ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  28/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رسالة أوباما للإسلاميين المعتدلين: 

تشدّدوا كي نتحاور معكم!

خليل العناني

يبدو الرئيس الأميركي باراك أوباما مولعاً بفكرة الحوار مع الخصوم، وذلك إلى درجة يكاد فيها الحوار أن يتحوّل إلى إيديولوجيا بحد ذاته. وهو بدأ ولايته الرئاسية بالدعوة إلى إعادة النظر فى عدد من الملفات التي فشلت معها سياسة الإقصاء التي اتبعتها إدارة سلفه جورج دبليو بوش وفي مقدمها ملفّا إيران وسورية. ولم يكن خطاب أوباما للإيرانيين قبل أيام والذي طالبهم فيه بـ «فتح صفحة جديدة» في العلاقة مع بلاده، سوى ترجمة فعلية لديبلوماسية الحوار التي ينتهجها مع «طيف مماثل من القضايا» حسب تعبيره.

 

لم تكن المشكلة يوماً في الحوار، فهو أقصر السبل الى التفاوض، بيد أن المشكلة تكمن في استغلال أحد الأطراف لمسألة الحوار وتفسيرها باعتبارها علامة ضعف للطرف الداعي للحوار، وبالتالي محاولة ابتزازه في إطار العملية التفاوضية من دون الاستعداد لتقديم تنازلات حقيقية.

 

الآن ثمة حوار أميركي على كل الجبهات، سورية وإيران و «طالبان» وكوريا الشمالية وروسيا والصومال، وربما لم يعد هناك خصوم لم تدع إدارة أوباما للحوار معهم سوى تنظيم «القاعدة»، الذي قد نسمع في المستقبل القريب، إذا ما عاد لقوته، واشتد عود الجيل الجديد من الجهاديين، أن يدعوه الرئيس أوباما للحوار والتفاوض.

 

دعوة أوباما للحوار مع إيران، كشأن دعوته المماثلة للحوار مع «معتدلي» حركة «طالبان» الأفغانية، تحمل في ظاهرها العقلانية والواقعية، وفي باطنها الضعف وانعدام الخيارات، وربما سوء الحسابات. وقراءة متأنية لخطاب أوباما الذي وجهه الى إيران بمناسبة «عيد النيروز» تبدو كاشفة لكثير من مظاهر الضعف والحيرة التي تسم السياسة الخارجية لإدارة أوباما.

 

بيد أن الرسالة الضمنية التي يمكن للآخرين التقاطها من «ديبلوماسية الحوار» التي تنتهجها إدارة أوباما هي أن التشدّد (وربما التطرّف) هو أنجع وسيلة لجذب اهتمام الولايات المتحدة ودفعها للجلوس والتحاور. وهي رسالة تحمل فى طياتها مؤشرات غير سارة للولايات المتحدة. فمن جهة أولى، لن يضير «الخصوم» أن يستجيبوا للحوار مع الإدارة الأميركية، ولكن بشروطهم، فما دام الحوار سينطلق من خلفية الضعف الأميركي والحاجة الملّحة للتعاون مع هؤلاء الخصوم، فلا عجب أن يغالي البعض في رفع «أثمان» الحوار التي يتوجب على الولايات المتحدة دفعها لهم (كما هي الحال مع إيران وسورية و «طالبان»).

 

ومن جهة ثانية، سيسعى هؤلاء إلى توظيف الحوار مع الولايات المتحدة في إطار صراعهم الداخلي مع مناوئيهم ومنافسيهم، وذلك على غرار الحال مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي يرى في دعوة أوباما للحوار معه نصراً لسياساته المتشددة تجاه الولايات المتحدة ومكافأة على صموده في وجه المجتمع الدولي خلال السنوات الأربع الماضية، وهو ما سيوظفه بشكل أو بآخر خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في حزيران (يونيو) المقبل. بل هي الحال ذاتها مع حركة «طالبان» التي ترى في دعوة أوباما للحوار مع «معتدليها»، دليلاً على «الفشل» الأميركي في أفغانستان، مؤكدّة أنها لن تتراجع حتى «تهزم الولايات المتحدة» كما فعل «المجاهدون الأفغان» مع الاتحاد السوفياتي السابق.

 

ومن جهة ثالثة، سيكون على الولايات المتحدة من الآن فصاعداً أن تتوقع تشدّداًَ مضاعفاً من الخصوم، وأن تستعد لتقديم تنازلات مضاعفة ليس فقط لخصومها، وإنما أيضا لحلفائها الذين ستتوجب ترضيتهم من أجل قبول مبدأ التحاور مع الخصوم، كما هي الحال مع السعودية ومصر والأردن وباكستان.

 

أما الرسالة الأهمّ فهي للإسلاميين المعتدلين في العالم العربي، فهؤلاء تعاملت معهم إدارة أوباما كأنهم غير موجودين. ويبدو أن أوباما غير مكترث بفتح قنوات للحوار معهم، سواء أولئك الذين يحظون بشرعية قانونية على غرار الحال مع جماعة مع «الإخوان المسلمين» في الأردن، وحزب «العدالة والتنمية» في المغرب، وحركة «مجتمع السلم» في الجزائر، أو أولئك الذين يحظون بشرعية مجتمعية من دون تمثيل قانوني كحالة «الإخوان المسلمين» في مصر وسورية و «حركة النهضة» المحظورة في تونس.

 

وهي مفارقة صارخة تطعن في مصداقية الإدارة الأميركية الجديدة، وتشي بصعوبة حدوث تغيير حقيقي في سياستها إزاء المجتمعات والشعوب العربية. وتزداد هذه المفارقة وضوحاً حين يتبارى منظّرو أوباما ومستشاروه في إقناعه بالحوار مع الراديكاليين والمتشددين باعتبارهم «حقيقة يجب التعامل معها»، من دون الإشارة بكلمة واحدة الى الإسلاميين المعتدلين، وذلك على غرار ما فعل أخيراً المثقف الأميركي المعروف فريد زكريا. وإذا كان هذا الأخير ينطلق في رؤيته من وطأة الموقف الأميركي فى أفغانستان، إلا أن براغماتيته الفجّة تبدو فاقدة للمنطق والحسّ الأخلاقي. فمن جهة أولى فإن الإسلاميين المعتدلين، وليس فقط الراديكاليون، هم أيضا حقيقة واقعة لا بد من التعاطي معها، بل هم الأكثر نفوذاً وتأثيراً في العالم العربي والإسلامي، وتلك بداهة لا تحتاج لإثبات. ومن جهة ثانية، ووفقاً للمنطق البراغماتي ذاته، فإن الإسلاميين المعتدلين هم الطرف الأكثر قدرة على محاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي، ليس فقط لاعتدال منهجهم وخطابهم (على الأقل في المستوى الأداتي)، وإنما أيضا لنفوذهم وتأثيرهم الاجتماعي الواسع.

 

ومن جهة ثالثة، تبدو الازدواجية الأميركية فاقعة، حين يجري التشكيك في خطاب الإسلاميين المعتدلين كمانع للحوار معهم، في حين يجري التحاور مع أطراف وجماعات تبني شرعيتها وخطابها على إيديولوجية «الموت والهزيمة لأميركا».

 

ومن جهة أخيرة، فإن مسعى أوباما لاسترضاء الخصوم، بخاصة الإسلاميين الراديكاليين، يبدو دافعاً للمعتدلين كي يزيدوا من تشدّدهم، ما دام أن ذلك هو الأسلوب الأنجع لجذب أنظار أوباما ومنظرّيه تجاههم، وما دام أن الاعتدال بات خصماً وليس رصيداً لهم في علاقتهم سواء بأنظمتهم أو بالولايات المتحدة.

 

وفضلاً عن ازدواجيتها، فإن سياسة أوباما إزاء الإسلاميين المعتدلين تبدو محاطة بشكوك كثيرة، ليس أقلها انعدام «الحسّ» القيمي في السياسة الخارجية الأميركية، ذلك أن أحد موانع الحديث الأميركي مع الإسلاميين المعتدلين، هو تخوف واشنطن من إغضاب حلفائها في المنطقة على غرار الحال مع مصر وتونس وليبيا وسورية التي تسعى حالياً للانضمام إلى «نادي الحلفاء».

 

قد لا يسعى الإسلاميون المعتدلون الى الحوار مع الولايات المتحدة، بل يرى بعضهم في ذلك خصماً من رصيدهم الشعبي ومن مصداقيتهم أمام جماهيرهم، بيد أن تجاهلهم وعدم الاكتراث بأوضاعهم السيئة، هو بمثابة ضوء أخضر لأنظمتهم للتمادي في قمعهم والبطش بهم، وذلك على غرار ما حدث خلال العامين الأخيرين من إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وهم بذلك يضافون إلى قائمة الخاسرين من الحوار الأميركي مع الممانعين.

 

تفكيك «إيديولوجيا» الحوار يكشف أنها تستهدف، وفقاً للفهم الأميركي لها، محاولة إرباك الخصوم والإيهام بالتفرقة بين المتطرفين والمعتدلين داخل تنظيماتهم، أو بالأحرى «دق إسفين» بين كلا الطرفين. وهي محاولة رغم ذكائها، إلا أنها تبدو غير مقنعة للمنافسين الذين يرون فيها استسلاماً أميركياً طال انتظاره. فهل يتخيل أحد أن حركة «طالبان» لديها معتدلون؟ وهل يظن أحد أن تنظيم «القاعدة» يقوم بأفعاله المرعبة لمجرد التسلية؟

 

وبالمنطق ذاته، فإن ثمة مسافة قصيرة باتت تفصل الولايات المتحدة عن فتح حوار مع تنظيم «القاعدة»، وهي مسافة قد يختزلها هذا الأخير بسهولة إذا ما قام بعملية نوعية تستهدف مصالح اميركا أو أحد حلفائها في المنطقة، حينئذ ستكون الضربة القاضية لإدارة أوباما ونهجها التحاوريّ مع المتشدّدين.

 

قطعاً هي فكرة مجنونة أن تطلب إدارة أوباما الحوار مع أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري، ولو من خلال طرف ثالث، وذلك على نحو ما يجري ترويجه حالياً إزاء العلاقة مع «حماس» و «حزب الله»، بيد أن البراغماتية «الأوبامية» لا تعرف حدوداً حتي وإن كان الحوار مع الشيطان ذاته، وذلك وفقاً لقاعدة «تشدّدوا.. نتحاور معكم».

ــــــــ

* كاتب مصري

ــــــــــ

المصدر : الحياة - 25/03/09

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ