ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 26/01/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


استقالة تبحث عن شجعان يقدمونها

بقلم‏:‏ فهمي هويدي

انسحب بعض وزراء الخارجية العرب من اجتماع طارئ دعت إليه الجامعة العربية‏,‏ لبحث نتائج زيارة الرئيس بوش والجرائم الإسرائيلية البشعة والمتواصلة في غزة‏,‏ وأمام جموع الصحفيين المحتشدين أعلنوا استقالتهم من مناصبهم‏,‏ وأرفقوا إعلانهم ببيان هذا نصه‏:‏

(1)‏

لقد فاض بنا الكيل ولم نعد نحتمل الصبر‏,‏ بعد أن أصبحت قضايا الأمة العربية يعبث بها البعض تحت أعيننا‏,‏ ومصائرها تدار من وراء حدودها‏,‏ وأحلامها تجهض واحدا تلو الآخر‏,‏ وكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس جورج بوش لبعض العواصم العربية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير‏,‏ إذ وجدناه منذ اللحظة الأولي التي وطئت فيها قدماه أرض المنطقة‏,‏ قد أغلق الملف الفلسطيني‏,‏ وبدد كل الآمال التي علقت علي الدور الأمريكي‏,‏ خصوصا بعدما سلم الملف بكامله إلي الإدارة الأمريكية في مؤتمر أنابوليس‏,‏ إذ قررت وثيقة التفاهم التي أعلنت فيه‏,‏ أن خريطة الطريق هي المرجعية الأولي للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول قضايا الحل النهائي‏,‏ كما تم الاتفاق علي تشكيل لجنة ثلاثية لمتابعة المفاوضات برئاسة أمريكية‏.‏

 

لقد أعلن الرئيس بوش في اليوم الأول لوصوله إلي تل أبيب‏,‏ عن يهودية الدولة الإسرائيلية‏,‏ الأمر الذي يعني إلغاء حق العودة ويفتح الباب لطرد العرب المقيمين داخل حدود الدولة العبرية‏,‏ وعرض‏150‏ مليون دولار علي اللاجئين الفلسطينيين مقابلا لبيع وطنهم وتاريخهم‏,‏ وتحدث عن تعديل حدود الدولة الإسرائيلية‏,‏ وأيد استمرار بقاء المستوطنات التي أقيمت بالمخالفة لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي‏,‏ ودعا إلي إقامة دولة فلسطينية بلا سيادة تكون وظيفتها الأساسية هي حماية المصالح وتأمين الطموحات الإسرائيلية‏,‏ وهو حين فعل ذلك فإنه وضع سقفا إسرائيليا للحلم الفلسطيني‏,‏ واعتبر أن ذلك السقف هو الإطار الذي يحكم السياسة الأمريكية في المنطقة‏,‏ وأن هذه هي خطة الطريق الحقيقية‏.‏

 

بهذا الطرح الأمريكي البائس والمهين‏,‏ تم التمهيد لتصفية القضية الفلسطينية‏,‏ وأصبح مطلوبا من العالم العربي ألا يطمح الي أبعد مما تحدث به الرئيس بوش‏,‏ وحين تصبح أفكارا من ذلك القبيل هي تمثلات انطلاق مفاوضات السلام التي أسفر عنها مؤتمر أنابوليس‏,‏ فإن العرب يصبحون بإزاء خدعة تاريخية كبري تلغي ستين عاما من ترقبهم وسعيهم لحل القضية الفلسطينية‏,‏ ومن ثم تحولهم من شركاء في تحمل مسئوليتها إلي متواطئين ومتآمرين عليها‏.‏

 

لقد كان مفجعا حقا ما قاله الرئيس في العلن‏,‏ لكن ما كان مذهلا حقا أن الرئيس الأمريكي استقبل بعد ذلك بحفاوة بالغة في العديد من الدول العربية التي زارها‏,‏ من ثم فإذا كانت تصريحاته الصادمة مهينة للعرب‏,‏ فإن الحفاوة التي استقبل بها جاءت دليلا علي أن العرب يستحقون الإهانة‏,‏ لذلك فإننا حين استقلنا من مناصبنا فإننا أردنا أن نعلن علي الملأ أننا لسنا من هؤلاء‏.‏

(2)‏

لقد جاء الرئيس بوش لكي يقنعنا بأن الخطر الذي يهدد المنطقة ليس إسرائيل وإنما هو إيران‏,‏ وفي كل محطة عربية توقف فيها حرص علي أن يلقننا هذا الدرس‏,‏ ولم تكذب إسرائيل خبرا‏,‏ لأنها نفذت مذبحة غزة التي قتلت فيها‏19‏ شخصا في يوم واحد‏(‏ الثلاثاء‏1/15)‏ قبل مغادرته‏,‏ وقتلت في غاراتها‏40‏ شخصا خلال أربعة أيام‏,‏ ثم أعقبت ذلك بقرار قطع التيار الكهربائي وشل الحياة في القطاع‏,‏ ولم يكن هناك من تفسير لذلك سوي أن القادة الإسرائيليين كانوا واثقين من أن وقوع المذبحة وتكرارها لن يعكر أجواء زيارة الرئيس بوش‏,‏ ولن يقلل من حميمية استقباله‏,‏ ناهيكم عن أنه لن يكون محل استياء من جانبه أو من مستقبليه‏,‏ فمثل هذه الغارات في النظر الأمريكي دفاع عن النفس‏,‏ ثم انها في ظل استراتيجية الاحتشاد لمواجهة إيران‏,‏ تعد من قبيل النيران الصديقة‏!.‏

 

لقد كان مخزيا أن يصمت الخطاب الرسمي العربي إزاء كل ذلك‏,‏ فلا انتقدت تصريحات الرئيس بوش‏,‏ ولا أدينت الغارات الإسرائيلية‏,‏ ولا تحرك أحد ضد جريمة اغتيال القطاع واذلال أهله وبلغ الخزي أقصاه حين سكت المندوب الفلسطيني لدي الأمم المتحدة علي مذبحة غزة ولم يطلب عرض موضوعها علي مجلس الأمن‏,‏ وهو ذات المندوب الذي كان قد أعد مشروعا لعرضه علي الجمعية العامة لإصدار قرار يعتبر حماس منظمة خارجة علي القانون‏,‏ ومن ثم منظمة إرهابية‏,‏ واستمر شعورنا بالخزي حين وجدنا أن السلطة الفلسطينية في رام الله اكتفت بإطلاق عدة تصريحات احتجاجية علي استمرار الغارات الإسرائيلية‏,‏ وبعثت برسائل استغاثة الي أولي الأمر في واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية للقيام بما يلزم‏,‏ كما أنها عجزت عن أن تصدر قرارا يوقف المفاوضات بسبب استمرار إسرائيل في توسعاتها الاستيطانية‏,‏ برغم الفشل المتلاحق الذي منيت به جولات المفاوضات‏,‏ وثبوت العبثية في استمرارها‏.‏

 

لقد أقنعتنا خبرة السنة الأخيرة بأن الهم الأساسي للسلطة في رام الله‏,‏ لم يعد تحرير فلسطين‏,‏ لأن شاغلها الحقيقي بات تحرير غزة من سلطة حماس‏,‏ وذلك واضح في خطابات وتصريحات الرئيس أبومازن‏,‏ خصوصا خطابه الكارثي الذي ألقاه في مؤتمر أنابوليس‏,‏ من ثم لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنه لم تعد هناك في حقيقة الأمر قضية فلسطينية‏,‏ وإنما تفتتت المشكلة وتحولت إلي قائمة طويلة من المشكلات والقضايا‏,‏ أكثرها يتعلق بالصراعات الحاصلة داخل الصف الفلسطيني ذاته‏,‏ خصوصا الكيانات الممثلة للشعب الفلسطيني‏,‏ التي فقدت شرعيتها بعدما أصبحت السلطة الحاكمة في رام الله لا تمثل سوي‏10%‏ فقط من الشعب‏,‏ في حين أن‏90%‏ من الفلسطينيين أصبحوا عمليا خارج اللعبة السياسية التي تدير مصير وطنهم‏.‏

(3)‏

إننا نستشعر خجلا شديدا وأسفا أشد‏,‏ حين نصارح شعوب الأمة العربية بأن قضية فلسطين لم تعد القضية الأولي علي جدول أعمال العمل العربي‏,‏ ولم يعد أحد يذكر أنها كانت يوما ما القضية المركزية‏,‏ وقد فقدت أولويتها منذ اللحظة الأولي التي رفع فيها الشعار الذي يقول إن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني‏,‏ ومنذ روج البعض للادعاء بأننا نقبل ما يقبل به الفلسطينيون‏,‏ وينبغي ألا نزايد عليهم لنكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين‏,‏ إلي غير ذلك من المقولات التي مهدت للتحلل من التزامات القضية التي هي من صميم الأمن القومي العربي‏,‏ حتي أصبح مصيرها معلقا بقرارات أطراف مشكوك في تمثيلهم للشعب الفلسطيني ذاته‏.‏

 

هذا التمهيد البائس فرخ في طور لاحق الشعار الذي يقول‏:‏ نحن أولا‏,‏ والذي يخفي بين طياته تكملة تقول‏:‏ وليذهب الآخرون إلي الجحيم‏,‏ وحاول المروجون للشعار أن يدغدغوا المشاعر القطرية والانعزالية‏,‏ لكي يغذوا بها فكرة الانفضاض من حول القضية الفلسطينية بحسبانها عبئا علي الأقطار الأخري‏,‏ في حين أن الفلسطينيين كانوا هم الضحية التي صلبها الصهاينة في مشروعهم لتمهيد تلك الأقطار وتعطيل نموها‏,‏ خصوصا ما كان منها في الجوار الجغرافي‏,‏ ومصر علي رأس تلك الدول‏.‏

 

إذ لم يعد هناك شك في تراجع أولوية قضية فلسطين في الملف العربي‏,‏ فلعلنا لا نبالغ اذا قلنا إن لبنان أصبحت قضية العرب المركزية في الوقت الراهن‏,‏ فالأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسي‏,‏ ذهب إلي بيروت عدة مرات بتكليف من مجلس الجامعة لكي يحاول التوفيق بين تياري الحريري من ناحية وعون وحزب الله من ناحية ثانية‏,‏ في حين لم يفكر مجلس الجامعة في القيام بدور مماثل في التوفيق بين حركتي فتح وحماس‏,‏ ولم يعد سرا أن الدول العربية كانت ولاتزال شريكة في حصار غزة وتدمير حياة الفلسطينيين هناك‏,‏ بل إن بعض الدول العربية عززت الانقسام وقامت بالاصطفاف إلي جانب طرف دون آخر‏,‏ ومنها دول تتولي تمويل جماعة رام الله بالمال والسلاح باتفاق مسبق مع الولايات المتحدة‏,‏ وقبول وتشجيع من جانب إسرائيل‏.‏

 

هذه الأيام تحاول بعض الشخصيات الفلسطينية المستقلة المقيمة خارج الأرض المحتلة عقد اجتماع لبحث كيفية ترتيب البيت وانتخاب مجلس وطني جديد يمثل الشعب الذي تعيش أغلبيته خارج الضفة وغزة‏,‏ ولكنهم لم يجدوا بلدا عربيا يرحب باجتماعهم‏,‏ ولما يئسوا اتجهوا إلي دول الجوار العربي آملين في أن يمكنوهم من عقد ذلك الاجتماع‏,‏ ورسالة عدم الترحيب واضحة‏,‏ في حين أنها تعني إما مساندة الوضع القائم في رام الله والحرص علي إبقاء الأمر علي ما هو عليه‏,‏ أو تجنب الضغط الأمريكي الذي يدعم بقوة سلطة أبومازن ويعارض بنفس القوة أي صيغة أخري للوفاق الفلسطيني‏,‏ خصوصا التفاهم بين فتح وحماس أو تشكيل حكومة جبهة وطنية‏.‏

 

إننا نري في الأفق نذر سوء تؤرق ضمير أي عربي شريف‏,‏ فالأمة العربية صارت جسما بلا رأس وسفينة بلا ربان‏,‏ وبيتا دبت فيه الفوضي وانقلبت معاييره‏,‏ فالكبار فيه تضاءلوا وصغروا‏,‏ والصغار ارتكسوا ونفروا‏,‏ في الوقت ذاته فإن الأبالسة المتربصين ما برحوا يعيدون رسم خرائطها وإعادة تركيب أولوياتها بما يخدم مصالح الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية‏,‏ ويهدد أمن الأمة بقدر ما يشق صفها‏,‏ ما بين بعاد مغاربي إلي انسحاب لدول مجلس التعاون الخليجي‏,‏ وانفراط مشرقي‏,‏ ولأن الأمر كذلك‏,‏ فإننا آثرنا أن نربأ بأنفسنا عن التورط في هذه المواقف‏,‏ ولم نجد أمامنا سوي الاستقالة من مناصبنا والانتقال الي صف الجماهير التي لايزال أملنا فيها أكبر وثقتنا فيها بغير حدود ـ ونحن مطمئنون في النهاية إلي أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس وحده الذي يمكث في الأرض ـ حفظ الله أمتنا من كل سوء‏.‏

(4)‏

كان ذلك حلما طويلا ومثيرا أفقت منه حائرا‏,‏ لأنني لم أجد أسماء الموقعين علي البيان‏,‏ فلجأت إلي الصديق جميل مطر ‏,‏ الدبلوماسي المخضرم وأحد خبراء السياسة العربية العارفين بأسرارها‏,‏ وسألته عن وزراء الخارجية العرب الذين يرشحهم لتوقيع البيان‏,‏ وظللنا علي الهاتف نستعرض أسماء ومواقف الوزراء واحدا واحدا‏,‏ إلا أنه في نهاية المطاف اعتذر عن عدم إفادتي في الموضوع‏,‏ قائلا إنه يعرف واحدا فقط يمكن أن يصدر بيانا بهذه الصورة‏,‏ ولكنه أقيل من منصبه‏!‏

الأهرام 22/1/2008

-------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ