

الشرق الاوسط

19-3-2013

جانب كبير من الاهتمام الذي يوليه العرب لمأساة الشعب السوري، هو لما تمثله سوريا وعيون مدنها الكبرى، دمشق وحلب وحمص وحماه، وغيرها، من أثر في وجدان الثقافة العربية والإسلامية.

إنه ليس مجرد اهتمام أخلاقي ومعنوي مع المأساة اليومية لناس «الشام»، مع توفر هذا الأمر، لكنه تضامن مع الذات والذاكرة والوجود نفسه.

اللغة والأشعار، والأمثال، والفرق، والفقه، واللاهوت، للشام فيها نصيب كبير وغزير.

التاريخ والوقائع والفصول، والمعارك، والشخصيات، اليرموك، الأردن، مؤتة، حطين، عين جالوت، ميسلون، كلها شام.

صلاح الدين، نور الدين، النووي، ابن قدامة، ابن تيمية، ابن عربي، المعري، ابن عساكر، مكحول، الأوزاعي، ياقوت، أبو تمام، سيف الدولة، ومعاوية وهشام وعمر بن عبد العزيز، كلها أسماء منقوشة على جدران الهوية العربية والإسلامية.

لا تستهن بما تمثله هذه القيم والمجازات من تأثير وتحريك للعاطفة، فالعاطفة، في نهاية الأمر، هي وقود كل حركة وانطلاق.

جلت في بساتين الذاكرة الشامية، وفاح علي ياسمينها، وأنا أجيل النظر في كلام وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، الذي نشرته الصحف الأردنية مؤخرا خلال لقائه لجنة الشؤون العربية والخارجية في مجلس النواب، الأحد الماضي، حيث قال إن الأردن: «يحاول جاهدا الإبقاء على شعرة معاوية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد».

ذكرني كلام الوزير الأردني هذا حول شعرة معاوية، والإبقاء عليها مع بشار دمشق، حيث كان يشرف معاوية على دولته الأموية الكبرى، بكلام سابق للناطقة باسم بشار، الوزيرة بثينة شعبان، قالته في(يوليو/تموز 2011) على «بي بي سي»، مهاجمة أميركا، وتحديدا سفيرها في دمشق، بعد زيارة قام بها السفير، في حينه، لحماه، المدينة المنكوبة بجرائم الأسد. وبعدما هاجمت بثينة السفير الأميركي، كما هو مطلوب منها، تذكرت فجأة شعرة معاوية، مع الأميركان فقط! واستدركت: «إن سوريا لا تريد قطع شعرة معاوية مع الإدارة الأميركية»، وعلق عليها في حينه الزميل طارق الحميد في مقاله.

معاوية، الذي يتحدث الجميع عن شعرته الشهيرة، شعرة الدهاء والحلم، والأناة، لا علاقة له بمن يحتل كرسيه في دمشق الآن، لست أتحدث عن الجانب الديني والنزاع العميم القديم بين الشيعة والسنة، فهذا نقاش لا طائل منه، خصوصا في الصحف والشاشات، بل أتحدث عن الجانب الذي جعل معاوية رمزا من رموز الحصافة السياسية، وحسن التدبير. ومدونة سياسية سابقة لكتاب «الأمير» الشهير.

بشار الأسد عكس معاوية تماما، رغم أنه لم يخض من الصعاب ما خاضه معاوية، بل أتى الحكم إلى بشار باردا سهلا سائغا، وأتى معاوية على المركب الوعر، والطريق العسر.

بشار آثر القتل والعنف والصلف والانتقام، منذ أصر على التمديد «الغبي» لتابعه إميل لحود في لبنان، رغم توفر مرشحين كثر يقومون بنفس المهمة، لكنه عاند بغرور وغباء، وكان هذا العناد فاتحة الشر عليه، بصدور القرار الأممي الشهير ضد وجوده في لبنان، وهو ما عالجه بحمق آخر أعظم وأفدح من الأول، بتفجير زعيم السنة والمعارضة اللبنانية كلها، رفيق الحريري، في مشهد دموي غرائزي، أتى على البقية الباقية من شرعية وجوده في لبنان، ثم واصل مسلسل العناد والغرور في العراق والخليج ولبنان والأردن، ونسج تحالفات كلها أحكمت ربط المشنقة على عنقه، وما زال «يبدع» في كسب الأعداء وخسارة الحلفاء.

بينما معاوية كان ماهرا في كسب الأعداء والخصوم، وترسيخ ولاء الموالين له، وكان يستطيع بأسهل الطرق وأيسرها، أن يكسب أعظم المكاسب وأثمنها، كان فعلا كأنما نسج من عقل وحلم وأناة، مع ثبات وإصرار وتصميم على الهدف. ولذلك دخل التاريخ عنوانا لعبقرية الحكم.

تأملوا فقط في هذه اللمحات السريعة عن معاوية، من حكايات وأقوال، كما أتت في كتب التاريخ والتراث.

* قال معاوية لما سئل عن سر سياسته: إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين العامة شعرة لما انقطعت.

قيل له: وكيف ذلك؟! قال: إن جذبوها أرخيتها، وإن أرخوها مددتها.

* قيل لمعاوية، يوم صفين: إنك تتقدم حتى نقول إنك تقبل وإنك أشجع الناس، وتتأخر حتى نقول إنك تفر وإنك أجبن الناس. قال: أتقدم إذا كان التقدم غنما، وأتأخر إذا كان التأخر عزما.

* ولعل هذه القصة تلخص منهج معاوية الصعب في فن الحكم وبعد النظر، فكتب التاريخ تروي أن عبد الله بن الزبير، وكان طامحا للحكم، كارها لحكم بني أمية، غضب على معاوية، وسبب ذلك أنه كان لابن الزبير أرض قريبة من أرض لمعاوية، فيها عبيد له يعملون، فدخلوا في أرض عبد الله، وتشاجر عبيد معاوية مع عبيد عبد الله بن الزبير، وأريق دم عبيد ابن الزبير مما أثار غيظه، فكتب إلى معاوية كتابا لا يخلو من الوعيد والفظاظة: أمّا بعد، فإنه يا معاوية، إن لم تمنع عبيدك من الدخول في أرضي، وإلا كان لي ولك شأن. فلما وقف معاوية على الكتاب، دفعه إلى ابنه يزيد، فلمّا قرأه، قال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تنفذ جيشا أَوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه، فقال: يا بني، عندي خير من ذلك، وأنا لا أريد رأسه فقط بل أريده كلّه، ثمّ طلب أن يحضروا له دواة وقرطاسا، وكتب: وقفت على كتابك يا ابن حواري رسول الله، وساءني والله ما ساءك، والدنيا هينة عندي في جنب رضاك، وقد كتبت على نفسي رقما بالأرض والعبيد، وأشهدت علي فيه، ولتضف الأرض إلى أرضك، والعبيد إلى عبيدك والسلام.‏ ‏

فلما وقف عبد الله على كتاب معاوية، كتب إليه:‏ وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، فلا عُدم الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام.‏ ‏ فلما وقف معاوية على كتاب عبد الله، رماه إلى ابنه يزيد، فلما قرأه اصفرّ وجهه، فقال له معاوية: يا بنيّ. إذا رُميت بهذا الداء، فداوه بهذا الدواء!

ماذا لو عمل بشار بنصيحة معاوية، وعالج داء «درعا» بدواء الصفح والتسامح، واستلال أوغار الصدور، بل والتنازل وإلانة الجانب؟! لكان في غنى عن هذا كله، لكنه أثبت فعلا أنه بعيد كل البعد عن «مدرسة» معاوية، ولصيق بمدرسة قساة جهلة مروا بأرض الشام مثل قازان التتار.

من أبسط مقومات الحاكم معرفته لمن يحكمهم، معرفة جلية، حتى يستطيع التأثير فيهم، فأنت تحكم بشرا لا حجرا، بشرا لديهم وجدان وثقافة ومفاتيح تلج بها إلى دواخلهم، وكانت هذه المعرفة جاهزة بين يدي بشار، لو قرأ فقط في سيرة عظيم الشام، معاوية الذي يسكن في قصره بالقرب منه.

معاوية والأمويون من بعده كانوا يمثلون نكهة شامية خاصة، أحبها على وجه التحديد، نصارى العرب وبلاد الشام، لأنهم شهدوا في وقتها تسامح الأمويين مع المسيحيين العرب، وهذا مهم تذكره من «مدرسة معاوية» بالنسبة لبعض المتعصبين دينيا في بلاد الشام ضد الأقليات، فقد سلك الأمويون سياسة اتسمت باللين والتسامح مع المسيحيين، كما بينت الباحثة التونسية سلوى بالحاج صالح، في كتابها «المسيحية العربية وتطوراتها من نشأتها حتى القرن الرابع الهجري». (حسبما عرضت مجلة التسامح العلمية) وتشير إلى العلاقة الخاصة للشاعر الأموي المسيحي «الأخطل» مع الخليفة عبد الملك. في هذه الحقبة ازدهرت الكنيستان اليعقوبية والنسطورية، واتسعت مساحة التعايش بينهما. وكان للتغالبة أبرشيتان.

هذا كان في الماضي، الذي تغنى به شاعر مسيحي لبناني معاصر، في أغنية شدت بها مغنية مسيحية لبنانية، ولحنها ملحنون مسيحيون لبنانيون، أعني قصيدة سائليني يا شآم، للشاعر سعيد عقل، وغناء فيروز، وتلحين الأخوين رحباني. وفيها يقول عقل:

أهلك التاريخ من فضلتهم

ذكرهم في عروة الدهر وسام

أمويون فإن ضقت بهم

ألحقـوا الدنيا ببـستان هشام

اما الآن، فقد ضاعت حكمة القدماء، وأفسد اللاحق ما بناه السابق، وقطع ليس شعرة معاوية وحسب، بل شعوره وسطوره.. ونسي ما هي الشام، وماذا تعني.

==================

نظام الأسد يبدأ تنفيذ تهديداته للبنان

االيوم السعودية

19-3-2013

يبدو أن النظام السوري ورعاته اتباعهم يبدؤون تدريجياً تنفيذ تهديداتهم لمد الاضطرابات إلى الوطن العربي،

وقصف النظام أمس قرى حدود بقنابل الطائرات، وقبل أيام أطلق صواريخ على قرى لبنانية،

ويواصل حملته وتهديدات ضد لبنان واللبنانيين،

ولبنان هو البداية الطبيعية والممكنة الآن لمد الاضطرابات في سوريا إلى الأراضي اللبنانية بحجج أن اللبنانيين يساعدون الثورة السورية، ويطالب النظام في سوريا بمنع تسلل المسلحين وتهريب الأسلحة للثوار الى داخل سوريا، لكن النظام السوري ورعاته لا يرون بأساً في أن يعبر مسلحو حزب الله الحدود ليحتلوا قرى في سوريا ويشاركون في معارك النظام ضد الثورة ويرتكبون جرائم بحق السوريين.

كما أن محاولة اغتيال أربعة مشايخ لبنانيين تؤشر إلى أن نظام بشار الأسد ورعاته قرروا تنفيذ تهديداتهم واشعال النيران في لبنان، خاصة أن النظام السوري ورعاته يواصلون حرباً طائفية على الأرض في سوريا ويروجون شائعات تصم الثورة السورية بأنها طائفية ليتمكن النظام ورعاته من العدوان على الطائفة السنية ومقاومة الثورة بذريعة الدفاع عن النفس. كما أن هذا الترويج يغطي على الشبكات الإيرانية التي تمد نظام الأسد بالمقاتلين والاسلحة، ويعطيها شرعية الحرب الطائفية،

ويتعين الآن على اللبنانيين العمل فوراً على تفريغ تهديدات نظام الأسد من أهدافها، وتحصين الأرض اللبنانية ومنع حزب الله من استغلال لبنان وأراضيه وحدوده لمساندة الأسد، ومنع الحزب أيضاً من اشعال الفتنة في لبنان. لأن اشعال الفتنة في لبنان هو خطة إيرانية بديلة لتخفيف الضغط الدولي والإعلامي عن النظام السوري ولا تهم سلامة لبنان لا النظام ولا حزب الله ولا طهران، لكن سلام لبنان واستقلاله مهمان للأمة العربية، ولا بد من أن ترمي الجامعة العربية بثقلها في لبنان وتمنع المساس بهذا البلد، وأن تضغط الجامعة العربية بقوة وبجدية على الحكومة اللبنانية، حتى وإن كانت صنيعة لحزب الله، من أجل منع الحزب من ارتكاب حماقات تشعل لبنان وتؤذي جميع سكانه وتدخله في دوامة خراب جديدة، لحساب نظامين ينتميان إلى الماضي، هما نظام يحتضر في سوريا، ونظام يفقد شعبيته في طهران، وكلا النظامين - في دمشق وطهران - يستمران في البقاء فقط بقوة القمع والحديد والنار والسلاح، وليس من الحكمة المقامرة بلبنان واستقراره وسلامه من أجل قضايا خاسرة في سوريا وإيران.

===================

ما مصير حزب الله بعد رحيل الأسد؟

د. زهير فهد الحارثي

الرياض

19-3-2013

  لم يعد جديداً في أن المنطقة تعيش حراكا وتفاعلات وأحداثا على خلفية المتغيرات الإقليمية والدولية، وهي بالتأكيد، مليئة بتحولات واستحقاقات لا تلبث أن تختلف أشكالها ومضامينها، عما واجهته دول المنطقة في الماضي.

وفي دولة كلبنان ورغم أن اتفاق الطائف سبق ان طالب بإلغاء الطائفية السياسية، إلا أنها بدت ومنذ استقلاله كإشكالية بنيوية عضوية في تركيبته السياسية ما جعله ساحة مفتوحة للتجاذبات الدولية والإقليمية، وهذا يعني فتح الباب على مصراعيه لمخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية.

من الواضح أن المشهد السياسي اللبناني لا يستند إلى أرضية صلبة وإن بدا هكذا في أحيان عديدة نتيجة التسويات والتوافقات، إلا أن الثابت فيه هو تغير موازين القوى في الساحة اللبنانية وتغير مواقعها في مراحل معينة فضلا عن التحول المريع في المواقف والمفاهيم والتصورات نتيجة للأحداث، والتي تؤثر في عملية الاصطفاف السياسي ناهيك من تداخلها مع الأجندة الخارجية المؤثرة في اللعبة.

على ان موعد الانتخابات النيابية وما يحدث في سورية عاملان يلقيان بظلالهما على المشهد السياسي اللبناني وهو بلا شك متأزم وأجواؤه مليئة بالاحتقان السياسي والشعبي خاصة في ظل التراشق الإعلامي والسجال السياسي، لاسيما بعد قنبلة وزير الخارجية اللبناني في الجامعة العربية بإعادة العضوية لنظام الاسد دون استشارة الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء ضاربا بتعهد لبنان "النأي بالنفس" عرض الحائط، ناهيك عن تصريحات وليد جنبلاط الاستفزازية التي تناولت ثروات اهل الخليج، وهو أسلوب متقلب ومتلون اعتدنا عليه من الزعيم الدرزي الذي لا يلبث ان يفاجئنا بتصريحات تسونامية من وقت لآخر.

كما ان ما حدث من تصعيد مفتعل وتطاول شخصي رخيص تجاه السعودية ودول الخليج، إنما كان يهدف إلى التأثير على الدور السعودي داخل لبنان ومحاولة اضعافه وخلق فجوة في التواصل السعودي - اللبناني لحساب المحور السوري - الايراني.

وهي محاولة فاشلة وقد سبقتها محاولات عديدة لشرخ العلاقة ما بين الرياض وبيروت ولم يكتب لها النجاح.

ورغم الاساءات المفتعلة فالملاحظ ان السعودية عادة ما تقف على مسافة واحدة من كل الاطراف قدر الامكان من اجل مصلحة لبنان.

ولكي نمضي الى المزيد من التحليل، نقول إن الساحة اللبنانية مفتوحة ولازال حزب الله يمعن في ممارساته ضد ترسيخ السلم الاهلي بدليل محاولاته في افشال طرح ملف السلاح والاستراتيجية الدفاعية في جلسة الحوار الوطني التي ستعقد في القصر الجمهوري ما دفع المعارضة للتلويح بالمقاطعة، ناهيك عن ان هنالك شكوكا حول اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وذلك بأن يعمد حزب الله وعون الى خلق اوضاع امنية معينة كما قال سمير جعجع وممارسة الضغوط لإلغائها لأنهما يدركان انها لن تكون في مصلحتهما.

على ان هناك قراءة ترى بأن الحزب يتجه إلى التصعيد والتأزيم طالما أنه يشعر بقرب نهاية الاسد وبدء إجراءات المحكمة الدولية قريبا، وهناك من يرى أن الحزب سيجر إسرائيل للاشتباك معه لكسب التعاطف الشعبي داخليا وعربيا ومحاولة بعثرة الأوراق من جديد.

وكانت المحكمة الخاصة بلبنان قد اعلنت عن تأجيل موعد بدء المحاكمة في قضية المتهمين الاربعة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي كان مقررا يوم 25 مارس وبحسب بيان المحكمة فإن القاضي سيحدد موعدا قريبا لبدء المحاكمة.

وكانت المحكمة قد اتهمت 4 عناصر من حزب الله بالضلوع في عملية الاغتيال غير أن الحزب رفض الاتهام، ووصف حسن نصر الله المحكمة بأنها "أميركية - إسرائيلية".

غير ان حزب الله يواجه اليوم مأزقا حقيقيا يهدد مصداقيته، كحزب سياسي، وانهيار مشروعية دوره كحزب مقاومة، بعدما أدار وجهة سلاحه للداخل بدلا من العدو المجاور. ووقوفه الى جانب النظام السوري الدموي.

الحقيقة أن هناك تخوفا وشكوكا في نوايا حزب الله وانه بصدد السيطرة على بيروت ومناطق اخرى شيعية ومسيحية لتكريس هيمنته وسيطرته لاسيما بعد سقوط النظام السوري وحماية نفوذ ايران ووجوده كحزب يمتلك من السلاح ما يفوق إمكانات الجيش اللبناني، والجميع على قناعة بأنه لولا الدعم أو لنقل الرضا والضوء الإقليمي لحزب الله لما أزبد وأرعد مهدداً بحرق الأخضر واليابس.

على أي حال، لا احد يعلم على وجه الدقة إلى أين تتجه الأمور، لاسيما في وجود قناعات بأن حزب الله عادة ما يفتعل أزمات داخلية هروبا من تورطه او تنفيذا لأجندة خارجية، إلا أن موضوع المحكمة ونتائجها بيد المجتمع الدولي والتصعيد لن يسقطها، وسيضطر معه الحزب إلى تسليم المتهمين، وفي حالة رفضه فسيكون عرضة تحت طائلة العقوبات الدولية لمعارضته للقرار 1757 تحت الفصل السابع.

لقد اتضح مما لايدع مجالا للشك أن الإشكالية المزمنة للقرار السياسي اللبناني لابد وان يغلب عليها التأثير الخارجي، بدليل تسخين الشارع من خلال صراع مذهبي وبتأثير قوى خارجية، ما يدفع الامور باتجاه المواجهة والاصطدام.

صفوة القول، ليس صحيحا ان حزب الله سينهار بعد سقوط النظام السوري فهو مدعوم من ايران سياسياً وعسكرياً ومالياً، وقتاله مع النظام السوري ليس حبا في بقاء الاسد بقدر ما انه يسعى لخلق واقع جديد في المنطقة من خلال الاستيلاء على اراض جديدة على الحدود السورية - اللبنانية..

 

===================

لبنان ينجرف الى المستنقع الدموي السوري

رأي القدس

2013-03-18

القدس العربي

لبنان يعيش هذه الايام اجواء حربين، واحدة اهلية تتطور ارهاصاتها بسرعة، وثانية اقليمية يمكن ان تتورط فيها دول عربية واجنبية.

الاعتداء الآثم الذي تعرض له اربعة شيوخ من الطائفة السنية اثنان منهم من دار الفتوى على ايدي مجموعة من الشبان الشيعة يوم امس، ربما يكون الشرارة التي يمكن ان تشعل حربا اهلية في بلد يشهد حالة استقطاب طائفي تقترب من ذروتها.

الشارع اللبناني يعيش حالة توتر واستنفار دفعت زعماء الطوائف للمسارعة لتطويق الموقف، وادانته وفي الطليعة حركة 'امل' و'حزب الله' اللذان استنكرا بشدة التعرض للمشايخ، ووضعا الاعتداء في خانة السعي الى اثارة الفتنة، فيما ندد مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني بالاعتداء وناشد الجميع الهدوء وضبط النفس.

نعم هناك فتنة تريد اغراق لبنان في احتراب طائفي، فاذا كانت جريمة حافلة عين الرمانة بمثابة عود الثقاب الذي اشعل فتيل حرب اهلية استمرت 15 عاما، بين المسلمين والمسيحيين، او اليسار واليمين، لضرب المقاومة الفلسطينية وحلفائها، فان هناك من يريد حربا اهلية بين المسلمين انفسهم هذه المرة، والطائفتين الشيعية والسنية على وجه الخصوص.

لبنان يعيش حالة من الاحتقان تتضخم يوما بعد يوم بسبب اعمال الشحن الطائفي التي تمارسها وسائل اعلام وصحف، وتحوله الى ساحة اقتتال بين انصار النظام السوري ومعارضيه، وممر للاسلحة والمقاتلين في الوقت نفسه.

الحرب المستعرة في سورية لاكثر من عامين، بدأت تمتد السنتها الى لبنان، بدءا من الحدود المشتركة بين البلدين، فهناك انباء شبه موثوقة عن حدوث اشتباكات دموية بين مقاتلين تابعين لحزب الله اللبناني وآخرين من الجيش السوري الحر.

اقدام طائرات سورية مقاتلة على قصف مواقع للجيش السوري الحر داخل الاراضي اللبنانية مثلما اكدت الادارة الامريكية يشكل تطورا خطيرا يمكن ان يكون مقدمة لهجمات اخرى داخل العمق اللبناني اذا لم يتم علاج هذه المسألة بسرعة.

السلطات السورية هددت قبل يومين بضرب تجمعات للمعارضة المسلحة اذا استمرت في اتخاذ الاراضي اللبنانية، وبلدة عرسال الحدودية الاستراتيجية على وجه التحديد، كقاعدة انطلاق لشن هجمات ضد اهداف داخل الاراضي السورية.

الازمة السورية مرشحة لفصل جديد من التصعيد حيث تقترب معركة دمشق الفاصلة، ويتضح ذلك من خلال اعطاء الولايات المتحدة الضوء الاخضر للدول الاوروبية والعربية لتسليح المعارضة السورية المسلحة باسلحة حديثة، وخاصة صواريخ مضادة للطائرات لشل فاعلية سلاح الجو السوري.

بالامس اعلن وزير الخارجية الامريكي جون كيري ان بلاده 'لن تقف في وجه' الدول الاوروبية التي تريد تسليح المعارضة السورية لمواجهة نظام الرئيس بشار الاسد، وهذا يعني ان الحظر الامريكي على عمليات التسليح هذه خوفا من وصول الاسلحة الحديثة الى الجماعات الجهادية قد جرى رفعه.

لبنان الحلقة الاضعف في هذا الصراع، وهناك جهات عديدة تريد اغراقه في المستنقع الدموي السوري، حتى تتحول ارضه الى ميدان للحرب بالوكالة بين النظام السوري وخصومه، وبين القوى العظمى وروسيا وامريكا على وجه الخصوص.

حادثة صغيرة، مقصودة او غير مقصودة قد تشعل الحرب الاهلية المذهبية، وبما يؤدي الى توريط مباشر لحزب الله والقوى السنية الاخرى.

النظام السوري اذا ما سقط لن يسقط وحده، وسيحاول ان يأخذ ما تيسر من دول المنطقة، ولبنان اولها، وهذا سيؤدي الى حرب اقليمية قد تتحول الى حرب عالمية اذا وضعنا في اعتبارنا تمسك الروس والايرانيين بدعم حليفهم في دمشق والحيلولة دون هزيمته.

 

===================

سورية: سنتان من الألم والأمل

الياس خوري

2013-03-18

القدس العربي

هل بدأت الثورة السورية في دمشق ام في درعا؟ هذا السؤال الذي شغل بعض الأوساط الثقافية والاعلامية المرتبطة بالثورة، يبدو مثيرا، على الرغم من هامشيته.

هل انطلقت الشرارة في المظاهرة التي خرجت من الجامع الأموي في دمشق يوم 15 آذار- مارس 2011، واخترقت سوق الحميدية، وتم تفريقها بعنف في الحريقة، ام بدأت قبل شهر من هذا التاريخ عندما حصل انفجار شعبي عنيف في الحريقة عندما اعتدى احد رجال الأمن على مواطن، فتطور الوضع الى اطلاق شعار 'الشعب السوري ما بينذل'؟

ام بدأت الثورة في درعا عاصمة حوران يوم 18 آذار- مارس، حين انطلقت اول مظاهرة كبرى في سورية، احتجاجا على اعتقال اطفال درعا، وسقط فيها شهيدان، وبعدها عمت الشرارة حمص وحماه وبقية المدن السورية؟

وما هو دور اعتصام المرجة الذي قام به مجموعة من المثقفات والمثقفين السوريين من اجل اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، في خلق المناخات الملائمة لاشتعال الثورة؟

تبدو هذه الأسئلة وكأنها ترف فكري امام الهول الذي يعيشه الشعب السوري وسط الدم والدمار والدموع، لكنها تشير الى علامتين تتميز بهما الثورة السورية.

العلامة الأولى هي اننا امام احدى المرات النادرة في التاريخ التي تكتب فيها ثورة تاريخها وتصنع إعلامها وصورها وايقوناتها بنفسها.

فوسط 'مملكة الصمت' التي أقفلها نظام الجمهورية الوراثية على الخوف وغياب وسائل التعبير، كان على شباب الثورة وشاباتها، ان يصنعوا بأنفسهم تاريخهم وإعلامهم، وسط نضالهم الأسطوري من أجل استعادة صوتهم وحريتهم.

العلامة الثانية هي ان ما يبدو خلافا بين تاريخين، يشير الى مكونين هامين نجحا في اطلاق مارد الثورة من قمقم القمع.

المكوّن الأول هو الناشطون الشباب والمثقفين، الذين خرجوا من الجامع الأموي يوم 15 آذار- مارس، مفاجئين أنفسهم اولا وشعبهم ثانيا، بأن جدار الخوف يمكن ان ينكسر، وان كسره لا يحتاج سوى الى الارادة الشعبية، التي اكتشفت على ايقاع الثورتين التونسية والمصرية، ان الديكتاتور لا يتدكتر الا اذا وجد امامه شعبا خائفا، وان لحظة سقوط الخوف، هي بداية سقوط النظام.

المكوّن الثاني هو الأطفال. اطفال درعا ببراءتهم كسروا الجدار حين كتبوا شعار 'الشعب يريد اسقاط النظام' على جدار مدرستهم. كان في تصرفهم ما يشبه نبوءة الأطفال، فالأطفال كانوا ضمير مجتمعهم اللاواعي الذي ايقظ الوعي.

لم يأت نزق مسؤول الأمن في درعا، عاطف نجيب، وتعمده اذلال الأهالي المطالبين بالإفراج عن ابنائهم، من لا مكان. فابن خالة الأسد الإبن تصرّف من ضمن تقاليد الاستبداد التي سنتها العائلة الحاكمة، لكن لا هو ولا ابن عمته الرئيس كانا على استعداد للاعتراف بأن شيئا ما تغير، فالنظام الذي اطلق كذبة الأبد انتهى الى تصديقها.

هنا في درعا، في ارض السواد الحوراني، انفجرت المظاهرة الكبرى التي اشعلت سهول سورية وجبالها، ففي مظاهرة درعا الكبرى يوم 18 آذار- مارس سقط اول شهيدين في الثورة السورية. واتضح للجميع ان ثورة الشعب السوري ستكون الأكثر صعوبة ودموية، لأنها سوف تواجه آخر مماليك العصر الحديث، الذين لم يكتسبوا شرف هزيمة الغزو الخارجي كالمماليك الاوائل، لكنهم تبنوا الاسلوب المملوكي في القمع والنهب، فتمملكوا على سورية واستملكوها.

بين هذين المكونين التأسيسيين، يتضح كيف تشكلت بدايات الثورة السورية في هامشين:

هامش صنعه جزء من المثقفين والمناضلين والناشطين، الذين استعادوا بمواقفهم وشجاعتهم، معنى الثقافة في وصفها ضميرا وطنيا. من صرخة رياض الترك عشية اندلاع الثورة عن ضرورة اسقاط مملكة الصمت، الى الكتابة واختيار المنافي والموت في اقبية التعذيب. هنا في المشهد الثقافي السوري استعدنا انطون مقدسي وسعدالله ونوس ومحمد الماغوط ونزار قباني، وعمر اميرالاي وزكريا تامر المتجدد دائما، وبرزت اصوات عشرات الكتاب والسينمائيين والفنانين التشكيليين والمسرحيين لترسم صورة شرف الثقافة السورية، ولتجعل من الأصوات الداعمة للنظام او المستعلية على الثورة، مجرد تفصيل يكمل المشهد الثقافي الذي كان انقسامه حتميا. وما الجوائز العالمية والعربية التي نالها ياسين الحاج صالح وسمر يزبك ورزان زيتونة الا اشارة الى الدور الذي يلعبه مثقفو سورية في بلورة ثورة شعبهم.

وهامش صنعته البراءة. من جسدي غياث الأخرس وحمزة الخطيب المشوهين بالقمع والمجللين بالبطولة، تناسل الوف الشهداء، من صرخة اطفال درعا، ونبل الناشطين الشباب في تنسيقياتهم ولدت الثورة السورية.

هكذا اكتملت دائرة الفعل، هذه ثورة صنعها الضمير واطلقتها البراءة، لذا فإن التاريخين يصلحان كبداية، علما ان البداية ايضا لها بداية قد لا نعرفها، والى آخره. لذا سوف يتقرر يوم عيد الثورة بعد انتصارها الحتمي، لكنه سوف يكون تاريخا افتراضيا، لأن عيد الثورة الكبير هو يوم يسقط الطاغية وينزاح الكابوس.

ثورة تكتب تاريخها بنفسها لأنها وحدها. ايها السوريون والسوريات انتم وحدكم، وحدكم في صقيع هذا العالم الكاذب، وحدكم في ظل التواطوء الامريكي والاسرائيلي مع النظام، وحدكم امام تغوّل الحلف الروسي- الايراني وصغار حلفائه اللبنانيين في دعم النظام والقتال الى جانبه، وحدكم في زمن الخبث الأوروبي الذي صنع من التردد سياسة ثابتة، بسبب ذيليته للامريكيين وتعبده للعجل الاسرائيلي، وحدكم في مواجهة البترو دولار ومشتقاته الأصولية الذي يريد تلويث ثورتكم بالطائفية بهدف تملك سورية بحجة اعادة اعمارها!

كل هذه القوى التي تتكالب عليكم اليوم، وسط شلل قياداتكم في المعارضة، يهدف الى تحويل سورية الى بازار للموت، وابرام صفقات تعقد في الظلام، من اجل ضمان مصالح القوى الدولية والاقليمية، وخصوصا ضمان ان تتنعم اسرائيل بأربعين سنة أخرى من الهدوء في الجولان المحتل.

يريدون تلويث ثورتكم المجيدة بكل موبقات الاستبداد والرجعية التي تحيط بكم، معتقدين انكم سوف تستسلمون لهم، بعد ان يستكمل الديكتاتور تهديم بلدكم الجميل والعظيم.

رغم كل الدمار والفوضى، رغم الأخطاء والخطايا التي ترتكبها بعض الفئات المسلحة الملتحقة بالثورة، رغم هذا الألم الذي لا حدود له، ألم الموت وألم التشرد وألم اللجوء، فإن جميع هذه القوى المتكالبة على ثورتكم، لن تنجح.

فهذه القوى تنسى او تريد ان تتناسى ان من صنع هذه الثورة هو الشعب السوري، وان المعادلة الوحيدة الصالحة هي معادلة الشعب الذي صنع الثورة ويصنعها كل يوم.

كنتم وحدكم في الألم وستكونون وحدكم في الأمل الذي ستصنعونه بنصركم على الاستبداد الذي يلوح في أفق عيون اطفال سورية الذي يضيء بلاد الشام وارض العرب.

===================

حكومة مؤقتة للثورة السورية.. ما لها وما عليها؟

الطاهر إبراهيم

2013-03-18

القدس العربي

الحراك الشعبي في سورية ومنذ اليوم الأول لثورة الحرية والكرامة كان عفويا، وكان نموذجيا. كما كان رد فعل النظام متوحشا وعنيفا كما حدث في درعا منذ يوم الجمعة الأولى وحتى الآن، بينما كان تصرف المتظاهرين في الشارع منضبطا. سقط الشهداء واعتقل المتظاهرون. الشارع بقي كما هو وفي كل المدن السورية، فلم يكن أمام المتظاهرين إلا هذا السلوك، فلم تكن أجندتهم تسمح بالرد على إجرام النظام حتى لا يعطوا النظام الذريعة، ولأنهم لا يملكون السلاح فيما لو أرادوا أن يردوا على الرصاص بالرصاص.

كان التظاهر السلمي هو الذي يميز تلك الفترة. وكان الجيش الحر لايشكل إلا حيزا صغيرا من

المشهد. خلال تلك الفترة كان معارضو الخارج والداخل يراقبون الوضع عن كثب. كان عليهم أن يتجمعوا، لكن كانوا من مشارب شتى. كان عليهم أن يرفدوا الحراك السلمي، وكان بعضهم يبحث عن دور. في ظروف ملتبسة وبشكل منفرد أعلنت مجموعة صغيرة عن تشكيل مجلسها الوطني في15 أيلول 2011. ذهبت تفاوض بعض الطيف المعارض، واستطاعت أن تفرض رؤيتها، وأعلن عن المجلس الوطني في 2 تشرين أول 2011، الذي كان لها نصيب الأسد فيه.

مع الأيام أضيف للمجلس آخرون دون أن يكون هناك أجندة تضبط الطريقة التي يتم بها إضافة هذا العضو ورفض ذاك. تضخم العدد وكثرت مؤسسات المجلس الداخلية حيث عين فيها أناس مقربون من هذه الجهة أو تلك. وعاش المجلس صراعا مكتوما حول النفوذ فيه، ما أضاع عليه ممارسة المهمة الأولى له وهي كيفية رفْد الحراك الداخلي. وربما كان تشكيل 'الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة' في تشرين ثاني 2012 منقذا للمجلس الوطني من 'كشف' حساب كان عليه أن يقدمه بعد عام، لم ينجز فيه إلا ما لا يكاد يذكر.

لكي يشاركوا، أصر أعضاء المجلس الوطني أن يكون له حوالي 40' من جسم 'الائتلاف'، ما وضع عبئا آخر غير المهمات الوطنية الملقاة على المكون الجديد. شعر الائتلاف أن نوعا من وضع العصي في العجلات يقوم به بعض أعضاء من المجلس الوطني ممثلين في الائتلاف بعد أن شعروا أن البساط يسحب من تحت أقدامهم وأن المجتمع الدولي ما عاد يكيل في مكيالهم. كان على 'الائتلاف الوطني' أن يتحاشى مطبات اعترضت من قبله طريق المجلس الوطني.

رئيس الائتلاف الوطني 'أحمد معاذ الخطيب' شعر، وآخرون معه، أن المجتمع الدولي يريد أن يفرض على 'الائتلاف الوطني' أجندة غير تلك التي ثار من أجلها الشعب السوري. فما هي تلك الأجندة التي لا يريدها الشعب السوري، وما هي التحديات التي تعترض طريقه؟

لعل أهم تلك العقبات التي تتم بفعل دولي، هو دحرجة الصخور في طريق الثورة، ليس تجفيف موارد الأسلحة من بين أيدي الجيش الحر فحسب، بل وصرف الثوار عن العمل على إجبار بشار أسد على الرحيل، طوعا أو كرها، حيث بدأت واشنطن وموسكو تعملان لتشكيل حكومة حسب 'وثيقة جنيف'، التي لا يعرف أحد من الثوار لمن تكون الكلمة العليا فيها.

كما أن تشكيل حكومة مؤقتة أمر مطلوب، على أن تحدد مهماتها ابتداء. ليس بأن تقوم الحكومة بتعيين مندوب يشغل مقعد سورية في الجامعة العربية، ثم تضع يدها على خدها لا تدري ما هي الخطوة التالية. وهنا يصبح التساؤل مشروعا: هل أنجزت المعارضة السورية كل ما كان عليها ولم يبق إلا تشكيل الحكومة؟ ثم إن مؤتمر روما أعلن أن الائتلاف الوطني ممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، إلا أن هناك من يعتقد أن قيام 'الائتلاف الوطني' بتشكيل حكومة مؤقتة سيكون افتئاتا على الشعب السوري صاحب الحق في ذلك. فلا بد أن يمهرالشعب السوري هذا الإعلان بموافقته عن طريق ممثليه الشرعيين المنتخبين عن طريق صناديق الاقتراع.

إذا كان تشكيل حكومة مؤقتة له فائدة واحدة أو أكثر فإن تشكيلها له محاذير كثيرة. سوف يقف من المعارضين السوريين وهم كثر، من لا يسلم للائتلاف الوطني بتسمية هذه الحكومة المؤقتة. ثم من هو الشخص الذي يحظى باتفاق أكثر أعضاء الائتلاف الوطني، فضلا عن المعارضين السوريين على مختلف مشاربهم؟ وما الفوائد التي ستجنيها الثورة ككل؟

الخطوة الأهم في نظرنا هي تشكيل سلطة محلية في كل بقعة إدارية (منطقة أو محافظة) تتحرر بشكل كامل، كما حصل عندما تم، مؤخرا، انتخاب مجالس محلية في ريف حلب.

نذكّر بأن الثورة الجزائرية العملاقة التي كسرت أنف المستعمر الفرنسي وطردته من الجزائر، انطلقت عام 1954 وبلغ عدد الشهداء فيها أكثر من مليون شهيد، ولم تقم بتشكيل حكومة مؤقتة لها إلا في عام 1958 حيث أعلنتها من القاهرة.

صحيح أن جبهات القتال لم يصدر عنها اعتراض على تشكيل الائتلاف الوطني، وأن الائتلاف حصل على موافقة 'سكوتية' من فصائل الجيش الحر الذي لم يسمع منه اعتراض على الائتلاف. لكن الصحيح أيضا ان الائتلاف لا يضم إلا مجموعة من المعارضين، وهناك أضعافهم خارج الائتلاف. كان المتوقع أن يعتبر الائتلاف نفسه لجنةً تعمل على تحديد ضوابط وصفات أعضاء لتوسيع الائتلاف، بحيث يضم كل الكفاءات ومن كل المحافظات السورية، حتى لا يقع الائتلاف بما وقع فيه المجلس الوطني من قبل، حيث احتكر النافذون فيه حشد أنصارهم في المجلس.

==========================

أصبح عندي الآن مسدّس!

مرح البقاعي

كاتبة سورية

الحياة - الإثنين ١٨ مارس ٢٠١٣

«اليوم صـباحاً قمنا كالـعادة بـنقل بعـض الذخـيرة وتجهـيزات طبية بسيـطـة من خط إلى خـط لإيـصالها إلى نـقطة مـواجهة جـنوب دمشق، وكانت المفاجأة أنني شـاهدت أربـع عـلب «خـرطـوش 12 مم» من الذي يـسـتعـمل للـصيد! نـعم، بعـض ثـوارنا يستـعمل بنادق صـيد عادية لمواجهة ميـليشيات الاحتلال الأسـدي الـطائفيـة. وما نستعمله الآن لتسكين آلام الجرحى هو «باراسيتامول» سوري الصنع، تقريباً فاسد، نستخدمه كنوع من (البلاسيبو) للإيهام فقط. بعضنا الآن يحمل مسدسات للدفاع عن النفس أثناء عمليات النقل، جميعها فارغ إلا واحداً فيه طلقتان أغلى من أونصة ذهب. ولكن الخبر الجميل أننا اليوم أكلنا فلافل لأول مرة منذ شهرين».

الفقرة أعلاه هي جزء من رسالة وصلتني من صديق في الخطوط الأمامية للقتال في دمشق. هي مشهد من التراجيديا السياسية التي ترسمها في سورية إرادات العالم المسترخي أمام مشهد عنف ميليشيات النظام المنظّم والموجّه إلى صدور الشعب السوري (الذي لم يعد أعزل) إلا أنّ ما أورده صديقي الثوريّ المقاتل شاهد على حجم التسليح الشعبي الذي يواجه آلة القتل الأسديّة المدججة روسياً وإيرانياً بالكثير من الأسلحة وبالعتاد القاتل.

فمن آخر تقليعات النظام السوري القتالية هو استخدامه صواريخ سكود وراجمات صواريخ موجهة إلى الأحياء المكتظّة بالمدنيين، هذا إضافة إلى القصف الجوي بالقذاقف والقنابل والبراميل المتفجرة والقنابل الفوسفورية. أما العمليات العسكرية النظامية فهي تدار بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني (الباسيج) وخبراء عسكريين ورجال استخبارات روسيّة. ولم يعد هذا التعاون العسكري والأمني ليوصف بأنّه ادعاء من طرف المعارضة أو تجنٍّ دولي على الدولتين الداعمتين لعسف الأسد وعنفه إثر اغتيال قائد الحرس الثوري على طريق مطار دمشق أثناء انتقاله إلى بيروت، هذا ناهيك عن التصريحات الروسية التي لا لبس فيها عن دعهما غير المشروط للنظام السوري ولبقاء الأسد في سدّة الحكم على رغم قتله عمداً ما يقارب 90 ألفاً من السوريين.

هذا المشهد القاتم الذي يحملنا إلى أجواء الإبادات الجماعية في الحرب العالمية الثانية إنما يدور على مسمعٍ ومرأًى من دول العالم الغربية والشرقية والعربية والإسلامية من دون أن تتمكّن، مجتمعة، من مدّ يد العون إلى الشعب السوري الجريح إلا بأضعف الإيمان! ومنذ أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن استعمال الأسلحة الكيمياوية من جانب النظام السوري هو خط أحمر، والنظام يستعمل الأسلحة القاتلة كافّة لإبادة شعبه ما عدا السلاح الكيميائي (فهو خط أميركي أحمر) ولا يعادل بحمرته لون الدم السوري المسفوح.

وإذا علمنا أن التسريبات السياسية تشير إلى أن اتفاق جنيف حمل في طي أوراقه غير المعلنة اتفاقاً بين الولايات المتحدة وروسيا على أن تضع الأخيرة الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية التي يمتلكها النظام السوري تحت سيطرة الخبراء الروس الأمنيين والعسكريين، ما يعني تحييد وتحكّم كامل بأسلحة الدمار الشامل السورية، عندها نستطيع أن نقول إن مخاوف الولايات المتحدة تبدّدت تماماً وانكشفت الحجب الآن عن تراخيها عن تقديم دعم عسكري للثوّار يعود إلى رغبة البيت الأبيض بـ «النأي بالنفس» عن واقع الصراع في سورية تماماً على الطريقة الرسمية اللبنانية. وأقول الرسمية لأن ميليشيا «حزب الله»، وهي قوى مسلّحة غير رسمية لكنّها الأنضج عسكرياً على الأرض اللبنانية، أصبحت طرفاً في المعارك الدائرة في سورية بعد أن فتحت جبهة مع الثوّار على طول الحدود في منطقة حمص، بهدف دعم النظام في عملية التطهير العرقي التي يجريها في تلك المنطقة استعداداً لتحويل الشريط الساحلي السوري إلى لون طائفي موحَّد تحضيراً لإحياء دولة الثلاثينات العلويّة والانتقال إليها في حال فشل في السيطرة على معقله في العاصمة.

في ظل انحسار النـزعه «الطاووسـية» الأميركية في الـعهد الأوبامي الخـجول وغـياب الإرادة الأمـمـية لمقاربـة الأزمة الـسـوريّة بروح العدالة الدولية، وفي أجواء التخبّط العربي واللامبالاة الإسـلامية المحبطة، لن يبقى لصـديقـي المـقاتل الـثائر إلا أن يـحـتفي بمـسـدسه الفردي الخالي من الـطـلقات. ولم يبـقَ لرفـاقـه الثوّار على تـخوم العـاصمة دمـشق إلا الانتظار الـسقـيم! فـغـرف العملـيات الاثنتي عشرة التي أُعـدّت ـ أشهر على أراضٍ أردنية متاخمة لسورية لم تباشر مهمتها بعد في غياب الحركة الخجولة والمتقطّعة لانتقال الأسـلـحة إلى سـورية علـى رغم الـوعود القـويـة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال زيارته الـشرق الأوسـط، والتـي شجّعت الدول العربية على تسليح المعارضة وغض الطرف عن مرورها إلى سورية عبر المعبر الأردني.

نعم، أصبح عندك الآن مسدس يا صديقي على الأرض الأولى النازفة، لكن لا تضغط على الزناد حين يخلع جنود تتار العصر باب غرفة نومك ويعتدون على زوجتك في فراشك... لا تضغط على الزناد حين يذبح طفلك من الوريد إلى الوريد وينتشر دمه على حقيبته المدرسية وألعابه البريئة... لا تضغط على الزناد حين يعود جارك من المخبز المجاور مقطوع الرأس وفي يده رغيف لم ينضج. نعم، لا تضغط أيها السوري القابع في قهره المضاعف فلا يوجد طلقة في الفوّهة.

 

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ