ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مصيدة
الابتزاز الإسرائيلي حسن
نافعة نأمل ،
حين يصبح هذا المقال في متناول
يد القارئ ، أن تكون الوساطة
المصرية بين الفصائل
الفلسطينية وإسرائيل قد نجحت
بالفعل في التوصل إلى اتفاق
ينهي حالة الحصار المفروضة على
قطاع غزة منذ أكثر من ثلاث
سنوات. كما نأمل ، وهذا هو الأهم
، أن تكون نصوص الاتفاق الجديد
واضحة ودقيقة على نحو يسمح لمصر
بممارسة سيادتها الطبيعية
الكاملة على حدودها ، وبوضع حد
نهائي ودائم لتلك الحالة الشاذة
التي أصبح عليها وضع معبر رفح
عقب الانسحاب الأحادي الجانب من
قطاع غزة والتي مكنت إسرائيل من
استخدام المعبر سيفا مسلطا على
رقبة مصر وأداة دائمة
لابتزازها. حدود
مصر الشرقية هي في الأصل حدود مع
فلسطين التاريخية التي كانت ،
حتى نهاية الحرب العالمية
الأولى ، جزء من الامبراطورية
العثمانية ، شأنها في ذلك شأن
معظم الدول العربية في ذلك
الوقت. وحين نجح المشروع
الصهيوني في تأسيس دولة يهودية
على جزء من فلسطين التاريخية ،
أصبحت هذه الدولة المختلقة
اختلاقا أمرا واقعا وقبلت عضوا
في الأمم المتحدة. ولأن ألحرب
التي خاضتها الدول العربية عام
48 للحيلولة دون قيام دولة
إسرائيل انتهت بينما جزء من
الأرض الفلسطينية (قطاع غزة) ما
يزال تحت السيطرة المصرية ، فقد
كان من الطبيعي أن ينشأ وضع خاص
مؤقت على حدود مصر الشرقية ، حيث
أصبح هناك ، من ناحية ، دولة لم
تعترف بها مصر وفي حالة حرب معها
رغم توقيع اتفاق للهدنة ، وهناك
، من ناحية أخرى ، أرض تديرها
مؤقتا في انتظار قيام الدولة
الفلسطينية. ومن
المعروف أن مصر تسببت في وقوع
قطاع غزة مرتين تحت الاحتلال
الاسرئيلي في 1956 و ,1967 ولأنها
خرجت عام 56 منتصرة سياسيا في حرب
خسرتها عسكريا ، فقد كان
باستطاعتها أن تستعيد قطاع غزة
وأن تضعه تحت إدارتها من جديد ،
وهو أمر لم يكن قابلا للتكرار في
عام 67 عقب حرب خسرتها سياسيا قبل
أن تخسرها عسكريا ، وبات لزاما
عليها خوض حرب جديدة قبل أن يصبح
بمقدورها الدخول في مفاوضات
تمكنها من استعادة أرضها
المحتلة. وعلى
الرغم من أن المفاوضات الخاصة
بالبحث عن تسوية سياسية كانت قد
بدأت من الناحية الفعلية عقب
حرب 73 مباشرة ، إلا أنها لم تدخل
مرحلتها الحاسمة إلا بعد قرار
الرئيس السادات زيارة القدس ،
والذي أثار معارضة عربية واسعة
النطاق. ولأنه كان يدرك يقينا
أنه ليس متاحا أمامه سوى
استعادة الأراضي المصرية ، فقد
تعلل السادات بقرار كانت
الجامعة العربية قد اتخذته عام
1974 ، يقضى باعتبار منظمة
التحرير الفلسطينية ممثلا
شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني ،
ليبرر تصميمه على إبرام تسوية
منفردة وتخليه عن مسئوليته
الأخلاقية والقانونية لتحرير
أراض فلسطينية كانت تحت السيادة
المصرية عند احتلالها من جانب
إسرائيل،. صحيح أن
السادات لم يعترف لإسرائيل ،
بموجب هذه المعاهدة ، بأية حقوق
خاصة على قطاع غزة ، إلا أنه
تعين عليه ، على الأقل ، عدم
القبول بأي وضع من شأنه المساس
بحق مصر في ممارسة سيادتها
كاملة على أراضيها حتى الحدود
الدولية ، و هو ما لم يستطع
تحقيقه للأسف. فقد تهاون
السادات مع إسرائيل إلى درجة
التفريط في حقوق سيادية لا يجوز
لأحد كائنا من كان أن يفرط فيها. وفي
تقديري أن التفريط في حقوق مصر
السيادية لم يقتصر على زمن
السادات فقط ، وإنما تكرر في
مناسبتين ، الأولى: حين قبل
السادات بترتيبات فرضت على مصر
قيودا تتعلق بحركة وحجم وتسليح
القوات المصرية في سيناء مع
القبول في الوقت نفسه بمرابطة
قوات دولية فيها ، والثانية: حين
الزم الرئيس مبارك نفسه
بترتيبات وردت في اتفاق لم تكن
مصر طرفا فيه (اتفاق المعابر
المبرم عام 2005). فقد أتاح هذا
الاتفاق لإسرائيل قدرة على
التحكم الكامل ليس فقط في
المعابر التي تفصل بينها وبين
قطاع غزة بعد قرارها المنفرد
بانسحاب أحادي الجانب منه ،
ولكن في معبر رفح أيضا الذي يفصل
بين مصر وفلسطين،. إصرار
إسرائيل على تقليص حجم القوات
المصرية المسلحة المسموح لها
بالانتشار في سيناء لم يكن
مدفوعا باحتياجات أمنية حقيقية
بقدر ما كان جزءا من مخطط
إسرائيلي قديم يستهدف سيناء
والتي يرى فيها متنفسا للتكدس
السكاني الفلسطيني في قطاع غزة
، خصوصا في حال نجاحها في إجهاض
قيام دولة فلسطينية مستقلة لم
ولن تتحمس لها إسرائيل قط.
وإصرارها على تواجد قوات دولية
في سيناء لا تسحب إلا بموافقتها
ورفض تواجد قوات مماثلة على
أراضيها استهدف تثبيت والترويج
لمقولة أن مصر كانت وما تزال
دولة معتدية وتشكل مصدرا لتهديد
أمن إسرائيل حتى بعد توقيعها
على معاهدة سلام مع مصر،. أما
إصرارها على الانسحاب المنفرد
من قطاع غزة (وليس في إطار اتفاق
مع السلطة الفلسطينية كما كانت
تأمل مصر) فجاء كاشفا عن رغبتها
الدفينة في عدم تفويت اي فرصة
لابتزاز مصر. لقد
أصرت إسرائيل على فرض حصار بحري
وجوي على القطاع بعد انسحابها
منه ، مصحوبا برقابة صارمة على
جميع المنافذ البرية بما فيها
منفذ رفح الذي سعت لإدارته
بموجب اتفاق جرى بموجبه وضع
مراقبين أوربيين على الجانب
الفلسطيني منه. وعلى الرغم من أن
مصر لم تكن طرفا في هذا الاتفاق
، إلا أنه لم يكن أمامها ، خصوصا
بعد انسحاب المراقبين
الأوربيين عقب فوز حماس في
الانتخابات ثم انفرادها
بالسيطرة على قطاع غزة ، سوى
الاختيار بين واحد من بديلين ،
الأول: فتح الجانب المصري من
المعبر ، وفقا لضوابط تتعلق
بمتطلبات الأمن المصري فقط ،
بصرف النظر عن ماهية الطرف
الفلسطيني المسيطر على السلطة
في القطاع ، والثاني: إغلاق
المعبر كليا ، بحجة غياب
المراقبين الأوربيين وعدم
اعتراف مصر بسلطة حماس المنفردة
في غزة. ميزة الخيار الأول أنه
أتاح أمام مصر فرصة لتأكيد
سيادتها المنفردة على أراضيها ،
لكنه انطوى في الوقت نفسه على
مخاطر عديدة ربما كان أهمها منح
إسرائيل فرصة ذهبية لابتزاز مصر
واتهامها بالتواطؤ مع حماس
وتهريب السلاح لها. أما الخيار
الثاني فبدا أكثر إغراء ، عملا
بمثل مصري يقول: "الباب الذي
يأتي منه الريح ، سده
واستريح" ، لكنه حمل في طياته
أيضا مخاطر عديدة ربما كان
أهمها الخشية من الوقوع في فخ
إسرائيلي سعى دائما لتحويل
الصراع من صراع فلسطيني -
إسرائيلي إلى صراع مصري
فلسطيني. ومن
الواضح أن قرار كان اختيار الحل
الأسهل وهو الإغلاق، لم يكن
لهذا الاختيار في الواقع سوى
معنى واحد ، وهو تفضيل النظام
المصري الدخول في مواجهة مع
حماس على الدخول في مواجهة مع
إسرائيل. غير أنه بدا في الوقت
نفسه قابلا للتفسير بطريقتين ،
الأولى: تنطلق من حسن ظن بالنظام
المصري ، حيث تفسر موقفه بعوامل
أمنية داخلية ، تتعلق بالخوف من
قيام "إمارة إسلامية في
غزة" لن تكون سوى امتداد
لجماعة الإخوان المسلمين ،
والثانية: تنطلق من سوء ظن بهذا
النظام ، حيث تفسر موقفه بعوامل
خارجية تتعلق بالحرص على إرضاء
إسرائيل والولايات المتحدة
خوفا من تعريض مشروع توريث
السلطة للخطر. ولأنه لا تتوافر
لدينا معلومات يقينية حول حقيقة
الدوافع التي كان لها الأثر
الأكبر في تحديد خيارات النظام
وطريقته في إدارة أزمة معبر رفح
، إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن
صانع القرار المصري وقع في فخ
الابتزاز الإسرائيلي في
النهاية ، وبامتياز. فسواء تعلق
الأمر بالخوف من شيء ما ، ايا
كان ، أو بالطمع في غنيمة ما ،
أيا كانت ، فالنتيجة واحدة وهي
أن إسرائيل تمكنت من الإيقاع
بمصر في مصيدة ابتزاز خطيرة.
وأظن أن سلوك النظام المصري على
معبر رفح ، حتى بعد المحرقة
الإسرائيلية على غزة ، أكد هذه
الحقيقة وذهب بعيدا في استفزازه
للمشاعر الوطنية. لقد
وقعت مصر في المصيدة
الإسرائيلية مرتين ، وليس مرة
واحدة: مرة حين أوقفت خطط تعمير
سيناء ، حيث كان المفروض أن تصبح
سيناء بعد ثلاثين عاما من
السلام حصنا متقدما لصد الأطماع
الإسرائيلية ، ومرة ثانية حين
أغلقت معبر رفح وتصرفت بطريقة
جعلتها تبدو وكأن صراعها
الأساسي مع حماس ، وليس إسرائيل.
وأظن أنه آن آوان التفكير
بطريقة مختلفة ، خصوصا بعد فوز
اليمين الإسرائيلي. لذا نأمل أن
تنجح مصر في التوصل إلى تهدئة
تساعدها على الخروج من تلك
المصيدة. ــــــــــ المصدر
: الدستور 17/2/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |