ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هزيمة
حضارية وثقافية فهمي
هويدي كسَفنا وزير التعليم
العالي، حين تعثر في قراءة
كلمته التي ألقاها باللغة
العربية نيابة عن رئيس
الجمهورية في افتتاح مؤتمر
مؤسسة الفكر العربي. حين اغتال
اللغة في الصميم، الامر الذي
سبب صدمة قاسية لضيوف المؤتمر.
ذلك ان خطابه جاء حافلا
بالاخطاء اللغوية الفجة
والمشينة، حيث لم يصادف الرجل
ساكنا الا وحركه. ولا فاعلا الا
ونصبه ولا مفعولا الا ورفعه،
ولا مجرورا الا ورفعه او نصبه.
هذه الفقرة ليست من عندي، ولكني
نقلتها نصا مع قليل جدا من
التصرف مما كتبه الدكتور نبيل
علي خبير البرمجيات والمثقف
البارز في صحيفة «المصري اليوم»
(عدد 22/ 11). الذي حول الكسوف الى
فضيحة، ان الذي قرأ الكلمة هو
وزير التعليم العالي، الذي اذا
كانت احاطته باللغة العربية
بهذا المستوى البائس فما بالك
بغيره من وزراء الزراعة او
السياحة او التجارة مثلا، ثم ما
بالك بمن دونه في وزارته ذاتها.
ثم ان الرجل قرأها نيابة عن رئيس
جمهورية مصر «العربية». الذي
رعى المؤتمر. والى جانب هذا وذاك.
فإنه ألقاها امام مؤتمر للفكر
العربي يفترض ان المشاركين فيه
لهم علاقة بثقافة الامة وعقلها
ولغتها. الحدث ليس مفاجئا،
ولكنه كاشف لحقيقة مخجلة،
خلاصتها ان النخبة التي تتصدر
الواجهات المصرية في هذا الزمن
مقطوعة الصلة بالثقافة
العربية، بل ان الازدراء
بالعربية ـ بل وبالانتماء
العربي لدى البعض ـ هو من سمات
هذه المرحلة وهو موضوع تطرقت
اليه من قبل، ونبهت ان الازدراء
باللغة تعبير عن احتقار الذات،
ومن علامات الهزيمة الحضارية،
التي هي أخطر من الهزيمة
العسكرية، فأي بلد يمكن ان
ينهزم عسكريا لكنه لا يسقط او
ينكسر حضاريا وثقافيا، لكنه ان
انهزم حضاريا فتلك هي القاصمة. فيما كتبت من قبل في
هذا المكان اشرت الى عجز وزير
السياحة المصري عن الحديث
بالفصحى في احد البرامج
التلفزيونية، والى الاخطاء
النحوية التي وقع فيها رئيس
الوزراء احمد نظيف حين سمعته
يلقي خطابا باحد المؤتمرات في
دبي. والمأزق الذي وقع فيه وزير
الثقافة ـ تذكر كلمة «الثقافة»
ـ حين كان عليه ان يلقي كلمة في
افتتاح احتفال بتقديم جائزة
الشعر العربي. بهذه المناسبة
اذكر ان وزير خارجية دولة
الامارات الاسبق السيد احمد
خليفة السويدي كان قد زار قبل
عدة سنوات طلاب بلاده المبتعثين
لدى الولايات المتحدة، وألقى
فيهم كلمة. نبهه احد الذين
استمعوها الى انه ارتكب خطأ
لغويا اثناءها. وسمعت منه انه
استشعر أسفا وخجلا شديدين بسبب
ذلك. وحين عاد الى ابو ظبي
استدعى مدرسا حفظه قواعد اللغة
العربية، بما في ذلك ألفية ابن
مالك في النحو. حيث ادرك الرجل
انه لا يستطيع ان يكون وزيرا
لخارجية دولة الامارات العربية
في حين يخطئ في اللغة العربية. المشكلة في مصر اكبر
من الوزير، وهي حتما في تجليات
الشعور بالهزيمة الحضارية
والثقافية كما ذكرت. بالتالي
فهي الى السياسة اقرب منها الى
الثقافة. الامر الذي يعني اننا
بصدد كارثة حقيقية، لا تهدد
اللسان العربي في مصر فحسب،
ولكنها تهدد ايضا البناء النفسي
للاجيال الجديدة، التي انتقل
اليها الازدراء بالعربية بصورة
تلقائية. ووجدنا في مصر احدى
المحطات التلفزيونية التي تكرس
ذلك الازدراء، وتخاطب مشاهديها
بعامية سقيمة ولقيطة، مقطوعة
الصلة بلسان العرب، الامر الذي
لا يمكن افتراض البراءة فيه او
حسن النية. ان المرء لا يستطيع
ان يخفي شعوره بالخزي وهو يجد ان
قيادات التعليم ومناهج المدارس
ونظام التعليم ذاته، هذه
العوامل كلها تهين اللغة
العربية وتتآمر عليها بقصد او
بغير قصد. ولا اعرف في هذه
الحالة ان كان هؤلاء يدركون ام
لا ان الذي ينهزم في هذه الحالة
ليس اللغة العربية وحدها، ولكنه
نحن جميعا. وارجو ان يتأمل هؤلاء
ماذا فعل الاسرائيليون
بالعبرية الميتة حين ارادوا
لبلدهم ان تقوم له قيامة. ــــــــــــ المصدر
: الدستور المصرية 24/11/ 2008 ------------------------- المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |