ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  27/01/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الكيان الصهيوني عدو حقيقي

علي الغفلي*

يتضح من خلال فورة الحقد العسكري الصهيوني الذي تمارسه الدولة اليهودية أن سياسات تل أبيب تتعامل مع الشعب العربي باعتباره عدواً استثنائياً، وليس مجرد خصم اعتيادي، لا يمكن أن تستخدم الحكومة "الإسرائيلية" هذا القدر الهائل من القوة العسكرية الجائرة ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة من دون أن تستمد عزيمتها في القيام بذلك من فهم أن علاقتها بالعرب بشكل عام وبالفلسطينيين بشكل خاص هي علاقة عداء متأصل، تسعى من خلالها إلى إخضاع العدو العربي، إن لم يتيسر القضاء عليه ابتداء، باستخدام كافة أصناف القوة، وبدرجاتها المختلفة، غير آبهة بالمعايير الإنسانية والأخلاقية.

 

ولا يمكن أن تصر حكومة الكيان الصهيوني على الاستمرار في ممارسة جرائم المجازر والمحارق ضد الفلسطينيين، من الرجال والنساء والأطفال، من دون أن تستند إلى عقيدة العداء المتجذر والمتجدد للعرب والمسلمين، حتى ولو مرت هذه العقيدة بفترات قصيرة من التخفي خلف أقنعة تظهر الاستعداد لتحقيق المصالحة والسلام مع ضحاياها من الشعبين العربي والإسلامي.

 

إن السلوك "الإسرائيلي" العدواني ضد الفلسطينيين يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن تل أبيب تعتبر أن الشعب الفلسطيني هو الشعب البائد أولاً، أو العاجز ثانياً، أو المحاصر ثالثاً. ولذلك، لا تسمح العقيدة السياسية "الإسرائيلية" على الإطلاق بأن تسمح للشعب الفلسطيني الخروج من إطار هذه الثلاثية، ولا تسمح بالطبع بأن يسهم عدوها الأكبر والمتمثل في النظام العربي في مد الفلسطينيين بأسباب الحياة المعنوية أو السياسية أو الاقتصادية.

 

إن من أخطر ضروب الخطأ التي يمكن أن تقترفها الحكومات العربية في التعامل الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني هو أن تتناسى حقيقة العقيدة "الإسرائيلية" القائمة على العداء تجاه دول وشعوب العالم العربي، وأن تفترض عوضاً عن ذلك أن العلاقة مع "إسرائيل" يمكن أن تنخفض من مرتبة العداء المستفحل إلى درجة الخصومة الاعتيادية، ليس في الكيفية التي تم من خلالها إقامة الدولة الصهيونية منذ ستين عاماً، إضافة إلى ما تمارسه حكومة الكيان من جرائم الإبادة والتشريد، والاعتقال والنفي، والترويع والتجويع، وكافة أصناف الحرمان التي تكيلها للشعب الفلسطيني في كافة الأراضي المحتلة عموماً وقطاع غزة خصوصاً، نقول ليس في هذا التاريخ الإجرامي الممتد ما يمكن أن يوحي بأي شيء آخر خلاف أن العرب والفلسطينيين مجتمعون أمام عدو حقيقي من الطراز الأول.

 

أبعد من ذلك، تثبت شراسة الهجمة العسكرية "الإسرائيلية" على شعبنا الفلسطيني في غزة مدى تفاهة العقلية السياسية العربية وسذاجتها حين تسمح لفكرة إمكانية إقامة علاقات التعاون والصداقة بين الدول العربية من جهة والكيان الغاصب من جهة أخرى بأن تراود مخيلتها، وشناعة الخطيئة الكبرى التي ترتكبها حين تحاول النظم الحاكمة أن تسوق هذه الفكرة في عقول الشعوب في دولها المختلفة، ربما كان من المنطقي أن تستجيب الدول العربية، الكبرى منها والصغرى، للمعطيات التي فرضتها ظروف انهيار الاتحاد السوفييتي، واحتلال الكويت، ومن ثم حرب التحالف الدولي على العراق في بداية عقد التسعينات، وتقبل بالدخول في مفاوضات عملية السلام بمساراتها المتعددة مع الكيان الصهيوني. ولكن من غير المعقول على الإطلاق أن تسقط الحكومات العربية خيار المقاومة، أو مجرد التلويح بها، في التعامل مع العنجهية والهمجية الصهيونيتين، وأن تلتزم بالتأكيد بتمسكها بخيار السلام على الدوام، على الرغم من أن كافة سياسات وممارسات الحكومة الصهيونية تؤكد بدورها على عدم تصديقها لإدعاء العرب بقبولهم خيار السلام، والأهم من ذلك على الرغم من الاعتداءات العسكرية الضخمة التي تشنها تل أبيب على الأراضي، والشعوب العربية. إن مشاهد الهجمات العسكرية "الإسرائيلية" وآثارها قد صارت مقرراً مكرراً بالنسبة للعرب، وليست حروب التدمير والقتل التي شهدتها مدينة جنين، وجنوب لبنان، وغزة في أكثر من مرة، سوى بعض من الأمثلة الحديثة التي تؤكد عدوانية "إسرائيل" من جهة، وتخاذل النظام العربي الرسمي في إدراك هذه الحقيقة والتعامل معها كما ينبغي، من جهة أخرى.

 

لا تزال قطاعات الشعب العربي تشعر بالخزي تجاه مواقف الضعف والاستسلام التي تتبناها السياسات العربية الرسمية تجاه الدولة الصهيونية، على الرغم من اجتهاد الحكومات العربية في تصوير مسار التسامح مع "إسرائيل" في صورة الحكمة التي تقوم على أساس العقلانية في التعامل مع الكيان الصهيوني، وما تتطلبه مقتضيات كل من الحكمة والعقلانية من الحاجة إلى استشراف صفحات المستقبل، في إطار إمكانية تحقيق التعاون والسلام مع الدولة اليهودية، إن موجات الغضب العميق التي عبرت عنها الشعوب العربية إزاء الحرب على غزة تؤكد بشكل قاطع أنها ترفض منطق التسامح الفاضح مع العدو الصريح.

 

إن المنطقة العربية خطيرة إلى حد بعيد بالنسبة إلى شعوبها العربية، ولكن خطورتها لا تنشأ من مجرد وجود الكيان الصهيوني بكل ما يعنيه هذا الكيان من اغتصاب الأرض ومصادرة الحقوق الوطنية وتهديد الأمن وتدمير أسباب الحياة، وهي مخاطر يعرفها المواطنون العرب بشكل عميق ويتذكرونها بشكل قاس أثناء كل حلقة من حلقات مسلسل الاعتداءات "الإسرائيلية" على الفلسطينيين. حقيقية الأمر أن منشأ شعور الشعوب في كافة أقطار العالم العربي بالخطر الداهم هو اعتقادهم بشكل متزايد أنهم يعيشون في ظل حكومات قد صارت منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن لا تشاطرهم فهم الأصل العدائي للصراع مع الكيان الصهيوني، وأن هذه الحكومات لم ترتق إلى الدرجة المطلوبة من أجل التعامل مع هذا العدو، وأنها غير قادرة على تقديم الدليل بشأن قدرتها على توفير الحماية لها ضد الجبروت العسكري، الواقعي والمحتمل، الذي تمارسه الدولة الصهيونية ضد أبناء وبنات الشعوب العربية.

ـــــــ

* جامعة الإمارات/ رئيس قسم العلوم السياسية

ـــــــ

المصدر : صحيفة الخليج الإماراتية 20/1/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ