ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المقاومة
بين الديبلوماسية وتحمل الأذى
دروس
في الجمع بين مواصفات المجاهد
والديبلوماسي نبيل
شبيب
قليلا
ما اتخذ ممثلو منظمات المقاومة
موقفا علنيا يتجاوز حدود
التأكيد المتكرر للثوابت
والخطوط الحمراء، في نطاق
تعاملهم مع كثير من الاستفزازات
السياسية وغير السياسية التي
تتعرض المقاومة لها، لا سيما في
إطار ما يجري من مفاوضات على
أكثر من مستوى تحت عناوين
المصالحة والهدنة وغيرها. حتى
عندما يهبط مستوى الافتراءات
إلى حضيض استفزازي حاد، كما كان
مؤخرا مع ما ذكرته مصادر أمنية
في سلطة أوسلو بشأن العثور على
أسلحة تحت أرضية أحد المساجد
بالضفة الغربية، لا يأتي الجواب
-الضروري في مثل هذه الحالة-
بأسلوب يهبط إلى مستوى ما
يمارسه الطرف الآخر، فمع
التأكيد الرسمي في الجواب أن ما
قيل افتراء محض، كان يمكن أن
يقال علنا على سبيل المثال: - أنتم
بهذا تخدمون الإسرائيليين
بصورة مباشرة فيما يسعون إليه
للتغطية على جريمة قصف المساجد
كما كان في حربهم العدوانية على
غزة، بافتراءات مشابهة.. - أنتم
تتبجحون -فيما لو صدقتم- بما
توجهونه من الضربات للمقاومة
الفلسطينية في الضفة الغربية
إضافة إلى مشاركتكم في حمل
المسؤولية عن الحصار الطويل حول
قطاع غزة.. - أنتم
تستكملون بذلك ما يمارسه عدو
شعب فلسطين بشعبها وأرضها بما
يشمل الضفة الغربية التي
تمارسون ما تمارسون فيها.. - أنتم
تثيرون مجددا حملة شعواء ضد
الطرف الذي تجرون معه مفاوضات
من المفروض أنها تستهدف الوحدة
الوطنية وليس صنع المزيد من
أسباب الشقاق.. يمكن
قول هذا ومزيد عليه، لولا أن
منظمات المقاومة ارتفعت إلى
مستوى عال من الإحساس
بالمسؤولية، يجعل أهلها قادرين
على العضّ على جراحاتهم قدر
المستطاع. مثال
آخر على ذلك تعامل منظمات
المقاومة مع ما تتعرض له من ضغوط
متصاعدة أثناء الحوار
الفلسطيني-الفلسطيني، من جهة
بربط استمرار الحصار بما في ذلك
إغلاق معبر رفح، بإخضاع
المنظمات لما أخضع سواها نفسه
له على طريق مدريد ووأسلو ولم
يوصل إلا إلى مزيد من الخراب
والمآسي.. ومن جهة أخرى بالإعلان
يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع
عن صورة مبتدعة أخرى من صور
الضغوط التي تشارك فيها أطراف
عديدة، تارة بتوجيه الاتهام
لحماس بالمشاركة بشكل ما فيما
تُتهم به منظمة حزب الله، وجرى
تصعيده من دعم المقاومة بالسلاح
إلى استهداف مصر بعمليات تخريب،
أو باختيار هذا الوقت بالذات
لإصدار أحكام قضائية بشأن مد
حماس بالسلاح في الأردن، أو
بمصادرة بضائع معيشية قبل أن
تعبر "الأنفاق" تحت الأرض
إلى شعب فلسطين المحاصر في
القطاع، ناهيك عن سد السبل أمام
مشاركة أي جهة عربية أخرى في
رعاية مفاضوات المصالحة
الفلسطينية. رغم
جميع هذه الضغوط وسواها، تتكرر
على ألسنة المسؤولين عن منظمات
المقاومة عبارات الود والتقدير
بعيدا عن توجيه الاتهامات
بالانحياز وبممارسة الضغوط من
جانب المسؤولين عن رعاية تلك
المفاوضات من مصر. ويمكن
تعداد المزيد من الأمثلة بما
فيها توجيه الدعوات إلى تخلي
واشنطون عن انحيازها السافر بعد
تبدل سلطة الرئاسة فيها، أو
الاستعداد للقبول بدخول من يشاء
من موفدين دوليين إلى قطاع غزة
رغم عزوفهم عن لقاءات رسمية
مباشرة مع ممثلي الحكومة
الفلسطينية المنتخبة. وجميع
ذلك يؤكد أن ديبلوماسية
المقاومة ارتفعت إلى مستوى
إنجازاتها في ساحة المواجهة
المباشرة مع العدو، وأنها قادرة
على تحمّل أقصى درجات الأذى
المباشر إذا رأت من وراء نفق
العداء والانحياز والافتراء
بصيص ضوء لاحتمال تحقيق كسب ما،
لصالح شعب فلسطين وقضية فلسطين. العنصر
الحاسم في ذلك هو عدم الاستعداد
للتراجع عن الثوابت الوطنية،
دون خلط بينها وبين ما يسميه
آخرون ثوابت وطنية أيضا دون أن
يبقوا لها من الملامح الحقيقية
شيئا على طريق التراجع والتسليم
والاستخذاء. وكذلك عدم
الاستعداد لاتخاذ خطوات يمكن أن
تشكل عبئا على مستقبل القضية،
حتى ولو كان فيها -ظاهريا- ما
يخفف درجة الحصار على منظمات
المقاومة نفسها، أو كان فيها ما
يغريها بأن تصبح "شريكا.."
في مفاوضات أو اتصالات ما دام
محورها السير خطوة أخرى بالقضية
المصيرية على طريق التصفية. ولقد
عايشنا مواقف من نوعية أخرى،
على مستوى فلسطين وسواها، أصبحت
الديبلوماسية في نظر أصحابها
قرينة الخضوع على حساب الثوابت
والوحدة الوطنية والشعب
والأرض، وقرينة الاستجابة
لمطالب العدو خوفا من قوة باطلة
أو طمعا في منفعة وقتية. لقد
تحولت الديبلوماسية على أيدي
هؤلاء إلى وسيلة لتسويق الموقف
المعادي، وعادت على أيدي
المقاومة إلى ما ينبغي أن تكون
عليه، وسيلة لتمثيل الموقف
القائم على الحق والعدل
والثوابت، وإخضاع الشكليات
للجوهر في أي جولة للتفاوض أو
الحوار. كثير من
خصوم القضية والمقاومة كانوا
وما يزالون يتنبؤون.. وكثير من
المخلصين كانوا وما يزالون
يتخوفون.. من أن يصيب منظمات
المقاومة التي جددت ولادة العمل
الفدائي في مجرى قضية فلسطين،
ما أصاب سواها من قبل عند خوض
غمار السياسة، وأدى إلى
الانحراف عن العمل الفدائي
نفسه. ومثل هذه الأوهام وتلك
المخاوف كان يعتمد على أن
السياسة المعاصرة وفق ما يرونها
"سياسة قذرة" -على حد
التعبير الشائع عنها- فما يمكن
أن يقال اليوم يمكن أن يتبدل
غدا، وما يقال سرا يقال سواه
علنا، وما يحقق مصلحة ذاتية
يمكن أن يتغلب على ما تتطلبه
المصلحة العليا.. ولهذا ربما حق
للواهمين أن يتوهموا وللمخلصين
أن يتخوفوا، فقد طالت حقبة
ممارسة تلك السياسات على أرض
الواقع، وغاب عن الأذهان ما
يُفترض أن تعنيه السياسة
القويمة النظيفة لإحقاق الحق
لأهله، وأن تعنيه الديبلوماسية
كأداة للتفاهم وليس للهيمنة
والخضوع، حتى أصبح كثيرون لا
يتخيلون إمكانية ممارسة غير ذلك
الصنف المنحرف الذي شاع وانتشر
باسم السياسة وباسم
الديبلوماسية. منظمات
المقاومة الفلسطينية تعطي
للسياسيين العرب والمسلمين
بذلك دروسا في السياسة
والديبلوماسية كالدروس التي
تعطيها في التمسك بالثوابت
والأهداف الجليلة المشروعة وفي
بذل الغالي والرخيص على هذا
الطريق. ولئن انتشرت هذه
الثقافة السياسية عربيا
وإسلاميا، على مستوى الحكومات
والتيارات والأحزاب والجماعات
والمنظمات، في تعاملها مع بعضها
بعضا على الأقل، وانتشرت معها
ثقافة المقاومة في التعامل مع
ما تتعرض له بلادنا وشعوبنا
وقضايانا من اعتداءات
وافتراءات، وانتشرت أيضا ثقافة
النهوض الذي يستحيل تحقيقه إلا
بالعمل والإنجاز والعطاء، فلن
يكون هدف التغيير بعيدا عن
التحقيق، مع توافر أسبابه
الأخرى. ولن
يكون هدف منظمات المقاومة في
تغيير مجرى أحداث قضية فلسطين
بعيدا عن التحقيق ما دامت
متشبثة بهذا الطريق، وما دامت
قادرة على الارتفاع باستمرار
إلى آفاق جديدة في حملها
للأعباء الثقيلة الملقاة على
عاتقها في هذه المرحلة
التاريخية، وهي الجديرة بأن تجد
العون المباشر والمشاركة
الفعالة، وليس مجرد الإعجاب
والامتنان والنصرة، فما تعمل من
أجله لا يخصها وحدها، ولا يخص
شعب فلسطين فقط، بل هو محور ما
تلتقي عليه مصائر شعوب المنطقة
ودولها، بما في ذلك أنظمة الحكم
القائمة فيها. ـــــــــ المصدر
: مداد القلم 16/4/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |