ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المصالحة
العربية قبل الفلسطينية فهمي
هويدي أكان
لإسرئيل ان تفترس غزة على هذا
النحو الذى رأيناه هذا الأسبوع،
والبيت العربي على قلب رجل
واحد، ومصر هي الضمير الذى
نعرفه؟ (1)
لا
يستطيع المرء أن يخفى قلقا
مضاعفا على مصر فى العام الجديد.
مرة بسبب الهم الاقتصادى الذى
نسأل الله ان يلطف به فينا. ومرة
بسبب تداعيات الانفعالات التى
نتمنى على أهل السياسة أن
يكبحوا جماحها ويسعوا إلى
ترشيدها. وإذا كان العالم يشهد
الآن مراجعات أساسية لقواعد
الأداء الاقتصادى بعد صدمة
الانهيار الذى شهده سوق المال
فى الولايات المتحدة. فأحسب
أننا بحاجة إلى إجراء مراجعة
مماثلة لمسار الأداء السياسي
بعد الانقضاض الإسرائيلى
الوحشي على غزة. أدرى أن
البعض في مصر يئسوا من إجراء تلك
المراجعة المنشودة لأسباب
أتفهمها، لكننى أنبه إلى أن
الأداء السياسي المصري خلال
العام الذى نودعه لم يخل من بعض
الومضات التى تفسح المجال للأمل
فى إمكانية إصلاح العطب الذي
أصاب بوصلة التحرك السياسي.
تمثلت تلك الومضات فى مؤشرات
الحضور السياسى المصري على
الصعيد الإقليمي، في لبنان
والسودان ومسعى المصالحة
الوطنية الفلسطينية (الذي لم
يحالفه التوفيق) والدعوة إلى
اجتماع الدول المطلة على البحر
الأحمر للنظر في مكافحة القرصنة
التى نشطت على الحدود الصومالية.
هذا
النشاط المحدود أثار انتباه بعض
المعلقين، خصوصا أولئك الذين
يفتقدون دور مصر ويتمنون أن
تستعيد دورها ومكانتها. من
هؤلاء كان الأستاذ رغيد الصلح
المثقف اللبنانى البارز الذى
نشرت له صحيفة "الحياة"
اللندنية فى 27/11 مقالا تحت عنوان:
كيف تستطيع مصر استعادة ثقلها
العربى؟ -فى هذا المقال قال
الكاتب إنه إذا كان من الصعب أن
تسترد مكانة حازت عليها خلال
القرن الفائت، عندما كانت أولى
دول المنطقة فى الثروة والنظام
الديمقراطي البرلماني والتحرر
الوطني والريادة الثقافية
والفكرية، اى على كل صعيد من
أصعدة التقدم، فإنه ليس هناك ما
يحول دون تنمية مكانتها
العربية، بحيث تكون على الاقل
أولى بين متساويين. وذكر أن
القوة الإقليمية التى ينبغي أن
تسعى إليها مصر هي تلك التي
تستمد من دعم دول المنطقة
وشعوبها وتضامنها معها، وتعبر
عن مواقفها ومصالحها في المجتمع
الدولي. وبعد أن استعرض الكاتب
بعضا من معالم التحرك المصري
الإقليمي على مدار العالم تساءل
عما إذا كان التحرك مجرد
ممارسات محكومة بأوانها، ام
أنها تعبر عن استراتيجية واضحة
المعالم والأهداف؟ (2 ) خلال
الشهر الذى أعقب نشر المقال
شهدت الساحة المصرية تطورات
شككت فى الإجابة على السؤال، إذ
بدت القاهرة منفعلة ومتجهة إلى
التصعيد والتسخين على ثلاث
جبهات هى: حماس وحكومة غزة،
وسوريا وإيران. وهذا التسخين
عبر عنه الإعلام الرسمي والصحف
القومية بصورة خرجت على المألوف.
وبصرف النظر عن تقييم مواقف تلك
الأطراف، فإن الحوار النقدي
الذي عبرت عنه وسائل الإعلام
الرسمية وشبه الرسمية في مصر -
ولا يجادل أحد في انه صدى للموقف
السياسى- بدا واضحا فيه انه متجه
الى الصدام والقطع، وليس إلى
التصويب والوصل- وللأسف فان
الأسلوب الذى استخدمته بعض
الأقلام المحسوبة على السلطة لم
يهبط بمستوى الحوار النقدي
فحسب، وإنما أساء إلى صورة بلد
كبير كمصر يتوقع الآخرون منه
حواراً أرقى، ورؤية أكثر نضجاً
تتحرى المصالح العليا، وتفرق
بين العدو والشقيق أو الصديق،
وبين تناقضات أساسية ينبغي
الانتباه إليها، وتناقضات
ثانوية ينبغي تجاوزها
والاستعلاء فوقها. إن أخطر
ما في المبالغات التي عبر عنها
الإعلام الرسمي والقومي في مصر،
أنها صورت الاختلاف في المواقف
والاجتهادات السياسية مع هذه
الأطراف الثلاثة بحسبانه
تناقضاً أساسياً، وتجاهلت أن
التناقض الأساسي الحقيقي هو بين
هذه الأطراف جميعاً وبين
إسرائيل بالدرجة الأولى. الأمر
الذي أوقع بعض المشاركين في
حملة التحريض والتهييج في أخطاء
مشينة، كان من بينها مثلا أن
أحدهم اعتبر أن حصار غزة
مسؤولية إيرانية وسورية بأكثر
منه مسؤولية إسرائيلية. ولا
أريد أن أسترسل في عرض أمثال تلك
النماذج المخجلة، حتى لايظن
أنها تعبر عن مواقف المثقفين
المصريين، لأنها في حقيقة الأمر
لاتعبر إلا عن مواقف الذين
اختارتهم السلطة بمواصفات
معينة ليكونوا أبواقاً لها في
ظرف تاريخي خاص. المدهش
في الأمر أن الإعلام المصري
يصعد الاشتباك مع هذه الأطراف
الثلاثة، في حين يزداد التعاطف
الأوروبي مع المحاصرين في غزة،
وتتحدث الإدارة الأمريكية
الجديدة عن حوار مباشر مع إيران
وسوريا. وتمد فرنسا جسورها مع
سوريا بما مكنها من أن تقوم بدور
الوساطة بينها وبين لبنان. أما
الغريب وما يتعذر تصديقه، فهو
ما نشرته صحيفة الحياة اللندنية
في العناوين الرئيسية للصفحة
الأولى من عدد 25/12، من أن الرئيس
مبارك أبدى تحفظاً على الوساطة
الفرنسية بين سوريا ولبنان.
ونقلت عن مصدر تابع زيارة رئيس
الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون
لمصر، أن الرئيس مبارك قال له أن
فرنسا تخطئ إذا اعتقدت أن سوريا
تسعى لاستقرار لبنان، لأنها
تريد السيطرة عليه. ورغم خطورة
التصريح الذي تشتم منه رائحة
التحريض المصري على سوريا، فإن
أحداً لم يكذبه من القاهرة. (3) سألت
أكثر من واحد من الدبلوماسيين
المخضرمين والخبراء في مصر: إلى
أين يذهب هذا التصعيد، ووجدت أن
حيرتهم لاتختلف كثيراً عن
حيرتي، إذ لم يستطع أحد منهم أن
يتنبأ بنهاية ذلك المطاف. لكن
واحداً فقط قال إنه يمكن أن
ينتهي بوضع خطوط فاصلة بين
معسكري "الاعتدال" والتطرف
في العالم العربي، بحيث يصطف
الموالون لأمريكا وإسرائيل في
جانب والمعارضون في جانب آخر.
ومعروف أن وزيرة الخارجية
الأمريكية كوندوليزا رايس كانت
قد أطلقت هذا التصنيف لأول مرة
في شهادة لها أمام الكونجرس عام
2007، ثم اختبرت الفكرة بنجاح
نسبي في عام 2008، وقد تدخل حيز
التنفيذ بحيث تصبح جزءاً من
الخريطة السياسية للمنطقة في
العام الجديد (2009). الآخرون
أبدوا تحفظاً على تأييد هذا
التقييم، ومنهم من حذر من
استباق الأحداث قائلاً بأنه من
الحكمة انتظار وضوح موقف
الإدارة الأمريكية الجديدة،
التي تبنى رئيسها فكرة الحوار
المباشر مع إيران وسوريا (لتأمين
الانسحاب من العراق) الأمر الذي
إذا تحقق فقد يسفر عن نتائج تغير
من الخرائط المطروحة في الوقت
الراهن. رغم
الحيرة في التنبؤ بمصير التصعيد
الراهن، فالقدر الثابت أن
الأمور وصلت إلى درجة تورث
شعوراً قوياً بالخزي والخجل.
ذلك أن الجسور تقطعت في العالم
العربي، والمعايير انقلبت بحيث
أصبح من السهل أن تجئ تسيبي
ليفني وزيرة الخارجية
الإسرائيلية إلى القاهرة وتطلق
منها تهديداً بتدمير
الفلسطينيين (لا يعلق عليه وزير
الخارجية المصرى!)، في حين يبدو
من الصعب في ظل التسخين الراهن
أن يتبادل وزير الخارجية المصري
والسعودي الزيارات مع وزير
الخارجية السوري. هذه
اللقطة الأخيرة تستدعي إلى
أذهاننا مشهداً مماثلاً في
الساحة الفلسطينية. ذلك أن
السيد أبو مازن له خطوطه
المفتوحة ولقاءاته المستمرة مع
القادة الاسرائيليين، لكنه
لايزال يرفض بشدة أن يجتمع مع
قادة حركة حماس الذين انتخبهم
الشعب الفلسطيني. ولايبدو أن
مثل هذا اللقاء بين الإخوة
الأعداء يمكن أن يتم في الأجل
القريب. إذا
دققت في الحالتين فستجد أن
الموقف فيهما واحداً، بمقتضاه
انقلبت الآية، بحيث أصبح الغريب
قريباً والقريب غريباً، ولم يخل
الأمر من الاستعانة بالغريب على
القريب. وهي حالة ليست شاذة في
التاريخ العربي والإسلامي. فقد
شهدت بلاد الشام والأندلس قبل
سقوطهما تقاطعات بين الولاة
المسلمين أوصلت بعضهم إلى
الاستعانة بالصليبيين والفرنجة
ضد إخوانهم المسلمين. الأمر
الذي انتهى بهزيمة الجميع
واندثارهم. (4) في أكثر
من خطبة ألقاها الرئيس مبارك
هذا الشهر تكرر نداؤه
للفلسطينيين داعياً إياهم إلى
التصالح وإنهاء الانقسام فيما
بينهم. كما أن الخطاب السياسي
العربي باختلاف مصادره ما برح
يردد هذه الدعوة، حتى قال أمين
الجامعة العربية السيد عمرو
موسى وأكثر من مسؤول ومعلق عربي
بأن الانقسام الراهن من شأنه أن
يصيب القضية في مقتل، بما يؤدي
إلى تصفيتها في نهاية المطاف.
رغم أن أحداً لا يستطيع أن يعبر
عن سعادته بالانقسام –
باستثناء الإسرائيليين وغيرهم
من المنتفعين به بطبيعة الحال-
إلا أننى أزعم بأن ما يهدد
القضية الفلسطينية حقاً هو
الانقسام العربي قبل الانقسام
الفلسطيني، وأن العواصم
والأصوات العربية التي ما برحت
تصيح منددة بالانقسام
الفلسطيني وخطره على القضية
يريد بعضها على الأقل أن يغطي
بعلو الصوت الانسحاب من القضية
والتفريط فيها. إن
الانقسام وارد دائماً في صفوف
الحركات الوطنية وحركات
المقاومة بوجه أخص. والصراع بين
الأجنحة المنقسمة له تاريخ طويل
في أوساط المناضلين والساحة
الفلسطينية ليست استثناء فى ذلك.
إذ عرفت الانقسام منذ
الثلاثينات فى مواجهة الاحتلال
البريطاني، خصوصاً بين جماعة
النشاشيبى والحسينى. بل إن أسرة
النشاشيبي شكلت وقتذاك جناحاً
مسلحاً باسم "فصائل السلام"،
كانت تلاحق الثوار من أتباع
الحسيني وتسلمهم إلى الإنجليز،
بمقتضى " التنسيق الأمني"
معهم، إذا استخدمنا مصطلحات هذا
الزمن!. ومن ذلك الحين تتابعت
الانشقاقات التي أفرزت في
السبعينات حالة دموية مثلها
صبري البنا (أبونضال) الذي قتل
العشرات من الشخصيات
الفلسطينية. طوال
تلك التقلبات ظلت حرمة القضية
مصونة لا تمس لسبب جوهرى، هو أنه
كان هناك سياج عربي ظل مسانداً
للتحرير والمقاومة طوال الوقت.
صحيح أنه كان هناك تمايز في
المواقف والاجتهادات، لكن أياً
منها لم يمس صلب القضية
وثوابتها، حتى في ظل هزيمة
يونيو عام 67. ومنذ وقعت اتفاقيات
كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في
عام 1979حدث أول اختراق في السياج
العربي، الذي كان بداية لانفراط
الإجماع حول القضية، وانفتاح
الأبواب حول الاجتهاد حتى في
ثوابتها، حتى وجدنا قيادة
فلسطينية تصف العمليات
الاستشهادية بأنها "حقيرة"،
ووجدنا آخرين يساومون على الأرض
وعلى حق العودة. كما وجدنا دولاً
عربية تسهم في بناء الجدار
العازل وتوفر النفط والغاز لآلة
الحرب الإسرائيلية، التي تسحق
الفلسطينيين. حين
انهار السياج العربى انهار
البيت الفلسطينى وأصبح التفريط
في ثوابت القضية والمساومة
عليها يتم جهاراً نهاراً أمام
كل الأعين. الذي لا يقل أهمية عن
ذلك وخطورة أن الشقاق العربي
صار سنداً للتشرذم الفلسطيني
ونقطة الضعف الحقيقية في ملف
القضية. الأمر الذي يدعونا إلى
القول بان الانقسام الفلسطيني
لن يلتئم عقده إلا إذا تصالح
العرب أولاً، خصوصاً محور
القاهرة الرياض دمشق، وهو
المثلث الذهبي الذي باتصال
أضلاعه يؤمن السياج للقضية،
وبانفصالها تصبح القضية في مهب
الريح. وذلك هو الحاصل الآن. ـــــــــــــــ المصدر
: مدونة فهمي هويدي http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2008/12/blog-post_2827.html ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |