ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  24/02/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


وهل نقول وداعا لشعار «الاعتدال والممانعة»؟

بلال الحسن

اختفت من التداول الإعلامي كلمات «الاعتدال والممانعة». فجأة.. لم تعد هذه القسمة قائمة في المنطقة العربية، وحدث تداخل بين المعتدلين والممانعين، حتى إن الكل أخذوا يزورون بعضهم، وتقدمت المصالحات إلى واجهة الأحداث العربية، ودب نشاط ملحوظ في أروقة السياسة والسياسيين. والإشارة الأعمق في هذا كله، أن تقسيم المنطقة إلى معتدلين وممانعين، لم يكن قسمة واقعية صحيحة، وإلا لما اختفت بهذه السرعة، وكانت هذه القسمة في حقيقتها رغبة خارجية تريد للواقع العربي أن ينقسم بين هذين اللفظين، وتريد للواقع العربي ألا يلتقي وألا يختلف حول قضاياه الأساسية.

لقد كان الأمر أشبه بزورق تائه في البحر بعد عاصفة هوجاء، ثم رأى ركاب الزورق اليابسة من بعيد، فاتجهوا نحوها بأنظارهم، حتى أصبحوا كتلة واحدة وهدفا واحدا.

ترى.. ما هي العاصفة التي قادت نحو ذلك كله؟ لا شك أن الحرب الإسرائيلية على غزة، كانت هي تلك العاصفة. العاصفة التي وضعت العرب جميعا في زورق واحد، تلاشت فيه، من التعب والأمل واليأس، خلافات كثيرة حتى باتت رؤية اليابسة هي الهدف الموحد.

وفي تلك اللحظة التاريخية - النفسية، وبينما كان المختلفون يعبرون عن أنفسهم بأشكال شتى، برز ذلك الخطاب المميز، خطاب الملك عبد الله في قمة الكويت، وبدأت معه حكاية أخرى. في تلك اللحظة التاريخية، أدرك الكثيرون أن تلك الكلمات القليلة البسيطة هي الحقيقة الفعلية أمام أنظارهم، وأن الخلاف القائم والمحتدم والمتزايد، لا يؤدي إلى أي طريق يريدونه.

الحرب الإسرائيلية على غزة كانت هي الحقيقة الأكبر أمام أعين الجميع. الحرب الإسرائيلية على غزة حملت رسالة إسرائيلية موجهة إلى العرب جميعا، رسالة خطرة تقول، إن إسرائيل مستعدة لتدمير أي عاصمة عربية كما دمرت غزة. رسالة خطرة تقول إنه لا يوجد حل لـ«قضية فلسطين» إلا الحل الذي تريده إسرائيل. رسالة خطرة تقول إن كل مشاريع التسويات الدولية التي جرت في العشرين سنة الماضية لم تكن إلا سرابا.

على قاعدة هذا الوضع، وعلى قاعدة هذه التغيرات، تجري الاتصالات العربية الآن. وستنعقد القمة العربية المقبلة في قطر، وستكون مداولاتها هي المؤشر إلى مدى الاستفادة من هذا كله. ولكن ما هي عناوين هذه الاستفادة؟

لن نقلل من أهمية الاتصالات والمصالحات التي تجري أمام أعيننا الآن. إنها أمر ضروري لكسر الجليد الذي جمد حياتنا السياسية. وهي أيضا بمثابة النسيج الذي لا بد من حياكته، حتى تعود الحياة والعلاقات إلى مجراها الطبيعي.

ثم لا بد من الإدراك، أنه في محيط عربي واسع، لا بد من جهة تلعب دور القائد والقيادة، سواء كانت دولة أو مجموعة من الدول. مع التأكيد الضروري هنا على أن القيادة لا تطلب، بل هي تقوم بتلقائية على أرض الواقع، تعبيرا عن تاريخ أو جغرافيا، وتعبيرا عن مكانة أو قوة أو قدرة على الإبداع والعطاء.

ثم لا بد من تحديد المصالح، مصالحنا، ويتم على ضوء هذه المصالح تحديد المخاطر التي تهددنا، سواء كانت قادمة من داخل المنطقة، أو من داخل الإقليم، أو من أطراف السياسة الدولية.

ثم لا بد من رسم استراتيجية عربية موحدة يتوافق حولها الجميع، وتصبح مرشدا في رسم السياسات وتحديد المواقف.

ثم لا بد من رفد هذه السياسة، بخطط عربية للتغيير والتطوير، خاصة في الجانب الاقتصادي. في العلاقات العربية العربية. وفي العلاقات العربية الإقليمية التي تشمل إيران وتركيا. وفي العلاقات التجارية والسياحية، وفي القضايا التنموية بشكل خاص.

ثم لا بد من ربط مشرق الوطن بمغربه، إذ تبدو صورتنا الآن وكأننا مشرق يتحرك ولا علاقة له بدول المغرب وما يحدث فيها، ولا بد من مواقف وخطط وتحركات تتجاوز هذا الوضع الذي لا يحكمه منطق سياسي أو اقتصادي.

وخلاصة القول إن هذه المصالحات العربية الجارية الآن، وعلى أبواب القمة العربية العادية، لا بد أن تتطور نحو استراتيجية عربية طال غيابها، وشكل غيابها أحد أسباب الفرقة والتنابذ.

خلاصة القول، إن النزعة الإسرائيلية لاتباع استراتيجية التدمير، يجب أن تكون المحرك لوعي عربي جديد لحماية الذات، وبناء الذات، من أجل محاصرة هذه النزعة التدميرية وشلها.

وهنا لا بد أن نتوقف قليلا أمام أمر بدا طبيعيا في السنوات السابقة، ولكنه يحتاج الآن إلى إعادة نظر جدية. ونقصد به الدول العربية التي لها معاهدات سلام مع إسرائيل (مصر والأردن)، فقد اعتدنا في السنوات السابقة على القول بأن هذه الدول لها اعتباراتها الخاصة في كيفية التعامل مع إسرائيل، وأنها لا تستطيع أن تلتزم بما تراه دول أخرى مصلحة لها في مواجهة إسرائيل. بينما نشهد بالوقائع الملموسة، أن إسرائيل لا تعترف لا بهذا السلام ولا بنتائجه. فهي بالنسبة إلى مصر، وحين تدمر غزة بهذه الطريقة الوحشية، تبعث رسالة دموية إلى مصر، وهي تتحداها بهذه الرسالة، وتقول لها من دون أن تعلن، أنها غير راضية عن المنحى الدفاعي المصري الذي يواصل بناء الجيش وتطويره، والذي يواصل بناء استراتيجيته على أساس أن الخطر يأتي من الأمكنة التي هددت مصر عبر تاريخها الطويل. وإسرائيل بالنسبة إلى الأردن، تطلق بين الفينة والأخرى، إشارات عدائية عميقة، أساسها أن الحل الفلسطيني لن يكون إلا على حساب الأردن. وهو أمر يرفضه الفلسطينيون والأردنيون، ولكن إسرائيل لا تكترث بذلك، وتواصل الحديث عن «وطن بديل» للفلسطينيين.

وهذا الذي نقوله هنا أمر خطير للغاية، ليس لأنه موقف سياسي لحكومة إسرائيلية ضد مصر أو ضد الأردن، بل لأنه موقف سياسي يعبر عن نسيج المجتمع الإسرائيلي، وهو نسيج عدائي متطرف، يزداد عدائية وتطرفا باستمرار، ويعبر عن نفسه تكرارا بنتائج انتخابية تفرض «شرعيتها» على المجتمع الإسرائيلي، فتصبح بذلك خطرا لا يمكن تغييره ولا يمكن تجاوزه. لقد أصبحت العدائية الإسرائيلية تتغذى من المجتمع الإسرائيلي، وفي مقدمة السلطة الإسرائيلية الآن رجل مثل بنيامين نتنياهو يقول صراحة إنه لا يريد سلاما مع الفلسطينيين، بل يريد مفاوضات حول قضايا اقتصادية (معيشية). وفي مقدمة السلطة الإسرائيلية الآن، رجل مثل أفيغدور ليبرمان الذي لم يتورع عن الدعوة إلى تدمير السد العالي، وإلى إلقاء قنبلة ذرية على إيران، وإلى تدمير مدينة في قطاع غزة مقابل كل صاروخ يطلق. وفي مقدمة السلطة الإسرائيلية الآن، رجل مثل شاؤول موفاز يدعو علنا إلى اعتماد سياسة الاغتيال ضد القادة الفلسطينيين أينما كانوا.

إن هذا النوع من العدائية الإسرائيلية لا يستطيع أن ينتج علاقات طبيعية بين دولة ودولة. وهذا ما يجب أن يتوقف عنده القادة العرب في قمتهم المقبلة ليضعوا في وجه هذه العدائية استراتيجية عربية موحدة. استراتيجية دفاع عن النفس في وجه وحش يتباهى بأن التدمير هو استراتيجيته المعلنة.

إن التوحد العربي، والتفاهم العربي، والتضامن العربي، لم يعد بعد الآن شعارات تفاؤلية براقة، بل أصبح مصلحة دائمة ويومية لحماية الأمن العربي، ولحماية كل نظام عربي على حدة.

ــــــــــــ

المصدر : الشرق الاوسط 22/2/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ