الصفقة
الإيرانية التي تجاهلتها
أميركا !
هدى
الحسيني
تقع او لا تقع ! انها
الحرب بين اميركا وإيران،
يتوقعها كثيرون، وازدادت « فورة
» التوقعات هذه في الاسابيع
الاخيرة . تزامن الحديث الكثير
عن الحرب مع صدور كتاب : «
التحالف الخطير : التعاملات
السرية لإسرائيل، وإيران
والولايات المتحدة ». المؤلف هو
البروفسور الايراني في جامعة »
يال » الاميركية الدكتور تريتا
بارسي، ويرأس ايضاً « المجلس
الوطني الايراني - الاميركي ».
في الكتاب، الذي
قابل في اجل اعداده 130 من صناع
القرار في ايران وإسرائيل
والولايات المتحدة . يشير
الدكتور بارسي الى رسالة نقلها
عام 2003 عضو الكونغرس الاميركي
بوب ني وفيها موافقة من المرشد
الاعلى للثورة الاسلامية آية
الله علي خامنئي بـوقف تمويـل »
حـزب اللـه » و«حمـاس » مقابل
ضمانات امنية من الولايات
المتحدة، لكن طهران لم تتلق
رداً على اقتراحاتها .
ويشرح لي الدكتور
بارسي ما جرى بالتفصيل، بأنه «
كانت هناك محادثات اميركية ـ
ايرانية حول العراق، لكن
المحادثات ذهبت ابعد من ذلك،
وعرضت ايران اقتراحاً لمفاوضات
شاملة، تعترف خلالها بما
تريده اميركا منها وهو انهاء
دعمها لـ«حماس » و«الجهاد
الاسلامي » ، وان يتحول » حزب
الله » الى منظمة سياسية فقط، لم
تقترح وقف التمويل انما عدم
بقاء « حزب الله » ميليشيا، وفي
المقابل طالب الايرانيون
بضمانات امنية، واعترافاً
بحاجاتهم الامنية الشرعية، وان
تكون ايران مشمولة بشؤون الشرق
الاوسط، وإنهاء كل المقاطعة وكل
الجهود لاحتوائها . لم تكن تلك
الصفقة على حساب اي دولة من دول
المنطقة ».
ويضيف بارسي : « ان
خامنئي وافق على مضمون الصفقة ـ
حسب ما اكده لي عدد من المسؤولين
في الحكومة الايرانية ـ ووضع
مسودة الصفقة ابن اخ وزير
الخارجية السابق كمال خرازي،
الذي كان سفيراً لإيران في
باريس ( صادق خرازي ). لكن
الاميركيين لم يردوا على هذا
الاقتراح ». واطرح على الدكتور
بارسي ما قاله الرئيس الاميركي
جورج دبليو بوش، من انه لن يغادر
الرئاسة في كانون الثاني ( يناير
) 2009 وإيران تملك قدرة على انتاج
اسلحة نووية، وما اذا كان يعتقد
بأن ضربة عسكرية اميركية على
ايران قد تقع ما بين اليوم وشهر
تشرين الثاني ( نوفمبر ) 2008 موعد
الانتخابات الرئاسية
الاميركية؟ فيقول : « هناك خطر
المواجهة العسكرية بين
الدولتين، لا سيما وان الخطاب
السياسي في البلدين في تصاعد،
لذلك من الصعب رؤية كيف يمكن
لإدارة بوش ان تكرر اتهام ايران
بقتل الاميركيين في العراق، من
دون ان يضغط هذا التوجه على
الادارة من اجل اللجوء الى عمل
عسكري ضد ايران .
ويضيف : « اعتقد بأن
الذين يريدون في الادارة توجيه
ضربة الى ايران، لديهم
استراتيجية فاشلة، وسيصعب
عليهم اللجوء الى التبرير
النووي لأن الوكالة الدولية
للطاقة النووية وإيران
تتعاونان الآن، والدول الاعضاء
في مجلس الامن غير راغبة في
الذهاب الى حرب، ثم اذا
طرح البرنامج النووي الايراني
كعذر، فإن الولايات المتحدة
ستبدو وكأنها تتصرف بناء لطلب
اسرائيل، لأن ادارة بوش قالت
عدة مرات، انها لن تسمح ببرنامج
نووي ايراني لأنه سيشكل خطراً
على اسرائيل، لكن اذا اعادت
التركيز على العراق عندها يمكن
ان توحي بأنها تدافع عن حياة
الجنود الاميركيين ».
واسأله، في حالة
الحرب، هل ترى ان اسرائيل
ستهاجم » حزب الله » وسوريا ام
ان العكس سيحصل؟ فيجيب : «
من المؤكد ان تحصل مواجهة بين
اسرائيل وسوريا و«حزب الله » ،
لأنه في حالة الهجوم على ايران،
فان ايران ستستعمل » حزب الله »
في الرد على اسرائيل، وهذا جزء
من سبب الحرب العام الماضي بين »
حزب الله » وإسرائيل، اذ ارادت
اسرائيل ان تتخلص من قدرة ايران
على الرد او الردع قبل ان تحصل
المواجهة المباشرة مع ايران ».
ويقول الدكتور
تريتا بارسي : « ان الخيار
الافضل لكل طرف في المنطقة، ان
يعترف بأن النظام القديم في
الشرق الأوسط انهار، لأن
الولايات المتحدة كانت الضامنة
لذلك النظام، لكنها اضعفت نفسها
في المنطقة بسبب الحرب على
العراق ». ولأن انهيار النظام
أمر خطير جداً، فيجب بذل الجهود
لإنشاء نظام جديد، ويرى الدكتور
بارسي بأن هناك طريقتين لإنشاء
نظام جديد . اما ان تخوض الدولة
حرباً وتنتصر وتفرض نظاماً
جديداً او اللجوء الى « دفق » في
الديبلوماسية كما حصل في اوروبا
في الماضي، حيث برز نظام جديد من
دون اللجوء الى العنف . « واعتقد
بأن الخيار الديبلوماسي اكثر
جاذبية انما يتطلب طرحاً
جديداً، ليس فقط في ايران او في
اميركا، انما في كل المنطقة ».
ولكن، كل الدول في
المنطقة متخوفة من ايران،
ويوافق بارسي على ذلك مضيفاً ان
لهذا التخوف اسباباً مختلفة، «
لكن الواقع هو التالي، ان ايران
قوة اقليمية، وأي نظام جديد في
الشرق الاوسط سيقوم على استثناء
ايران، سيسبب توتراً لأن ايران
ستظل تحاول زعزعة ذلك النظام،
وعلى كل طرف في الشرق الاوسط ان
يسأل نفسه : ما هو الاخطر ، ايران
مستثنية او ايران مشمولة . ان
ايران مشمولة ستؤدي الى شرق
اوسط جديد، انما اكثر طبيعية من
شرق اوسط لا يشمل ايران التي
ستظل تبذل كل الجهد لزعزعته ».
لكن المشكلة التي
تراها دول الشرق الا وسط في
ايران، انها تريد السيطرة على
المنطقة، حتى ان القيادة
الايرانية لا تتصرف على انها
متساوية مع بقية الدول مثل
السعودية ومصر، بل تتصرف وكأنها
القوة العظمى في المنطقة، ويجب
الاعتراف لها بذلك (!) ولا يعتقد
بارسي بأن الاغلبية في القيادة
الايرانية لديها تطلع الى
السيطرة، هناك اقلية في ايران
تفكر هكذا وهذا خطير جداً، «
اعتقد بأننا نحتاج الى شرق اوسط
لا تكون فيه سيطرة اسرائيلية،
او ايرانية، او سعودية او مصرية
او اميركية ». ويضيف : « ان ايران
في حاجة الى اعتماد ديبلوماسية
مختلفة في العالم العربي لتكسب
ثقته، وفي المقابل هناك مشكلة
في العالم العربي تجب معالجتها .
فعندما يقول القادة في العالم
العربي، لإيران بأن لا تتدخل في
الشؤون العربية، فهذا يعني ان
ايران كونها ليست دولة عربية،
فإن مصلحتها ورأيها في قضايا
تؤثر عليها، انما هما غير
شرعيين، ولأنها غير عربية عليها
ان تبقى متفرجة من الخارج . لهذا
ادعو الى طرح جديد ». واسأله :
كأنك تدعو الى جامعة جديدة في
الشرق الاوسط تحل محل الجامعة
العربية؟ يجيب : « هناك حاجة الى
نظام امني شامل يعترف بأن القوى
الحالية في المنطقة موجودة
وستبقى، وهذا لا يشمل ايران فقط
بل ايضاً اسرائيل ».
وهل تقبل ايران
بإسرائيل؟ يجيب : « عليها ان
تقبل، وكذلك على الدول العربية،
وألا تصر اسرائيل بأن تكون
السيطرة العسكرية لها في
المنطقة، اسرائيل تقول ان
اهدافها دفاعية، لكن في الحقيقة
هذه سيطرة عسكرية ».
ومن سيقنع اسرائيل؟
حسب بارسي، الولايات المتحدة،
هذا اذا كانت جادة في ايجاد نظام
جديد، وليس في ايجاد نظام جديد
ينقذ دورها في المنطقة، « على
اميركا ان تعترف، بأنه بغض
النظر عن الدين او العرق، اذا
اوجدت نظاماً جديداً قائماً على
استثناء بعض الدول، لا سيما اذا
كانت دولاً قوية، فلن تتوصل الى
حل دائم . انه قانون جيو ـ سياسي،
وليس قانوناً قائماً على الدين
او العرق او الايديولوجية ».
لكن، اذا اصرت
الولايات المتحدة على شن حرب
على ايران، فهل ستقوم ايران
بتعطيل الملاحة مثلاً في مضيق
هرمز؟ يجيب الدكتور بارسي : « لا
اعرف ماذا سيفعل الايرانيون،
لكن كلي اقتناع، بأنه اذا حصل
هجوم شامل فان الايرانيين
سيرونه هجوماً للقضاء على
نظامهم، ونتيجة لذلك لن يترددوا
في استعمال كل ما يتوفر لهم،
لأنه بنظرهم لن يكون هناك غد،
فلماذا يخبئون اي شيء للغد . اذا
وقعت الحرب، سيردون وكأنها
وقفتهم الاخيرة ».
واسأل بارسي رأيه
بما قاله الجنرال الاميركي
المتقاعد جون ابي زيد اخيراً،
بأن هناك طرقاً كثيرة للعيش مع
ايران نووية، وانه بامكان
اميركا ردع ايران عن اللجوء الى
النووي، ودعم ذلك بقوله : ان
ايران ليست بالدولة الانتحارية
. يجيب : « انها وجهة نظر عامة،
لكن سياسياً وجهة نظر غير
صحيحة، لأنه اذا قبلت رسمياً
بأنك تستطيعين ردع ايران، عندها
ستتوفر الحلول السريعة ويسقط
الخيار العسكري ».
ويضيف : « من جهة
اخرى، فان ابي زيد على حق، لأن
ردع ايران يجري منذ 27 سنة، توفرت
لها فرص كثيرة للانتحار ورفضتها
كلها ».
« لكن، اعتقد بأنه
من الاسهل ايجاد ترتيب شامل في
الشرق الاوسط قبل ان تتوصل
ايران الى امتلاك تلك القدرة ».
واسأل الدكتور
تريتا بارسي عما اذا كانت ايران
تبني سلاحاً نووياً فيجيب، انه
لا يعتقد ذلك بل انها تتجه الى
امتلاك القدرة النووية التي
تخولها بناء السلاح النووي . «
انها تفعل ما تفعله اليابان،
فهذه قادرة على امتلاك السلاح
النووي في ستة اشهر لأن لديها
القدرة ».
في كتابه اشار
بارسي الى ان ثاني اكبر كثافة
يهودية، بعد اسرائيل في الشرق
الاوسط هي في ايران ( يعيش فيها 25
ألف يهودي ) ، لكن، لماذا اختار
احمدي نجاد ان يركز هجومه
دائماً على اسرائيل؟ يوضح : «
لأنه اراد جعل اسرائيل عاملاً
واضحاً في المسألة الايرانية،
ومن اجل ان يتأكد بأن الدول
العربية لا تقف الى جانب اميركا
في هذه القضية، فهي اذا وقفت مع
اميركا فانها تقف مع اسرائيل ».
في كتابه، يركز
بارسي تاريخ العلاقات السرية
بين ايران وأميركا وإسرائيل منذ
عام 1948، ويشير الى استمرار هذه
العلاقات بطريقة غير رسمية لا
سيما بين ايران وإسرائيل . عندما
كانا يتعاونان دفاعياً، كانت
مصر قوية جداً وكذلك كان العراق
. الآن ترى الدولتان ( ايران
وإسرائيل ) ان هامش المناورة
والتحرك امامهما مفتوح . « لكن
لو كان لتركيا طموح بعيد في
الشرق الاوسط، لاختلفت
المعادلة »!
الشرق
الأوسط 4/10/2007
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|