ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التمثيل
القومي لسورية عائق دون التمثيل
الديموقراطي للسوريين ياسين
الحاج صالح الحياة
اليوم 5/10/2008 على أي مفهوم للمصلحة
الوطنية يقوم مفهوم الأمن
الوطني الذي يسوغ اعتقال
ومحاكمة ناشطي «إعلان دمشق»
الاثني عشر؟ تحاول هذه المقالة
أن تظهر أن غياب المفهوم للأمن
الوطني وللمصلحة الوطنية، وليس
حضوره، هو ما يسهل أمر محاكمة
المعارضين السياسيين في سورية. يحصل أن يستخدم تعبير
المصلحة الوطنية في خطاب
السلطات السورية، لكنه لا يحيل
إلى مضمون محدد، ولن نجد أي مرجع
مقرر أو وثيقة أساسية تناقشه.
ينبغي أن يكون هذا غريباً، بيد
أن غرابته ترتفع فوراً إن تبينا
أصله. تقول المادة الأولى من
دستور «الجمهورية العربية
السورية» الصادر عام 1973: «2-
القطر العربي السوري جزء من
الوطن العربي؛ 3- الشعب في القطر
العربي السوري جزء من الأمة
العربية يعمل ويناضل لتحقيق
وحدتها الشاملة». وعلى الفور
نتبين أن ما يحول دون التفكير في
مصلحة وطنية سورية وأمن وطني
سوري هو شيء أكثر أساسية منهما
معاً: مفهوم الهوية الوطنية
للبلد، وهو مفهوم «قومي عربي»
تشكل في خمسينات القرن العشرين
وستيناته. هاهنا فارق ظاهر بين
المفاهيم المتاحة والواقع
المعاش. ثمة، من جهة، مفاهيم
للهوية الوطنية والمصلحة
الوطنية والأمن الوطني تحيل إلى
كيان افتراضي يتجاوز سورية، من
جهة ثانية كيان واقعي غير مفكر
في هويته وفي تطوير تصورات
محددة لمصلحته وأمنه. ولوقت ما،
حين كانت ثمة حركة قومية عربية
نشطة قبل نحو نصف قرن، كان يبدو
أن الفارق متجه إلى التئام. ولم
يكن الالتئام يعني غير زوال
سورية أو ذوبانها في كيان عربي
أوسع. لكن الأمور التي لم تسر في
اتجاه ما تقرر الأفكار القومية
أيام «المد القومي» كانت سائرة
سلفاً في اتجاه معاكس وقت صدور
الدستور السوري قبل ثلاثة عقود
ونصف. استمرت مع ذلك مفاهيم
وتصورات المرحلة القومية
مهيمنة في تفكير وخطاب النخب
السياسية والثقافية في سورية.
الفضل في ذلك لتحول وظيفتها من
تفسير الواقع وتوجيه العمل فيه
إلى توحيد طاقم الحكم والحد من
فرص الانشقاق الفكري والثقافي.
هذا فوق أن حضور مفاهيم غير
مطابقة يحرر السياسة العملية
للطاقم نفسه من الانضباط بأية
مفاهيم على الإطلاق. ومن يفرط في
«حرية» كهذه؟ هذا هو الوضع الذي
نجدنا فيه راهنا: الوطنية
السورية، هوية ومصلحة وأمنا،
غير مفكر فيها، علماً أن
التفكير فيها وحده هو ما من شأنه
تطوير أفكار ومفاهيم وضوابط
للممارسة السياسية في البلاد.
ومن المفهوم أن تحكم السوريين
الفكري والسياسي بشروط حياتهم
الفعلية سيتراجع حين لا يتاح
لهم التفكير بهذه الشروط
وتمثلها. المفاهيم المتاحة،
بالمقابل، لا تمكن السكان من
عقلنة وتنظيم حياتهم السياسية
الوطنية. لقد آل التمثيل القومي
لسورية إلى تعطيل تمثل السوريين
لواقعهم وتمثيل ذاتهم سياسياً،
ما يعني أيضا أنه أمسى عنواناً
لاغترابهم النظري والعملي.
وكان «إعلان دمشق»،
وثيقته التأسيسية بخاصة (تشرين
الأول/ أكتوبر، 2005)، تلمس هذا
الشرط الغريب، ونزع الانفصال
عنه، وإن تلمسا أيضا. تكلمت
الوثيقة على «منظومة عربية»
وعلى «مكونات» للمجتمع السوري،
وعلى الأكراد السوريين
وحقوقهم، لكن بعبارات قلقة و»تجريبية».
لم تطور تصوراً متسقاً للهوية
الوطنية، وتالياً لكل من
المصلحة والأمن الوطنيين،
لكنها انشقت على التصور المهيمن
واعترضت عليه سياسياً. وعلى رغم صيغتها
القانونية العامة القابلة لكل
التأويلات، وعلى رغم أغراضها
وسوء نيتها، تشخص إحدى التهم
الموجهة لمعتقلي الإعلان («إضعاف
الشعور القومي وإثارة النعرات
العنصرية والمذهبية») نوعية
توجههم بصورة قريبة من الواقع.
فقد قرنت وثيقة الإعلان بين
إرادة ابتعاد أكيدة عن البلاغة
القومية وانفتاح على الواقعة
السورية، وبين تنبه غير مألوف
للتعدد السوري الداخلي.
والارتباط بين التوجهين وثيق.
فاعتبار سورية وحدة عمل يتوافق
مع توجيه الأنظار إلى بنى
المجتمع السوري الداخلية
ومكامن نزاعاته المحتملة، فيما
يفضي إدراج سورية في متعدد عربي
أكبر إلى إنكار تعددها الذاتي،
وتغليب النظر إليها كوحدة مصمتة.
في المقابل، يكشف
اتهام المعتقلين بـ «ترويج
أنباء كاذبة في زمن الحرب من
شأنها أن توهن نفسية الأمة»
الوظيفة الوحيدة التي ينهض بها
اليوم التصور القومي لسورية.
ترى، أية أمة هي المعنية؟ الأمة
العربية؟ كيف تسنى للقضاء
السوري أن يشخص تبدلات الحالة
النفسية للعرب في 22 بلداً،
المترتبة على تشكل ائتلاف «إعلان
دمشق»؟ أم لعلها «الشعب العربي
في سورية»؟ ما وضع الأكراد في
هذه الحالة؟ وهل ينتظر منهم
الاعتناء بالصحة النفسية
العربية؟ وقبل ذلك، أية حرب؟
وأية أنباء كاذبة؟ وما هو معيار
الحكم عليها؟ ومن يحدد البراهين
على صحة الأنباء أو كذبها؟ يمكن طرح أسئلة كثيرة
على التهم الموجهة للمعتقلين
الذين ينتظر أن يحكم عليهم في
الأيام الأخيرة من شهر تشرين
الأول الجاري. لكن ليس ثمة أدنى
فائدة من ذلك. فمن دون استعداد
لتسمية الأشياء بأسمائها، ومن
دون إرادة مخلصة من قبل جميع
المعنيين لمعرفة الحقيقة من دون
مراوغة ولا تهديد أو لجوء إلى
وسائل غير نقاشية، ومن دون حس حي
مشترك بالعدالة والإنصاف يمكن
لمراقبين مستقلين مفترضين
الحكم في شأنه (وكل ذلك مفتقد
بخصوص القضية مدار النقاش
وبخصوص النقاش العام في سورية
عموماً)، من دون ذلك لا تثمر
المساجلات العقيمة غير تبرير
الأوضاع القائمة.
ما يمكن الخلوص إليه
هو أن التمثيل «القومي» لهوية
ومصلحة وأمن سورية لم يعد غيـر
مطابـق للواقـع فقط، وإنما هو
انقلب أدوات لتجريم أي تفكير
مختلف وأكثر انفتاحاً على
الواقع الذي يعيشه السوريون. في
المقابل، من شأن الانفتاح
النفسي والفكري على الواقع
المعاش، وإعادة بناء السياسة
حوله، أن يتيح للسوريين عقلنة
أوضاعهم وتحسين تحكمهم بها. وهذا الجهد الهـادف
إلى بـنـاء تمثيـل مطابـق لهوية
سورية ومصلحتها وأمنها
الوطنيين يستمد قيمته وشرعيته
من تمكين السوريين الملموسين من
تملك السياسة والمعرفة
السياسية وتمثيل أنفسهم، وليس
من «قومية سورية» يحصل أن تفكر
في نفسها عبر شعار «سورية أولاً»،
لكنها لا تفعل غير توفير مرجعية
مختلفة، وأكثر شباباً، لتجديد
اغترابهم السياسي. ليس السؤال ما إذا
كانت سورية «قطراً عربياً» أو «أمة
سورية» مستقلة؛ السؤال كيف تكون
«وطناً» لسكانها، وكيف يكون
هؤلاء «مواطنين» في بلدهم. ------------------------- المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |