ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  28/02/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المصالحة الفلسطينية في ميزان الوحدة الوطنية

الوحدة الوطنية هي الأساس والمصالحة وسيلة

نبيل شبيب

يكاد يتحول تعبير "الوحدة الوطنية" (انظر مقالة: قضية سورية.. الوطن والمواطنة) من مصطلح سياسي له تاريخه وجذوره إلى كلمة مبتذلة، أو سلعة سياسية للمتاجرة بقضايا مصيرية، أو شعار برّاق لتحقيق تصورات حزبية ضيقة، وبعد أن كانت الوحدة الوطنية هدفا ساميا ينطلق التطلع إليه من الرغبة في تجاوز التصورات المفرّقة، والتلاقي على الثوابت والأهداف الجليلة، وتأجيل النزاعات المؤقتة، والتركيز على مواجهة خطر خارجي كبير، أصبحت مادةً للمزايدات، ولتزييف الثوابت، وانتزاع التنازلات، وإثارة العصبيات، بل باتت أحيانا ورقة توظف من أجل تمرير مخططات عدوانية أجنبية على حساب الوطن، والمواطنين، والوحدة الوطنية الحقيقية، والأهداف الوطنية المشتركة، وهذا ما يسري على كثير من القضايا في البلدان العربية والإسلامية عموما، مثلما يسري على قضية فلسطين التي كانت وما تزال هي القضية المحورية المركزية المؤثرة على المنطقة بمجموعها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. 

 

يجب تفصيل المصالحة على مقاس الوحدة الوطنية

إن الالتقاء بين فصيلين فلسطينيين في منتصف الطريق (بل على توزيع حقائب ما يسمى سلطة) كما يحلو لبعض الأقلام تصويره أو الدعوة إليه، وربما كما يرجو بعض (وليس جميع) الفصائل الفلسطينية الأخرى التي يمكن أن تجد لنفسها مكانا متقدما آنذاك.. مثل ذلك الالتقاء لا يحقق الوحدة الوطنية بمعناها الاصطلاحي، ولا بضروراتها التي تفرضها المصلحة العليا للوطن المسلوب والممزق وأهلُه تحت الاحتلال وفي الشتات، وهي التي لها الأولوية على حماس وفتح وسائر الفصائل دون ريب، وكذلك الأولوية على تلاقيها وتفرقها على السواء.

لا بد من استيعاب أن الوحدة الوطنية هي الأساس ومن دون ذلك لا تستوعب المصالحة الفلسطينية على حقيقتها، مجرد وسيلة لعودة الفصائل إلى هذا الأساس.

لا يستهان بشأن الحرب، والضحايا، والعدوان، والمقاومة، وتاريخ النضال، ورغم ذلك ليست هذه وما يماثلها إيجابا وسلبا، هي العناصر التي تحدّد ماهية "الوحدة الوطنية" وأركانها، إنما تحدد معالمَ "مرحلة من المراحل" في مجرى القضية، وتستدعي أعباؤها الثقيلة على الشعب ارتفاعَ من يضعون أنفسهم في موضع "القيادة والزعامة" فوق ذواتهم وفوق تنظيماتهم وانتماءاتهم، وآنذاك يمكن أن يتحقق الارتقاء إلى مستوى الوحدة الوطنية بثوابتها الأصيلة ومعاييرها القويمة.

أما إذا انعكست هذه الصورة، كما هو الحال في بعض من يتحدث عن الوحدة الوطنية الفلسطينية هذه الأيام ويساهم في تقويضها، فآنذاك يصبح المطلوب مجرد تفصيل "وحدة وطنية" مزورة على مقاس المرحلة، وجلّ ما في هذه المرحلة من تاريخ القضية يؤدي عند وضعه مكان الثوابت والأهداف الأصيلة، إلى الطعن في الوحدة الوطنية وإن رُفع شعارها، وإلى هدم الطريق الموصلة إليها بدلا من سلوكها لتكون مصدر إنقاذ للجميع، وإلى العبث بمعاييرها بدلا من اتخاذها منطلقا للتخلص من الأخطاء ومواجهة الأخطار ولتقويم الانحرافات، ثم لا يبقى سوى الخطب والشعارات والمزايدات، بعيدا كل البعد عمّا يعنيه تقديم الوطن ومصلحته الكبرى والأعلى على المنافع الوقتية والنظرات الضيقة ذات الطابع الحزبي لا الوطني. 

 

فتح وحماس.. منظمتان فحسب

إن ما يجري في الوقت الحاضر تحت عنوان مصالحة فلسطينية، وحكومة وفاق أو توافق أو وحدة وطنية، لا يمكن اختزاله في مسألة صلح بين فصيلين فلسطينيين، وإن كان مطلوبا وضروريا، وقد كان لأحدهما تاريخ عريق جليل وأصبح له حاضر مضطرب لأسباب ذاتية، وكان للآخر تاريخ أقصر نسبيا وأصبح له حاضر أنقى قطعا، وأسباب نقائه كامنة فيما يمارس على أرض الواقع، وليس في الاسم والعنوان تحديدا.

مع تثبيت أننا نتحدث عن وحدة وطنية لأهل وطن تحت الاحتلال لا يتحرر ولا يتحررون دون المقاومة، ينبغي أن يكون واضحا في الحديث:

- كانت منظمة فتح (ومن كان معها) تاريخيا هي المنظمة التي تتحرك بالعمل الفدائي أكثر من سواها، فكانت هي آنذاك الأقرب إلى خدمة المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية، وكان المطلوب من سواها أن يقترب منها..

- وأصبحت حماس (ومن هو معها) على أرض الواقع هي المنظمة التي تتحرك بالمقاومة أكثر من سواها، فأصبحت هي الآن الأقرب إلى خدمة المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية، وأصبح المطلوب من سواها أن يقترب منها..

هذا الفارق الجوهري وليس اسم فتح أو اسم حماس، ولا حتى اتجاه هذه واتجاه تلك، هو ما يحدد معيار الحديث عما ينبغي تقديمه لتحقيق المصالحة.. وسيلة للوصول إلى الوحدة الوطنية.

في حقبة ماضية لم تكن توجد فصائل مقاومة تنطلق من النهج الإسلامي، فكان لمنظمة فتح بفضل العمل الفدائي، وليس بفضل اتجاه تبنته، قيمتها التاريخية، فتلك قيمة مرتبطة بتمسكها هي بمعايير المصلحة الوطنية، وليس العكس، ولا تتبدل تلك المعايير بعد أن سيطرت على فتح أوضاع مستجدة، انحرفت بمسيرة المقاومة (أو العمل الفدائي) التي كانت تميزها على سواها، فأصبحت فتح نفسها ضحية من ضحايا مسيرة فاس ومدريد وأوسلو.

لهذا.. وليس بسبب نوعية الخلاف وكيفية وقوعه واستفحاله لا يمكن عند الحديث عن الوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية الآن القبول بأن يتخذ مسار هذا الحديث دفع أطراف أخرى -أيا كانت- لتمضي قدما على طريق تسويات وهمية، لم تحقق مصلحة وطنية باتجاه تحرير الأرض والشعب، ولا وحدة وطنية تتلاقى عليها فئات الشعب المتطلع إلى هدف التحرير والمستعد للفداء والتضحية والمقاومة والمعاناة من أجله.

ولهذا.. أي بسبب موقع فتح الحالي من القضية، وليس بسبب ما صنعت أو لم تصنع فتح في إطار علاقاتها مع حماس، يجب أن يكون محور الحديث هو تحركها من جديد في اتجاه نهج الفداء والمقاومة، بإخضاع نفسها وسياساتها وقياداتها وبنيتها الهيكلية لما تقتضيه معايير الوحدة الوطنية والمصلحة العليا للوطن والشعب، للأرض وتحريرها، للتراب الفلسطيني ومن يعيش عليه تحت الاحتلال أو خارج نطاقه في دروب الشتات.

كذلك فإن العودة إلى نهج المقاومة ليست مطلوبة لأن حماس (ومن معها) تتبنى هذا النهج، بل لأنه النهج الموصل إلى تحرير الوطن وأهله، ومن خلال ذلك فقط إلى الوحدة الوطنية الحقيقية والمصلحة العليا للوطن وأهله.

لم تكتسب حماس مكانتها الحالية من خلال "اسمها" بل من خلال "نهج المقاومة"، ولهذا -فقط- أصبحت تاريخيا في موقع "فتح" قديما، ولا مناص من اقتراب سواها من نهج المقاومة.. حتى ولو تخلت حماس نفسها عنه، فحماس فصيل وفتح فصيل وهما وسواهما يمكن أن يظهرا ويغيبا، أما ما لا يمكن استبعاده فهو نهج المقاومة، إذ أنه هو ما لا غنى عنه للوحدة الوطنية، والمصلحة الوطنية، والأهداف الجليلة، في هذه المرحلة وفي أي مرحلة من مراحل تاريخ قضية فلسطين. 

 

الحاضنة العربية والإسلامية المغيّبة

وكما أثبت التاريخ الحديث والتاريخ القديم، استحالة الفصل بين وحدة وطنية سورية، أو عراقية، أو مصرية، أو مغربية، عن الحاضنة العربية الأكبر، والحاضنة الإسلامية الأوسع، كذلك يستحيل الفصل بين وحدة وطنية فلسطينية والحاضنة العربية والإسلامية، فكل حديث عن وحدة وطنية ينطلق من معطيات التجزئة القطرية القائمة، ولا ينطلق من الهدف الأبعد، أي الوجود الكريم بسيادة حقيقية على درب النهوض، لسائر أقطار المنطقة العربية والإسلامية، منفردة ومجتمعة.

ويترتب على ذلك أن الانطلاق من الأوضاع الذاتية لأي قطر من الأقطار، وجعلها هي "القالب" المفروض من أجل تحقيق وحدة وطنية فلسطينية، لا يحقق النتيجة إذا صدقت النوايا من أجل تحقيقها فعلا.

عندما تتحرك حكومة مصر بمفردها لاحتضان العمل من أجل "المصالحة الفلسطينية" احتضانا احتكاريا، فهي بذلك تقيد وسيلة المصالحة على طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية وتخضعها للظروف القطرية التي تمرّ بها في هذه الحقبة، وعلى وجه التحديد منذ كامب ديفيد. ولو فعلت سورية ذلك فالنتيجة مشابهة باتجاه آخر، وهو ما يسري على بقية البلدان العربية.

سيان ما تصل إليه الجهود الحالية فإن المعطيات المبدئية على أرض الواقع يمكن أن توصل إلى نتائج مرحلية مؤقتة، يتحدد حجم "إيجابياتها" في عدم تثبيت ما يتناقض مع الوحدة الوطنية وإن لم تتحقق عبر المصالحة الحالية المرجوة، وفي عدم تثبيت ما يتناقض مع المصلحة العليا لشعب فلسطين وأرض فلسطين، وإن لم تخدم النتيجة المحتملة حاليا هذه المصلحة بصورة مباشرة.

بتعبير أوضح.. إن ما يجري حاليا تفرضه ضرورات المرحلة، وسوف تتفاوت قيمة حصيلته بمقدار ما يمكن لمن يتبنى نهج المقاومة، ألا يكون في النتائج ما يمس بهذا النهج. فلئن تخلت حماس ومن معها عن مواقع في السلطة مثلا، قد تتجدد الأخطار عليها أن يوجه بعض من في السلطة تلك السلطة سلاحا ضد فصائل المقاومة، ولكن الأخطر من ذلك أن تتخلى حماس ومن معها عن نهج المقاومة نفسه أو عن بعض مقوماته الأساسية.

الضمان الأقرب إلى بلوغ ذلك يتمثل في ألا يكون احتضان المصالحة الفلسطينية احتضانا "قطريا" بل عن طريق حدّ أدنى من الاحتضان العربي والإسلامي المشترك، وهذا قابل للتحقيق رغم الظروف الراهنة.

صحيح أن الحاضنة العربية والإسلامية غائبة بعد تقويض معالم وجودها الفعال على المستوى الرسمي، ولكن وقودها الشعبي يزداد ظهورا للعيان، ملحمة بعد ملحمة مما تصنعه المقاومة في كل مكان، ولا بد أن تصبح المنظومة السياسية تابعة لها، آجلا أو عاجلا، وهذا ما يعطي نهج المقاومة القدرة -أكثر مما مضى- للثبات، فلا يتكرر الانحراف الذي وقع عند "قرار" الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا "شرعيا وحيدا" لشعب فلسطين، أي عندما اقترن ذلك القرار بتطويع المنظمة نفسها للمعطيات السياسية الماضية على طريق التجزئة والانهيار، خارج نطاق إرادة شعب فلسطين، وخارج إرادة الشعوب العربية والإسلامية الأخرى.

بل لا نمضي بعيدا في القول إن ثبات نهج المقاومة على وحدة وطنية حقيقية ومصلحة وطنية عليا، في قضية فلسطين والعمل من أجلها، يمكن مع مزيد من الاعتماد على الوقود الشعبي للمقاومة وتأييدها، أن يصبح هو المدخل إلى استعادة وجود الحاضنة العربية والإسلامية المشتركة.. سياسيا أيضا.

لقد أصبحت ملحمة غزة مفصلا تاريخيا في مسار قضية فلسطين، ولا ينبغي أن نستبعد أن تصبح مفصلا تاريخيا في مسار الأوضاع العربية والإسلامية عموما، فقد كانت قضية فلسطين وما تزال، هي القضية المحورية المركزية، ولئن بقيت زمنا طويلا مدخلا لاستخدامها سياسيا على طريق ترسيخ أسباب التجزئة والتخلف والضياع، فقد آن الأوان أن تصبح هي المدخل لقلب المعادلة التاريخية نحو الوحدة والنهوض والقوة من جديد، وآنذاك يمكن أن نستوعب استيعابا أفضل ما كانت تعنيه صيحات أهل غزة عبر شاشات التلفزة وأن نتلمس على أرض الواقع حقيقة الإجابة المطلوبة والممكنة على تلك الصيحات: أين أنتم يا عرب، أين انتم يا مسلمون؟..

ـــــ

المصدر : مداد القلم

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ