ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إطفاء
الحريق أولاً فهمي
هويدي أستغرب
جداً قول القائلين بأن الأمل
معقود على القمة العربية
الطارئة في إعادة التهدئة الى
غزة، وأستغرب أيضاً التصريحات
التي انتهزت الفرصة وحمّلت «حماس»
المسؤولية عن المذبحة في غزة،
بل أزعم أن ذلك أسخف وأغبى ما
قرأت عن أصداء الجريمة التي
شهدها القطاع في الآونة
الأخيرة. ذلك أنني لا أتصور أن
يتنادى القادة العرب، بجلالة
قدرهم، إلى الاجتماع في الدوحة
لمجرد الاتفاق على إعادة
التهدئة التي تبين من الممارسة
أن المراد بها شيء واحد وهو: أن
يكف الفلسطينيون عن إطلاق
صواريخهم على المستوطنات
المقامة جنوب إسرائيل لكي يعرف
سكانها النوم في دعة وهدوء، في
حين تظل إسرائيل مطلقة اليد في
حصار الفلسطينيين وتصفيتهم
واعتقالهم. وإذا تذكرنا ان احدث
تهدئة تمت قبل ستة أشهر لم
تبرمها القمة، وإنما توسّط فيها
ضباط المخابرات المصرية، الذين
أجروا اتصالاتهم مع مختلف
الفصائل وتوصلوا الى الصيغة
التي تراضى عليها الجميع،
وأثبتت التجربة ان الذي أرادته
اسرائيل منها مختلف عما توقعته
الفصائل الموقعة، وكانت
النتيجة ان ارادة الطرف الأقوى
هي التي فرضت، فارتاح
الاسرائيليون وظلت الكوابيس
تطارد الفلسطينيين وتلاحقهم،
الامر الذي كان منطقياً في ظله
ان تقرر فصائل المقاومة الأربعة
(حماس والجهاد والجبهتان
الديموقراطية والشعبية) عدم
تمديدها، الا إذا خرج
الفلسطينيون منها بشيء يحسّن
أوضاع السجن الذي يعيشون فيه. الآن
تريد جماعة رام الله وبعض
المسؤولين العرب ان يعود كل شيء
الى سابق عهده، فيبقى الحصار
ويستسلم اهل القطاع للإبادة
البطيئة والمتدرجة، ومن ثم تظل
أوضاع السجن على تعاستها. وهو ما
أفهم أن تدعو اليه اسرائيل، لكن
لا استطيع ان افهم ان يجري اطلاق
هذه الدعوة على لسان مسؤول
عربي، إلا اذا اعتبرنا هذا
الكلام أحد المشاهد العبثية
واللامعقولة التي شابت ملابسات
المذبحة وقبلها الحصار، وكان
التواطؤ واضحا في الاثنين،
وللعرب فيه نصيب مع الأسف
الشديد. في هذا
الصدد لاحظ المدى الذي تراجعت
عنده القضية، فلا حديث عن
الاحتلال الذي هو اصل الداء وأس
البلاء، ولا حديث عن الاستيطان
أو الجدار أو نهب الارض
والاستئثار بالمياه، إنما
الكلام كله منصبّ على ظروف
البقاء تحت الاحتلال، وهل يحتفظ
الفلسطينيون في ظل تلك الظروف
بإنسانيتهم وقاماتهم، أم يتعين
عليهم أن يركعوا وينبطحوا؟! في هذا
الإطار، ثمة ثلاث مهام أساسية
معروضة على القمة الطارئة: الأولى
وقف العدوان على غزة، الذي لا
يشك احد في أنه في مقدور القادة
العرب إنجازه إذا أرادوا، سواء
الذين يحتفظون منهم بعلاقات مع
اسرائيل أو مع الولايات
المتحدة. المهمة
الثانية هي إنهاء الحصار وفتح
المعابر. والثالثة
دعوة الفصائل الفلسطينية، خاصة
«فتح» و«حماس»، الى حوار يفضي
الى انهاء القطيعة وتحقيق
المصالحة. وحين
يتفق القادة العرب على هذه
الأمور، فإن من دونهم يستطيع
بسهولة أن يحسموا أمر التهدئة. أما وجه
السخافة في الجدل حول الطرف
المسؤول عن المذبحة، فيكمن في
أمرين، أولهما
انه لا يُعقل ان تكون المذبحة
مستمرة في حين يستدعى هذا الملف
لمناقشته، وهو تصرّف لا يختلف
كثيراً عن سلوك الحمقى الذين
شبّ الحريق في دارهم فلم
ينشغلوا بإطفائه، ولكن جلسوا
يتحاورون حول أسبابه، أما
الأمر الثاني فيتمثل في أن سجل
السوابق والجرائم الاسرائيلية
يجعل من السلوك الذي لجأت إليه
في غزة أمراً طبيعياً إذ ليست
هذه هي المذبحة الأولى ولن تكون
الأخيرة، وحين
يشار باصبع الاتهام الى أي طرف
فلسطيني بالمسؤولية عما جرى
للقطاع، فإن ذلك يصرف الانتباه
مباشرة عن الجرم الحقيقي
(الإسرائيلي)، ولا أريد أن أقول
إنه يسهم في التستر على جريمته. أرى ان
أن توجيه الاتهام لـ «حماس»
ربما كان جزءاً من تصفية
الحسابات وفرصة لتسجيل نقطة
ضدها، لكن ذلك لا ينفي عن المسلك
وصف الحماقة باعتباره نموذجاً
لوضع الشيء في غير موضعه، حيث لا
يتصور ان تكون الجريمة
الاسرائيلية مستمرة والاشلاء
الفلسطينية تملأ شوارع القطاع
ثم يخرج علينا قائل يقول: انظروا
ماذا فعلت «حماس»؟! ـــــــــــ المصدر
: الدستور المصريه 2/1/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |