ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  08/10/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عقل في الكف.. نصف نعل للروح!

حسن م. يوسف

hmyousef@aloola.sy

أيام المدرسة الثانوية لم نكن نفترق إلا نادراً، غير أن روح الزمالة العميقة التي كانت تربطنا، لم تكن تخفي الاختلاف الواضح بيننا لا في الطباع وحسب بل في مجالات الاهتمام أيضاً.

فعندما كان يضبطني أقرأ كتاباً أدبياً، كان ينظر إلي بمزيج من الدهشة والامتعاض كما لو أنه قد ضبطني لتوه وأنا أتعاطى أمراً مشيناً! وغالباً ما كان يقلب صفحات الكتاب بسرعة كما لو أنه يتوقع أن تتساقط من بين صفحاته أوراق نقدية وعندما لايسقط شيء، كان يزم شفتيه ويسألني باستنكار عن الفائدة من إضاعة العمر في قراءة الكتب؟ في البداية لم أعرف بماذا أجيبه، غير أنه كرر السؤال عندما ضبطني بعد سنوات من الانقطاع، وأنا أخرج من إحدى المكتبات وتحت إبطي كدسة من الكتب. يومها قلت له إن الكتب تسد الثقوب السوداء التي تظهر في روحي. ورغم انقضاء أكثر من ربع قرن على تلك الحادثة إلا أنني ما أزال اراه أمامي وقد احمر وجهه من فرط الضحك وهو يقول مامعناه : تقصد أن الكتب تركب نصف نعل للروح! ‏

عندما رأى أول مقال لي في الجريدة، اتصل بي ليسألني عن الفائدة من الكتابة، فلم أعرف بماذا أجيبه! وعندما أهديته كتابي الأول نقل نظره بيني وبين الكتاب بحيرة، ثم سألني فجأة ماذا أنوي أن أعمل في الحياة ؟ قلت له إنني أنوي أن أكون كاتباً، غمغم باستغراب شديد ما معناه: معقول! تعيش حياتك كلها حكياً بحكي! ‏

بعدها لم نعد نلتقي إلا صدفة، وقبل أسبوع، جمعتني الصدفة به عند كومجي، كان قد أحيل للتقاعد واشتعل الرأس منه شيباً، سألني ماذا أعمل هذه الأيام، قلت له إنني ما أزال أعيش الحياة حكياً بحكي، واحاول أن أركب نصف نعل للروح! ‏

نظر إلي باستغراب شديد، ثم أخذ وضعية المستعد للشماتة، وقال بشيء من التحدي : قل لي بصراحة مالفائدة من كل ما كتبته؟ ‏

قلت له، سأجيب عليك بحكاية: في يوم خريفي كهذا، رأى أحد الفلاحين الذين يستطيعون فهم كلام كل المخلوقات، عصفوراً صغيراً مستلقياً على ظهره في منتصف الحقل، فتوقف الفلاح عن حراثة الحقل، لأنه رقيق القلب ولا يريد سحق جثة العصفور تحت دواليب جراره، لكنه فوجئ بأن العصفور حي، فقال له باستغراب: «لماذا تستلقي على ظهرك هكذا؟» قال العصفور: «سمعت البوم الحكيم يقول إن السماء ستسقط اليوم». ‏

عندها ضحك الفلاح وقال للعصفور باستخفاف: «هل تظُنُّ أن رجليك الصغيرتين النحيفتين ستمنعان السماء من السقوط؟» ‏

قال العصفور بإخلاص: «أعلم أن رجلي لن تمنع السماء من السقوط ، لكن على كلٍّ منَّا أن يبذل ما في وسعه». ‏

ـــــــــــــــ

صحيفة تشرين - الاثنين 6 تشرين الأول 2008

-------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ