ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 27/09/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رد  د. جوزيف عبد الله  على مقال ميخائيل عوض :

 "متى يحكم الأسد ورؤيته الاجتماعية بديلاً عن الارتجال والليبرالية؟ "

ورد ميخائيل عوض عليه

متى نعترف بأن الوقائع أشياء عنيدة فلا نستبدلها بالتمنيات؟

شعار المرحلة عند الأنظمة العربية وحركات المقاومة الإسلامية:

المجد للرأسمال في العلى، وعلى الأرض الدولار!

د. جوزيف عبد الله

بغية الدقة في الكلام سأعتمد طرح المواقف من مظانها الأكيدة، وعلى لسان أصحابها بالذات. فكأني مجرد جامع نصوص، أسردها بأمانة الناقل، واعلق عليها، لا أكثر.

في مقالك "متى يحكم الأسد ورؤيته الاجتماعية بديلاً عن الارتجال والليبرالية؟" (السفير 28-8-2008) تثير جملة من المسائل، كنت أحسبك، وأنت العارف المتعمق بواقع سورية، ستعيد النظر بتفسيرك لها، بحيث أن تمنياتك الجميلة وأحلامك الزاهية النابعة من محبتك للوطن والأمة ورغبتك بمستقبل زاهر لهما وثقتك بالرئيس بشار الأسد لا تحل مكان رؤية الواقع المعاكس للتمني والرغبة والحلم والثقة.

في طليعة تلك المسائل التي يثيرها مقالك قضية من عناصرها "اقتصاد السوق الاجتماعي" و"رؤية الأسد" و"الليبراليين" والـ"هبيشة"... فيستنتج المطالع للمقال وكأن هناك "رؤية" خاصة بالأسد في الشأن الاقتصادي والاجتماعي ستحمل "المن والسلوى" للشعب السوري، يقابلها ويعيقها وقد يسقطها سلوك "قلة" "شلة" "حفنة ليبرالية" "حفنة إيديولوجية ليبرالية"... "تسعى خلسة"... ويشبهها المقال بأنها "فاعل هلامي غير مجسد ماديا في البنية والمجتمع" إنها "أحد ما لوبي، قوة خفية"... (العبارات المسودة هي بالأصل لصاحب المقال).

وتخلص إلى سؤال "من يحكم سوريا؟". وتجيب: "الأسد ورؤيته الإصلاحية الاجتماعية" (في مكان آخر: "برنامجه الوطني الاجتماعي") أم "الشلة الليبرالية" و"القلة"؟ ما يجعل القارئ في تصور احتمال تآمر (هناك من يخطط "للإطاحة بالرئيس وبنهجه"!) "شلة" أو "قلة" على الرئيس لاسقاط "رؤيته الإصلاحية الاجتماعية" أو "برنامجه الوطني الاجتماعي"! وفي هذا نسجل الملاحظات الآتية:

قال الشاعر: 

"ألا لا يجهلن أحد علينا             فنجهل فوق جهل الجاهلينا"

الملاحظة الأولى: تعتبر في مقالتك أن خطابات الرئيس تحتوي على "رؤيته الإصلاحية" أو "برنامجه الوطني الاجتماعي". هذا مجرد وهم لا أكثر. فالخواطر أو الخطوط العريضة أو العناوين الكبيرة ليست برامج ولا هي رؤية. وعبارة "اقتصاد السوق الاجتماعي" مجرد "نجم غرار" يُضل المسافر ليلاً بدل أن ينير دربه ويقربه من الفجر. عبارة "اقتصاد السوق الاجتماعي" في بلدان التجارب الاشتراكية هي "بيريسترويكا" ("إعادة بناء"، ولكن للرأسمالية بالطبع على طريقة أثرياء "كا جي بي" الذين قبضوا على المجتمع السوفييتي فضحوا به على مذبح "المجد للرأسمال في العلى، وعلى الأرض الدولار...) بدون "غلاسنوست" (مكاشفة). هي مجرد تضليل للجماهير في خدمة الرأسمالية. هل سمعنا في كل التجارب العالمية أو المحلية عن رئيس أو مسؤول يدعو دعوة ما وهو يقول لن تكون في خدمة العدالة الاجتماعية وجماهير العمال والفلاحين والمستضعفين... كل ما هو مطروح من مشاريع "إصلاحية" في لبنان إنما يتم تقديمه للناس على سبيل خدمة الفقراء وتقدمهم... كل مقولات "العولمة" الخادمة الأمينة لحيتان المال تقدم نفسها على سبيل نصرة حقوق الضعفاء. هكذا هي آلة الدعاية "الإصلاحية" خصوصاً في بلدان العالم الثالث، وبشكل أخص تلك التي كانت أنظمتها على مسحة ما من الدعوة الاشتراكية. وخطابات الرئيس الأسد لا تخرج عن هذه القاعدة. برنامج الرئيس ورؤيته، وتصورات حزب البعث وقراراته، ومن ذلك "اقتصاد السوق الاجتماعي"، كل ذلك مقياسه الجدي والفعلي والعملي نجده في الخطط التنفيذية وفي الإجراءات التنظيمية والإدارية والتشريعية والتطبيقية.

لنرى ما جاء في تصورات حزب البعث الاقتصادية في مؤتمره التاسع (17-21 حزيران 2000): "أوصى المؤتمر بوضع رؤية اقتصادية تحديثية لجميع قطاعات الاقتصاد الوطني، المالية والنقدية والمصرفية والإنتاجية والاستهلاكية والتسويقية، بهدف إعادة التوازن في الاقتصاد الوطني، ومعالجة التشوهات في بنيته الأساسية، والانتقال من مرحلة الركود والانكماش إلى مرحلة النمو والانطلاق... وفي مقدمة ذلك تفعيل التعددية الاقتصادية... كما أكد المؤتمر أهمية دور القطاعين الخاص والمشترك في هذه التعددية الاقتصادية ومواكبة المستجدات في النظام الاقتصادي العالمي الجديد والتكتلات الاقتصادية والشراكة الأوربية... وإصدار القوانين والتشريعات المناسبة، والبدء باتخاذ الإجراءات التي هدفها تشجيع الاستثمار...".

وجاء في البيان الختامي للمؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي في السادس من حزيران 2005: "... مواصلة العمل على بناء شراكة سورية اوروبية تحقق مصالح الطرفين وتضمن تعاونا في المحاور السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية بعد التوقيع النهائي على اتفاق الشراكة... وأكد المؤتمر استكمال مشروع الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي والاداري وتكليف الحكومة بوضع الخطة الخمسية العاشرة قبل نهاية العام وصياغة برنامج الاصلاح الاقتصادي في ضوء ذلك... وأقر مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي وفق انتقال تدريجي يحمي المجتمع من الهزات مؤكدا على دور الدولة في الاقتصاد وفق صيغ عصرية متطورة وإعادة تأهيل القطاع العام في القطاعات الاستراتيجية وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي...".

هكذا كان موقف حزب البعث، الذي شارك الرئيس في مؤتمراته. وأوضح الرئيس الأسد مباركته لكل الإجراءات المتخذة من قبل من تسميهم "قلة" و"حفنة" و"شلة" و... فلنقرأ ما يقول الرئيس في خطاب الولاية الثانية عام 2007: "وكان قرارنا الاستراتيجي يقضي بضرورة بناء أسس متينة للاقتصاد الوطني تلامس مختلف أوجهه.. كي نتمكن من تحسين المستوى المعاشي للمواطنين بصورة جدية ومستدامة.. مع الحفاظ على المكتسبات التي تحققت للشرائح الواسعة وتعزيزها.. لذلك باشرنا باتخاذ مجموعة من القرارات والتدابير الحاسمة والتي شكلت بمجموعها منعطفا فعليا في تطورنا الاقتصاد... وتم اقرار مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يفتح المجال واسعا أمام المبادرة الفردية والاحتكام إلى اليات السوق... في اطار قيادة الدولة للعملية التنموية.. وادارتها لحركة النشاط الاقتصادي.. وتهيئتها البيئة التنظيمية المحفزة... أصدرنا مئات التشريعات والقرارات التي شكلت قفزة واسعة إلى الأمام ووفرت الاساس القانوني لتحقيق الاصلاح المنشود... وجعلت الاصلاح يطال مختلف مجالات النشاط الاقتصادي ويغير مجمل الصورة الاقتصادية والمالية والنقدية... حيث تم اصدار قانون النقد الاساسي... وتشكيل مجلس النقد والتسليف وادارته للسياسة النقدية... واعادة هيكلة المصارف العامة... وتعزيز دور المصرف المركزي. بالاضافة إلى تطوير المالية العامة وتحسين الادارة الضريبية وتحرير التجارة وتعديل الرسوم الجمركية وتبسيط نظام سعر الصرف وتمويل الواردات...‏ كما صدرت القوانين والقرارات التي أطلقت... إلى ميدان العمل... المصارف وشركات التأمين الخاصة وسوق الاوراق المالية... وتم فتح أغلب القطاعات الاقتصادية أمام المشروعات الخاصة... وأعطت الاجراءات الاصلاحية دفعة مهمة للاستثمار في مختلف المجالات...

باختصار، أسند الرئيس لأبرز رموز التيار الليبرالي (سنتناول في الملاحظة الثانية مسألة التيار الليبرالي لا "شلة" أو "حفنة" الليبراليين) مهمة تنفيذ التصور الاقتصادي الاجتماعي الليبرالي الذي جاء تحت مسمى التعمية "اقتصاد السوق الاجتماعي". وأبرز الرموز هو بالطبع عبدالله الدردري الذي يسخر له حزب البعث منابره ليروج الليبرالية صراحة.

ماذا يقول الدردري في محضر حزب البعث وبناء لدعواته ومن على منابره بالذات؟

بدعوة من دار البعث وموقع الحزب على الانترنت أقيمت في 20-2-2005 (أي قبل أقل من أربعة أشهر على المؤتمر القطري للحزب الذي أقر الخطة الاقتصادية، أي في مرحلة ترويج الحزب لخطته) ندوة بعنوان "الاقتصاد السوري: خيارات المستقبل"، وكان عبدالله الدردري أبرز متحدث فيها. ماذا قال الدردري؟ هنا ندخل إلى الملاحظة الثانية.

الملاحظة الثانية: تتعلق بمن يتخذ القرارات؟ وهل تأتي "خلسة"، من خلف ظهر الرئيس والحزب...، وعلى يد "فاعل هلامي" و... الدردري يوضح الأمور على منبر البعث واستجابة لدعوته... فلنقرأ ما قاله، دونما اعتراض أحد عليه، لا في الندوة وأثنائها، ولا خارجها أو في زمن لاحق عليها: "اليوم (الأحد 20/02/2005 ) هي المناسبة الأولى التي سيعرض فيها الإطار العام للتوجه التنموي الجديد في سورية على الرأي العام لأننا الآن انتهينا من إعداد الإطار الأولي لهذا الموضوع... هيئة تخطيط الدولة تعمل في قضية التنمية في سورية وتحاول أن ترسم الخطوط العريضة لتحقيق التنمية... قوة هيئة تخطيط الدولة من أنها جهاز فني يختلف عن أي وزارة بحقيبة... هي الجهاز الفني للسلطة التنفيذية في سورية وهي كانت كذلك من 1968 على فكرة عمرها ما كانت وزارة، كان يرأسها رئيس هيئة، كان اسمه رئيس هيئة تخطيط الدولة، وهو وزير الدولة لشؤون التخطيط... كل ما جرى الآن بأنه حفاظاً على استقرارية هذا الجهاز وعدم تغيّر رئاسته مع تغيّر الحكومة تم اعتماد رئيس هيئة تخطيط الدولة بمرتبة وزير الآن...

اختيار رئيس هذا الجهاز بشكل فني له غرض سياسي بأنه عزل السياسة عن التخطيط بالمعنى التفصيلي اليومي، لكن طبعاً في صنع القرار الاقتصادي والتنموي في سورية لا يمكن عزل السياسة عن التخطيط. لكن هذا يؤخذ على مستويات أعلى من هيئة تخطيط الدولة، هيئة تخطيط الدولة تقترح سياسات لكنها لا تصنع سياسة الدولة، من يقرر سياسة الدولة أجهزة الدولة مجلس الوزراء، اللجنة الاقتصادية، الفريق الاقتصادي، القيادة القطرية، رئيس الجمهورية. نحن دولة مؤسسات...

واضح بأنه توجه عام لا علاقة له بما يقوله عبد الله أو زيد أو عمر أو كذا من الناس... برشلونة صارت بعام 1995 وبالتالي اتخذ هذا القرار بالعام 1995... اتفاقية برشلونة ونصوص برشلونة، طبعاً كان واعي وأخذ القرار للإنضمام إلى برشلونة فبالتالي حتى فكرة الإنقلاب... أين الإنقلاب إذ كان بعام 1995، أنا وقعت على وثيقة للإنضمام إلى مسيرة تتحدث عن الوصول إلى اقتصاد سوق وقطاع خاص ووو... ليس أنا ولكن هذا الكلام مضى عليه 11 سنة لا علاقة له بزيد أو عمر وبأي شخص...

(هيئة تخطيط الدولة) تعمل على أن تضع البرامج والخطط التنموية الاستراتيجية لسورية كي تعتمدها الدولة- بطبيعة الحال هيئة تخطيط الدولة ليست صانعة قرار بل هي جهاز فني يقدم لصانع القرار الخيارات ومن ثم صانع القرار يقرر ماذا يريد أن يفعل بالنسبة ليختار أي شيء مناسب سياسياً- بينما نحن نقدم ما هو مناسب فنياً".

هل من حاجة بعد لأن نسأل: من يتخذ الاجراءات؟ وهل تتخذ خلسة؟ وهل الأمر يتعلق بجرد شلة الليبراليين؟...

الملاحظة الثالثة: تتعلق بجوهر مقولة "اقتصاد السوق الاجتماعي" في سورية، وبطبيعة العملية الإصلاحية، استناداً للمرجعية التي أوكل لها النظام السوري أمر التخطيط، لتقوم أجهزة الدولة بأمور التنفيذ العملي التطبيقي.

يوضح الدردري في الندوة السابقة الذكر جوهر الإجراءات المعنية بتطبيق عبارة "اقتصاد السوق الاجتماعي" بقوله: "هل نستطيع أن نحقق التنافسية وهل نستطيع أن نحرر اقتصادنا كما يجب وكما التزمنا في اتفاقية الشراكة (المقصود الشراكة الأورومتوسطية) وكما التزمنا في منطقة التجارة الحرة وكما التزمنا في تقديمنا لطلب الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهي كلها أمور ليس لها علاقة بهذه الحكومة وإنما هي أمور مقرة منذ زمن...".

وبعد سنة تقريباً على المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، وبدعوة من دار البعث وموقع الحزب على الانترنت أقيمت في 25-6-2006 ندوة حول "الخطة الخمسية العاشرة ودورها في التمهيد لاقتصاد السوق الاجتماعي"، وكان نجمها أيضاً عبدالله الدردري، بحضور عدد من الباحثين الاقتصاديين والإعلاميين والأطر الحزبية والمهتمين، وقد أدار الندوة الأستاذ إلياس مراد مدير دار البعث.

ماذا قال الدردري؟

"خيار اقتصاد السوق الاجتماعي هو خيار اتخذه حزب البعث العربي الاشتراكي، والحكومة حسب الدستور في سورية تنفذ التوجهات السياسية والسياسات الاقتصادية التي يقرها الحزب، من هنا فإن الحكومة الآن ومنذ حزيران 2005 تعمل على ترجمة هذا الخيار الواضح على شكل سياسات وبرامج واستراتيجيات، ومشاريع وخطط تبلورت بشكل عام في الخطة الخمسية العاشرة. رغم أن الخطة الخمسية العاشرة تحدثت بوضوح عن اقتصاد السوق الاجتماعي، ومفهومه في هذه الخطة، ورغم أن المؤتمر القطري العاشر للحزب وضع 16 توصية في الشق الاقتصادي، ترجمت في الصفحة الأولى وعلى الصفحة الثانية من مقدمة الخطة الخمسية العاشرة، ترجمت بعنوان كيفية ترجمة مفاهيم المؤتمر القطري العاشر في الخطة الخمسية العاشرة، وكيفية ترجمة 16 التوصية في الشق الاقتصادي إلى سياسات وبرامج، وهذا هو تقاسم العمل المنطقي ما بين القيادة السياسية التي تضع التوجهات العامة وتضع السياسات العامة، وما بين السلطة التنفيذية التي تترجم هذه السياسات إلى برامج ومشاريع وغيرها".

يؤكد هذا المقطع ما ذهبنا إليه في الملاحظة السابقة للتو، ولكن المهم هو الآتي:

"اقتصاد السوق الاجتماعي هو نتاج تجربة... أنها تجربة ولدت في رحم الاقتصاد الرأسمالي، اقتصاد السوق الاجتماعي هو اقتصاد السوق بالأساس، واقتصاد رأسمالي يعتمد الاقتصاد الحر، ويعتمد العرض والطلب والسعر كمؤشر لتوزيع الموارد الاقتصادية، ويؤمن بأن السعر والعرض والطلب أي آليات السوق هي الأداة الأكفأ لتوزيع الموارد الاقتصادية في الاقتصاد...".

"نحن في سورية وبعد تحليل معمق للواقع الاقتصادي الاجتماعي السوري، اقتصاد السوق الاجتماعي السوري يؤمن باقتصاد السوق، يعني إضافة كلمة اجتماعي على اقتصاد السوق لا يلغي اقتصاد السوق، وإلا قلنا اقتصاد اجتماعي، هذا القرار السياسي أتينا لنناقشه، اقتصاد السوق الاجتماعي هو أولاً اقتصاد سوق، يعني يؤمن بكفاءة آليات السوق في التوزيع الأفضل للموارد الاقتصادية..."

"إذاً اقتصاد السوق الاجتماعي السوري، نعم هناك إيمان بضرورة قيام اقتصاد سوق يعتمد التوزيع الأفضل للموارد عن طريق آلية السعر والعرض والطلب، والدخول والخروج الحر للفاعلين الاقتصاديين إلى العملية الاقتصادية..."

"ماذا سنفعل نحن في الخطة الخمسية العاشرة لنرسخ اقتصاد السوق الاجتماعي؟ أولاً: ونحن بحاجة إلى تعديل جميع تشريعاتنا وقوانينا لتتجانس مع حماية الملكية الفكرية ومتطلبات منظمة التجارة العالمية، ومتطلبات منطقة التجارة العربية الحرة، والشراكة السورية الأوربية، وكل التزاماتنا باتفاقيات التجارة الحرة الثنائية...".

الملاحظة الرابعة: لعل أفضل عرض لهذه الملاحظة الرابعة ما جاء على لسان الدردري في ندوة "الخطة الخمسية العاشرة ودورها في التمهيد لاقتصاد السوق الاجتماعي". يقول الدردري (مرة أخرى نقول أن أحداً لم يعترض على ما يقوله الدردري): "كل ما حاولت أن أقدمه اليوم هو أن أقدم تصور سورية والحكومة حول اقتصاد السوق الاجتماعي، أريد أولاً: أنه تصور في ذهن الحكومة واضح، وثانياً: أنه تصور متفق عليه في الحكومة، وليس هناك نهائياً أية فروقات ضمن الحكومة حول هذا التصور، لأننا دولة مؤسسات ولسنا دولة أفراد، يجب أن تكونوا على قناعة بذلك، فهو ليس تصور فلان من الناس، وإنما تصور جماعي للقيادة السياسية والحكومة مجتمعة، وأؤكد مرة أخرى وثانية وعاشرة نحن في السنة الأولى لبرنامج طويل يحتاج إلى جهد وتضافر جهود وإقدام وشجاعة وعدم تردد، أخطر ما يمكن أن يواجه هذا البرنامج هو التردد...".

على أية حال، في مقالك بالذات، ما يكفي من الإشارات إلى وجود نزعة ليبرالية داخل السلطة السورية. تقول:"... "الشلة الليبرالية" و"القلة" "الممسكة بالمفاصل الاقتصادية" "القادرة على فرض مشروعها". غريب "قلة" أو "شلة" تمسك بمفاصل الاقتصاد وتفرض مشروعها؟ أين تتموضع في توازنات السلطة ومواقع القرار؟ وكيف؟ ومما تستمد سلطانها؟ وفي مكان آخر تقول: "باعتماد سوء الظن يمكن القول إن في البنية ألغاما، وأخطرها في الإدارة الاجتماعية الاقتصادية التي اعتمدت سياسات عبثية، لخدمة أصحاب المليارات، عقلية تخشبت عند أيديولوجيا السوق والليبرالية تفرضها قسرا، وحيث لا يتناسب مع واقع الحال وطبيعة المرحلة وخاصيات سوريا". جيد "في البنية ألغام"! أي بنية؟ بنية السلطة؟ و"في الإدارة الاقتصادية الاجتماعية" التي تم تكليفها بإدارة الإصلاح؟! اي كلام هذا؟ وأي عقل يقبله؟!

يمكن في أحسن الأحوال، ودونما حاجة إلى عبارة "باعتماد سوء الظن"، القول ثمة تعددية في مواقع القوى في السلطة السورية. هذا أمر طبيعي. ففي كل سلطة تعددية في القوى، ومحصلة ميزان القوى المتعددة يولد قررات السلطة وسياساتها. ومحصلة ميزان القوى في سورية يولد السياسة الإصلاحية الليبرالية، وهو يحتاج إلى تظهيرها بمظهر "اقتصاد السوق الاجتماعي" كقناع يستر حقيقتها الليبرالية الصرف.

في مقالات سابقة لك كنت أكثر وضوحاً وتحديداً، ولولا ثقتك الكبيرة بالرئيس لربما اعتبرت النظام بكامله ليبرالياً. طبعاً تذكر تماماً مقالك "سوريا المستعجلة إلى اقتصاد السوق تنعطف يميناً أو تنفجر"، حيث عالجت نفس الموضوعات. ولكم كنت واضحاً في مقالك "سوريا في المرحلة الحرجة: التحديات والفرص"، السفير، 20-10-2006. وفيه قلت: "في سوريا نظامان، يمكن وصفهما للتخفيف من ثقل التوصيف بتيارين، واضحي المعالم، والمشاريع، والالتزامات، يمكن لأي متابع أن يقبض على عشرات الأدلة، والوثائق، والمؤشرات في توصيفهما والتعرف إليهما في زوايا سوريا، ومؤسساتها، ودوائرها:

"1- نظام وطني، ما زال على التزامات سوريا القومية والوطنية، بل يرى في الجاري معطيات جديدة تؤكد صحة التزاماته، وخياراته، ويسعى لرفع وتيرة الاستعداد للمواجهة المحتومة على شاكلة ما، وفي ساحة ما ليست سوريا نفسها بعيدة عنها، عماد هذا النظام/ التيار ثلاثة: الرئاسة وخطابها والتزاماتها الاجتماعية والسياسية، والوطنية. القوات المسلحة التي وصفها سيد المقاومة السيد حسن نصر الله بأنها جيش المقاومة وسياجها. الشعب السوري الذي يكشف يوميا عن روح وطنية قومية وثابة لم تهدأ ولم تتبدد، وأقرب الأمثلة ما فعله المواطنون مع النازحين اللبنانيين، امتدادا إلى ما يتحمله الشعب السوري من ضيق عيش، وضيق مساحات الحرية، وبلطجة الإدارة، وفساد كبير وصغير امتلك أصحابه الوقاحة والصفاقة إلى حد ممارسته جهارا نهارا دون رتوش.

"2- النظام الآخر/ التيار الآخر/ نظام مضاد قوامه دعاة الليبرالية، ومواقع في السلطة التنفيذية والتشريعية "مواقع مفتاحية" وفي وسائل إعلامية، ولوبيات ضغط لتمرير وتزين الصفقات "للهبيشة"، مما يعزز بيئة الفساد المعمم في الإدارة والمجتمع... من علامات هذا النظام ما تم على مستوى الشراكة السورية الأوروبية، وما صارت عليه حزمة القوانين والمراسيم "الإصلاحية"...

لم يكن كلامك على "قلة" و"شلة" و"هلامية"... بل عن نظام ليبرالي، ومواقعه في السلطة، و... فـ"ما عدا مما بدا". فصراع بين نظامين، تخفيفاً تسميهما تيارين، إلى شلة تختلس المواقف؟!

على كل حال، قوى الليبرالية مركزية وفاعلة وأساسية في السلطة السورية. وإلى أن ترتفع أصوات الوزراء السوريين وغيرهم من القادة الفاعلين، أو أن نسمع على لسان الرئيس، أنهم براء من هذه "التهمة" التي يلصقها بهم الدردري، نكون ملزمين بالقول سورية (جهاز الدولة والنظام) تسعى جاهدة باتجاه الليبرالية، وهي تضع قناع "اقتصاد السوق الاجتماعي"! وأن الليبرالية تسير بخطى حثيثة برعاية السلطة السورية من رأسها حتى أدنى مراتبها.

وبالتالي لا عليك أيها الصديق ميخائل. كن مطمئناً فالحاكم في سورية الأسد ورؤيته الإصلاحية، والليبرالية في القلب منها. هكذا تقول الوقائع. وعلى حد ماركس (ألا نزعم أننا نحمل المنهج الماركسي، أو في تفكيرنا بقية منه؟): "الوقائع أشياء عنيدة"، فلنعترف بالوقائع، ولا نستبدلنها بحلو الأماني. بذلك نبقي على الأمانة مع أنفسنا.

ثمة ملاحظات أخرى حول دور سورية. ولكنها بالطبع ليست في وارد ما تتفاءل بحصوله في بلاد الشام والرافدين. فهذا التفاؤل بحاجة إلى أبطال حالمين، أما أبطال أحلامك فهمهم: المجد للرأسمال في العلى، وعلى الأرض الدولار

****************

مناقشة تفاعلية مع رد د. جوزيف عبدالله على مقال عوض:

متى يحكم الأسد ورؤيته الاجتماعية

ميخائيل عوض 

عزيزي د. جوزيف عبد الله، أشكرك على ردك، وتوضيحاتك وإشهار موقفك في مناقشتك لمقال متى يحكم الأسد ورؤيته الاجتماعية، فالتفاعل والمبادرة الخلاقة من صفاتك التي اعرفها.

جهدك المبذول في الرد مشكور، يضيء الكثير من الزوايا ويفتح أخرى لنقاش جاد وتفاعلي لإنتاج وجهة نظر متكاملة ما أمكن، فسورية دولة محورية كانت وهي كذلك الآن، يتعاظم دورها إن قبلنا ذلك أم لا، أكانت ليبرالية أو اجتماعية، أو أنتجت نظاما متفاعلا بين النظريات المختلفة، يكبر دورها كما هي بعجرها وبجرها، بليبرالييها وهبيشتها ووطنيها الاجتماعيين، لكن فك طلاسمها وألغازها مهمة واجبة، وان استحالت على الكثيرين ومنهم باتريك سيل الذي كتب عن اللغز السوري، وأردف في كتابه الثاني بعنوان الأسد و الصراع مع سورية، وارتباك الغرب وإسرائيل في التعامل معها إثبات آخر.

فسورية كانت وتتحول إلى دولة محورية في المنطقة، يتطور دورها السياسي والعملي، ويشهد على ذلك الكثير من الوقائع المتقاطرة، ليس اقلها السعي الأوروبي للانفتاح عليها، وانعقاد القمة الرباعية كشاهد إضافي، وما سيكون بعد أحداث جورجيا من أفاق لتعاون استراتيجي مع روسية، وتفاهماتها الإستراتيجية مع تركيا ،وتحالفها المتين مع إيران، وتبنيها ودفاعها عن خط المقاومات العربية والاسلامية، وتحملها كلفة موقفها، وقدرتها على حصد نتائج المقاومات وانتصاراتها ذات الطابع التاريخي والاستراتيجي، والأمر المنطقي بعد ثباتها وخروجها من جولات المواجهات الأخيرة أكثر قوة، وتمسكا بالتزاماتها، أن يتعاظم دورها، مرة بسبب حاجات المرحلة التاريخية، ومرات بسبب قيادتها الواثقة والحكيمة، وبراعتها في خوض غمار المعارك القاسية ومشاركتها الواعية في تطويع الأحداث والتطورات في صالح خطها وبرنامجها الوطني والقومي المشروط ببنية وسياسات اقتصادية اجتماعية"دولة الرعاية".

المعطيات المادية عينها، والقوى الدولية ذاتها التي مانعت وقاومت وتأمرت للحؤل دون قيام قوة إقليمية عربية قابضة وقادرة، صارت راغبة وساعية، ودافعة، وبكل الأحوال غير معيقة بسبب عدم قدرتها على الإعاقة أو بسبب مصالحها ورغبتها في احتواء قوة عربية قادرة لا أجد في الزمان والمكان والقدرات سوى سورية لها القابلية، ولها الصفات المطلوبة، هذا ما حاولت  إثباته، وبالوقائع مرة بعد مرة، وتاليا لم احل أي من الأحلام والأوهام بدل الواقع ومعطياته، بل أكثرت الحديث واستعراض المتغيرات، والوقائع المعاشة، وعالجت واقعا بعينه، وبصورة ملموسة، وعرضت الأسباب المادية التي تحفز على قيام هذه القوة التي تتفرد سورية بالقدرة على تمثلها. وهنا يوجب البحث العملي والحوار المجدي أن يكون الرد مركزا على نفي المعطيات والأحداث والأسباب التي استندت إليها في مقالي، حتى يمكنك القول أنها مجرد أوهام وأحلام ما خلى ذلك يمكن وصف موقفك بأنه محض موقف ذاتي يرفض ويعاند التعامل مع المعطيات الجديدة والتطورات ولا يضبط اتجاهات سيرها وفاعليتها العملية.

أما كوني مؤيدا للرئيس الأسد، ومتأثرا بشخصه، وبرامجه، ومساندا لنهجه وخطه، ومقتنعا بقدراته، وحكمته وحنكته الإبداعية وما حققته سورية بقيادته من خطوات اعجازية في الزمان والمكان والظروف، فهذه تهمة تشرفين، دأبت على إعلانها على الملأ منذ قرأته في أول مقابله له عام 1998 في جريدة الكفاح العربي وكتبت عنها بجرأة حادة حركت خوالج واعتراضات الكثير من الأصدقاء والرفاق حينها، واليوم أجرؤ على القول أنها كانت بمثابة اكتشاف لقائد فذ حظ العرب أن طريقه كانت سهلة وسريعة لقيادة سورية.

واحسب أن موقفي هذا نابع من قراءتي للتطورات والأحداث، وتتبعي لخط ونهج الرئيس، وتلمسي العملي أن تلك الشخصية وسياساتها ومبادراتها، وحنكتها لعبت الدور الأبرز والأكثر فاعلية وحسما في ما تحقق لحلف الممانعة والمقاومة، وما تحقق يرتقي إلى كونه نوعي وإستراتيجي وتاريخي، وفي هذا الصدد يمكن جمع عدد كبير من الأدلة والوقائع، والإقرارات من زعماء ونخب وخبراء وكتاب، وقادة، وعلى رأسهم قادة قوى المقاومات العربية والإسلامية وشهاداتهم من الموقع الاحترام والتقدير العالي، وبكل الأحوال تبقى شهادات الواقع وأحداثه أهم مما يكتب ويقال وهذه شهادة حال سورية بين الأمس واليوم، وحال المشروع الذي استهدفها وتوهم بقدرته على إسقاطها أو تغيير مسلكها فجاءت النتائج إسقاط قوى وأدوات المشروع وتغيير مسلك إداراته والشواهد كثيرة أحسبك تتابعها وتعرفها ولا حاجة لإعادة عرضها.

على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، أثرت مسألة جوهرية، في ردك، وطرحت سؤال هام، هل يملك حزب العبث في سورية برنامجا، وهل للرئيس الأسد رؤية وبرنامج وشعارات.

الاطلاع الدقيق على خطب، ومقابلات الرئيس، من أول واحدة عام 1998 "لم يكن يومها في موقع الرئاسة" إلى آخر واحدة منها، لاسيما خطابه في المؤتمر التاسع للحزب، والمؤتمر العاشر يمكننا من وضع اليد على رؤية، ونهج وبرنامج في خطوطه العامة والتفصيلية فلم يبقى تفصيل واحد إلا وقال الرئيس فيه موقفا ، وقدم رؤية واقترح آلية للمعالجة والتطوير، والخط الجامع بينها جميعا، التزام لم يحد عنه قط، التنمية الاجتماعية الوطنية الشاملة، والتوزيع العادل للثروة، والإصلاح لتعميق الاتجاه لا لتغييره، والإصلاح في خير سورية وتعزيز صلابتها وقوتها، إصلاح نابع من بنيتها وثقافاتها وحاجاتها، وخاصياتها، لا الإصلاح المفروض من أية جهة.

للرئيس منظور متكامل، شامل، ومنهجيته علمية، ملتزمة قضايا الشعب والأمة، متفاعلة مع التطوير والحاجات للتطور، والإشباع بالدراسة، والتعامل الخلاق مع الخطأ والصواب، ومستوى ومدى الإصلاح مفتوح بكل الاتجاهات مقيدة فقط بالمصلحة الوطنية والشعبية السورية، ومقرونة بالاستقرار وتعزيز الوحدة الوطنية، ورفض التعامل مع الخارج.

منظور الرئيس وبرنامجه هو ذاته توصيات المؤتمرات الحزبية خاصة التاسع والعاشر، والعودة إلى تلك البرامج توفر لنا التثبت من طبيعته الاجتماعية الشعبية والوطنية.

عزيزي د. جوزيف

إعادة قراءة النصوص التي عرضتها في ردك من خطب الرئيس، وقرارات المؤتمرات الحزبية، ومقارنتها مع ندوات وتصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية" عبد الله الدردري" يكشف لنا حقيقة الأمور ساطعة، وعليه اعرض الملاحظات التالية:

-  خطب الرئيس وقرارات المؤتمرات الحزبية عرفت اقتصاد السوق الاجتماعي وحددت مضامينه العملية، على انه اقتصاد محكوم بدور ضابط وموجه للدولة، والمصلحة الشعبية العليا، والتفاعل بين القطاعات الثلاث، الخاص، والعام، والمختلط، وحصرت القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية بيد الدولة، كممثل للمجتمع، وفي خدمة تطوير البنى الاقتصادية والاجتماعية، والقانونية، تأمينا للنمو والتنمية وفي أصلها التوزيع العادل للثروة، بينما قراءة الدردري وتعريفاته لاقتصاد السوق الاجتماعي، تنحصر في نسف الاجتماعي لتكريس رغبته بتعميم تعريفاته الليبرالية وترويجها بتقديمه تفسيرات وتعريفات لاقتصاد السوق الاجتماعية المنصوص عليها في قرارات الحزب ومجلس الوزراء وتصويرها بتعسف على أنها اقتصاد السوق الحر وقبضتها الغاشمة والترويج للرأسمالية الهمجية بإعطاء عناصر وقوى السوق الحر وحدها الدور المحدد للسياسات الاجتماعية والتنموية الاقتصادية.

-  التناقض الواضح بين أقوال الدردري وصحبه، وتطاولهم على قرارات الحزب، ومنظور الرئيس الاجتماعي، وبلوغهم حد التطاول على التجربة السورية الناجحة، بما في ذلك انجازات الحركة التصحيحية، الانجازات الكبيرة والملموسة، على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة الشعبية، ومجاوزتهم لقرارات المؤتمرات الحزبية في حملاتهم الإعلامية وممارساتهم التنفيذية، والسعي لإحباط تعريف الحزب غير الملتبس لاقتصاد السوق الاجتماعي وتمييزها النصي عن اقتصاد السوق الحر هي التي حفزتني على القول بان شلة، هلامية، مجموعة، لوبي، تجتمع على محاولة لطش الفرصة، وصرف التوجهات والقرارات في غير مقاصدها وأهدافها، وهي شلة بكل حال خارج البنية الصلبة والقابضة على القرارات، وعلى التوجهات والسياسات، وان كان موقعها في هيئة تخطيط الدولة، وبعض المفاصل الاقتصادية أساسي بيد أن الدردري نفسه بما أوردته من مقتطفات عرفها على أنها هيئة تخطيطية ليست تقريريه، والقرار بيد القيادة والحزب، والرئيس وهذا ما هو كائن ولذلك لم ينجح الفريق الليبرالي بلبرلة الاقتصاد السوري على النحو الذي فعله الفريق الليبرالي في مصر الساداتية ومصر حسني مبارك، أو روسيا الانهيارية اليلتسينيه وشقيقاتهما.

من خلال عرضك، واستشهاداتك من مقالات لي حول نفس الأمر ومعالجتها من زويا مختلفة وفي ظروف ومعطيات مختلفة، افترضت أنني تغيرت، وتحولت للتعامل مع الجاري على انه مجرد شلة، وليست تيارا أو نظاما، أو قوى حاكمة، في حين عرضت رأيك بان في سورية بنية، وقوى وتوازن قوى، وهذه ملاحظة جيدة وموضوعية هي ما ذهبت أنا إليه في مقال السفير 2006، الفرص والتحديات، غير انك غاليت في اعتبار أن السلطة في سورية بكليتها الرئاسة ومجلس الوزراء، والحزب، ومؤتمراته قد صارت تيارا ليبراليا، وكأن تحولا جوهرا قد حصل في سورية لصالح رسملتها ولبرلتها، وتحولها إلى شعار  المجد للرأسمال في العلى، وعلى الأرض الدولار!

صديقي: إن أية قراءة متأنية ومتحررة من الذاتية، لما هو قائم في سورية، ولما جار عمليا على ارض الواقع، لا يمكنها البتة قبول استنتاجاتك، فلا السياسات المتبعة تؤكد ما ذهبت إليه، ولا واقع الحال التي بلغتها سورية هي منسجمة مع ما تفترض، ولا موقف سورية الوطني والقومي وصلابتها، ومواجهتها للحملة الشرسة التي شنت عليها تتماشى مع مقولة أنها صارت ليبرالية تمجد الدولار وتعبد الرسملة، ولو كانت سورية فعلا تلبرلت إلى ذاك الحد لما كانت استهدفت أو لتستهدف بتلك الحروب الضروس، ومازالت في قلب معركة الدفاع عن خياراتها الوطنية والاجتماعية تمانع وتنجح في إثبات تميزها.

والوقائع كلها تشير وتشهد، بأنه: وبرغم ما تعرضت له سورية، من تحديات، ومؤامرات، ومحاولات لإسقاطها بالقوة أو بالاحتواء قد رفضت ونجحت في الرفض، فلم يجري التكيف الهيكلي، ولا أطلقت يد الرأسمال الهمجي، ولا جرت عملية تخصيص واحدة أو بيع للقطاع العام، ومؤسساته، ولا تم تحكيم الفريق الليبرالي في السلطة السياسية وفي القرار السيادي، ولعلمك وأنت تعلم أني اعلم فقد مرر الفريق الليبرالي الكثير من المواقف، والحملات الإعلامية، وسعى ووظف الكثير من الإمكانات والطاقات، والأقلام، واستثمر في التدخلات الخارجية وحاول الابتزاز وكاد أحيانا يبلغ مبتغاه لولا القرار الرئاسي، ولولا موقف القيادة القطرية التي التزمت قرارات مؤتمراتها وائتمنت على مصالح الشعب السوري، فاسقط مثلا، قرار تخصيص معامل الاسمنت، والمرافئ، بعد أن كان الفريق الشلة قد عرضه إعلاميا للمناقصات، كما أسقطت محاولاته تمرير ضريبة القيمة المضافة برغم إلحاحه، وأسقطت محاولاته رفع الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات وتحرير أسعارها، وتخصيص الكهرباء والقطاعات الإستراتيجية، وما تم على هذا الصعيد علميا إنما هو تسوية جاءت في صالح الخزينة وفي مواجهة تهريب السلع الأساسية لاسيما المحروقات، وقد أعطي المواطنين السوريين كميات كافية من المازوت للتدفئة مدعومة، ووضعت آليات دعم الزراعة والصناعة والنقل، بمعنى أن الفريق المالك لرؤية ومنهج اجتماعي مازال هو القوة السائدة والمقررة، والقادرة على حفظ مصالح الشعب السوري، والتدخل عند اللزوم، وكان دائما يحل الرئيس نفسه وموقعه مع القيادة القطرية محل إرادة ورغبة ومصالح الأغلبية في المجتمع، ناهيك عن قرارات رئاسية وحزبية قاطعة بمنع المس بمكتسبات الحركة الشعبية التاريخية، وفي هذا التزام ورؤية سبق أن عرضتها أنت في ردك  مقطعا من قرارات المؤتمرات الحزبية وفيها نص واضح لتفسير مقولة اقتصاد السوق الاجتماعي، ودور الدولة، والتزاماتها، جاءت نظرية في قرارات المؤتمرات، وخطب الرئيس ومورست عمليا في المواقف والسياسات والاجراءات التنفيذية.

في الرسالة التي قصدها مقال متى يحكم الرئيس الأسد، ولتوضيح الالتباسات، وتصويب القصد اعرض ما يلي:

-  في الواقع، وفي قناعاتي، وشهاداتي أن الفريق الليبرالي هو شلة، مجموعة، لوبي، أعطيت مواقع في سياق نهج سياسي حكيم، قصد تعزيز الوحدة الوطنية واللحمة الداخلية، وسعى لقطع الطريق على الخارج للاصطياد فيها، وجاء بمثابة دفع "خوه"غرامة مؤقتة لتمرير الموجة المعادية التي استهدفت سورية شر استهداف في ظروف وواقع وموازين قوى خطيرة، وقد نجحت تلك السياسة الاحتوائية وأدت وظيفتها بالتمام والكمال، والشواهد ما هي عليه سورية اليوم من قوة ودور وأفاق مستقبلية حاكمة، ومنها عجز الليبرالية والرسملة الهمجية من اقتحام المواقع الحساسة والإمساك بالعتلة الاقتصادية والتسرب إلى المواقع الحاكمة سياسيا، فاستمرت هامشية ومحدودة التأثير، ومرتهبة من ساعة يستيقظ فيها الشعب والسلطة ليستعيدا الجزء المتروك لها من الحق والرؤية.

-  على رغم العاصفة التي تعرضت لها سورية، دقة الرؤية وصوابية القيادة وعمليتها الإبداعية وفرت عليها  الكثير من الخضات والأزمات من خلال سياسات الاحتواء، والتوظيف، والتشغيل، وفتح بوابات الحوار، وتقديم المغريات لكل الأطياف بما فيها ترك مجال للهبيشة وإعطاء فرصة مبتسرة لليبرالية، ووضع عملياتها تحت السيطرة كما تدل الممارسات والإجراءات المتبعة، وهذه في محصلتها إدارة حكيمة، واقعية، لحالة كسورية وفي الوضع التي كانت فيه، وما صمود سورية إلا نتيجة لتفاعل تلك السياسات ولحالة سورية بعجرها وبجرها وهذه كلمة حق تقال، فكما سعى الفريق الليبرالي لفرض مشروعه واخذ سورية إلى غير ما يجب أيضا أدى خدمات جليلة أسهمت في تصليب سورية ومواجهتها للحملة الظالمة، ووفر لها احتواء التناقضات الكامنة التي كان يراهن عليها الغرب وأدواته العربية والمحلية، كما أسهم في استدراج الاستثمارات والتوظيفات، وفي إصلاح الكثير من البنى القانونية والاستثمارية، والتطويرية، وتفعيل قطاعات كامنة كقطاعي المال، والتأمين، والاستثمارات السياحية والعقارية.

-  ما شهدته سورية من استقرار امني، واجتماعي، ونمو اقتصادي ما كان ليكون في الظروف التي مرت لولا سياسات احتوائية حكيمة تعرف سورية وخاصياتها، وما نسبة النمو التي اقر بها الجميع ومنهم صندوق النقد، إلا ثمرة من تلك الثمرات، بيد أن المقصود في المقال موضوع النقد والرد: أن لا يعطى الفريق الليبرالي فرصة  ينسب  قسرا وعنوة وبغير حق تلك الانجازات لنفسه لأنها فعلا انجازات للقيادة وللحزب وللشعب السوري تحققت بفعل الإدارة السليمة، والصلابة في المعركة مع الغرب وأدواته مجتمعة، ولم تحصل بسبب دور التيار الليبرالي وفهلوته وفذلكاته، والوقائع تؤشر إلى انه لم يقدم ما يغني أو يزبد في واقع الحال والمشاريع  التي سعى إليها غالبها "وهمي، وورقي، وريعي" ، لم تفلح في سد ثغرة واحدة والأرقام خير دليل قاطع.

-  ما هي عليه سورية من بيئة داخلية، وخارجية وما حققته يوفر الفرصة لتقليم أظافر تيار الليبرالية، وإعادته للصواب، فسورية في حقبة التحرر الوطني والقومي  تحتمل، وتحتاج لوجود قوى اقتصاد سوق، وقوى رأسمالية، خاصة منها الوطنية والمنتجة، والاستثمارية الجدية، ويمكنها أن تنتج نظاما اقتصاديا اجتماعية بخاصيات عربية سورية، ولا ينقصها في هذا الصدد شيء بل تتضافر الحاجات والجهود والموقع، والبنية، والثروات، والخاصيات في توفير بيئة تنتج جديد مختلف عما هو سائد في نظم الليبرالية المتوحشة، ونظم الاقتصاد المركزي القاصرة، أو في نظم البين بين من التشكيلات الاقتصادية  التي عرفت حتى ألان.

المطلوب إذن: الحد من تطاولات المجموعة المحدودة، وعقلنتها كي لا تشكل عائقا أمام التطورات المرتقبة، والحد من قدرتها على العبث، والإسهام بجعلها قوة عاقلة براغماتية مفيدة غير ما هي عليه من عمى وتخشب أيديولوجي  تلتزم الترويج والعمل لتطبيق توصيات صندوق النقد وإجماع واشنطن  في سورية حيث لا بيئة وافرة ولا شروط مساعدة.

والهدف؛ الدعوة لتفاعل خلاق، ولحوار جدي، عملي، بين مختلف التشكيلات والرؤى بعيدا عن الاستفراد والفرض القسري، واغتصاب اللحظة، ولطش الانتصارات، لان في ذلك اغتصاب للحظات عابرة  متغيرة بسرعة البرق، تنتج توترات في سياقها وبنتيجتها ستسحق الليبرالية ومنظورها ومصالحها، وتصيب سورية بانتكاسة هي اليوم في غنى عنها. 

 فضبط تلك المجموعة، ووقف حملتها المحمومة، والسعي ما أمكن للاستفادة من خبرتها، وعلاقاتها إن وجدت، بوضع حد لتطاولاتها ومحاولاتها اغتصاب اللحظة وتمرير مشروعات خطيرة، كالتعاقد الوظيفي، وقانون ضريبة القيمة المضافة، واستعجالها توقيع عقد الشراكة الأوروبية دون إعادة نقاشه وتعديله لصالح سورية بعد أن عطلته أوروبا لأسباب إسرائيلية محضة، تلك الممارسات المطلوبة هي بعض ما أراد مقال متى يحكم الأسد لفت النظر إليه، كما هدف في المقام الأول للقول أن لسورية قيادة وقائد أدارت معركة قاسية جدا وكسبت الجولة، وحققت انجازات اعجازية وتاريخية تؤهلها لقيادة مرحلة عربية وإسلامية جديدة لا يجب التفريط بها في محاولة لاختبار هذه أو تلك من النظريات والأفكار فكيف بالليبرالية التي اختبرت عالميا وسقطت شر سقوط، ما يعني انه  من غير المنطقي ترك الفريق الليبرالي "الشلة، والجماعة الهلامية " تتطاول على الرئيس وعلى القيادة، وعلى مقررات مؤتمرات الحزب، وعلى حقبة حافظ الأسد وانجازات الحركة التصحيحة، وانجازات حقبة الرئيس بشار الأسد المشهودة، وعدم تركها تقدم تفسيراتها للمقولات وبرامج الحزب والدولة، وصرف برنامج الرئيس الاجتماعي على هواها هي ورغباتها وإيديولوجيتها الخشبية، وبما يحقق لا ما تصبوا إليه السياسات الرسمية.

بيروت 3-9-08

ميخائيل عوض 

-------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ