ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
كيف صعد اليمين وانهار اليسار في إسرائيل صالح
النعامي ذهلت
السيدة عندما اندفع طفلها
مذعوراً باكياً الى داخل
المنزل، وجارها ضخم الجثة
يطارده. ولما لم تسارع الام
الواقعة تحت هول الصدمة لنجدته،
اندفع طفلها نحو الحمام، فما
كان من الجار إلا أن اقتحم
الحمام في أثره حتى أمسك به،
وأخرجه، وأمام ناظري أمه قام
بضربه بشكل مبرح وبعد ذلك قام
بعضه. وقع هذا الحادث قبل سبع
سنوات، في مستوطنة " نوكديم
"، الواقعة في محيط مدينة "
بيت لحم ". لم يكن هذا الجار
المتوحش سوى مفاجأة الإنتخابات
الإسرائيلية الأخيرة افيغدور
ليبرمان، رئيس حزب " إسرائيل
بيتنا "، اليميني المتطرف
الذي سجل مفاجأة كبيرة عندما
فاز بخمسة عشر مقعداً، ليحل في
المرتبة الثالثة بعد حزبي "
كاديما "، و " الليكود "،
ويتفوق على حزب العمل بزعامة
إيهود براك، وهو الحزب الذي بنى
الدولة وقادها على مدى عقود من
الزمن. في هذه الإنتخابات حقق
اليمين فوزاً واضحاً إذ أن
مجموع ما حصلت عليه الأحزاب
اليمينية بشقيها الديني
والعلماني هو 65 مقعد في
الكنيست، وهذا ما يعني أن أي
حكومة ستشكلها ستحظى بأغلبية
مستقرة. وفي المقابل فأن أحزاب
ما يعرف بـ " يسار الوسط " و"
اليسار " ممثلة في حزبي
كاديما والعمل و حركة "
ميريتس " قد حصلت مجتمعة على 44
مقعد فقط. وقبل الاستفاضة في رصد
وتحليل الأسباب التي أدت إلى
هذه النتائج، فأنه يتوجب
التنويه إلى نقطة بالغة
الأهمية، وهي أن تصنيف الأحزاب
الإسرائيلية الى يسار ويمين هو
تصنيف مضلل. فعلى صعيد السياسات
الإحتماعية الإقتصادية، نجد أن
أحزاب اليسار الإسرائيلي
وبخلاف كل الأحزاب اليسارية في
العالم تدافع عن اقتصاديات
السوق والخصخصة. وإن كان
الإنتماء لليسار يعني تبني موقف
معتدلة من الصراع مع العرب، نجد
أن تحالف أحزاب يسار الوطي
ممثلة في " كاديما " والعمل
هو الذي أدار الحرب الإجرامية
على قطاع غزة، وهي الحرب التي لم
تجرؤ أي حكومة في إسرائيل على
شنها. والسؤال
الذي يطرح نفسه: لماذا انهار
اليسار الإسرائيلي على هذا
النحو غير المسبوق، ولماذا
تعاظمت قوة اليمين ؟، هل الصراع
مع العرب وتداعياته هو العامل
الرئيسي المؤثر على تعاظم
اليمين وتهاوي اليسار في
إسرائيل؟. نحن هنا سنحاول رصد
الأسباب التي أرست موازين القوى
في الحلبة الحزبية الإسرائيلية
على هذا النحو. التغيرات
الديموغرافية والإثنية الباحث
والمؤرخ الإسرائيلي شلومو بن
عامي الذي شغل منصبي وزير
الخارجية والأمن الداخلي
سابقاً يرى أن أهم الأسباب التي
قادت الى تعاظم اليمين
الإسرائيلي وتراجع اليسار هو
التغيرات الديموغرافية
والإثنية التي طرأت داخل
إسرائيل، وليس بتأثير الصراع
العربي الإسرائيلي. ويشير بن
عامي الى أنه خلال العقود
الثلاثة الماضية أسفرت
التغيرات الديموغرافية عن
تبلور ثلاث قطاعات سكانية
رئيسية داخل إسرائيل، وهي:
المهاجرون الروس الجدد،
والشرقيون، والمتدينون، منوهاً
إلى أن هذه التجمعات أصبحت تضم
حوالي 80% من المستوطنين اليهود
في إسرائيل. ويضيف بن عامي أن
قوى اليسار لم تنجح في اختراق
هذه التجمعات، التي خضعت منذ
البداية إلى تأثير نخب مثقفة
ذات توجهات يمينية صرفة. حسب بن
عامي فإن المهاجرين الروس
لوحدهم يشكلون 20% من إجمالي عدد
المستوطنين في إسرائيل، ولا
يوجد لليسار تأثير يذكر على هذا
التجمع السكاني الكبير. من
ناحيتها أشارت النسخة العبرية
لموقع صحيفة " هارتس " على
شبكة الانترنت إلى أن حسب
النتائج، فأن المهاجرين الروس
قد منحوا حزب ليبرمان 10 مقاعد من
أصل 15 مقعداً حصل عليها في
الانتخابات، وهذا يعني الدور
الحاسم للروس في تعزيز قوة
اليمين المتطرف. البرفسور
سامي ساموحا، استاذ علم
الإجتماع السياسي في جامعة حيفا
يتفق مع بن عامي ويضيف أن هناك
عاملين دفعا المهاجرين الروس
الجدد لتبني التوجهات اليمينية
المتطرفة، وهما: أولاً:
الرغبة في التميز عن المهاجرين
المخضرمين، منوهاً الى أنه يكاد
يكون أمراً مسلماً أن يندفع
المهاجرين الجدد لتبنى المواقف
اليمينية المتطرفة، واتخاذ
مواقف عنصرية من العرب للتدليل
على اخلاصهم لـ " الوطن
الجديد "، على اعتبار أن
المواقف العدائية من العرب ينظر
إليها كدليل على " الوطنية
"، مشيراً الى أن الذي يدلل
على الرغبة في التمايز هو حرص
الهاجرين الجدد على التطوع
للخدمة في الوحدات المختارة
والخاصة في الجيش الإسرائيلي
عندما يحين موعد خدمتهم
العسكرية الإلزامية. ويضيف
ساموحا: " تبني المواقف
المتطرفة هي ماركة الوطنية
المسجلة في إسرائيل بالنسبة
للمهاجرين الجدد. ثانياً:
التعرض لتأثير النخب المتطرفة،
ففي الوقت الذي أهمل اليسار
الإهتمام بالمهاجرين الجدد،
فأن اليمين حرص على احتضان
النخب المثقفة لديهم،
ومساعدتها على بناء منابر
اعلامية خاصة بها. فمثلاً
الأغلبية الساحقة من هيئات
تحرير الصحف الروسية الصادرة في
إسرائيل وقنوات التلفزة ومحطات
الإذاعة باللغة الروسية، وكذلك
الصحافيون والمعلقون العاملون
في وسائل الإعلام هذه يتبنون
المواقف اليمينية المتطرفة.
وإذا عرفنا أن الأغلبية الساحقة
من المهاجرين الروس الجدد لا
يتحدثون العبرية رغم أنه مضى
على الكثير منهم حوالي عقدين من
الزمن، ويعتمدون على وسائل
الإعلام باللغة الروسية استقاء
المعلومات، فإن هذا يعني أنه
سيظلون عرضة لعمليات غسيل المخ
باللغة الروسية، الأمر الذي
يعزز فقط الميول اليمينية
المتطرفة لدى هذه الشريحة
الكبيرة. وفيما
يتعلق بالشرقيين، فأن البرفسور
يهودا شنهاف وهو رئيس جميعة "
قوس قزح شرقي "، التي تدافع عن
حقوق اليهود الشرقيين في
إسرائيل يرى أن معظم الشرقيين
يرون أن الأحزاب اليمينية هي
الكفيلة بالدفاع عن حقوقهم
ومصالحهم و " إنصافهم من
الغبن الطائفي " الذي يعانون
منه منذ الإعلان عن الدولة،
منوهاً الى أن الإستلاب لهذه
القناعة دفع اليهود الشرقيين
لمنح ولائهم بشكل أساسي إما
لحزب الليكود، أو حركة " شاس
" الأرثوذكسية ذات التوجهات
المتطرفة التي رفعت راية رفع
الغبن ومواجهة التمييز ضد
الشرقيين. وفيما
يتعلق بالمتدينين، فأن المرء لا
يحتاج أن يستفيض في شرح أسباب
اندفاعهم نحو التوجهات
المتطرفة، لخضوع المتدينين
بشقيهم الصهيوني والأرثوذكسي
لتأثير مرجعيات دينية متطرفة. رواج
نظرية " انعدام الشريك " من
ناحيته يرى المفكر والكاتب
الإسرائيلي عكيفا إلدار أن أحد
أهم الأسباب التي دفعت الرأي
العام الإسرائيلي للانجراف نحو
التطرف هو اعتقاده أنه لم يعد
هناك شريك فلسطيني أو عربي في أي
تسوية مستقبلية للصراع. وفي
تحليل لنتائج الانتخابات
الإسرائيلية يشير االدار الى
مفارقة هامة تتمثل في حقيقة أن
ايهود براك زعيم حزب العمل،
والذي يصف نفسه بـ " زعيم
معسكر السلام "، هو المسؤول
عن رواج نظرية " انعدام
الشريك ". ويضيف الدار أنه في
مطلع العام 2001، بعد انهيار
مؤتمر " كامب ديفيد "، الذي
جمع براك وكان وقتها يشغل منصب
رئيس الوزراء الإسرائيلي
والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر
عرفات، واندلاع انتفاضة
الأقصى، خرج براك للجمهور
الإسرائيلي وأطلق عبارته
الشهيرة: " أقر واعترف أنه لا
يوجد شريك فلسطيني في التسوية،
لقد عرضنا على عرفات القمر،
لكنه اختار أن يرد علينا
بالإرهاب ". وسائل الإعلام
الإسرائيلية التي كانت تشرف
عليها النخب ذات التوجهات
اليسارية تلقفت أقوال براك
وتبنتها وروجت لها، فتسربت لوعي
الجمهور الإسرائيلي كحقائق
مسلم بها. ويشير إلدار إلى أنه
على الرغم من أن الجمهور
الإسرائيلي يؤمن بأن حل الصراع
يتطلب تسوية سياسية ما على
الرغم من عدم استعداده لدفع
الثمن المطلوب لإنج، فأنه بات
لا يؤمن أصلاً بوجود شريك. لكن
الكاتب والباحث ارييه شافيت وإن
كان يتفق مع الدار حول حقيقة
تلقف الجمهور الإسرائيلي لفكرة
" اللاشريك "، فإنه يرى في
المقابل أن الجمهور الإسرائيلي
لم يعد يؤيد حتى مجرد وجود عملية
سياسية، فلسان حاله يقول " ما
الجدوى من مفاوضات مادام ليس
هناك شريك ". ويستخلص شفيت من
ذلك أن المزيد من القطاعات
الجماهيرية في إسرائيل قد حولت
ولاءها لليمين وأحزابه، مشيراً
إلى أن هذا كرس قوة اليمين مع
مرور الزمن، متوقعاً أن تزداد
قوة اليمين. تسفي هارئيل المعلق
في صحيفة هارتس يرى أن تشرب
نظرية " انعدام الشريك "
أدى الى تحمس الجمهور
الإسرائيلي للإجراءات القمعية
ضد الفلسطينيين. الحرب
على غزة من
المفارقة ذات الدلالة أنه على
الرغم من أن الحرب الإجرامية
التي شنتها إسرالئيل على غزة
أشرفت عليها حكومة تدار من قبل
يسار الوسط واليسار، وعلى الرغم
من الشعور بالرضا العارم الذي
اجتماع المجتمع الإسرائيلي في
اعقاب الحرب، فإن هذه الحرب
تحديداً قد أدت إلى ارتفاع أسهم
اليمين الإسرائيلي. الباحث زئيف
سيجل يقول أنه يمكن تفهم هذا
التوجه الذي يبدو لأول وهلة غير
منطقي، لأنه كان من المفترض أن
تؤدي الحرب الى ارتفاع أسهم
حزبي كاديما والعمل الذان أدارا
الحرب، منوهاً إلى أن هذا لم
يحدث لأن الحرب فتحت شهية
المجتمع الإسرائيلي الذي تحطمت
كرامته في حرب لبنان الثانية
لخيار القوة، وهو يرى أن
الإسرائيليين يعتقدون أن قادة
اليمين يمكنهم أن يتصرفوا في
الحرب القادمة بشكل أكثر وحشية
وقوة وحسماً من اليسار ويسار
الوسط. ويؤكد تسفي بارئيل أن
الذي يدلل على ذلك أكثر من أي شئ
اخر، هو حقيقة أن حزب "
إسرائيل بيتنا " الفاشي
بقيادة ليبرمان حصل على أكثر
الأصوات في كل المدن
والمستوطنات التي تعرضت للقصف
من قبل حركات المقاومة
الفلسطينية. ويقول عوزي بنزيمان
رئيس تحرير مجلة " العين
السابعة "، التي تعنى بشؤون
الإعلام في إسرائيل أن اليسار
ضعف ليس بسبب أدائه وانما بسبب
تعمق وترسخ الميول المتشددة في
الرأي العام الاسرائيلي. نتائج
الانسحاب من لبنان والحرب على
غزة تعتبر في نظر الجمهور برهان
اكيد عن عداء العرب الدائم
لاسرائيل ودليلاً على فشل نهج
المصالحه. اما شلومو غازيت،
الجنرال المتقاعد، والباحث
المعروف فيرى أن انتهاء حرب غزة
بدون خسائر كبيرة للجانب
الإسرائيلي ساهمت في تكريس
قناعة الجمهور الإسرائيلي
بأهمية عوائد الحرب، وهو ما
فاقم التوجه نحو اليمين. تآكل
الفروق الأيدلوجية الباحث
ميرون بنفنستي يرى أن أحد أهم
العوامل التي دفعت نحو انهيار
اليسار هو حقيقة أن الجمهور
الإسرائيلي لم يعد يلمس وجود
فروق أيدلوجية ذات مغزى بين
أحزاب اليسار واليمين. ويضيف
بنفنستي أنه عندما يجلس حزب
العمل الى جانب حزب الليكود في
حكومة شارون الأولى والثانية،
ويجلس حزب العمل الى جانب حزب
" اسرائيل بيتنا " في حكومة
أولمرت، فأن الجمهور
الإسرائيلي يعي أنه لا يوجد في
الحقيقة ثمة فروق بين أحزاب
اليسار واليمين في إسرائيل.
ويشير بنفنستي الى أنه من ناحية
ايدلوجية، فإن اليسار واليمين
يجمعان على قداسة اسطورة
الاستيطان ويرفعان البيت
والبؤرة الاستيطانية والشجرة
المغروسة الى درجة قيمة عليا.
وأشار إلى أن اليسار الإسرائيلي
يواصل طرح شعارات فارغة دون أن
يدلل ولو بفعل واحد أن لديه طرح
آخر مغاير لما يطرحه اليمين،
وحتى عندما يطرح اليسار حل
الدولتين، فإن هذا الحل غير
ممكن، حسب حكم الجمهور
الإسرائيلي. ويضيف " من
المريح طبعا مواصلة الكفاح
التقليدي ذلك لأنه لا يوجد ابسط
من اجترار شعارات رنانة معروفة.
وعندما يتعلق الامر بشعارات
قديمة لا يوجد اكثر من شعار "تقسيم
البلاد الى دولتين قوميتين"
تضليلاً لأنه يراهن على طرح حل
متكافيء لتطلعات الاسرائيليين
والفلسطينيين القومية "، على
حد تعبيره. ونوه
بنفنستي إلى أن اليسار هو "
الذي تحمس لفكرة اقامة جدار
الفصل العنصري في قلب الضفة
الغربية الذي حاصر الأرض
الفلسطينية، وجعل منها مناطق
معزولة غير قادرة على الوصول
للعالم الخارجي من خلف الجدران
الفاصلة ومن دون قدرة على تطوير
بنية تحتية مادية معتمدة
اعتماداً كليا على احسان الخارج
وصدقاته. في هذه الظروف يصبح
شعار الدولة الوطنية
الفلسطينية مهزلة تعبر عن
النفاق والتصنع"، على حد
تعبيره من
ناحيته يقول وزير وزير الخارجية
الإسرائيلي الأسبق شلومو بن
عامي إن الذي زاد الأمور
تعقيداً ومس بالثقة باليسار
وتحديداً حزب العمل، هو حقيقة
تحول هذا الحزب الى لعب دور
مقاول للأعمال القذرة من خلال
تولي قادة الحزب منصب وزير
الحرب في الحكومات التي يرأسها
الليكود أو كاديما. ويضيف بن
عامي أن الجمهور الإسرائيلي
لديه القدرة على التمييز بين
الأشياء، فعلى الرغم من أن قادة
حزب العمل يقومون بالعمل القذر،
فإن الذي حصل على ثمار هذا العمل
هو الحزب الذي يرأس الحكومة. نفاق
اليسار ويجزم
الكاتب والمفكر جدعون ليفي أن
نفاق اليسار وتردد قادته أدى
الى تهاوي ثقة الجمهور
الإسرائيلي به. ويشير ليفي إلى
مثال واضح وصارخ يدلل على ذلك،
وهي يولي تامير القيادية في حزب
العمل والتي تشغل حالياً منصب
وزيرة التربية والتعليم في
حكومة أولمرت، والتي كانت رئيسة
حركة " السلام الآن " و كانت
تناضل ضد المستوطنات ومن أجل
التسوية السلمية. ويتساءل
قائلاً " هل كان يخطر ببال احد
من قادة حركة السلام الآن، بأن
رفيقته تامير ستصبح وزيرة في
الحكومة التي تفرض حصاراً وحشيا
على غزة منذ عامين؟ وهل كان
ليخطر ببال اي من الاباء
المؤسسين لهذه الحركة بأن
رفيقتهم الهامة والبارزة ستصبح
بعد حين وزيرة بارزة في الحكومة
التي تنفذ سياسة الاغتيالات على
غرار القتل بدم بارد الذي اقدم
عليه مقاتلو حرس الحدود قبل
اسبوعين في بيت لحم بأمر من وزير
الدفاع "،
على حد تعبيره. ويضيف
ليفي أن اليسار الاسرائيلي مات
في عام 2000، بعد اندلاع انتفاضة
الاقصى و " جثته الهامدة
تدحرجت على رؤوس الاشهاد منذ
ذلك الحين الى ان صدرت بالامس
شهادة الوفاة وفقا للمراسيم "،
على حد تعبيره.
واكد ليفي أن زعيم حزب العمل
ايهود براك هو الذي اعدم اليسار
في عام 2000، وهو الذي دفنه في عام
2009، عندما اقنع الرأي العام
الإسرائيلي أنه لا يوجد شريك
فلسطيني في عملية التسوية.
واعتبر ليفي أن اليسار يحمل اسم
معسكر السلام " زوراً
وبهتاناً "، مشيراً الى أن
هذا المعسكر ممثل في حزبي العمل
وكاديما هما الذان قادا حربين
في عامين. وجزم ليفي أن قيم
اليسار تتنافى مع الصهيونية.
وقال " من يريد يسارا ذو اهمية
عليه ان ينفي الصهيونية ويخرجها
من داخله، لن يكون هنا يسار عريض
اذا لم يقم التيار المركزي
باعادة تعريف الصهيونية. لا
يمكن ان يكون الواحد يساريا وفي
نفس الوقت صهيونيا ". ويسخر
عكيفا إلدار من نفاق اليسار،
منوهاً إلى أن كل من يكرر شعارات
اليسار يصبح لديه الحصانة
الإخلاقية لارتكاب الجرائم ضد
الفلسطينيين. وأضاف " لقد حول
قادة اليسار السلام الى علامة
تجارية مظفرة، والاسرائيليون
اكتشفوا بأنه لا توجد مادة تطهر
الضمير افضل من انشودة للسلام.
عندما اعلن عن نفسي "مؤيدا
للسلام" يكون أسهل جدا عليّ
التعايش مع الاحتلال. وعندما
اشارك في مظاهرات السلام يكون
أسهل جدا عليّ أن اخدم في
الحواجز العسكرية التي تحول
حياة الفلسطينيين الى جحيم ". ويضيف
الدار " الجمهور الإسرائيلي
جمهور ذكي وفطن وهو يلحظ معالم
نفاق اليسار، فيبتعد عنه لتأييد
اليمين بسبب وضوحه وصراحته ". المواقف
العنصرية من فلسطينيي 48 دلت
نتائج الإنتخابات الإسرائيلية
على أن أحزاب اليمين و اليمين
المتطرف قد حظيت بأغلبية
الأصوات في جميع المدن
الإسرائيلية المختلطة التي
يقطن فيها فلسطينيو 48
والمستوطنون اليهود. فقد حصل
حزب " إسرائيل بيتنا "
بقيادة الفاشي ليبرمان على أكثر
الأصوات في مدن اللد والرملة،
ويافا والناصرة العليا وعكا.
كما حصلت أحزاب اليمين على
أغلبية الأصوات في مدن حيفا
ويافا وبئر السبع. وقال أمنون
أبراموفيتش كبير المعلقين في
قناة التلفزة الإسرائيلية
الثانية أن المفارقة تكمن في
حقيقة حصول حزب " إسرائيل
بيتنا " الذي يمثل اليمين
المتطرف على الترتيب الأول من
حيث عدد الأصوات في هذه المدن
التي تعتبر من المدن الكبرى
والهامة في إسرائيل، مشيراً إلى
أنه في حال حافظ الحزب على هذه
الوتيرة في الانتخابات
المقبلة، فأنه قد يصبح الحزب
الأكبر في إسرائيل. وفي تحليل
قدمه أشار أبراموفيتش إلى أن
تصويت اليهود في هذه المدن
لصالح ليبرمان يدلل على تعاظم
المواقف العنصرية تجاه
فلسطينيي 48، على اعتبار أن
ليبرمان قد وعد اليهود بتخليصهم
من فلسطينيي 48 عبر تجريد
فلسطينيي 48 من حقوق المواطنة،
وعلى رأسها الحقوق السياسية
والحق في الحصول على مخصصات
الضمان الإجتماعي. القناة
العاشرة في التلفزيون
الإسرائيلي بثت تحقيقاً حول
تفسير المستوطنين الذين يقطنون
المدن المختلطة لتصويتهم على
هذا النحو لصالح اليمين المتطرف.
ولعل الذي لفت نظر معد التحقيق
هو التحول الذي طرأ على توجهات
رئيس بلدية اللد مكسيم ليفي وهو
شخصية سياسية كانت معروفة
بإعتدالها السياسي، إلا أنه
عشية الإنتخابات التشريعية
إنضم إلى حزب " إسرائيل بيتنا
"، وتجند مع جميع أفراد
عائلته لصالح الحزب، حيث أصبح
نجله الأكبر يرأس فرع الحزب في
المدينة. أما راحيل بنت ليفي فقد
قالت في التحقيق أنها صوتت
لصالح ليبرمان لأنها لا تريد
اياً من العرب في المدينة.
وأضافت " يجب أن ينتهي كل شئ،
يجب أن تتجند كل القوى
الصهيونية من أجل سن قانون يسمح
بطرد العرب من المدينة، لا أريد
رؤية أي عربي هنا، رؤيتهم تثير
حنقي وغضبي ". ونفس الموقف عبر
عنه الكثيرون من المستوطنين
الذين أجريت معهم مقابلات خلال
التحقيق. يغآل مستوطن يبلغ من
العمر 68 عاماً هاجر من العراق
ويقطن مدينة الرملة قال "
يتوجب استغلال كل فرصة من أجل
طرد العرب، وجودهم أمر لا يطاق،
هم أعداؤنا، بدلاً من أن نسمح
لهم بالمشاركة في الإنتخابات
يتوجب أن نقذف بهم خلف الحدود
". السياسات
الإقتصادية والإجتماعية من
ناحيته قال البرفسور دان
غوفتاين استاذ العلوم السياسية
في الجامعة العبرية أن سياسة
الخصخصة التي اتبعت في اسرائيل
الحقت اكبر الضرر باليسار لأنها
أوجدت مشاكل اقتصادية كبيرة،
ساهمت بصعود نجم اليمين. وفي
مقال تحليلي في صحيفة " هارتس
"، قال غوفتاين " كلما تم
تطبيق سياسة خصخصة، والتوقف عن
تقديم مخصصات الرفاه الاجتماعي
للجماهير يزداد
شعور لدى الناس بعدم الامن
الاقتصادي والاجتماعي، الذي
يزداد بعقب الازمة الاقتصادية
العالمية، مما يدفعهم لليمين
". واكد أن افضل وصفة لتنامي
اليمين هو الجمع بين ازمة
اقتصادية والشعور بعدم الأمن
لأنه يولد شوقاً لوجود زعيم قوي
يحل محل الديموقراطية. واكد أنه
بدلاً من أن يواجه اليسار سياسة
الخصخصة تواطأ في فرضها وغض
الطرف عن مساوئها فقط من أجل أن
يضمن مقاعد لقادته حول طاولة
الحكومة. وتتفق
الباحثة بمبي شيلغ مع هذا الطرح
قائلة أن قطاعات واسعة في
المجتمع الإسرائيلي تشعر بان
اليسار الاسرائيلي ليس معنيا
حقا بالمجتمع الاسرائيلي
الواسع، ولا يطرح تقليص الفقر
والفوارق الثقافية وغيرها على
رأس جدول اعماله. وتضيف " لهذا
السبب لن ينجح اي حزب يساري اذا
لم يعرض جدول اعمال مختلف وواسع
مما عرض حتى اليوم. فاليسار لن
يصل الى قلوب جموع جماهير
اسرائيل الجوعى، لأن هذا
الجمهور لا يرى أن في اليسار
قيادة لديها احساس بالرسالة
والالتزام ". أما سيفر
بلوتسكير، المعلق الإقتصادي في
صحيفة " يديعوت أحرنوت "
فيقول أنه في الوقت الذي تتعزز
فيه قوى اليسار في جميع أرجاء
العالم، فإن اليسار الإسرائيلي
ينهار وتتعاظم قوة اليمين بشكل
غير مسبوق. وعزا بلوتسكير
إنهيار اليسار الصهيوني إلى "
القيادة الفاشلة " لإيهود
براك لتجاهله التركيز على
القضايا الاقتصادية والإنكباب
بدلاً من ذلك على القضايا
الأمنية، مؤكداً أن هذا المنحى
اضعف اليسار.واضاف "
لقد هبط حزب العمل الى رتبة
حزب هامشي، والسبب هو القيادة
المختلة لزعيم الحزب باراك
والجماعة المحيطة به، لقد أخفى
باراك ورفاقه الرسائل
الاقتصادية والاجتماعية لحزبهم
اخفاءً تاماً. ونجحوا في التهرب
من عرض خطة شاملة لمواجهة
الازمة الاقتصادية التي تهدد
اسرائيل، وهذا كان خطأ كارثي،
فبدلاً من أن يقول براك لعشرات
الاف من الاسرائيليين الذين
يخافون من أن يفقدوا أماكن
عملهم في القريب العاجل أنه لن
ننضم إلى أي حكومة لا تضع محاربة
البطالة في رأس جدول اعمالها،
فأنه أخذ يوزع التعهدات بالعمل
حتى يعود الى منصب وزير الدفاع
في الحكومة القادمة ". تداعيات
الإنتخابات الإسرائيلية عربياً هناك ما
يبرر انزعاج أنظمة الحكم في دول
ما يسمى بـ " محور الإعتدال
" ا من نتائج الإنتخابات
الإسرائيلية ليس لأن صعود
اليمين الصهيوني سيضر بالقضية
الفلسطينية أو حتى المصالح
القومية للدول التي تحكمها تلك
الأنظمة، بل لأن صعود اليمين
سيعري هذه الأنظمة، ويحد من
قدرتها على تبرير مواقفها
المتخاذلة. ففي وجود اليمين
الإسرائيلي لن يكون بوسع بعض
الأنظمة العربية الزعم أن حركة
حماس تهدد الأمن القومي لدولها،
وذلك لتبرير محاصرة الشعب
الفلسطيني والتآمر عليه
والتواطؤ مع إسرائيل في ضربه
كما حدث في الحرب الأخيرة على
غزة. فعلى سبيل المثال ليس بوسع
هذه الأنظمة تبرير موقفها من
حماس في الوقت الذي يتولى فيه
أفيغدور ليبرمان زعيم حزب "
إسرائيل بيتنا " منصباً هاماً
في الحكومة الإسرائيلية
الجديدة، وهو الذي يطالب بقصف
السد العالي من أجل إغراق شعب
مصر، وهو الذي انتقد سفر
المسؤولين الإسرائيليين
للقاهرة للقاء الرئيس المصري
حسني مبارك، قائلاً " فليذهب
مبارك للجحيم ". وليبرمان هو
الذي يدعو إلى توطين اللاجئين
الفلسطينيين في صحراء سيناء،
فضلاً عن دعوته لتدمير القصر
الرئاسي في دمشق. لن يكون من
المريح لأنطمة الإعتدال أن يكرر
ليبرمان دعوته لفرض السيادة
اليهودية على المسجد الأقصى
ومنع المسلمين من الصلاة فيه،
ونزع الشرعية عن وجود فلسطينيي
48 فوق أرضهم، ناهيك عن مطالبته
بإلقاء قنبلة ذرية على قطاع غزة
من أجل القضاء على الوجود
الفلسطيني مرة وللأبد. في ظل
وجود حكومة اليمين لن يكون بوسع
" محور الإعتدال " بمواصلة
التبشير بثمار " المسيرة
السلمية "، فإن كانت حكومات
الوسط واليسار في إسرائيل قد
حولت المفاوضات العبثية إلى هدف
بحد ذاته وهو ما راق لأنظمة "
الإعتدال "، التي ظلت تواظب
على تحميل حماس المسؤولية عن
إفشال جهود التسوية، فأن
الأخبار السيئة لـ "
المعتدلين " العرب تتمثل في
أن حكومة اليمين لن تقبل مواصلة
مجرد المفاوضات رغم عبثيتها.
نتنياهو في أحسن الأحوال سيعود
لمعزوفة " السلام الإقتصادي
"، أي العمل على تحسين ظروف
حياة الفلسطينيين مقابل
تنازلهم عن حقوقهم الوطنية،
ومقابل كل ذلك، فأن حكومة
اليمين ستطالب العرب بالتعاون
معها في القضاء على حكم حماس،
وضرب المشروع النووي الإيراني. في ظل
حكومة اليمين لن يكون بوسع
النخب في العالمين العربي
والإسلامي سواءً الحاكمة أو
المثقفة تسويغ مشاركتها في
مؤتمرات والتطبيع والتقارب بين
الأديان التي تجمع المسؤولين
الصهاينة بالمسؤولين العرب
والمسلمين. فالكثير من قادة
أحزاب اليمين الديني التي
ستشارك في الحكومة القادمة
يؤمنون بحكم " علقيم "
التوراتي، والذي ينص على أنه
يجوز قتل الفلسطينيين سواء
كانوا شيوخاً أو أطفالاً أو
نساءً وحتى الدواب. وعندما
يسيطر الخطاب الصهيوني في نسخته
الأكثر عنصرية وتخلفاً لن يكون
من السهولة بمكان على الرئيس
الإسرائيلي شمعون بيريس نفث
أكاذيبه و تمرير أحابيله
وتضليله. سيحرج
عرب " الإعتدال " ولن
يتمكنوا من تسويع تطبيعهم
للعلاقات مع إسرائيل في ظل وجود
حكومية يمينية، لسبب بسيط أن
الساسة اليمينيين في إسرائيل لا
يولون اهتماماً نحو التطبيع مع
العرب. ففي العام 2004 رفض ليبرمان
وكان وزيراً للبنى التحتية دعوة
من قطر لحضور أحد المؤتمرات
التي عقدت هناك، قائلاً إن
إسرائيل ليست في حاجة لعقد مثل
هذه المؤتمرات. صعود
اليمين للحكم سيكون مصدر حرج
أيضاً للإدارة الأمريكية
والإتحاد الأوروبي وسيفضح
المعايير المزدوجة وسياسة
الكيل بمكيالين التي تحكم
السياسات الأوروبية والأمريكية
في كل ما يتعلق بالعلاقة مع
العرب وإسرائيل. لقد لعب الغرب
دوراً هاماً ومحورياً في فرض
الحصار على الشعب الفلسطيني
ومنع عنه الطعام والدواء وحرم
أطفاله من الحليب فقط من أجل دفع
الشعب الفلسطيني للتمرد على
حركة حماس، لكن هذا الغرب أعلن
بشكل واضح وجلي أنه سيواصل
التعاون مع الحكومة اليمينية
الجديدة في إسرائيل. على الرغم
من هذا الموقف إلا أنه سيكون من
الصعب أيضاً على الغرب تسويغ
نفاقه، وسيكون عليه اتخاذ موقف
أكثر أخلاقية عندما يعبر قادة
الحكومة الإسرائيلية الجديدة
عن مواقفهم العنصرية الواضحة
والجلية، والتي تهون الى جانبها
مواقف النازية والفاشية. ــــــــــ المصدر
: مجلة " وجهات نظر "
المصرية – 3/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |