ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تعليق
من مركز الشرق العربي : في
المقال انخراط بدائي في
الصراعات العربية يؤذي حيوية
أفكاره واستراتيجيتها المقاومة كخيار إستراتيجي للأمة والرأي
العام الدولي الغربي!** د.
منذر سليمان* تمهيد خلال
الحقبة التي اصطلح على تسميتها
بالحرب الباردة، كان الصراع
الأيديولوجي والثقافي على
أشدِه بين المعسكرين الاشتراكي
والرأسمالي، وتنافس المعسكرين
على اكتساب التأييد الشعبي على
المسرح الدولي، في سعي منهجي
للتأثير في صياغة الرأي العام
الدولي. واستخدم المعسكر
الرأسمالي بزعامة الولايات
المتحدة الأميركية كل الوسائل
المتاحة العلنية منها والسرية،
للسيطرة على الخطاب السياسي
والإعلامي والثقافي من خلال
اختراق الوسائل الإعلامية
المختلفة، والمنابر الثقافية
وتقديم الدعم المالي لها على
مستوى المؤسسات أو الأفراد.
بالمقابل تجلت مظاهر التأثير
للمعسكر الاشتراكي بزعامة
الإتحاد السوفياتي آنذاك، بدعم
التحركات الجماهيرية
والتظاهرات تحت شعار معاداة
الحرب العدوانية الأميركية، في
سياق دعم حركات التحرر العالمية
في آسيا وإفريقيا وأميركا
اللاتينية. وتركز العنوان
الرئيسي للتحرك الشعبي العالمي
بالدعوة لوقف الحرب الأميركية
على فيتنام، ولنصرة الشعب
الفيتنامي وشعوب الدول الأخرى
المجاورة التي طالتها آلة الحرب
الأميركية، بالإضافة إلى
الشعوب الساعية إلى إنهاء
الاستعمار المباشر وغير
المباشر والعنصرية، وفي معظم
الأحيان اندمجت التحركات
النقابية والطلابية لتحسين
الظروف المعيشية والضمانات
الاجتماعية، أو تحقيق المشاركة
السياسية على مستوى البلد
الواحد، بالتحركات الشعبية على
النطاق العالمي الداعية لوقف
الحروب وإحلال السلام. وأضحت
التظاهرات والإعتصامات
والإضرابات وأشكال الحراك
الجماهيري العلني لوحة إعلانية
دائمة، تعبّر عما اصطلح على
تسميته الرأي العام العالمي
تجاه القضايا التي تحظى باهتمام
عابر للحدود الجغرافية للدول
والأمم. وتعلمنا
تجربة نضال الشعب الفيتنامي
خصوصاً ونضالات شعوب العالم
التحررية عموماً بِأن ما اصطلح
على تسميته بالرأي العام
الدولي، لا يتحرك مؤازراً
ومسانداً إلا على وهج
الانتصارات الميدانية التي
تتحقق، وهذا يعني أن عدالة
القضية بحد ذاتها ليست محركاً
كافياً للارتقاء بوعي وتعاطف
الرأي العام الدولي، للانخراط
في التأييد المتنامي والمستدام....
فالرأي العام يتحرك ويتفاعل
بمقدار تلمسه لوجود حركة تحرر
تملك الإرادة والتصميم
والقيادة الشجاعة، مقرونة
بالاستعداد غير المحدود للشعب
لتقديم التضحيات لنيل حقوقه
وإنجاز استقلاله. جدلية
العلاقة بين المقاومة وتحرك
الرأي العام القضية
الفلسطينية لم تدخل حيز التفاعل
الإيجابي مع الرأي العام
الدولي، إلا بعد أن تعززت فكرة
الكفاح المسلح والمقاومة لدى
الشعب الفلسطيني وطلائعه
المناضلة، التي التزمت ببرنامج
وطني للتحرير. ورغم أن الحراك
الفلسطيني المقاوم في أواخر
الستينات تزامن مع نضالات
وانتصارات الشعب الفيتنامي
التي حظيت
بتركيز إعلامي ودعم جماهيري غير
مسبوق، استطاعت المقاومة
الفلسطينية انتزاع حيز متنامي
من التركيز والتغطية الإعلامية
والاهتمام الجماهيري في العالم
الغربي. ومع
تصاعد الكفاح المسلح الفلسطيني
اندرجت القضية الفلسطينية
على جدول ونشاطات القوى
العالمية المناهضة للحرب
والعنصرية التي اعتادت على دعم
نضال حركات التحرر العالمية. لكن
مساندة الرأي العام للقضية
الفلسطينية عموماً وللكفاح
المسلح شابته منذ البداية عقبات
موضوعية تتعلق بخصوصية وطبيعة
المشروع الصهيوني الاستيطاني
في فلسطين، وحالة القبول والدعم
الغربي الرسمي وحتى الشعبي
الغربي لفكرة إقامة دولة يهودية
على أرض فلسطين التاريخية. لقد
استطاعت الحركة الصهيونية
العالمية ترويج روايتها
المزورة حول حق مزعوم في
فلسطين، واستطاعت أن تطِوق
الرأي العام الدولي بأكاذيبها
وتضليلها، لتحدث شروخاً عميقة
في حركة التضامن العالمية مع
الشعب الفلسطيني وقضيته، لنزع
مشروعية الكفاح المسلح
الفلسطيني ووصمه بالعمل
التخريبي أو الإرهاب!!! وحتى
عندما نجحت نضالات الشعب
الفلسطيني في انتزاع اعتراف
عالمي بمقاومته وباعتبار
الصهيونية مرادفاً للعنصرية،
تحركت الآلة الإعلامية
والسياسية الصهيونية والقوى
المساندة لها على المسرح
الدولي، وخاصة الولايات
المتحدة لتفريغ هذا الاعتراف من
محتواه الإيجابي، ولإلغاء قرار
الأمم المتحدة باعتبار
الصهيونية شكلاً من أشكال
العنصرية. ولم تكن هذه
المحاولات لتنجح لولا المساندة
غير المباشرة التي حظيت بها
لتراجع القيادة المتنفذة في
منظمة التحرير الفلسطينية عن
البرنامج الوطني للتحرير،
والدخول في مساومات وصفقات مع
الكيان الصهيوني، مثل اتفاقات
أوسلو المفرطة بالحقوق
الوطنية، في ظل تخاذل عربي رسمي
وصل إلى حدود التواطؤ والتحالف
مع العدو الصهيوني وخاصة الدول
ألتي أبرمت اتفاقات ومعاهدات
ثنائية معه. وتجلى هذا التواطؤ
خلال الحربين العدوانيتين
الأخيرتين التي شنها الكيان
الصهيوني على لبنان 2006 وغزة
(2008-2009). تنوع
الدوافع والمنطلقات واقع
الرأي العام الدولي الغربي أنه
متنوع الدوافع والمنطلقات فيما
يخص الشعب الفلسطيني ومقاومته،
وإذا توقفنا أمام الشرائح
المكونة له نجد تقاطعات
واختلافات يجدر بنا إمعان النظر
فيها وتوصيفها على حقيقتها...
فإذا انطلقنا من اعتبار أننا
نقصد بالرأي العام الغربي، ألذي
يعنينا هنا هو التيار العريض
الذي يضم القوى والأفراد
المنضوية في مجابهة مشاريع
الهيمنة والحرب والاحتلال
والعنصرية على النطاق العالمي،
وفي ظل نتائج العولمة المدمرة
على الدول النامية والأزمة
الاقتصادية-المالية الراهنة،
يمكن إضافة مناهضة القرصنة
المالية لدول الشمال الصناعي
وخاصة الولايات المتحدة. يمكن
شمل الروافد والمنطلقات
التالية داخل التيار العريض
المشار إليه: * قوى
تتحرك بدافع اهتمامها بالعدالة
وحقوق الإنسان وتركز على اعتماد
الآليات القانونية الدولية
والإقليمية أو المحلية لتحقيق
أهدافها. * قوى
تتحرك بدافع إنساني محض وتهتم
بدور الجمعيات الخيرية وتقديم
المعونات الطبية والغذائية
وتدعو في برامجها إلى محاربة
الفقر والمرض والمجاعة. * قوى
تتحرك بدافع كراهيتها للحرب
وضرورة تحقيق السلام والأمن وحل
النزاعات بالطرق السلمية. * قوى
تنشد التغيير في النظام الدولي
ومؤسساته لإنهاء الاستبداد
والظلم والاحتلال والعنصرية. * قوى
ناشطة ومؤيدة لأشكال المقاومة
المختلفة للهيمنة والاحتلال
والعنصرية وتساند الحق المشروع
للشعوب بممارسة الكفاح المسلح
ضد المحتل. ويمكن
أيضاً اعتبار القوى التي تناهض
تدمير البيئة والتلوث وتدعو إلى
إجراءات لحماية البيئة، جزءاً
من التيار العام المناهض
للعولمة ونتائجها المدمرة. أما
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية
والصراع العربي-الصهيوني،
تندرج في أولويات إستراتيجية
المقاومة العربية في الفترة
الراهنة، توفير سبل استمرار
ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني
والشعوب العربية للمشروع
الصهيوني الاستيطاني،
ومقاومتهم لمشروع الهيمنة
والاحتلال الأميركي للعراق
المساند للمشروع الصهيوني في
فلسطين المحتلة، وللتدخلات
العسكرية المباشرة وغير
المباشرة للولايات المتحدة
وأدواتها في الصومال والسودان! لا شك
أن دور الرأي العام الدولي في
مساندة المقاومة العربية
للمشروعين مسألة يكتنفها
الغموض والتعميم والرغبات، ولا
تخضع للتحليل والتمحيص الدقيق
أحياناً، حيث يتم اعتبار
التحركات الشعبية الواسعة
المعادية للحرب في حالات الغزو
الأميركي للعراق، أو خلال
العدوان الصهيوني على لبنان في
تموز 2006 أو غزة (2009-2008) دليلاً
قاطعاً على ارتقاء هذا الدور
إلى مستويات مُرضية تعبيراً عن
انحياز دائم وفعَال ومستدام
لتأييد خيار المقاومة العربية. لكننا
في الوقت الذي لا يجب أن نقلل أو
نستهين بالقيمة المعنوية
الكبرى لهذه التحركات وآثارها
الإيجابية، علينا أن نميز بين
كونها بغالبيتها الساحقة
تعبيراً عن المساندة والتعاطف
مع الشعوب العربية في مواجهة
آلة الحرب والدمار الهمجية
المتفوقة، وبين اعتبارها
تأييداً ومساندة للحق المشروع
في المقاومة وللقوى التي تحمل
لواءاها، وتلتزم بالكفاح
المسلح والذي يطغى عليها مؤخراً
طابع القوى المنتمية للتيار
الديني الوطني المقاوم. هناك
شرائح كبيرة وسط تيار مناهضة
الحرب والعولمة والعنصرية تؤيد
نهج المقاومة والقوى التي تحمل
لوائه بقطع النظر عن خلفياتها
ألأيديولوجية أو العرقية أو
الدينية. ولكن الغالبية تتحرك
بدافع إنساني عام وموسمي الطابع
مرتبط بردة الفعل على الجرائم
الصهيونية والأميركية المرتكبة.
كما يتوجب عدم تجاهل شريحة كبرى
داخل تيار مناهضة الحرب
والعنصرية التي تلتزم موقفاً
"رخواً" جداً تجاه
الصهيونية ومشروعها الاستيطاني
في فلسطين، فهي تؤيد دعوات
إنهاء الاحتلال الصهيوني فقط
لمعظم الأراضي العربية المحتلة
في عام 1967 (وليس كلها)،
وبالوسائل السلمية فقط (يعني
تثبيت الاحتلال حتى يفرجها الله)
وترفض تأييد أطراف المقاومة أو
حمل شعارات تؤيدها في التظاهرات
الشعبية....لا بل وصل الأمر في
تجربتنا في الولايات المتحدة
إلى إصرار هذه القوى على عدم
الربط بين الاحتلال الأميركي
للعراق والاحتلال الصهيوني
لفلسطين. فالمظاهرات
الكبرى التي شهدتها العاصمة
الأميركية والمدن الرئيسية
الكبرى قبل الغزو الأميركي
للعراق وبعده، التي دعا إليها
"تحالف آنسر "
(ANSWER)
المعادي للحرب والعنصرية،
والتي يشارك فيه المجلس الوطني
للعرب الأميركيين...عانت من
مطالبات هذه الشرائح الصهيونية
بشكل مستتر والتي تتخذ لنفسها
مسمى "حركة السلام والعدالة"
بعدم إدراج القضية الفلسطينية
أو إنهاء ألاحتلال الصهيوني في
فلسطين في الشعارات الرئيسية
للتظاهرات المعادية للحرب في
العراق... وغالباً ما قامت
بنشاطاتها بصورة منفصلة كلياً
أو جزئياً بذريعة أن الشعارات
المناهضة للاحتلال الصهيوني قد
تجيَر لمعاداة السامية؟؟؟؟ هذه
الإشكالية داخل التيار المناهض
للحرب والعنصرية لا تقتصر على
الولايات المتحدة بل تطال معظم
المسرح الأوروبي أيضاً،
وجزئياً المسرح الأميركي
اللاتيني. يضاف
إلى هذه الإشكالية حقيقة المناخ
المعادي الذي تولد في الساحة
الأميركية والدولية بعد هجمات
الحادي عشر من سبتمبر. لقد
استغلت القوى المعادية للحق
العربي الخطاب الإتهامي
للإدارة الأميركية ضد العرب
والمسلمين بحجة "مكافحة
الإرهاب" والذي ترسخ
بالإجراءات الأمنية والتشريعات
المقوضة للحقوق المدنية
المكفولة دستورياً، في ترويج
حملات منظمة تستهدف الناشطين
العرب والمسلمين في الجامعات
والمؤسسات الأهلية والمنظمات
والجمعيات الخيرية والتضييق
على حركتهم أو توجيه التهم لهم
بدعم "الإرهاب". أسهمت
هذه الأجواء في تراجع النشاط
العربي- الإسلامي العلني المؤيد
لنهج المقاومة العربية،
واقتصاره على النشاطات
الموسمية خلال الأحداث الجسيمة
مثل حرب لبنان وغزة والعراق....
هذا النشاط الذي حاصرته وأضعفته
سيطرة قوى وشخصيات انتهازية
وملحقة بأجندات أنظمة التبعية
العربية، أو الحريصة على رضا
السلطات الأميركية و التعامل مع
أجهزتها، ممن تسلّق أو نصِب على
قيادة المنظمات العربية
والإسلامية. بالطبع تستفيد
القوى المعادية من سيطرة مزمنة
لخطاب إعلامي وفكري في الصحافة
الغربية روَج للرواية
الصهيونية بوصفها الرواية
الوحيدة، ويستعيد هذا الخطاب
بعضاً من التأثير -الذي افتقده
بسبب انتشار الوعي بجوانب من
الرواية الفلسطينية عبر السنين
الماضية - من خلال التركيز على
أن ما يسمى بالحرب على "الإرهاب"هي
قضية مشتركة بين الكيان
الصهيوني والولايات المتحدة
والغرب. لكن الممارسات
الأميركية والصهيونية البشعة
في الساحتين العربية
والإسلامية وتجربة الصمود
والمقاومة التي تشهدها ساحات
التماس مع الإحتلالين الأميركي
والصهيوني، تبعث الأمل
بإمكانية زرع المزيد من الشكوك
في الرواية الصهيونية
والأميركية الرسمية لدى الرأي
العام، وتطوير استعداده لتلقي
وجهة النظر المغيَبة للحق
العربي والسعي لتفهمها. علاقات
عامة أم إنجازات ميدانية ؟ مَنْ
يحرك مَنْ؟ يبقى أن
نشير هنا إلى أن كسب الرأي العام
الدولي إلى جانبنا ليس مسألة
تتعلق بفن "وشطارة" إدارة
علاقات عامة، لترويج بضاعة لا
تحظى بالتسويق في سوق الأفكار
والمبادئ في الفضاء
المعلوماتي، أو لطبيعة العجز عن
استخدام لغة ومفردات وأسلوب
جذاب للمشاهد والمستمع
- وهي أمور هامة وضرورية لا
يجوز التقليل من جدواها أو
قيمتها - فجوهر القضية هو ما يتم
إنجازه ميدانياً في أرض الصراع
من توليد القناعة بإمكانية
هزيمة المشروعين والأدوات التي
يعتمدان عليها. وبنفس الأهمية
استعادة المشروع الوطني
للتحرير مصداقيته من حيث
البرنامج والنهج والقيادة
المخلصة الملتزمة بتطبيقه
وإنجازه حتى النهاية. إن أكبر
خدمة تقدم للمشروعين (الصهيوني-الأميركي)
في عالمنا العربي والإسلامي هي
حالة الإرباك التي تولدها
مؤشرات التنازل عن المشروع
الوطني وثوابته، واستعداد
القيادات التي تتبوأ المسؤولية
للشعب الفلسطيني أو اللبناني أو
أي شعب عربي... التفريط بالحقوق
والمساومة عليها،لا بل الوصول
إلى حالة التواطؤ والتحالف مع
المشروعين والتصرف كأدوات لهما
ضد نهج المقاومة الذي أثبت
نجاعته حتى الآن قياساً بنهج
التنازلات والمساومات!!!! لن
يستقيم الرأي العام العربي أو
الإسلامي المؤيد بالسليقة
والمصلحة للحق العربي
والإسلامي في فلسطين
ومقدساتها، إلا عندما يستقيم
الوضع القيادي الوطني
الفلسطيني الذي حرم أهلنا
في الضفة واجب مساندة أهلنا
في غزة في حصارهم ومقاومتهم
للعدوان الصهيوني المتكرر... كيف
سيكون ممكناً ومتاحاً أن تستمر
أشكال المقاومة المساندة
للكفاح المسلح من مقاطعة
اقتصادية وثقافية وفنية
وسياسية، ومن رفض للتطبيع من
قبل العالمين العربي والإسلامي
بينما تجلس القيادة المتنفذة
للشعب الفلسطيني في الحضن
الصهيوني "الدافئ" تنسق
أمنياً معه؟ وتهتم ببطاقات ( (VIP وأذونات التحرك والسفر وضمان مصالحها
الخاصة أكثر من اهتمامها بقضايا
شعبها ومناضليها ومعتقليها في
السجون الصهيونية؟؟ كيف
نتحدث عن رأي عام دولي مساند،
مستعد وجاهز لإتباع بوصلة
النضال الفلسطيني والعربي،
والبوصلة تضيع في متاهات
التفاوض والمساومة؟؟؟؟!!!! هناك من
يعتقد أن تمييع الخطاب الفكري
والسياسي لنضال الشعب
الفلسطيني وتخفيض سقف الحقوق
سيساعد في إيجاد رأي عام دولي
أكثر تفهماً ومساندة، بمعنى أن
خطاب المقاومة يجب أن يتكيف مع
العصر الذي ينبذ العنف والتطرف
ويدعو "للسلام والتسامح".
هذه الأوهام تتغذى من قناعة
خاطئة بأن الرأي العام الدولي
سيشكل العنصر الحاسم في الضغط
على القوى المعادية لتقديم
التنازلات وإبرام الصفقات....
ولكن الوقائع العنيدة لتجربة
نضالات الشعوب تؤكد أن الرأي
العام الدولي هو عامل مساند
ومساعد وليس العنصر الحاسم في
حسم الصراعات...الرأي العام
الدولي يعكس إرادة الشعوب
ويتغذى ويتطور وتتولد قناعاته
من إنجازاتها، ومن الانطباعات
التي تولدها بأنها مصممة على
تحقيق النصر لقضيتها مهما غلت
التضحيات. التسونامي
البشري ودرس العراق وختاماً
من المفيد أن نراجع تجربتنا
الميدانية حول الرأي العام
الدولي وموقفه من شنِ الحرب على
العراق، لنستخلص الدروس في فهم
واقعي لقوة وأثر الرأي العام
الدولي في توجيه الأحداث
والتطورات، فلا نغرق في تصورات
رومانسية الطابع مفرطة
بالتفاؤل حول طبيعة الدور
ومداه، أو بالمقابل نصاب
بالإحباط والخيبة لعدم قدرة هذا
الدور على تحقيق المنجزات
المأمولة، فتتولد لدينا قناعة
تفضي بنا إلى عدم الاكتراث
بدوره أو بسبل تعزيزه وتطويره
لصالح قضايانا، فلا نولي أهمية
مطلوبة لنسج التحالفات وتعميق
الروابط مع كافة القوى التي
تتحرك في مجرى النضال العالمي
ضد الحرب والاحتلال والعنصرية،
ومحاولة إيجاد القواسم
المشتركة التي ترفع من وتيرة
التفاعل والتفاهم والتكامل بين
مختلف الشرائح التي تتحرك وسط
هذا التيار العريض، ويتوجب على
القوى والعناصر المؤيدة لخيار
المقاومة في الساحة العربية
الاَ تترك منفذاً إلا وتدخل
منه، في محاولة لربط نضالات
الشعوب الغربية على اختلاف
أجنداتها الداخلية، بأجندة دعم
المقاومة وخيارها ومشروعيته...
وستبقى هذه العملية شاقة وتتطلب
نفساً طويلاً وصبراً ونضجاً في
التعامل دون تقديم تنازلات أو
مساومة على مشروعية هذا الخيار
ودعمه. في
الواقع يحمل الدرس العراقي-
بمعنى درس محاولة وقف الحرب على
العراق - الكثير من المعاني
الزاخرة بالفخر والاعتزاز
بمستوى التحرك الجماهيري
المناهض للحرب وغير المسبوق في
تاريخ الحروب. ولكن بالمقابل
تجرّع كل معارض للحرب مقداراً
من جرعات الإحباط والخيبة، لعدم
قدرة "التسونامي" البشري
العالمي المعارض للحرب في
أميركا والعالم من وقفها قبل أن
تشنها إدارة بوش، المصممة على
غزو العراق رغم كل الموانع
القانونية والإنسانية
والأخلاقية التي وقفت في وجهها!!! وسيبقى
الخامس عشر من فبراير/ شباط 2003
معلماً مفصلياً ومحطة بارزة في
تاريخ الحراك البشري في التعبير
عن ما اصطلح على اعتباره سجلاً
للرأي العام العالمي... لقد
اندفعت الملايين إلى الشوارع في
يوم واحد، وصلت تقديرات محافظة
إلى تعداد حوالي 30 مليون
متظاهر، جابوا العواصم
العالمية منددين بالحرب
الوشيكة التي صممت إدارة بوش
الابن وتحالف الراغبين
والخاضعين للمشيئة الأميركية
بشنها على العراق، يدعون بصوت
موحد إلى ضرورة وقف جريمة الحرب
المحدقة بشعب العراق الصابر
والمحاصر. كان
لوقع هذا "التسونامي"
البشري المعادي للحرب أثره
العميق على المسرح الدولي في
توليد مصطلح جديد "القوى
العظمى الثانية" أو القوى
العظمى الموازية" والقصد هنا
أنه منذ انهيار الإتحاد
السوفياتي إيذاناً بانتهاء
حقبة الثنائية القطبية
ألأميركية- السوفياتية، تربعت
الولايات المتحدة بصورة منفردة
على عرش النظام الدولي وتصرفت
النخبة الحاكمة فيها بمنطق
تكريس هيمنة متفردة إلى أقصى
مدى زمني ممكن، والحيلولة دون
بروز قوة منافسة أو موازية تحقق
قدراً من الشراكة والإدارة لهذا
النظام، لحظة 15 فبراير كانت
مؤشرا على أن الرأي العام
الدولي يستطيع ولو بصورة غير
مؤسساتية ولفترة مؤقتة أن يشكل
الموازي الافتراضي، والوازن
المعنوي للقطب الأميركي، وشكلت
رداً على بوش الابن حين صرَح بأن
’’ من ليس معنا فهو ضدنا’’،
فكأن الهبة الشعبية العالمية
ترد عليه بحناجرها وشعاراتها
وإقدامها ومواقفها بأننا وقفنا
وتعاطفنا مع الشعب الأميركي
خلال محنة هجمات 11 سبتمبر،
ولكننا لسنا مع سياسته في الحرب
والعدوان على من تختاره في
العالم هدفاً لنزعة الانتقام
المسنودة إلى قوة أميركا
العسكرية الساحقة المتفوقة.
بالطبع شكَل بروز مصطلح "القوة
العظمى الموازية" أو "القطب
الآخر" لتوصيف هذا الانسياب
البشري بعشرات الملايين في
عواصم العالم، تعبيرا عن
الانبهار والإعجاب بظاهرة غير
مسبوقة في التاريخ البشري، إذ
لم يشهد العالم في تاريخ الحراك
الشعبي الاحتجاجي حركة موازية
بزخمها واتساعها تعترض على حرب
وشيكة قبل الشروع فيها، وعكس
استخدام المصطلح الرغبة
الكامنة لدى أوساط واسعة في
أرجاء العالم لرؤية قوة موازية
للولايات المتحدة على المسرح
الدولي، تستطيع أن تكبح جماح
إدارة بوش وتمنعها من اللجوء
لاستخدام القوة العسكرية كما
تشاء، بمعنى آخر كان نوعاً من
الحسرة والشعور بالخذلان لغياب
قطب يوازي القطب الأميركي
المتفرد! في
المحصلة شنت إدارة بوش الحرب
العدوانية على العراق بعد مرور
أكثر من شهر تقريباً على هذا "التسونامي"
البشري المحتج،متجاهلة له، لا
بل إن الرئيس بوش استطاع رغم
اتساع التيار الشعبي الأميركي
والعالمي المناهض للحرب على
العراق أن يفوز بدورة رئاسية
ثانية!!!!... فهل يعني ذلك أن الرأي
العام الأميركي وتباعاً الدولي
لا قيمة له؟؟؟! بالطبع
لا ولكن تجربة الحرب على العراق
وما رافقها من انخراط فعَال
للرأي العام العالمي في
معارضتها، توضح لنا دون لبس
حدود القوة وحدود الفعل الممكن
للرأي العام العالمي في نصرة
قضايا الشعوب، ويرتب لنا مقاييس
الفشل والنجاح. ولكن في كل
الأحوال يبقى قوة معنوية ضاغطة
لا غِنى عنها يتوجب أن تحظى
بالمتابعة والعناية من قِبل
معسكر المقاومة ومعسكر القوى
المعادية للحرب والاحتلال
والتبعية والعنصرية لنسج
التحالفات وتطوير البرامج
للعمل المشترك. ـــــــــــ * د.
منذر سليمان ـ نائب رئيس المجلس
الوطني للعرب الأميركيين،
ومدير مركز الدراسات الأميركية
والعربية – واشنطن. موقع المركز
الالكتروني: http://thinktanksmonitor.com/thinkmonitor/Home.php ** ورقة
أعدت للجلسة النقاشية ضمن أعمال
المؤتمر القومي العربي الدورة
العشرون في الخرطوم – السودان
التي تعذّر عليّ حضورها. رابط
المقالة: http://thinktanksmonitor.com/thinkmonitor/SecInfo.php?id=4 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |