ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
في
التحرش الجنسي والسياسي فهمي
هويدي أصبحت قضية التحرش
الجنسي موضوعا للحوار اليومي في
وسائل الإعلام المصرية بعد الذي
جرى أثناء عيد الفطر، حيث تجمع
بضع عشرات من الشبان في إحدى
ضواحي القاهرة، وتهجموا على بعض
الفتيات العابرات، ولم تكن هذه
هي المرة الأولى، لأن القاهرة
شهدت حادثا مماثلا في العام
الماضي، ذلك غير الممارسات
الفردية التي تقع بين الحين
والآخر، وهو ما دعا البعض إلى
اعتبار التحرش الجنسي ظاهرة
عامة في مصر حتى إن إحدى
المنظمات النسائية ركبت
الموجة، وبالغت كثيرا في الأمر،
وذهبت إلى أن ثلثي الرجال في مصر
مارسوا التحرش، وأن ٪83 من
النساء تعرضن له. وهي أرقام مشكوك في
دقتها، لأن التقديرات العالمية
تشير إلى أن ما بين 20 و40 ٪ من
النساء يتعرضن للتحرش في أكثر
المجتمعات انفتاحا، ولا يعقل أن
تصل نسبة النساء اللائي يتعرضن
للتحرش في مصر إلى 83 ٪ رغم
أنها بلد محافظ بصورة نسبية. وقد
وجدت أن د.هدى بدران خبيرة
العلوم الاجتماعية ورئيسة
رابطة المرأة العربية تشاركني
ذلك الشك، حين أعلنت عن رأيها
المعارض لتلك الأرقام في أكثر
من محفل ومناسبة. لست
في وارد مناقشة النسبة، لكن
ملاحظتي الأساسية على
المناقشات التي دارت حول
الموضوع أنها ركزت على بعض
الجوانب من دون غيرها في
الموضوع فقد تحدث البعض عن
معاناة شبابنا من الكبت الجنسي،
وعن الإثارة في الأزياء وفيما
تعرضه وسائل الإعلام من أفلام
ومسلسلات تحريضية، وتحدث آخرون
عن النظرة الذكورية التي تهيمن
على المجتمع. وطالب البعض
بتفسير التزامن بين انتشار
مظاهر التدين في المجتمع وتحول
التحرش إلى ظاهرة فيه، كما نبه
كثيرون إلى أن ثمة قصورا
تشريعيا في التعامل مع المشكلة،
حيث لا يوجد نص يعاقب على التحرش
الجنسي في أماكن العمل أو
التحرش من خلال توجيه الألفاظ
الجارحة.. إلخ. هناك أسباب أخرى عامة
لم تأخذ حقها في المناقشات
الدائرة، منها مثلا انهيار سلطة
القانون وضياع هيبة الشرطة، لأن
أولئك الشباب الذين يتجمهرون في
الشوارع في المناسبات المختلفة
لاعتراض طريق الفتيات، لو أنهم
يدركون أن في البلد قانونا
يطبَّق وشرطة تحمي النظام
العام، لما لجأوا إلى ما يقومون
به، من تلك الأسباب أيضا
انتشار البطالة بين الشباب،
الأمر الذي يجعل التسكع في
الشوارع عملا وحيدا يقومون به،
منها كذلك غياب دور كل من
المدرسة والبيت في التربية
والتوجيه، فالمدارس أصبحت لا
تعنى بالتعليم (الذي يتم خارجها
من خلال الدروس الخصوصية)، كما
أنها لم تعد تعنى بالتربية، أما
البيت فإن دوره في التوجيه صار
معطلا أيضا بسبب استغراق الأب
والأم في الركض وراء توفير
متطلبات العيش من خلال العمل في
الصباح والمساء، الأمر الذي
يترتب عليه أن نسبة غير قليلة من
الأجيال الجديدة أصبحت تربى إما
في الشارع أو من خلال
التلفزيون، وما أدراك ما هو؟! من ناحية أخرى، فإن
الاجيال الجديدة من الشباب لم
تعد تجد المثل الاعلى الحميد
الذي يحتذى. فالصحف حافلة
بفضائح النخب ومغامرات
عناصرها، كما أن منظومة القيم
اهتزت في أعينهم بحيث أصبح لاعب
كرة القدم أو المطرب هو النموذج
الذي يتطلعون إليه. ملاحظتي الأخيرة أن
اهتمامنا بالتحرش الجنسي في
محله، إذا ما أعطي حجمه
الحقيقي، ونوقشت فيه الأسباب
العامة والخاصة، لكن لم أفهم
لماذا لا نولي التحرش السياسي
نفس الدرجة من الاهتمام، رغم أن
الأول تتعرض له فئات محدودة في
المجتمع، في حين أن الثاني
يعاني منه المجتمع بأسره، فمثلا
في استمرار الطوارئ والمحاكمات
الاستثنائية والقمع والمصادرة
والتعذيب والانحياز إلى
السياسات الغربية في حصار غزة
وفي لبنان والعراق، وهو المنطق المعوج
الذي استنكره الشيخ محمد
الغزالي ذات مرة حين قال «إن هتك
عرض فتاة في بلادنا يقيم الدنيا
ولا يقعدها، لكن الاعتداء على
شرف الوطن والأمة لا نحرك له
ساكنا». ــــــــــــ المصدر
: الدستور المصرية 20/10/2008 ------------------------- المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |