ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بيان
للناس فهمي
هويدي يسألني بعض الأصدقاء
والمحبين عن سبب الاختفاء
التدريجي لمقالي الأسبوعي الذي
اعتادت ان تنشره جريدة «الأهرام»
كل ثلاثاء منذ 22 عاما. وهو الموضوع الذي ما
تمنيت ان اخوض فيه، ليس فقط بسبب
اعتزازي بالجريدة التي انتسبت
اليها وتعلمت فيها خمسين عاما،
وليس ذلك لان في الأمر جانبا
يتصل بشخصي وهو ما لا احب ان
اشغل القارئ به، ولكن ايضا
لاقتناعي بأن جرح الوطن في
بلادنا اصبح اكبر من اي جريح،
ولكن ازاء تعدد الاسئلة التي
باتت تلاحقني حيثما ذهبت، فإنني
سأروي الحكاية باختصار، آملا ان
اطوي بذلك صفحتها وان نتعرض بعد
ذلك الى ما هو أهم واجدى. كل ما في الأمر اننا
اختلفنا بدرجات متفاوتة خلال
العقدين الأخيرين بسبب آرائي
ومواقفي التي اعبر عنها فيما
اكتب، كنت اعرف ان للاهرام سقفا
في الكتابة. وهو ما احترمته
وحرصت طوال الوقت على ان اتمسك
باستقلالي في حدود ذلك السقف. لكن المشكلة انني كنت
ومازلت مقتنعا بأن الكتابة الحق
هي الكتابة الناقدة، التي تعلن
حربا لا هوادة فيها ضد الظلم
والقبح والفساد. ولان الأمر في
بلادنا كما تعلم، فقد وجدت نفسي
مشتبكا باستمرار مع اوضاعنا
الداخلية باختلاف دوائرها،
الامر الذي ظل سببا ومصدرا
دائماً للتوتر بيني وبين الجهات
الرقابية في «الاهرام»، ولدى
رئيس التحرير خطابات متعددة
سجلت فيها ضيقي واحتجاجي على
استمرار العبث في محتوى بعض
المقالات وعناوينها، او منع
نشرها لاسباب غير مفهومة أو
مبررة. انني لم أتوقف مرة
واحدة عن كتابة مقال الثلاثاء
طوال السنوات الاثنتين
والعشرين الماضية، وخلال تلك
السنوات تدخلت يد الرقيب مرات
عديدة بالحذف الجزئي أو الكلي
فيما كتبت، ولم يبلغني أحد أو
يفسر لي لماذا ولمصلحة من كان
الحذف. وظللت أؤثر الصمت طوال
الوقت، مكتفيا بملاحظاتي التي
كنت ارسلها بين الحين والآخر
إلى رئيس التحرير. من ثم فإننا
تعايشنا على مضض، فلا «الأهرام»
كانت سعيدة بما كنت اكتب، ولا
أنا كنت سعيدا بالعبث الذي ظلت
تتعرض له كتاباتي بين الحين
والآخر، ويبدو أن كتاباتي في «الدستور»
رفعت من رصيد الضيق وعدم الرضا،
فلم تكتف «الأهرام» بالتدخل
فيما اكتب على صفحاتها ولكنها
قررت ايضا ان تعاقبني على ما
اكتبه خارجها. آية ذلك انني تلقيت
في الخامس عشر من سبتمبر الماضي
رسالة مقتضبة من سطرين على ورقة
بيضاء لا تحمل شعار الأهرام على
غير العادة وقعها مسؤول صفحات
الرأي بالجريدة، أبلغتني بأنه
تم إلغاء عقدي مع «الاهرام».
وانه منذ الثلاثاء 16/ 9 سيتم نشر
مقالاتي كل اسبوعين بدلا من
النشر الاسبوعي المستمر منذ 22
عاما. ابتلعت المفاجأة وفسرت
الموقف والاسلوب الذي اتبع في
ابلاغي به، بأنه تعبير عن نفاد
رصيد التسامح لدى المؤسسة. مع
ذلك فإنني صبرت وقبلت بالوضع
الجديد، لسبب وحيد هو حرصي على
الوفاء بحق قارئ «الاهرام» الذي
تعلق بمقال الثلاثاء طوال
العقدين الماضيين. ولكنني فوجئت
بمنع مقالين تاليين احدهما عن
فشل المصالحة الفلسطينية
والثاني عن السودان. فكتبت
رسالة الى رئيس مجلس ادارة
المؤسسة أبلغته فيها بأن ما جرى
ليس الا دعوة الى الفراق
والمفاصلة التي اريد لي ان
أُدفَع اليها. ولذلك فإنني قررت ان
اوقف التعامل بصفة نهائية مع «الاهرام»
التي امضيت في رحابها خمسين
عاما. اما مقال الثلاثاء
الاسبوعي فهو مستمر سواء في
مصر، او في سبع دول عربية تنشره
بانتظام (كل دول الخليج اضافة
الى الاردن ولبنان) وثلاث دول
اخرى تنشره بغير انتظام (المغرب
والسودان واليمن).. ولدي عرض
بترجمته الى اللغة الاسبانية
مازلت أدرسه. في ختام رسالة سابقة
قلت لرئيس مؤسسة الاهرام انه في
بلادنا ثمة ضريبة يتعين على
الكاتب المستقل ان يدفعها اذا
ما اراد ان يدافع عن شرف قلمه
وحريته في التعبير، وقد دفعت
الكثير جراء ذلك، انا وغيري.
لذلك فإنني استقبلت القرار الذي
اتخذ بحقي بقلب مطمئن ونفس
راضية، واثقا من انني لا أقف
وحيدا لان معي ربي سيهديني،
وانه في النهاية لن يصح الا
الصحيح. ــــــــــــــــ المصدر
: الدستور المصرية 30/11/ 2008 ------------------------- المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |