ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
شائعة
"المسافة الواحدة" فهمي
هويدي تحدثت مصر بلسانين في
تعقيبها على ما جرى أثناء
الاجتماع الأخير لوزراء
الخارجية العرب، فقد نسبت
الأهرام إلى «مصدر مسؤول» قوله
إن مصر تترفع عن الدخول في «مزايدات
ومهاترات» مع سورية، التي دعا
وزير خارجيتها إلى وقوف القاهرة
على مسافة واحدة مع حركتي فتح
وحماس. واضاف المصدر أن هذه
الدعوة ذاتها ينبغي أن توجّه
إلى سورية على وجه الخصوص، (الأهرام
في 28 من نوفمبر الماضي). وحين
تنشر الأهرام تعليقاً بهذه
الصيغة في مكان بارز على صفحتها
الأولى، فإن ذلك يعني أن ثمة «توجيها»
من جهات عليا أرادت أن تسجّل
موقفا ما، يصاغ على لسان «مصدر
مسؤول». على الصفحة الخامسة
من العدد ذاته، تحدثت مصر بلسان
آخر لم يصعد مع سورية ولم يغمز
فيها، على العكس من تصريح
المصدر المسؤول الذي أُبرز على
الصحف الأولى، فرغم أن وزير
الخارجية السيد أحمد أبو الغيط
تبنى مقولة «إن مصر تقف على
مسافة واحدة من كل الأطراف
الفلسطينية» نفسها، إلا أنه وصف
الاجتماع بأنه كان «مفيدا وثريا»،
وأنه لم يشهد صداما أو نزاعا،
ولكن ظهرت فيه «اختلافات في
وجهات النظر»، نوقشت بأكبر قدر
من مراعاة مشاعر الآخرين
والتفاهم بينهم. هذا التفاوت في تقييم
الموقف جدير بالملاحظة، من حيث
إنه ينبهنا إلى حقيقة أن بعض
الملفات الخارجية في مصر تُحسم
بعيداً عن وزارة الخارجية، إلا
أن ذلك على أهميته ودلالته ليس
أكثر ما استوقفني في المشهد،
الذي أثار عندي سؤالا آخر هو: هل
تقف مصر حقا على مسافة واحدة من
«فتح» و«حماس»؟ القرائن
والأدلة المتاحة تجيب عن السؤال
بالنفي، وتشير، بما لا يدع
مجالا للشك، إلى أن مصر الرسمية
منذ ظهرت نتائج الانتخابات
التشريعية في عام 2006 وحتى مؤتمر
المصالحة الذي كان يفترض أن
يعقد في شهر نوفمبر الماضي لم
تكن محايدة بين «حماس» و«فتح»،
ولكن انحيازها كان واضحا
للآخرين. صحيح أن وزراء وقادة
الحركة كانوا يترددون على
القاهرة طوال تلك الفترة، ولكن
هؤلاء جميعا لم يتعاملوا إلا مع
الجهات الأمنية، والموضوع
الأساسي الذي كان يبحث معهم
دائما هو وقف الصواريخ التي
تطلق من غزة والتهدئة مع
إسرائيل وإمكان إطلاق الجندي
الإسرائيلي جلعاد شاليط، وبعض
وزرائهم في حكومة الوحدة
الوطنية اشتكوا من الفتور الذي
قوبلوا به في القاهرة، بل إن
رئيس الحكومة إسماعيل هنية حين
قدم إلى مصر لم يلتق إلا
بالدكتور أحمد نظيف لمدة عشر
دقائق فقط، والمكان الوحيد الذي
قضى فيه بعض الوقت كان الجامعة
العربية، حيث أمضى فيها 90 دقيقة
مع السيد عمرو موسى أمين
الجامعة، وحين علم أمير قطر
بظروف استقبال الرجل في
القاهرة، فإنه أرسل إليه طائرة
خاصة لنقله، وخرج لاستقباله في
مطار الدوحة. لكن ذلك كله في كفة
وما جرى في مؤتمر المصالحة في
كفة أخرى، ذلك أن الورقة
المصرية التي قدمت لكي توقع
عليها الفصائل لم تكن منحازة
إلى موقف سلطة «فتح» فحسب،
ولكنها عمدت إلى تركيع «حماس»
ومحاولة إخضاعها بالكامل لأبو
مازن وسلطته. فقد أرادت الورقة
من «حماس» أن تعطي تفويضا كاملا
للرئيس محمود عباس لكي يمضي في
مباحثاته الكارثية التي لم تحقق
شيئاً طوال أربع سنوات، كما سعت
إلى إلغاء المقاومة تماما،
باشتراط التوافق حولها، بمعنى
موافقة السلطة عليها، كما أرادت
أن تنزع سلاح المقاومة، معتبرة
أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية
التي تنسق الآن مع إسرائيل هي
الوحيدة المخولة بالدفاع عن
الوطن. بل أرادت أن تحول التهدئة
المؤقتة (التي تنتهي مدتها في 19
ديسمبر الجاري) إلى حالة دائمة
في ظل استمرار الحصار والعدوان
الاسرائيلي. بل إن مراسم افتتاح
مؤتمر المصالحة ذاتها ألغت «حماس»
تماما، وجعلت الكلمة لأبو مازن
وحده، دون أن تسمح للطرف الآخر
في الصراع بأن تكون له كلمة
مقابلة. هل يمكن بعد كل ذلك أن
يقال إن مصر تقف على مسافة واحدة
من كل الأطراف الفلسطينية؟ وإذا
كان الكلام للاستهلاك المحلي
وتبييض الوجه الإعلامي، فلماذا
ينطلق من تضليل الناس وقلب
الحقائق إلى هذه الدرجة المدهشة. ـــــــــــــــــ المصدر
: الدستور المصرية 2/12/2008 ------------------------- المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |