ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حصان
ساركوزي و خيولنا فهمى
هويدى بتوجيه
من الرئيس نيكولا ساركوزي، تم
تعيين رئيس لمجلس إدارة شركة
أمنية في باريس في منصب أستاذ «علم
الإجرام»، بأحد المعاهد
العلمية (معهد الفنون والمهن)،
لم تكن لدى الرجل (اسمه آلان
باوير) خلفية علمية تؤهله لشغل
هذه الوظيفة، وإنما مؤهلاته
كانت مستمدة من كونه صاحب شركة
ناجحة عاملة في مجال الأمن،
وأهم من ذلك أنه ارتبط بعلاقة
شخصية مع الرئيس الفرنسي، خصوصا
حين كان وزيرا للداخلية، ثم إنه
كان عضوا قديما ولزمن طويل في
الحزب الاشتراكي. أثار
التعيين استياء الأوساط
العلمية في فرنسا، ليس فقط
لأنهم اعتبروا أن الرجل لا
تتوافر له المؤهلات العلمية
اللازمة لتبوؤ المنصب، لكن أيضا
لأنهم وجدوا في القرار نموذجا
لاستخدام العلاقات الشخصية في
شغل الوظائف العامة، فضلا عن
أنه يمثل عدوانا على استقلال
الجامعات، التي لها ضوابطها
ومعاييرها الصارمة والخاصة في
تعيين الأساتذة وترقيتهم، لذلك
قوبل التعيين بعاصفة من النقد
الحاد من جانب الأكاديميين
الفرنسيين وغيرهم من الخصوم
السياسيين للرئيس ساركوزي،
استوقفني في الكتابات الناقدة
تعليق نشرته «لوموند دبلوماتيك»
في عدد أول فبراير للكاتب لوران
بونيلي، شبه الخطوة التي أقدم
عليها ساركوزي بما فعله
الامبراطور الروماني كاليجولا
يوما ما، إذ استدعى صاحبنا
واقعة رواها المؤرخ الروماني
سوياتون خلاصتها أن الإمبراطور
أراد أن يعبر عن قرفه واحتقاره
لمجلس الشيوخ في زمانه، دأب على
معاداته، فما كان منه إلا أن
أصدر قرارا بتعيين حصانه المفضل
«انسيتاتوس» حاكما، إمعانا منه
في إذلال المجلس، والحط من
شأنه، ولكي يمارس الحصان مهام «منصبه»،
فإن الإمبراطور وفّر له اسطبلا
من الرخام، ووعاء من العاج خصص
للعلف، وغير ذلك من أسباب
الوجاهة، التي يحيط بها أي حاكم
نفسه. أضاف
الكاتب أن ما فعله ساركوزي لا
يختلف في جوهره كثيرا عما أقدم
عليه الإمبراطور الروماني،
لأنه ما كان له أن يضرب عرض
الحائط بالأصول المرعية، ويعين
السيد باوير في ذلك المنصب
العلمي المرموق، إلا لأنه لا
يكن أي احترام أو تقدير
للمؤسسات العلمية. علقت
القصة في ذهني، ليس فقط
لغرابتها ووجه الإثارة فيها،
لكن أيضا لأنها جعلتني أقارن
وأتساءل عن عدد (الأحصنة)، التي
تم تعيينها في المناصب القيادية
عندنا، نكاية في المجتمع
وازدراء به، وهو ما دعا إلى
إعادة التفكير في الموضوع،
ومراجعة أسماء القيادات التي
فرضت على الناس بتعيينها في
مواقع لا تختلف في علاقتها بها
عن علاقة الحصان الروماني
المذكور في منصب الحاكم، لا
أريد أن أثير جدلا بشأن ما إذا
كان الشاغلون لتلك المواقع يمكن
أن ينتموا إلى فصيلة الأحصنة أم
المخلوقات الأخرى المشابهة،
رغم وجاهة الآراء التي يمكن أن
تساق في هذا الصدد، لكنني أنبه
فقط إلى أن الحالة قد تصبح
استثناء في مجتمع، في حين تتحول
إلى قاعدة في مجتمع آخر، ثم إنهم
في فرنسا يستطيعون أن يعلنوا
رأيهم بصراحة في القضية، وأن
يواجهوا الرئيس بخطئه، مشيرين
إلى الأسماء والوقائع والأدلة،
في حين أن غاية ما نستطيعه هو أن
نأخذ راحتنا في ذكر ما جرى في
فرنسا، تاركين للقارئ الفطن أن
يتلفت حوله ثم يتفرس جيدا في
الوجوه التي يطالعها في صحف
الصباح وعلى شاشات التلفزيون،
لكي يدرك حجم «مزرعة الخيول»،
التي أصبحنا نعيش في كنفها. ــــــــــــــ المصدر
: صحيفة الرؤية الكويتية 4/3/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |