ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  17/01/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تركيا وحرب غزة: أعثمانية جديدة؟

الكاتب أيمن الدسوقي

ربما يتذكر القارئ أبعاد الجدل الذي أثارته السياسة التركية "الأوزالية" تجاه أزمة الخليج الثانية  (1990-1991)  في الأوساط السياسية والأكاديمية بتركيا. فلم يكتفِ الرئيس التركي، (تورغوت أوزال) (1989-1993)، بتأييد التحالف الدولي المضاد للعراق وحسب، بل قام بفتح جبهة ثانية للحرب عبر الأراضي التركية. وقد وُصفت هذه السياسة غير المسبوقة في تاريخ تركيا تارة بالمغامرة وتارة بالمقامرة، وتم تحذير صاحبها من مخاطر التدخل في الأزمات العربية على المصالح التركية. وإجمالاً، وُصفت سياسة (أوزال) الأوسطية بأنها تُعبر عن "عثمانية جديدة" بمعنى التطلع إلى إحياء صورة جديدة للدور العثماني في المنطقة تُمثل خروجاً على المبادئ والأُسس "الكمالية" في السياسة الخارجية، والقائمة على عدم التدخل والحياد تجاه قضايا الشرق الأوسط.

 

ومع رحيل صاحب "العثمانية الجديدة"، في 1993، تم نسيان الفكرة أو تناسيها. ذلك أن السنوات التي أعقبت رحيله شهدت، في معظمها، عودة السياسة الخارجية التركية إلى مسارها التقليدي. ولكن تم استدعاء الفكرة مؤخراً على خلفية السياسة التركية النشطة تجاه العدوان الصهيوني على غزة، منذ 27 ديسمبر 2008، وإن كان انخراط تركيا في مشكلات الشرق الأوسط يسبق ذلك التاريخ؛ حيث قامت بدور الوسيط بين لبنان وسوريا، وتتوسط في المفاوضات غير المباشرة بين الأخيرة والكيان الصهيوني منذ فترة غير قصيرة، وأعلنت استعدادها للوساطة بين الصهاينة والفلسطينيين" حماس".

 

وربما كان مما عزز استدعاء هذه الفكرة مؤخراً إشارة رئيس الوزراء التركي، (رجب طيب أردوغان)، في خطابه أمام الكتلة البرلمانية لـ "حزب العدالة والتنمية"، في 6 يناير الجاري، إلى أن الأتراك العثمانيين أجاروا أجداد اليهود من مظالم الصليبيين في أسـبانيا، عام 1490، عندما سـقطت الأندلـس.

 

هل تشبه الليلة البارحة!؟ بمعنى هل تنتهج تركيا "عثمانية جديدة" في الشرق الأوسط بسياستها الديناميكية تجاه حرب غزة، كما فعلت أثناء حرب تحرير الكويت؟

 

بادئ ذي بدء، ثمة اختلاف جوهري بين الحالتين؛ ففي حرب غزة، تم استدعاء تركيا عربياً للقيام بدور متعدد الأبعاد، أكثر شمولاً وأبعد أغواراً من دورها في أزمة الخليج الثانية الذي بادرت هي به عقب الغزو العراقي للكويت. وهنا يتضح مدى بعد الهوة بين الحالتين، على الرغم من أنهما تُمثلان سلوكاً تدخلياً ديناميكياً غير محايد، إذا عرفنا من المستدعِي، وما هي أبعاد الدور المتوقع للمستدعَى؟

 

كان من المفاجئ، ليس فقط للمراقبين وإنما للمسؤولين الأتراك أيضاً، أن يكون المستدعِي أولاً مصر ـ زيارة وزير خارجيتها تركيا في 29 ديسمبر 2008، وهي التي يُفترض بأنها القابض على الميزان في النظام العربي ـ  ثم قطر ـ زيارة رئيس وزرائها في اليوم التالي ـ التي تلعب دوراً متنامياً في أحد النظم الفرعية العربية ـ النظام الخليجي، وقد حمل هذا دلالات سـلبيـة ليـس فقط على دور مصر الإقليمي، الذي يشـهد تراجعاً غير مسـبوق منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وإنما أيضاً على صحـة النظام العربي، الذي وصل إلى درجة من الاختناق دعت إلى تصدير قضاياه إلى فاعلين إقليميين ودوليين، وأحد نظمه الفرعية المهمة ـ النظام الخليجي ـ، الذي ظهر أثناء قمة مسقط الأخيرة وكأنه صورة مصغرة للنظام العربي. ومن دون الدخول في تفاصيل ذلك، فقد بدت تركيا، للوهلة الأولى، وكأنها في سـبيلها إلى الحلول، وإن نفت ذلك مراراً، محلّ مصر كقابض على الميزان ليـس فقط في النظام العربي، وإنما أيضاً في الشـرق الأوسـط؛ فقد اسـتقبلت تركيا مسـؤولين إيرانيين أيضاً، بالإضافـة إلى اتصالاتها مع الكيان الصهيوني.

 

تمثلت أبعاد الدور المتوقع من تركيا في الوساطة بين الدول العربية ـ ولاسيما بين ما يُعرف بمعسكر الاعتدال ومعسكر الممانعة، بل والوساطة بين بعض دول المعسكر الأول ـ طلبت قطر إلى تركيا إقناع السعودية ومصر بقبول حضور القمة العربية الاستثنائية التي دعت إليها لمناقشة العدوان الصهيوني، التدخل لدى الكيان الصهيوني لوقف عملياته العسكرية، ممارسة النفوذ على "حماس" للقبول بالتهدئة، وربما القيام بدورٍ، كما وعدت، في المصالحة الفلسطينية، والمصالحة العربية إن أمكن! ولم تفوّت تركيا الفرصة، وتحركت دبلوماسيتها على أعلى مستوى لـ "رسم خارطة طريق للخروج من الأزمة". فبالإضافة إلى الاتصالات السياسية التي أجراها كل من رئيس الوزراء، (أردوغان)، ووزير خارجيته، (علي باباجان)، مع القادة والمسؤولين المعنيين بالحرب على غزة، على المستويين الإقليمي والدولي، قام رئيس الوزراء بجولة أوسطية 31 ديسمبر 2008 إلى 3 يناير 2009، لم تشمل الكيان الصهيوني، وأخذته إلى دمشق وعمان والقاهرة والرياض. وفي دمشق، التقى مبعوثه الشخصي برئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، خالد مشعل.

 

ولكن ماذا عن الموقف التركي نفسه تجاه العدوان الصهيوني على غزة؟ وهل ذهب بعيداً عما طُلب إليه من العرب؟

 

اتسم رد الفعل التركي بالحدة؛ فقد حمَّل (أردوغان) الكيان الصهيوني المسؤولية كاملة عن اندلاع المعارك، على عكس بعض الدول العربية، ولاسيما مصر والسعودية، التي حمَّلت "حماس" أو الإنقسام الفلسطيني مسؤولية انهيار اتفاق التهدئة. بل إن (أردوغان) اعتبر العدوان الصهيوني إهانـة يجب أن تعتذر عنها لتركيا؛ التي كانت تبذل جهوداً "لتجديد التهدئـة في غزة، بالتوازي مع الوسـاطـة بين سـوريا والكيان الصهيوني." ولذلك، أعلنت أنقرة وقف هذه الوسـاطـة احتجاجاً وشـن (أردوغان) هجوماً لاذعاً على قادة الكيان الصهيوني لذين يسـتهدفون تحقيق مكاسـب إنتخابيـة من جراء عدوانهم "الوحشـي"، والذي سـيظل عاراً يُلاحقهم.

 

بل إنه أكد أن الشعب التركي لن يغفر أبداً للكيان الصهيوني عدوانه على غزة، الذي وصفه بأنه "جريمة ضد الإنسانية".

 

وقد طالبت تركيا بالوقف الفوري لإطلاق النار، ورفع الحصار، وفتح المعابر، متجاوزة في بعض الأحيان المبادرة التي قدمها إليها وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، أثناء زيارته لها. كما حذرت من تداعيات العدوان الصهيوني على المنطقة؛ أي احتمال تطور الوضع في غزة وتصعيده ليتحول إلى نزاع إقليمي. وربما يكون رئيس الوزراء التركي ومستشاروه قد بحثوا هذه المسألة بالذات أثناء زيارتهم لدمشق.

 

غير أن تركيا لا تُشارك بعض الدول العربية "فوبياهم" من الخطر الإيراني! فاستقبلت أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، سعيد جليلي، الذي كان قد أنهى للتوّ زيارتين إلى كل من سوريا ولبنان، أجرى خلالهما مباحثات مع كل من الرئيسين السوري واللبناني، والأمين العام لـ "حزب الله"، وكل من رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" وأمين عام "حركة الجهاد الإسلامي" الفلسطينية. وكان هذا يعني أن تركيا أكثر اهتماماً بالحؤول دون تطور الصراع في غزة إلى نزاع إقليمي أكثر من اهتمامها بـ "فوبيا" عربية زيّنت لبعض القادة العرب، كما أُشيع في التقارير الصحفية، استدعاء تركيا لتشكيل جبهة ضد الخطر الإيراني، أو على الأقل لموازنته.

 

وبطبيعة الحال، أثار الموقف التركي الكيان الصهيوني الذي قيّمه بأنه "عاطفي"؛ الأمر الذي رفضه (أردوغان)، مؤكداً أنـه موقف سـياسـي؛ لأن تركيا لا يُمكنها أن تقف مكتوفـة الأيدي تجاه الظلم. وعلى المستوى العربي، هناك من رحب بالوساطة التركية؛ على أساس أن تركيا ستكون أكثر نزاهة في وساطتها "من وسطاء آخرين، أخفوا تحيزاتهم، فأفسدوا أكثر مما أصلحوا"، وأكثر حظاً نظراً لتمتعها بعلاقات جيدة مع كل من العرب والكيان الصهيوني في آن واحد، وربما تدفع جهود تشكيل جبهة "سنية" أو "معتدلة" في مواجهة إيران! وهناك من اهتم بتحليل القيود على الدور التركي المنتظر، سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية، وانتهى إلى عدم التعويل عليه كثيراً. كما أثار هذا الموقف ردود أفعال واسعة داخل تركيا؛ انتقد كثير منها الانحياز للطرف الفلسطيني من دون أخذ وجهة النظر الصهيونية في الاعتبار، والتدخل الذي ورّط تركيا في مشكلات وصراعات لا خبرة لها بها. وأُثيرت مرة أخرى، كما ذكرت سابقاً، "العثمانية الجديدة". فهل يُعبر السلوك التركي تجاه حرب غزة عن "عثمانية" جديدة فعلاً؟

 

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يجب الاعتراف أولاً أن سلوك (أردوغان) تجاه العدوان الصهيوني على غزة قد يسجل إرهاصات تحول "جذري" في سياسة تركيا تجاه الصراع العربي الصهيوني؛ فربما تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ الجمهوريـة التركية الحديثـة التي تتبنى فيها سـلوكاً منحازاً إلى أحد طرفي الصراع، ومن ثم تخرج عن أسـر مبدأي التوازن والحياد التقليديين! ولكن، في الحقيقة، يندرج هذا السلوك في إطار الاتجاه التكميلي لـ "حزب العدالة والتنمية"، سواء على مستوى التصورات الفكرية والتوجهات الخارجية أو السياسات العملية. يُقصد بالتكميلية هنا محاولة قادة الحزب "التوليف" بين أفكارهم وتوجهاتهم وسياساتهم الإسلامية وبين الأفكار والتوجهات والسياسات "الكمالية" التقليدية ذات التوجه الغربي.

 

ويُلاحظ أن مصدر شعبية هذا التوجه الفكري والسياسي لـ "حزب العدالة والتنمية" ـ الذي حصل على نحو 47% منن أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2007 ـ مكملٌ للتوجه العام "الغربي" لتركيا، وليس منافساً له. فهو لا يُشكل إنحرافاً عن التوجهات الأساسية للسياسة التركية، وإنما يُعد مكملاً لها. ويمكن نسبة معظم هذه الأفكار والسياسات إلى "حزب الرفاه"، وزعيمه ومؤسسه (نجم الدين أربكان)، الذي فاز بالأغلبية في انتخابات 1995، وترأس الحكومة التركية لفترة قصيرة ـ 1996-1997 ـ ولكن تجربة "حزب الرفاه" جاءت في ظروف غير مواتية، ولم تتوافر لها مقومات الاستمرارية حتى تُؤتي أُكلها لأسباب عدة.

 

وفي رأيي، أن التوجه التوفيقي لـ "حزب العدالة والتنمية" على مستوى الفكر والممارسة لا يعني أنه ملتزم باستراتيجية براجماتية في الحكم، كما أنه ليس تطبيقاً لمخاتلة إنتخابية، وإنما هو توجه استراتيجي للحزب، فضلاً على أنه توجه أصيل إذا أعدنا قراءة خبرة الاتجاه الإسلامي في تركيا منذ تأسيس "حزب الخلاص الوطني"، على يد (أربكان)، في بداية الثمانينيات من القرن الفائت.

ــــــــــــ

المصدر :  مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ