ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
شيء
مختلف في أثينا فهمي
هويدي كل الذي
حدث أن صبياً عمره خمسة عشر
عاماً قُتل برصاص الشرطة، وهو
حدث لا نستغربه عندنا، لأنه
يتكرر بين الحين والآخر، وما
حدث في أسوان قبل أسبوعين يشهد
بذلك، فقد قتل أحد ضباط الشرطة
بائع طيور في بيته، وقبله حدثت
علي الأقل 4 حوادث قتل اتهم فيها
ضباط في العمرانية، سمالوط
والجيزة خلال الشهرين الماضيين. بل إن
ضابط شرطة قام بإحراق شاب في
الواحات البحرية، وفي كل مرة
يتم «احتواء» الحادث إما من
خلال اللعب في التحقيقات وإثبات
أن القتيل هو المخطئ، أو من خلال
الوساطات والضغوط الأمنية التي
تجبر أهل المجني عليه علي
التنازل والتصالح، وحين تكون
المسألة مستعصية علي الاحتواء
بسبب تظاهر الأهالي واحتجاجهم
ونشر الخبر في بعض الصحف مثلاً،
فإن الضابط المسئول عن القتل
يلقي القبض عليه ويُقدم إلي
المحاكمة، التي كثيراً ما
تبرئه، وفي حالات نادرة للغاية
تصدر ضده حكماً مخففاً ليودع
بعد ذلك أحد معسكرات الأمن
المركزي، ليطلق سراحه بعد حين
في هدوء، بعد انقضاء نصف المدة
في الأغلب، بموازاة ذلك فإن
الإعلام الأمني عندنا يقوم بدور
مهم في تمرير المسألة علي الرأي
العام، فمندوبو الداخلية في
الصحف القومية جاهزون لأداء «الواجب»
في هذا الصدد، وبعد الاحتواء
ينتهي الأمر بجريمة القتل أن
تتحول إلي فقرة في تقارير
منظمات حقوق الإنسان، تعطي
انطباعاً زائفاً بأن المجتمع
المدني قام بما عليه. في
اليونان حدث شيء مختلف تماماً
حين قتل الصبي الكساندروس
جريجولوبولس مساء السبت 6 - 12انفجر
غضب المجتمع كله، وخرجت فئاته
المختلفة إلي الشارع مطالبة
بأمرين، أولهما استقالة
الحكومة التي ارتكبت الجريمة في
ظلها وإجراء انتخابات جديدة،
وثانيهما محاسبة رجال الشرطة
بإحالتهم إلي القضاء ليصدر
أحكامه ضدهم. صحيح أن الناس
كانوا غاضبين أصلاً علي الحكومة
وغير راضين عن الإجراءات
الاقتصادية التي اتخذتها في
الآونة الأخيرة، إلا أن حادث
قتل الصبي الكساندروس كان القشة
التي قصمت ظهر البعير كما يقال. حين
تابعت تفاصيل قرارات الحكومة
اليونانية التي أثارت سخط
اليونانيين «المتعلقة بالأسعار
أساساً» وجدت أنها لا تكاد تذكر
إذا قورنت بما فعلته حكومتنا
الرشيدة بالناس في بلادنا، وحول
حياتهم إلي جحيم لا يطاق، مع ذلك
فإن المدارس أغلقت في أثينا
بسبب حادث القتل، وخرج الطلاب
والأساتذة والموظفون والعمال
في مظاهرات غاضبة نددت بالحكومة
وطلبت منها أن تستقيل، وتعطلت
المصالح الحكومية ووسائل
المواصلات في العاصمة التي
أصيبت بالشلل، حتي موظفي المطار
أعلنوا الإضراب الذي شارك فيه
الصحفيون بإعلان نقابتهم أن
أعضاءها سيتوقفون عن العمل لمدة
ساعتين، ولم يخل الأمر من بعض
مظاهر الفوضي تمثلت في مهاجمة
بعض الأبنية الحكومية والمتاجر
العامة التي نُهبت محتوياتها
وامتدت شرارة الغضب إلي ألمانيا
وفرنسا اللتين خرجت فيهما
المظاهرات معبرة عن التضامن مع
الغاضبين في اليونان. ما لفت
الأنظار في مظاهرات العاصمة
اليونانية أن الشرطة وقفت منها
موقف الدفاع الحذر وتجنبت
الاشتباك مع المتظاهرين خشية أن
يصاب واحد منهم أو يُقتل فيزداد
الموقف اشتعالاً. حتي
كتابة هذه السطور لم تهدأ
المظاهرات في اليونان بسبب
إصرار المتظاهرين علي مطالبة
الحكومة بالاستقالة، لكن أكثر
ما همني في المشهد هو تلك
الحيوية التي يتمتع بها المجتمع
هناك، الذي انفجرت ثورته لأن
صبياً عمره 15 عاماً قتل برصاص
الشرطة، قل ما شئت في الأسباب
الأخري التي ملأت الناس بالسخط
والغضب، لكن المؤكد أن أحدها
كان أن مواطناً يونانياً قتل
ظلماً خارج القانون، وهو ما
أثار عندي السؤال التالي: لماذا
أصاب الوهن مجتمعنا بما أفقده
عافيته، وجعله عاجزاً عن إعلان
غضبه ومدمناً لابتلاع مراراته
واختزانها في بئر تبدو أنها بلا
قاع؟! إن الاختلاف ليس في الشعب،
ولكنه في النظام السياسي الذي
يحترم كرامة المواطن في جانب
ولا يتردد في سحق تلك الكرامة في
الجانب الآخر. ـــــــــــــــ المصدر
: الدستور المصرية 16/12/2008 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |