ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إبادة
منهجية للحضارتين العربية
والإسلامية تحت مظلة
خطاب "العلمانية والتقدم" راحيلا
مِزراحي ذكرت
إحصائية رسمية صادرة عن وزارة
الأوقاف والشؤون الدينية في
قطاع غزة أعداد المساجد
وأسماءها التي دمرتها آلة الحرب
والدمار الصهيونية تدميراً
كلياً أو جزئياً خلال العدوان
الأخير فقط الآتي: «أقدمت قوات
الاحتلال الصهيوني خلال
عدوانها على قطاع غزة الذي
استمر ثلاثة وعشرين يوماً، على
تدمير (45) مسجداً تدميراً
كاملاً، و(55) مسجداً تدميراً
جزئياًَ، ودمرت عشرات المساجد
الأخرى بدرجات متفاوتة، وبعضها
صار غير قابل للاستخدام» (وكالات
الأنباء). 1) «الرب
غير موجود لكنه وعدنا بالأرض»: إن
الخطاب اليهودي المعادي
للصهيونية الشائع (بيننا)،
والذي تلقفه المثقفون العرب
عامة والفلسطينيون على وجه
الخصوص، هو الخطاب الذي أسهمت
في إنتاجه ونشره مجموعات «عزيزة
علينا»، مثل حركة ماتسبن (أتباع
الأمّة الرابعة)، والراحل
إسرائيل شاحاك. هؤلاء جميعاً
ولدوا في حضن الصهيونية
الأشكنازية، أي الغربية. وحينما
اكتشفوا عنصريتها وجرائمها ضد
الفلسطينيين وانقلبوا عليها،
بقوا أسرى خطاب «العلمانية
والتقدم» الأوروبي، الذي أدى
تطبيقه التعسفي على العرب
والمسلمين، إلى قمع حضارتهم
وثقافتهم. إن
الخطاب اليهودي ـــــ الأوروبي
المعادي للصهيونية كثيراً ما
يربط بين العنصرية الصهيونية
والدين اليهودي (مثلاً إسرائيل
شاحاك). والحق يقال، إن من يبحث
عن جذور الفكر الصهيوني في
الدين اليهودي يستطيع أن يجد ما
يبحث عنه دائماً، لأن الحضارات
اليهودية المختلفة هي خليط من
الخطابات والتناقضات التي تمكن
المرء دعم الادعاءات وعكسها.
فهي جميعها تقدم براهين تدعم
الفكر الصهيوني وبراهين أخرى
تناقضه. لكن
الصهيونية حركة علمانية في كل
تفصيل من تفاصيلها. والباحث
الدكتور أمنون رازكوراكتسين
عبر عن ذلك بقوله الموجز
والمعبر: «الرب غير موجود لكنه
وعدنا بالأرض!»، وقدم بالتالي
وصفاً جيداً للعلاقة بين
الصهيونية والدين اليهودي
والتناقض الجذري بينهما، الذي
لا يمكن تجسيره لأنه يقضم جذور
الصهيونية. أما
الخطاب اليهودي ـــــ الديني
المعادي للصهيونية فقد هُمّش.
فقد حوّلت المؤسسة السياسية
الصهيونية الحاكمة مجموعة «نطوري
كارتا (نواطير البلد [بالعربية])»
إلى ظاهرة كاريكاتورية غير
متّزنة وشاذة، وهكذا تُعرّف في
إسرائيل وخارجها. كما أسكتت تلك
المؤسسة في أربعينيات القرن
الماضي صوت الحاخامات اليهود
المعادين بشدة للصهيونية في
أوروبا، وما «نطوري كارتا» إلا
البقية الباقية الأصيلة منها.
كما لم يبق من أثر لهذا الصوت في
الأقطار العربية والإسلامية.
وإضافة إلى إسكاته على أيدي
المؤسسة الصهيونية، فقد حوّلت
الأخيرة شخصيات مثل مردخاي
فعنونو وطالي فحيمة إلى ظاهرة
غير متزنة وشاذة. فعدم تمكن
اليهود «الشرقيين» من تعلم
اللغة العربية وإجادتها
والوصول إلى أرشيفات العالمين
العربي والإسلامي، يعرقل
استعادة هذا الخطاب وبحثه على
يد من يرغب بإحيائه. إن الجهود
الصهيونية الكبيرة المبذولة
لوأد الخطاب الديني المعادي
للصهيونية على نحو عام، وخطاب
اليهود ـــــ العرب على نحو
خاص، لدليل على معرفة المؤسسة
الصهيونية لقوته التدميرية
التي يحملها في طيّاته. 2) خطاب
«الديموقراطية العلمانية
والتقدم» كوسيلة لإبادة منهجية
للحضارتين العربية والإسلامية: قلنا:
إن الصهيونية حركة علمانية في
كل تفصيل من تفاصيلها، حيث
تبنّت خطاب «الديموقراطية
العلمانية» و«التقدم الأوروبي»
وسيلة لإبادة منهجية للحضارتين
العربية والإسلامية، وعملت على
قتل وإبادة «حضارية» تحت مظلة
هذا الخطاب، تماماً مثلما خرّب
نابليون القاهرة وسلب كنوزها
وقتل علماءها تحت مظلة الخطاب
نفسه. وتحت مظلة هذا الخطاب هدمت
دول «التحالف» الاستعماري
بقيادة الولايات المتحدة
وإنكلترا العراق وسلبته كنوزه
وهجّرت وقتلت الملايين من سكانه.
وكذلك فعلت بأفغانستان. إنّ
تاريخ إسرائيل هو تاريخ مكثف من
التدمير والتخريب الوحشيّ
والمنهجي لحضارة الفلسطينيّين
وثقافتهم العربية، وخصوصاً
لديانتهم الإسلامية؛ فالتطهير
العرقيّ الذي مارسته الصهيونية
وإسرائيل في أثناء عدوان عامي
1947ـــــ1948، وبعده في خمسينيّات
من القرن الماضي، أدّى إلى هدم
أكثر من 500 قرية و13 مدينة،
وتدمير هائل للبنى الثقافيّة
الفلسطينيّة بأكملها: تدمير
حِرَفٍ وسرقة كُتُبٍٍ
ومخطوطاتٍ قديمة وتدمير
العمارة التاريخية، بما في ذلك
عشرات الكنائس ومئات المساجد
والمقابر. واستمرّت إسرائيل عام
1967 في إعمال تدميرها الثقافيّ/الحضاريّ،
فهجرت أهالي 140 بلدةً وقريةً
إضافيّةً في الجولان السوريّ
وأبادتها، وقرى إضافيّةً في
المناطق الفلسطينيّة التي
احتلّتها تلك السنة، وحرّجتها
محوّلةً إيّاها إلى ما يشبه «الحدائق
الوطنيّة» بهدف طمس القرى
الفلسطينيّة المنكوبة. كما
هَدمتْ إسرائيل عام 1967 حيّاً
كاملاً في القدس القديمة، هو «حيّ
المغاربة» وخرقت القانون
الدوليّ خرقاً وحشيّاً حين
أَجْرَت عمليّات تنقيب
أركيولوجيّة ضخمة في المناطق
التي احتلّتها آنذاك، وهي تخرّب
الآثار الفلسطينيّة، وخاصة
الآثار الإسلامية والعربية في
أثناء عمليّات الحفر. وأخيراً
قامت إسرائيل بأعمال حفر تحت
المسجد الأقصى، معرِّضةً
أُسُسَه للخطر الشديد. في
أثناء مجازر الإبادة الأخيرة
التي نفذتها خلال عدوانها
الأخير على قطاع غزّة، دمرت
إسرائيل الجامعة الإسلامية، و45
مسجداً في بضعة أيّام. والحال
أنّ قصف المساجد ليس مصادفة، بل
استمرار للتدمير المنهجيّ الذي
كان قد طاول مئات المساجد في
أثناء التطهير العرقيّ عامي 47/48،
وما تلاها، وهي أيضاً جزء من
الإيديولوجيا الصهيونيّة التي
تستهدف الحضارتين العربيّة
والإسلاميّة، بما في ذلك أوجه
الثقافة والحضارة لدى العرب
اليهود، وكلّ ذلك باسم «العلمانيّة»
و«التقدّم». 3)
العروبة والدين: مصادر مدمرة
للصهيونية: كي نضع
تدمير المساجد ضمن سياق عريض
وأوسع، ثمة حاجة إلى العودة إلى
نماذج صهيونية أساس تتقدم
العلمانية وأوروبا كتقدم،
والتدين والعروبة كتخلف. تبعاً
لذلك فقد حددت الصهيونية الدين
والعروبة كعناصر مدمرة، وقامت
بجهود كبيرة للقضاء عليها.
المؤسسة الصهيونية خاضت منذ يوم
ولادتها معركة حاسمة ضد
الحاخامات الذين عارضوها، بما
في ذلك اغتيال شخصيات من صفوفهم
(مثلاً الكاتب والصحافي يعقوب
دي هان)، وشنّت منذ خمسينيات
القرن الماضي معركة لـ«تطهير»
اليهود ـــــ العرب الذين
استجلبتهم إلى فلسطين من
عروبتهم، ومحو ثقافتهم
المغروسة في دينهم اليهودي
الزاخر بعناصر عروبية. أما
الخطاب الإسلامي السائد
المعادي للصهيونية فلم يتمكن
حتى وقت قريب من الوصل بين
الديانتين كمصدر لتقوية عناصر
لها قوى وعمق تاريخي وجماهيري،
نظراً لامتلاكها قدرات مدمرة
للمؤسسة الصهيونية السائدة،
التي هي يهودية ـــــ أشكنازية
علمانية بيضاء وكولونيالية.
وعناصر أيضاً لها صدى كبير يسهم
في تحرير يهود البلدان العربية
والإسلامية. لكن بعد
عدوان إسرائيل على لبنان
وانتصار مقاومته في تموز 2006
تغيرت أشياء كثيرة. فالمتابع
لخطابها (وأيضاً خطاب حماس في
فلسطين)، وتحديداً خطابات
الأمين العام لحزب الله، السيد
حسن نصر الله، وأحاديثه، يلاحظ
تغيراً في الخطاب، صار يميز بين
الذين يعارضون المقاومة ضد
الغرب المضطهِد المحتل العالم
اقتصادياً وثقافياً ودينياً،
ويخدمون الاستعمار الأميركي
والأوروبي، والذين يدعمون
المقاومة ويطمحون للاستقلال
الحقيقي في وطنهم، ولا فرق إن
كانوا مسلمين، مسيحيين أو
شيوعيين. عناصر المقاومة من أجل
الحرية في فنزويلا وبوليفيا
ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين
صارت في معسكر واحد. صحيح أن
الأوضاع لا تسمح بضمّ اليهود
للمقاومة بسهولة، لكن المنطق
يُمَكّنُ من ذلك. فليس من قبيل
الصدفة أن هذا الخطاب نشأ في
لبنان الذي نزف دماً غزيراً
وعزيزاً بسبب الاحتراب الطائفي
غير الضروري. لبنان نزف دماً
بسبب عدوان إسرائيل، وفعلاً:
بسبب عدوان يهود. لكن هذه
الحقيقة لم تمنع حزب الله من
الاستخدام المنهجي لكلمة «صهاينة»
الذي يميز بين الصهاينة
واليهود، مع أن أكثرية يهود
العالم أصبحوا صهاينة. وحتى
اليوم تمثّل الطائفة اليهودية
إحدى طوائف لبنان. كما أن
قراءة متمعنة لموقع حركة حماس
في الإنترنت تقود إلى قراءة
توجه مشابه. فانفتاحها تجاه
نظيراتها السياسية العلمانية،
والإصرار على مواصلة العملية
الديموقراطية، مثيرة فعلاً. إن
الاستخدام المنهجي المستمر
للمفردة «صهاينة»، مثير هو
الآخر. وهنا يسأل المرء: هل
أنتجت نزعة حزب الله تلك
بالخصوص آثاراً لها في فلسطين؟ في حرب
تموز، حينما تخلت إسرائيل عن
سكانها في الشمال الذين هم في
غالبيتهم من اليهود الشرقيين
الذين وزعتهم المؤسسة
الصهيونية على حدودها «كلقمة
مدفع» في خمسينيات القرن
الماضي، التقطت كاميرا إحدى
القنوات التلفزيونية
الإسرائيلية لقطة معبرة جداً،
تلخص أزمة اليهود الشرقيين
وآمالهم: الصورة كانت ليهودي
شرقي يعبر عن أمنيته باستبدال
السيد حسن نصر الله بقيادته
الخائنة. المراسل لم يفهم مغزى
هذه الواقعة حيث عدّها احتجاجاً
على خيانة القيادة الإسرائيلية
لسكان الشمال فقط، لكنني على
قناعة بأن ذلك الكلام كان في
جوهره أعمق وأكثر تعقيداً مما
فهمه المراسل التلفزيوني، ووجب
التمعن ملياً في طبقاته
ومستوياته. وللحقيقة،
منذ ذلك الحين بدأت بالاستماع
للسيد حسن نصر الله، وتحديداً
تمعّنت ملياً في الدروس العشرة
التي ألقاها في عاشوراء، ذكرى
استشهاد الحسين. دروسه كانت تضم
الديني والسياسي. القسم الديني
تطلب جهوداً كبيرة مني لفهمها
لأني لم أتعود على ذلك لأنني
نشأت في قلب المؤسسة الصهيونية
التي تغرس في وعي الناس
الاشمئزاز من كل ما يتعلق
بالدين والعروبة. أما القسم
السياسي فقد أثارني كثيراً. دروس
السيد حسن ليست مادة غريبة عن
يهود البلدان العربية
والإسلامية، وخاصة هؤلاء الذين
حافظوا على قناة مفتوحة مع
ثقافتهم العربية حينما لم
يوافقوا على التخلي عن ديانتهم
الزاخرة بعناصر عروبية، وهم
متعودون على هذه النهج في
الدروس. حاخاماتهم يمارسون
النهج نفسه. ولا عجب أن يلقى
هؤلاء من وسائل الإعلام كما
يلقى السيد حسن: محررو الأخبار
ومحللوها الذين يدعون إلى «العلمانية
والتقدم» يقطعون كلامهم
ويحررونه كي يحولوهم إلى مادة
للتهكم والسخرية، وتصوير
كلامهم بأنه بليد ومتخلف، وفي
الوقت ذاته يفترضون أن المستمع
إليهم هو الآخر متخلف وغبي. ربما
أصاب مراسل التلفزيون، والرجل
أراد فقط أن يستفز المؤسسة وليس
لكلامه معنى أعمق من ذلك بشأن
استبدال السيد حسن نصر الله
بزعمائه، لكن يمكن القول إن تحت
سطح الأرض (في اللاوعي) جمهوراً
واسعاً في إسرائيل، مضطهداً
سياسياً واقتصادياً، وثقافياً
ودينيًا على نحو خاص، يحمل في
طياته، على نحو «نائم»، الوسائل
الأكثر تدميراً لأسس المؤسسة
الصهيونية. وكي نفحص تلك
الواقعة بعمق وجديّة، على قناة
المنار أن تترجم خطابات السيد
حسن نصر الله ودروسه إلى
العبرية. فالمؤسسة الصهيونية
تعرف جيداً لماذا قلعت ألسنتنا
العربية من أفواهنا. ربما هنالك
إمكان لإحياء هذا الخطاب بعد
سنين. ـــــــــــ المصدر:
جريدة الأخبار ( http://al-akhbar.com ) ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |