ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مصر
تلملم جراحها د.
عصام العريان في حساب
الربح والخسارة بعد إعلان وقف
إطلاق النار من جانب واحد الذي
أقرَّته حكومة مجرمي الحرب في
تل أبيب، يتضح دون خلاف بين
المراقبين أن أكبر الخاسرين هي
مصر والرئيس مبارك، وأن إيران
سجَّلت نقاطًا كبيرة لصالحها
أيًّا كان الاختلاف أو الاتفاق
معها. مصر-
وبعد أسابيع من حرب مجنونة على
غزة- تهدف إلى كسر إرادة
المقاومة لدى الشعب الفلسطيني
وإخضاع حماس لعباس وإسكات منصات
إطلاق الصواريخ التي تنهمر على
مدن ومستوطنات جنوب فلسطين
وتصيب الصهاينة بالهلع؛ ليس من
صوت الصواريخ أو من الدمار
البسيط التي تحقِّقه أو
الإصابات الطفيفة، ولكن من
المستقبل إذا امتلكت المقاومة
ما هو أكبر أو صمدت في معركة
الإرادة أو في المواجهة مع دولٍ
ما زالت تتمنَّع في وجه المشروع
الصهيوني وفي ظل توازن قوى وردع
متبادل ونظام صاروخي باليستي
وتغيرات ديموجرافية على الأرض
تنذر بطرح أسئلة من نوع: كيف
يستمر الكيان الصهيوني في
الحياة؟! (مجلة تايم)، أو حرب
مائة العام (إيكونومست)، أو
مستقبل الكيان الصهيوني (نيوزويك).
ماذا
كان تصور مصر خلال تلك
المواجهة؟! كانت ضد المقاومة
ومع التسوية.. كانت تراهن على
وحدة الصف الفلسطيني خلف محمود
عباس.. كان تراهن على الإبقاء
على علاقتها الحميمة مع الكيان
الصهيوني على أمل أن تستفيد
بتلك العلاقات فوق الطبيعية
لتخفيف المعاناة عن
الفلسطينيين أو الإسراع بعملية
التسوية، وطبعًا لأسباب أخرى لا
تخفى على أحد تتعلَّق بانتقال
السلطة إلى الوريث. قمعت
مصر التأييد الشعبي في القاهرة
التي يحتشد فيها الإعلاميون،
وسمحت به في المحافظات، واعتقلت
حتى الآن حوالي ألف من الإخوان
وأنصارهم في حادتٍ ليس له مثيل
في أي بلد عربي أو إسلامي أو
عالمي؛ فلم نسمع حتى في الضفة
الغربية أو الأردن عن اعتقالات
بسبب التضامن مع غزة أو تحقيقات
في النيابة بذريعة إمداد غزة
بالإغاثة الإنسانية أو تأليب
الجماهير على التظاهر دعمًا
لغزة واستغلال مشاعرها، وهي
الاتهامات التي تم توجيهها إلى
العشرات. الآن
وقبل أن تصمت المدافع وتكف
الطائرات عن الأزيز في سماء غزة
أو ترحل الدبابات عائدةً إلى
حظائرها في القواعد الصهيونية؛
بدأت مصر تشعر بالإهانة، وبدت
مُثخنةً بالجراح، فهل تلملم مصر
جراحها؟ وهل يبتلع الرئيس مبارك
الإهانة التي ألحقها به أولمرت
وليفني وباراك؟ لا أعتقد. فها هو
الرئيس في خطابه المتلفز يوم
السبت 17/1 يدعو أولمرت من جديد
إلى لقاء مع عباس بحضور ساركوزي..
لماذا؟ هل
للخروج من المأزق؟ أو للعتاب
الذي لا يفسد للود قضية؟ ويبقى
الود ما بقي العتاب. لقد
كانت سخرية أولمرت من مبارك
قاسيةً وهو يعلن أنه استجاب
لندائه بوقف إطلاق النار الذي
أطلق عبر التليفزيون. قرار
معلن منذ أيام، ويدَّعي العدو
أنه اتخذه بعد تحقيق كافة
أهدافه التي لم يُعلن عنها قط؛
كي لا يتعرَّض أثناء التحقيق
للحساب العسير، واتخذه من جانب
واحد دون أي اعتبار للزيارات
المكوكية لعاموس جلعاد للقاهرة
والمفاوضات الشاقة التي بذلت
مصر وعمر سليمان فيها جهودًا
هائلة للضغط على حماس وإجبارها
على المرونة وقبول تنازلات رضيت
عنها مصر أخيرًا، وبعد توريط
مصر في اتفاق أمني صهيوني
أمريكي على حساب مصر يُلزمها
بما لا يجب أن تلتزم به مطلقًا،
ويتهمها أنها شريكة في تهريب
السلاح، وهي التي أفسدت أمنها
القومي بالضغوط المستمرة على
أهلنا في سيناء بسبب الاتهامات
التي توجِّهها إليها العدو
بأنها تدعم أهل غزة عبر التهريب
المستمر للغذاء والدواء
والسلاح، بينما يظهر الآن حديث
جديد حول التهريب عبر البحر
لأسلحةٍ إيرانيةٍ متطورةٍ كانت
سببًا رئيسيًّا في صمود
المقاومة، ويجري حديث غريب عن
بناء جدار عازل تحت الأرض على
الحدود المصرية الفلسطينية
لمنع التهريب. ولم
يتحدَّث أحد من أبواق الإعلام
أو يتساءل عن عدم هروب
الفلسطينيين تحت القصف من غزة
إلى رفح أو العريش، ولم يتم
اجتياح الحدود، بل صمد أهل غزة
خلف قيادتهم والمقاومة في وجه
العدوان، وقدَّموا الشهداء
قوافل والجرحى بالآلاف، ولم
يتألَّموا أو يصرخوا إلا في وجه
الذين خانوا قضيتهم وباعوهم
للعدو بثمن بخس. على مصر
أن تلملم الآن جراحها وتحاول أن
تستعيد ثقتها بنفسها بدلاً من
الهجوم المستمر على قطر و(الجزيرة)
وإيران. مصر
التي بددت رصيدها التاريخي لا
وارث لها في العالم العربي،
حاول العراق وفشل، وحاولت
السعودية وفشلت، ولا اعتقد أن
قطر تحاول القيام بهذا الدور..
الجميع يريد أن يُقدِّم أوراق
اعتماده إلى الرئيس الجديد
أوباما. الوارث
قادم من المحيط الإسلامي (إيران
وتركيا)، والرابح الأكبر في
المنطقة خلال السنوات الماضية
هي إيران، ونحن نواجهها بأساليب
بالية وتهريج إعلامي وافتعال
الفتن المذهبية. نجحت
إيران في أفغانستان فأطاحت
بطالبان التي بدأت تعود بقوة
الآن. ونجحت
إيران في العراق فأطاحت بصدام
ونظامه الدموي وحلِّ نفوذها
ليتقاسم البلد مع النفوذ
الأمريكي، وضاع أهل السنة بين
المقاومة والمشاركة والتفرق،
ونجحت إيران في لبنان وسوريا
بدعم حزب الله وتدعيم المقاومة
وهزيمة العدو الصهيوني في لبنان
مرتين بالانسحاب من الجنوب 2002م
ثم بالحرب والهزيمة في 2006م. ونجحت
إيران في فلسطين بدعم خيار
المقاومة وتبنِّي خطاب يهاجم
على الدوام العدو الصهيوني،
وتهريب السلاح إلى المقاومة في
فلسطين وتدريب المقاتلين
وتقديم الدعم المالي، فسجَّلت
نقطة جديدة لها في الشعور
العربي والإسلامي. وهي
تمارس ديمقراطية خاصة بها؛
فيكفي أنها البلد الذي به رؤساء
جمهورية سابقون، "رفسنجاني"
و"خاتمي"، وتجري بها
انتخابات شبه حرة تُحدث تغييرات
وتحولات داخل نخبة الحكم بين
إصلاحيين ومحافظين، متشددين
وعلمانيين. إيران
ما زالت صامدة اقتصاديًّا
واجتماعيًّا رغم الحصار الشديد
الذي مارسته ضدها أمريكا والغرب.
إيران
نجحت دبلوماسيًّا في فتح علاقات
مهمة مع روسيا والصين، وبنت قوة
نووية سليمة تستطيع أن تحوِّلها
خلال شهور إلى سلاح نووي. قد يقول
البعض: هل هذا غزل في إيران؟ وهل
تمثِّل إيران لنا نموذجًا
يُحتَذى به؟ أرد
بقوة: لا.. لا.. لا. هو فقط
تعرُّف على الحقائق لنستفيد من
الدروس؛ فلا يكفي أن نصبَّ
اللعنات على إيران ونكيل
الاتهامات لها بأنها تريد مدَّ
نفوذها الشيعي وتخترق
المجتمعات السنية لتفريقها،
ولا يكفي أن نجعل الآخرين (أمريكا
والصهاينة) يحاربون معاركنا
ونصطف فقط خلفهم في معركةٍ لن
تكون معركتنا أبدًا، بل نكون
أكبر الخاسرين فيها. علينا
أن نلتفت إلى أنفسنا ونلملم
جراحنا ونستعيد الثقة بأنفسنا؛
فنحن نشكِّل أكثر من 90% من الأمة
الإسلامية، ولدينا قدرة على
النهوض إذا امتلكنا الإرادة
القوية والفهم السليم والتضحية
اللازمة والوفاء المطلوب
والمعرفة الصحيحة بمنهج النهوض.
والآن
هل يبتلع الرئيس مبارك إهانة
العدو؟ أم يرد له الصاع صاعين
بدعم المقاومة والتحول الكبير
في إستراتيجية مصر نحو فلسطين
والمنطقة والعالم؟ إذا كان
تليفون الرئيس ونداءه هو الذي
أوقف العدوان فلماذا لم يتصل
مبكرًا؟! وإذا كان اتصل بالفعل
ووجَّه النداء فلماذا لم
يَسْتَجِبْ العدو إلا الآن؟! أم
أن التليفونات كانت مفقودة
والحرارة ضائعة والصوت لا يصل؟! ليس
أمام مبارك إلا ابتلاع الإهانة
والاستمرار في نفس الطريق الذي
سار عليه ثلاثين سنة؛ فمن الصعب
على من وصل الثمانين أن يُغيِّر
فهمه وأسلوبه، ومن المستحيل أن
يتخلَّى عن ابنه في ظل هذه
الظروف. فهل
نجحت مصر في تقديم أوراق اعتماد
جديرة باهتمام الإدارة
الجديدة؟ وهل نجح الرئيس الذي
تخطَّى 80 سنة أن يقنع الرئيس
الذي لم يتجاوز 47 عامًا والذي
يتمنع بذكاء واضح ومرونة عالية
بأن يعتمد عليه وعلى دوره وعلى
قدرته في تقديم خدمات لأمريكا
في عهد أوباما؟ أشك كثيرًا،
وإذا كان شكِّي في محله فإن مصر
قادمة على تغييرات حقيقية مهمة. يعيد
الرئيس طرح مبادرته التي أهدرها
العدو واستهزأ بها، بينما
تجاوبت معها حماس ورحَّبت بها
وتعاملت بمرونة على قمة دولية
في شرم الشيخ يرأسها معه
ساركوزي، وهذه بالتالي تعيد إلى
الأذهان القمة المأسوف عليها في
نفس المكان أيضًا عام 1996م،
والتي رأسها "كلنتون"
وحضرها "بيريز" وعرفات،
وسمَّوها "ضد الإرهاب"،
وكانت نتيجتها ما حدث في
نيويورك وأفغانستان والعراق
والصومال ولبنان وفلسطين
وإزاحة عرفات من المشهد بالسم
القاتل. ماذا
يريد الرئيس من الإصرار على نفس
الأسلوب وذات الطريقة؟ ألم
نتعلم بعد من التجارب الفاشلة؟! هل
يستطيع الرئيس أن يقول بملء فمه
إن المقاومة في غزة وفلسطين
مقاومة مشروعة وحركة تحرر وطني
وليست إرهابًا يجب مقاومته؟! هل
يستطيع الرئيس أن يقول لزعماء
أوربا الذي أعلنوا أن المطلوب
من حضورهم ليس وقف تهريب السلاح
عبر البحر إلى غزة والمقاومة
لدرء خطرٍ عن العدو، بل منع
إمداد هذا العدو بالسلاح الذي
يقتل به الأبرياء والأطفال
والنساء والشيوخ والمدنيين؟! هل
يستطيع الرئيس أن يقول لهم: إنكم
ارتكبتم في تاريخنا الحديث أكبر
جريمة مرتين: مرة باضطهادكم
اليهود في أوربا، ثم مرة أخرى
بزرع الكيان الصهيوني في الجسد
العربي ثم ثالثًا بتكريس هذا
الوجود الاستيطاني ودعمه في كل
حروبه ضد العرب والمسلمين وذبح
الفلسطينيين؟! هل يستطيع؟! أعتقد
أنه لا يخطر مثل ذلك الحديث في
نفسه أو على باله، وإذا خطر له
فسيبتلع لسانه مع الإهانة
المتكررة من العدو والأعداء
والمتحالفين! الرئيس
يبحث عن دور جديد وورقة اعتماد
يقدمها للرئيس أوباما. فهل
نجحت مصر في تقديم أوراق
اعتمادها جديرة باهتمام
الإدارة الجديدة . أشك كثيرا
وإذا كان شكي في محله فإن مصر
قادمة على تغييرات حقيقية وهامة. ـــــــــــ المصدر
: نافذة مصر 19/1/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |