ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد  05/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الدكتور حسن هويدي القمر الذي غاب

علي العتوم

رأيته أولَ ما رأيته، بدايةَ التسعينيّات من القرن الفائت، في جمعية المركز الإسلامي الخيريّة في عمّان. ثمّ تكررت الرؤى، ولكنْ على فتراتٍ متباعدةٍ، ولأوقاتٍ سريعة. وكان من أواخرها حضوره لحفل خِطبة ولدي أيمن عام 2002م، في ديوان كفر راعي في حيّ نزّال. وكنت طَوالَ هذه الفترات شديدَ الرغبة في تعميق معرفتي به، عن طريق زيارته في بيته، إكراماً لجنابه النبيل، واستفادةً من خبرته الدعوية الثرّة، غير أنّ الظروف لم تتهيأ، حتى جاءنا نعيُه ونحن في عملٍ دعويّ في المركز العام للإخوان المسلمين يوم الجمعة (13/3/2009م)، فعزمنا على الخروج لتشييعه، حزانى لفقده، داعين الله أن يتغمّده بواسع رحمته.

وخرجنا نحتفي بوداعه، فصلينا عليه العصرَ في مسجد الجامعة الأردنيّة، ومن ثَمَّ شيّعناه إلى مقبرة سحاب حيث ووري هناك الثّرى، إدراكاً منّا لحقوقٍ له علينا عديدة، تتمثّل بحقِّ الإسلام العظيم، والأخوّة في الله، والأستاذية في الدعوة، وإكرام الغربة والجوار. فالرجل وإن كان في وطنه الثاني الأردنّ، إلا أنّه هنا – وهو السوريّ – في منفىً واغتراب، لا عنْ طواعيةٍ ورضا، بل عن إكراهٍ وإلجاء. ونحن بذلك في هذا البلد، أهله وعشيرته. ولقد قام عنّا أخونا المراقب العام يومها بارك الله فيه بشيءٍ من الواجب تُجاه الرجل بكلمتي تأبينٍ، إحداهما بين يدي الصلاة عليه، والأخرى بعد لحده. ومن ثمّ وقفنا نحن الإخوانَ الأردنيين نتقبل فيه العزاء.

إنّه أخونا الكبير، الداعية العريق، الدكتور حسن هويدي أحد مراقبي الإخوان في سوريّا، ونائب المرشد العام للإخوان المسلمين عامّةً الذي عرف في حياته بطيب منبته، وتدين بيئته، وحدْبه على الدعوة إلى الله منذ نشأته في الأربعينيّات من القرن الغارب، على اختلافٍ الآراء، وتعدد الاتجاهات في بلدٍ اجتاحته مبكِّراً رياحُ الأفكار الغريبة، والمبادئ المستوردة، والنزعات القوميّة في ظلال الاستعمار الفرنسيّ، وأعقاب القضاء على الخلافة. فكان منذ فتوته مع أترابه داعياً إلى الإسلام، مقاوماً للاستعمار، يخرج هو وزملاؤه الطلاّب في مظاهراتٍ صاخبةٍ، يهاجمون فيها دار الكولونيل الفرنسيّ، ويرشقونها بالحجارة مردِّدين نشيدهم المحبب:

يا ظَلامَ السِّجْنِ خَيِّمْ، إِنَّنا نَهْوى الظَّـلاما

لَيْسَ بَعْدَ السِّجْنِ إِلاّ ، فَجْرُ مَجْدٍ يَتَسـامى

فَرَنْسا لا تُغالِـي ، وتَقُوْلي العَيْشُ طـابْ

سَوْفَ تأتِيكِ اللَيالي، تُطْرَدِي طَرْدَ الكِلابْ

ولهذه النشأة الكريمة، أسّس رحمه الله هو وبعض أهل بلدته الطيبين (دير الزور) على شاطئ الفرات، مركزاً إسلامياً يضم شتات المتدينين، وينطلقون منه للدعوة إلى الله أسموه (دار الأنصار)، في الوقت الذي نشأ على غراره في سوريّا تجمعاتٌ دعويّةٌ أخرى مثل: الشبّان المسلمين في دمشق وحمْص، والإخوان المسلمين في حماة، ودار الأرقم في حلب. وكلُّها كانت آنذاك مراكز دعويّة تتلمّس التوجُّه الأصوب إلى الله، حتى اجتمعت أخيراً على اسمٍ واحدٍ جامعٍ كريم، هو اسم الإخوان المسلمين، بعد مساعٍ طيبةٍ قام بها مسؤولو هذه المراكز، ومعاونة آخرين من الدعاة من داخل القطر أو خارجه كالدكتور مصطفى السباعي من الداخل والداعية الأستاذ سعيد رمضان من مصر الذي كان قد بعثه الإمام حسن البنّا رحمه الله لهذه الغاية السامية.

ويروعنا الأخ الحبيب الدكتور حسن في سيرته العلمية والدعوية معاً، إذْ كان في العلميّة متفوقاً على أقرانه، وخاصّةً في كلية الطبّ بجامعة دمشق، حيث كان ينال المرتبة الأولى في امتحاناته، مما أهَّله لمواصلة الدراسة خارج القُطر، ليعود بأعلى الدرجات، ويتسلّم من ثَمَّ أرفع المقامات، ولكنّ الرجل آثر خدمة الدعوة والتفرُّغ لها. فقد كانت تملك عليه أقطار نفسه. وكان رحمه الله من الثابتين على الطريق ثبات الرواسي، لا تنال من عزيمته المغرياتُ ولا التهديدات، متحمِّلاً في سبيل ذلك عناء المطاردة والملاحقة، وقسْوة السِّجن والغربة، ليسلم له دينه وتخلص له دعوته، فكان له ما أراد.

ولقد كان الرجل – أثناء المحن التي حلّت بالدعوة في سوريّا، والشدائد التي حاقت بالجماعة هناك، وقتَ اشتجار الآراء، واختلاف الأهواء التي كادت تعصف بالجماعة – واسطة العقد الذي يرى الكثيرون من إخوانه إمكانيّة الاجتماع عليه، وإن كانت الظروف تأتي أحياناً أقسى مما يُتَصوّر، والمشكلات أعوصَ مما يُتَوقّع، والنزعات أجمحَ من إمكانيّة شكْمها بسهولة. ومع ذلك بقي الرجل لدماثة خلقه، وسعة علمه، وعظم صبره، وقويِّ إيمانه، وعميق تجربته، من الرجالات المعدودين الذين يشار إليهم بالبنان في أيِّ مسلكٍ قويم، واجتماعٍ موحِّد، في قطره أو غير قطره.

ولئن فارقنا اليومَ أخونا أبو محمد في وقتٍ كنّا أشوق ما نكون إليه وأحوجَ، وكان غيابه عنّا غياب القمر ليلةَ التِّمّ عن السارين، إنه لقدر الله الماضي الذي ليس لنا إزاءه إلا الرضا والتسليم، موقنين أنّ في الدار رجالَها، وأنّ هذه الدعوةَ لا تفتأ تطلع السيد بعد السيد، إذا خلا المقام، أو عفا الربع، وأنّ لها فيمن بعده الخلفَ الكرام الذين أطلعتهم بلاد العروبة والإسلام، وسوريّا بالذّات، منشداً مع الشاعر قوله:

وإِنِّي مِنَ القَوْمِ الذِينَ عَرَفْتَهُمْ=إِذا ماتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ قامَ صاحِبُهْ

سَماءٍ كُلَّما غارَ كَوكَبٌ=بَدا كَوْكَبٌ تَأوِي إِلَيْهِ كَواكِبُهْ

لَهُمْ أَحْسابُهُمْ ووُجُوهُهُمْ=دُجى الليْلِ حتى نَظَّمَ الجِزْعَ ثاقِبُهْ

اسأل الله جلّ وعلا أن ينزل على أخينا شآبيب رحمته، وأنْ يرفع في عليين درجته، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــ

المصدر : جريدة السبيل - 01/04/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ