ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سورية
أمام عناق خانق بعد ضغوط خانقة الخيارات
السوريّة بين تطوير الممانعة
ومنحدر التصفية بقلم:
نبيل شبيب
يبدو أن
ملحمة جنوب لبنان كسرت الجليد
الإقليمي والدولي حول سورية،
وأن ملحمة الفرقان في قطاع غزة
بدأت تذيبه. فعلى الصعيد
الإقليمي بدأ تواصل مبدئي تحت
عنوان المصالحات العربية-العربية،
قد يسفر عن قمة ثلاثية تعيد
العلاقات السورية مع السعودية
ومصر إلى ما كانت عليه قبل
الأزمة الحالية، كما بدأ على
الصعيد الدولي تواصل جديد يسجل
كيف تحولت القوى الدولية من
العمل من أجل «حصار سورية» إلى
العمل من أجل إعادة العلاقات
معها إلى مجرى «طبيعي»، وهذا ما
يسري على فرنسا والولايات
المتحدة الأمريكية تخصيصاً،
وهما الدولتان اللتان تزعمتا
العمل لممارسة الحصار والضغوط. هدف
ثابت ووسائل متعددة ما هو
الهدف من الانفتاح على سورية؟..
هل يختلف عما كان عليه الهدف من
الضغوط؟.. إذا كان
من وصف دقيق للهدف من هذا التحول
في التعامل مع سورية فهو ما
عبّرت عنه مفوضة الشؤون
الخارجية للاتحاد الأوروبي
بينيتا فيريرو فالدنر
باستشهادها بالمقولة المشهورة
على بعض الألسنة العربية «لا
حرب دون مصر ولا سلام دون سورية»،
وأضافت قولها إن هذا ما يؤكد
أهمية سورية إقليمياً، وإذا
أضفنا إلى هذا الموقف الأوروبي
ما صدر عن «وفود» الكونغرس
الأمريكي وهي التي تصب في اتجاه
التخلص مما يسمى محور الممانعة
بين إيران وسورية والمقاومة
الفلسطينية واللبنانية،
واستكمال ما يسمى مسيرة
التسويات السلمية، يتضح للعيان
أن المطلوب هو الوصول عبر سياسة
انفراج العلاقات إلى ما لم يتم
الوصول إليه عبر سياسات الضغوط،
مع ملاحظة عدم الاستغناء عن
الضغوط، والشاهد على ذلك ما
يصدر مجدداً من تقارير ومواقف
عن الوكالة الدولية للطاقة
وسواها بشأن صناعة أسلحة نووية
في سورية، وبالتالي قابلية
توظيف ذلك في اللحظة المناسبة
لتوجيه العلاقات وجهة أخرى. إن جوهر
الوضع الجديد هو السعي للمضي «مع»
سورية بدلاً من المضي «رغماً»
عنها، باتجاه تسوية سلمية، بات
واضحاً أنها لا تعني في نهاية
المطاف سوى تصفية قضية فلسطين. سياسات
الممانعة السورية السؤال
الحاسم ليس ما يراد صنعه مع
سورية، بل ما الذي ستكون عليه
السياسة السورية، هل يمكن أن
تلبي ودّياً ما لم تقدمه
عدائياً؟.. ليست
السياسات السورية بشأن قضية
فلسطين «غامضة» بل واضحة من
خلال عدد من الأركان الثابتة
التي تقوم عليها، وفي مقدمتها: 1- جميع
المحطات العربية الرئيسية على
منحدر ما يسمى مبادرات السلام
بمضمونٍ يعني تصفية القضية كانت
بمشاركة رسمية سورية، بدءاً
بقمة فاس 1982م، مروراً بمؤتمر
مدريد عام 1991م، انتهاء بمبادرة
قمة بيروت عام 2002م. 2-
افتراق سورية رسمياً عمّن مضى
شوطاً أبعد على هذا الطريق،
وعلى وجه التحديد اتفاقات كامب
ديفيد عام 1978م واتفاق أوسلو عام
1993م، لم يكن -وفق الاعتراضات
والتعليلات الرسمية- قائماً على
رفض ما صُنع من حيث المبدأ، بل
على رفض الطريق «الانفرادي»
الذي سلكه مصر ومسؤولون من
فلسطين. 3- سلوك
سورية الطريق الانفرادي لتسوية
وسلام وتطبيع (بغض النظر عن
العناوين) لم يكن «لاحقاً» من
محرمات السياسة السورية، بل كان
السير عليه واضحاً مرتين على
الأقل، أولاهما في عهد حافظ
الأسد وانتهى في قمة جنيف
السورية-الأمريكية واقعياً،
والثانية في عهد بشار الأسد
بوساطة تركية وانتهى بالعدوان
الأخير على قطاع غزة، وفي
الحالتين كان المانع من استكمال
الطريق تعنت إسرائيلي تقليدي،
فالمفاوضات بحد ذاتها هدف
إسرائيلي مثله مثل عدم الوصول
بها إلى النتيجة المتوافقة مع
الغرض المتوخى شكلياً من
إجرائها. بالمقابل
ليست السياسات السورية التي شاع
تعبير الممانعة في وصفها غامضة،
ولا علاقة لها في قضية فلسطين
بالهدف الأصيل الذي تتمسك به
منظمات المقاومة الفلسطينية
بشأن رفض «الاعتراف» الذي يعني
التخلي الرسمي عن أرض نكبة 1948م،
وبالتالي التمسك بحق «عودة
الأرض» و«عودة الشعب»، بل تقوم
سياسات «الممانعة» أيضاً على
أركان ثابتة، في مقدمتها: 1-
الانطلاق من حدود 1967م وعلى وجه
التحديد ما يتعلق بالجولان
المحتل، ورفض تسوية تتضمن ما
يجعل تحرير الجولان كتحرير
سيناء عبر كامب ديفيد، أي دون
سيادة على الأرض وفي الأجواء. 2- الوضع
المتميز لمزارع شبعا نتيجة تميز
العلاقات السورية اللبنانية،
يثبت مقولة الانطلاق من حدود 1967م،
ولكن لا يسري بصورة مشابهة من
حيث ربط تسوية سورية-إسرائيلية
بمستقبل الضفة الغربية وقطاع
غزة. 3-
العلاقات السورية مع المقاومة
الفلسطينية واللبنانية ومع
إيران وحديثا مع تركيا، تقوم
على إيجاد ما يسمّى عادةً «العمق
الاستراتيجي» البديل لسياسات
الممانعة السورية، بعد ضياع «العمق
الاستراتيجي» العربي وتضييعه. تبعاً
لما سبق يمكن أن تتحقق استعادة
الجولان عبر المفاوضات حتى حدود
1967م، وهو أمر ليس مستحيل
التحقيق من المنظور الإسرائيلي
والدولي، فيصبح هذا كافياً
للسياسة السورية لتمضي على طريق
«التصفية العربية» لقضية
فلسطين. احتمالات
وتطلعات مستقبلية إن
التركيز على سورية من قبل عبر
الضغوط ومن بعد عبر الانفتاح
وجهان لعملة واحدة تعني أن
العجز الصهيوني والأمريكي عن
الحد من تنامي قوة جناحين
إقليميين جديدين نسبياً، هما
إيران والمقاومة، يدفع إلى
محاولة التخلص من الركيزة
السورية التي يعتمد عليها هذان
الجناحان حتى الآن، وهذا هو
الهدف السياسي الثابت غربياً
وإسرائيلياً، وهو المدخل
للالتفات في مرحلة تالية إلى
هذين الجناحين في ظل أوضاع
جديدة. والفارق
كبير بين أن تنطلق السياسة
السورية في هذه المرحلة: 1- من
توظيف مكاسب تحققت لمحور
الممانعة ورقةً لتحقيق هدف سوري
محدد هو استعادة الجولان.. 2- أو من
أرضية تلك المكاسب، لتنميتها
والانتقال بها إلى مرحلة جديدة
بأهداف مرحلية تالية. الفارق
الكبير بين هذا وذاك مرتبط
بمستقبل المنطقة بمجموعها،
فالطريق الأول ينهي الممانعة
ويفتح أبواب مرحلة تالية على
طريق تصفية قضية فلسطين، بينما
يعني الطريق الثاني استمرار
الصراع التاريخي في المنطقة،
والعودة به إلى منطلقاته
الأولى، وصورته الواقعية،
حضارياً وسياسياً وأمنياً
واقتصادياً، باعتباره صراع
وجود وليس صراع حدود، فتبدأ
مرحلة أخرى على هذا الطريق،
بمنطلقات جديدة. أوراق
السياسة السورية في هذه الحالة
ليست «سورية» محضة، بل قائمة
على معالم تبدل جديد في الأوضاع
الإقليمية، بعد أن أظهرت الشعوب
مع ملحمة الفرقان في غزة درجة من
الوعي والاستعداد للتحرك،
بصورة غير مسبوقة منذ فترة
طويلة. والركيزة الشعبية هذه
تتطلب من سورية تحديداً أن تسبق
سواها داخلياً في ردم الهوة
الفاصلة بين الأنظمة والشعوب،
فالتلاقي على الأهداف المشتركة
تجاه أخطار خارجية لا يكتمل دون
التلاقي المصيري بين الإرادة
الشعبية والإرادة السياسية. السؤال
ما إذا كان المسؤولون في سورية
على استعداد للإصلاح والتغيير
الجذري الشامل داخلياً، كان
مفتوحاً وما زال مفتوحاً حتى
الآن، ولا يجاب دون خطوات حاسمة
وشاملة واضحة للعيان. ــــــــــ المصدر
: الأمان 27/2/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |