ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
اختبار
الارتفاع فوق الجراح فهمي
هويدي الاتفاق
حول «التهدئة» يسمح بتجاوز ازمة
التفاهمات الاسرائيلية
الفلسطينية، الامر الذى يفتح
الباب للتعامل مع معضلة
التفاهمات الفلسطينية
الفلسطينية. (1) كان من
الضرورى أن تنفك عقدة التهدئة
أولا لكى ينفتح الباب الموصل
إلى الملفات الملغومة الأخرى.
وهى مهمة لم تكن سهلة، أولا، لأن
مصطلح التهدئة ذاته جديد، وليس
له أى مدلول قانونى. إن شئت فقل
إنه وصف سياسى، ليس هدنة ولا فض
اشتباك ولا وقفا لإطلاق النار،
ولكن فيه إشارات من ذلك كله.
ورغم أن التهدئة فى مدلولها
اللغوى تعنى السكون، فان ذلك لا
يكفى فى ضبط المصطلح، لان الباب
يظل مفتوحاً للتساؤل عن شروط
ذلك السكون، والتزامات أطرافه،
والأجل الذى يمكن أن يمتد إليه،
يزيد من صعوبة الموقف أن طرفي
التهدئة فى الموضوع الذى نحن
بصدده لا يعترف كل منهما
بالآخر، والطرف الأقوى عسكريا «إسرائيل»
لا يجد غضاضة فى أن يواصل
عملياته ضد الطرف الآخر، كلما
عنّ له ذلك. وهو ما حدث فى تهدئة
الأشهر الستة الأخيرة، التى
انتهت فى 19 ديسمبر الماضى، التى
توقفت فيها حماس عن إطلاق
صواريخها ضد إسرائيل، فى حين أن
الأخيرة استمرت فى عمليات قصف
القطاع وتصفية المقاومين. وقد
أدرك الفلسطينيون من تلك
التجربة أن إسرائيل أرادتها
تهدئة تكبل أيديهم، فى حين تطلق
يد الإسرائيليين. وكانت
تلك هى الخبرة التى دفعت ممثلي
حماس فى المفاوضات الأخيرة إلى
التشدد فى التعرف كتابة على
استحقاقات التهدئة ومحتواها
وضماناتها. وهذه الرغبة هى التى
أسهمت فى إطالة أمد الاتفاق حول
الموضوع، خصوصا أن
الإسرائيليين أرادوا لاتفاق
التهدئة فى البداية أن يكون
عودة إلى الوضع الذى كان سائدا
قبل 19 ديسمبر، المتمثل فى وقف
إطلاق الصواريخ مع استمرار
الحصار. وقد أضافت إليه الحرب
هدفا آخر هو إنهاء سلطة حماس على
القطاع. وليس سرا أن هذا الهدف
الأخير كان محل ترحيب من جانب
جماعة السلطة فى رام الله، كما
رحبت به بعض الأطراف العربية
التى اعتبرت أن نجاح حركة حماس
فى انتخابات عام 2006 أثار قلقها
لأسباب معلومة، كما سبب لها
صداعا أرادت الخلاص منه. (2) الحرب
أتت بما لا يشتهون، إذ قلبت
الحسابات وغيرت إلى حد كبير
المعطيات الموجودة على الأرض،
فصمود المقاومة فى غزة أفشل
مخطط إسقاط حماس، وجعلها تخرج
من الحرب أقوى مما كانت عليه. لا
أقصد القوة العسكرية، لكننى
أعنى أنها أدت إلى رفع أسهمها
وتعزيز موقفها فى الساحة
الفلسطينية. تجلى ذلك فى
استطلاع أعلنت نتائجه يوم 5 - 2
الحالى أجراه مركز القدس
للإعلام والاتصال فى رام الله
الذى يديره الوزير السابق
الدكتور غسان الخطيب، إذ كشفت
تلك النتائج عن مؤشرات مهمة،
منها ما يلى: * إن
نسبة الذين يختارون حماس إذا
أجريت انتخابات جديدة ارتفعت من
%19 إلى %28.6، فى حين انخفضت نسبة
ناخبى فتح من %34 إلى 27.9 %. * إن
شعبية حماس فى الضفة ارتفعت من
%12.8 فى نوفمبر الماضى إلى26.5 % فى
آخر يناير، كما ارتفعت نسبة
الذين يثقون فى السيد إسماعيل
هنية رئيس الوزراء المقال من %12.8
إلى21 % فى حين تضاعفت شعبيته فى
الضفة من 9.2 % إلى 18.5 %.. وفى الوقت
ذاته انخفضت نسبة ثقة الناس فى
الرئيس محمود عباس من 15.5 % فى
أكتوبر الماضى إلى 13.4 %أخيرا. * تبين
أن الحرب زادت من نسبة مؤيدى
العمليات العسكرية ضد إسرائيل،
إذ ارتفعت نسبة المقتنعين بأن
الصواريخ المحلية تنفع الأهداف
الوطنية الفلسطينية من %39.3 فى
أبريل الماضى إلى 50.8 % فى الوقت
الراهن. أما الذين رأوا أن تلك
الصواريخ تضر بالمصالح
الفلسطينية فقد انخفضت نسبتهم
من 35.7 % إلى 2.08 %. ورأى46.7
% أن حماس هى الطرف المنتصر فى
الحرب مقابل 9.8 % قالوا إن
إسرائيل هى المنتصرة، واعتبر 37.4
% أن الجانبين لم يحققا انتصارات.
* تبين
أن أهل الضفة كانوا أكثر دعما
لحركة حماس فى الحرب من أهالى
القطاع الذين تكبدوا خسائر
بشرية ومادية جسيمة.. فقال 53.3 %
من أهل الضفة إن حماس انتصرت
مقابل 35.2 % من أهل القطاع قالوا
بانتصار حماس. (3) إذا جاز
لنا أن نلخص الأجواء التى جرت فى
ظلها محادثات التهدئة فسنضيف
إلى تعزيز قوة موقف حماس،
وتراجع شعبية أبو مازن وجماعته،
النتائج التى أسفرت عنها
الانتخابات الإسرائيلية
الأخيرة. إذ استدعت تلك النتائج
أطرافا أكثر تشددا، ليس بمقدور
أبو مازن أن يتواصل معها. الأمر
الذى وضعه فى موقف حرج، وهو ما
جعله أكثر استعدادا للتفاهم مع
حماس بغير شروط مسبقة. حتى إنه
حين تلقى قبل أيام اتصالا
هاتفيا من القاهرة دعا ممثليه
للاجتماع مع وفد حماس الذى قدم
للتفاوض حول التهدئة، فإن اثنين
من أركان حركة فتح هما أحمد قريع
ونبيل شعث قدما إلى العاصمة
المصرية قبل مضى 24 ساعة، وعقدا
اجتماعا فى نفس يوم وصولهما
استمر حتى منتصف الليل، اتفق
الجميع فيه على بعض خطوات
لتهيئة الأجواء المناسبة
لإنجاح المصالحة بينهما (على
رأسها وقف الحملات الإعلامية
بين الطرفين وإنهاء ملف
الاعتقالات والتجاوزات). إذا
عدنا إلى محادثات التهدئة،
فسنجد أن النقطة المحورية فيها
تمثلت فى إصرار حماس على عدم
العودة إلى أوضاع ما قبل 19
ديسمبر. ومن ثم انطلاقهم من أن
التهدئة لا يمكن أن تستمر فى ظل
الحصار، خصوصا بعد الحرب التى
قتل فيها 1300 شهيد وأصيب أكثر من
خمسة آلاف جريح، غير الدمار
والخراب الذى حل بالعمران فى
القطاع، وهو ثمن باهظ جعل
استبعاد العودة إلى الوضع
السابق أمرا مفروغا منه. لم يكن
هناك شك فى أن الطرفين بحاجة إلى
التهدئة، ولكن الجدل كله أثير
حول تفاصيلها، فى البدء تحدث
الإسرائيليون عن تهدئة مفتوحة
وطويلة الأمد، وعرضوا فتح
المعابر الستة بنسبة 80 %من
البضائع التى يحتاجها القطاع.
وفهم أنهم أرادوا تعليق نسبة 20 %
الباقية حتى يتم الإفراج عن
الجندى الأسير جلعاد شاليط، وإن
لم يقولوا ذلك صراحة. أيضا طلب
الإسرائيليون إقامة منطقة
عازلة حول القطاع كله بعرض 500
متر، بحيث يمنع على سكانه
الاقتراب منها، أما طلبات ممثلي
حماس فقد انصبت بالدرجة الأولى
على رفع الحصار بالكامل، وفتح
كل المعابر، ليس فقط لتلبية
احتياجات الناس الطبيعية، ولكن
أيضا لإعادة إعمار ما دمر فى
القطاع. احتاج
الأمر إلى أخذ ورد، وإلى
مشاورات استغرقت وقتا طويلا بين
الراعى المصرى وممثلي حماس،
وبينه وبين الإسرائيليين الذين
حمل رسائلهم الجنرال عاموس
جلعاد مسئول الأمن والسياسة
بوزارة الدفاع الإسرائيلية. وفى
المشاورات التمهيدية استبعد
ملف الجندى الأسير، باعتبار أنه
لا صلة له برفع الحصار، وإنما
موضوعه موصول بملف آخر يقوم على
مبادلة قائمة للأسرى تضم 450 شخصا
محكوما عليهم بالمؤبد. لكن
وافقت إسرائيل على 176 منهم فقط.
وقبل الفلسطينيون على مضض
بتأجيل موضوع فتح معبر رفح فى
الوقت الراهن. وفهم أن ذلك مرهون
بحل مشكلة إطلاق سراح الجندى
الإسرائيلى، وقد يتطلب عقد
اتفاق جديد لإدارته بين
الفلسطينيين والإسرائيليين
ودول الاتحاد الأوروبى. رفض
الفلسطينيون فكرة التهدئة
المفتوحة، قائلين إن ذلك مما
يستحيل القبول به فى بلد محتل،
وتم التفاهم على أن تكون مدتها 18
شهرا. وتحفظوا على فكرة فتح
المعابر بنسبة 80 % خصوصا أن تلك
النسبة يمكن التلاعب بها، ناهيك
عن أن قياسها يواجه صعوبات جمة. وتم
التفاهم على فتحها بالكامل
بشرطين، الأول:
أن تتولى لجنة مشتركة مراقبة ما
يمر من سلع. والثانى:
ألا يسمح بتمرير الخامات التى
يمكن استخدامها فى صناعة
الأسلحة مثل المواسير والأسلاك
وأنواع من الأمونيا
والكيماويات. وحين
نوقشت مسألة المنطقة العازلة،
تبين أن اقتطاع 500 متر من أرض
القطاع التى عرضها خمسة كيلو
مترات، يهدر مساحات كبيرة فى
المناطق السكنية والأراضى
الزراعية، خصوصا أن بعضها ملاصق
بشكل مباشر للحدود مع إسرائيل،
ولم يقبل الاقتراح حتى بعد
تخفيض الرقم إلى 300 ثم 150 مترا،
بعدما تبين أن ذلك يعني إخلاء كل
حى الشجاعية وتهجير سكان نصف
مدينة رفح، لذلك استبعد ذلك
الشرط من الاتفاق. وانتهت
التفاهمات إلى أن تكون التهدئة
فى حدود وقف إطلاق الصواريخ من
القطاع، مقابل فتح المعابر
الستة المؤدية إلى إسرائيل
بالكامل بالشرطين اللذين سبقت
الإشارة إليهما توا مع تأجيل
موضوع معبر رفح . ولحل الإشكال
البرتوكولى حول كيفية الإعلان
عن البروتوكول اتفق على أن تقوم
بذلك مصر باعتبارها الدولة
الراعية له. (4) الاصعب
من اتفاق التهدئة بين حماس
وإسرائيل هو الاتفاق بين فتح
وحماس. وليس بعيدا عن الأذهان
فشل محاولة المصالحة بين
الطرفين التى جرت فى شهر نوفمبر
من العام الماضى، لأن بيان
المصالحة الذى طلب من حماس أن
توقع عليه فى البداية كان يفضى
إلى إلغائها عمليا، وإعادة
الأمر إلى ما كان عليه قبل «الحسم»
الذى تم فى القطاع عام 2007. بمعنى
أنه كان منحازا إلى فريق
أبومازن وجماعة رام الله، ولأن
الوضع اختلف تماما بعد الحرب
على غزة، إضافة إلى قوة الضغوط
الشعبية الفلسطينية الداعية
إلى إنجاح المصالحة والاحتشاد
فى مواجهة الوضع الإسرائيلى
الذى استجد بعد الانتخابات، فقد
استبعدت الترتيبات التى طرحت فى
مشروع المصالحة السابق، وتم
الاتفاق على تشكيل خمس لجان
لبحث الملفات العالقة بين
الطرفين، وأضيفت إليها لجنة
تمثل الجامعة العربية تكون
مرجعا وحكما إذا وقع خلاف بين
أعضاء كل لجنة «يفترض أنهم سبعة
يمثل فى كل واحد منها عضو يمثل
فتح وآخر يمثل حماس». اللجان
الخمس ستبحث الملفات التالية:
المصالحة ــ حكومة الوحدة
الوطنية ــ إعادة تشكيل الأجهزة
الأمنية ــ الانتخابات
الرئاسية والتشريعية القادمة
ــ إعادة تشكيل منظمة التحرير
الفلسطينية. الملفات
الخمسة ساخنة، وبعضها ملتهب ولا
يكاد يرى الآن أفق للتفاهم
حولها، خصوصا فى مسألة الحكومة
التى هى من حق حماس باعتبار
أغلبيتها الكبيرة فى المجلس
التشريعى، وقضية تشكيل الأجهزة
الأمنية التى كانت أداة الفريق
الآخر فى محاولة إفشال حكومة
حماس من البداية. كما أن فكرة
إعادة بناء منظمة التحرير تقابل
بمقاومة شديدة منذ صدرت هذه
التوصية بشأنها عام 2005، لأنها
قد تعني تغيير مختلف الهياكل،
بما قد ينهي سيطرة المجموعة
التى اختطفت المنظمة
واستثمرتها لحسابها. ولأن
المصالح متعارضة تماما بين
الطرفين فيما يخص تلك الملفات،
فإن السؤال الكبير الذى يطرح
نفسه هو: إلى أى مدى سيكون كل طرف
مستعدا لأن يرتفع فوق حساباته
الخاصة وجراحه، بحيث يعيد للصف
الفلسطينى وحدته وحيويته، بما
يمكنه من مواجهة تحديات المصير
المطروحة على الجميع الآن؟
لننتظر نتائج المباحثات التى
يفترض أن تبدأ فى الثانى
والعشرين فى الشهر الحالى، علها
تقدم لنا إجابة وافية عن السؤال.
ملحوظة:
هذا المقال كتب قبل ان تتراجع
اسرائيل عن موقفها يوم الاحد،
الذى كان مقررا ان يعلن فيه بدء
سريان التهدئة قبل منتصف ليلة
الاثنين. ـــــــــــــــ المصدر
: صحيفة الشرق القطريه 17/2/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |