ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
البعض
يفضلونه «بمبي»! فهمي
هويدي تحفل
الصحف المصرية هذه الأيام بسيل
من المواعظ التي ما برحت تعطينا
دروسا في مسؤوليات الأمن القومي
والمقدسات الوطنية والخطوط
الحمراء التي ينبغي ألا
يتجاوزها أحد. وهو أمر لا بأس من
التذكير به، إذا وضع في موضعه
الصحيح، ولم يخضع للعبث أو
التلاعب الذي يستهدف التحريض
والإثارة بأكثر مما يُراد به
تحقيق المصالح العليا للوطن. وأخشى
ما أخشاه أن تبتذل أمثال تلك
المعاني الكبيرة وسط الهرج الذي
يسود الساحة الإعلامية
والثقافية، بعدما أصبح الموضوع
محل مزايدة من جانب المهللين
والمنافقين والكائدين،
وأضرابهم من الذين ينخرطون في
كل جنازة، ليشبعوا فيها عويلا
ولطما. أتحدث
عن واقعتين محددتين برزتا في
الفضاء المصري خلال الأيام
الأخيرة: الأولى
تمثلت في قضية خلية حزب الله،
التي بدأت «حبة» وحوّلتها
المكايدة السياسية إلى «قبة»
كما يُقال، شغلت بها مختلف
المنابر الإعلامية، أما
الثانية فقد شغلت دوائر
المثقفين، الذين ثار بينهم لغط
كبير بمناسبة صدور حكم بإلغاء
رخصة مجلة «إبداع»، بسبب نشرها
قصيدة قيل إنها ماسة بالذات
الإلهية. صحيح أن
الموضوعين مختلفان، لكن ذلك لم
يمنع وجود بعض القواسم المشتركة
بينهما، في المقدمة منها أن
الواقعتين وثيقتا الصلة بالأمن
القومي للبلد، إذ من الناحية
النظرية، فإن الاعتداء على
السيادة والحدود يمسّ الأمن
القومي في الصميم، وفي
الوقت ذاته، فإن المساس بالذات
الإلهية يُعد بدوره تهديدا
للأمن القومي، من حيث إنه
بمنزلة إخلال بالتماسك العقيدي
المرتجى وعدوان على المقومات
الأساسية للمجتمع. لقد
لاحظت في بعض الكتابات انفعالا
شديدا ومبالغة مفرطة في التنديد
بخلية حزب الله، رغم أن
المعلومات الأساسية في الموضوع
لم تتوافر بعد، وكل ما لدينا لا
يتجاوز بلاغات مباحث أمن
الدولة، وتسريبات معينة عن
التحقيقات طعن المحامون في
صحتها. لكن المعلقين تعاملوا مع
التقارير والتسريبات باعتبارها
حقائق، لأسباب مفهومة. لكن ما
أثار انتباهي أن الذين بالغوا
في هجومهم على حزب الله وخليته
باسم الدفاع عن الأمن القومي
والخطوط الحمراء، هوّنوا كثيرا
من مسألة المساس بالذات
الإلهية، واعتبروا ما جرى بحقها
نوعا من حرية التعبير التي
ينبغي ألا يحدها قيد ولا شرط،
وهو موقف وضعنا إزاء معادلة
خلاصتها أن لافتة الأمن القومي
استخدمت للطعن في حزب الله، في
حين وظف شعار حرية التعبير
لحماية المساس بذات الله. قبل أن
أسترسل في مناقشة هذه النقطة
ألفت النظر إلى أنني حين سئلت عن
موضوع إلغاء ترخيص مجلة «إبداع»
بسبب نشرها للقصيدة، قلت إنني
ضد الاثنين، ضد إلغاء رخصة
المجلة، وضد المساس بالذات
الإلهية. وكان
رأيي ـ ولايزال ـ أنه لابد أن
تكون هناك أساليب أخرى للفت
انتباه صاحب القصيدة إلى ما
فيها من تجاوز، كما لم تكن هناك
ضرورة للتعامل مع المسألة بمنطق
البتر والإلغاء، من ثم، فإن
تحفظي الأساسي لا ينصبّ على
استبعاد موضوع الاعتداء على
سيادة البلد وحدوده ـ في حال
ثبوتهما ـ من منظومة الأمن
القومي والخطوط الحمراء، وإنما
ما أدعو إليه أن يعد المساس
بالعقائد والمقدسات ضمن عناصر
تلك المنظومة. يوما ما
كان غلاة العلمانيين الأتراك
يعتبرون أن المساس بأتاتورك
بمنزلة خط أحمر، في حين أن
المساس بالذات الإلهية هو «وجهة
نظر» يتعين احترامها. لأنها
تتعلق بممارسة حرية التعبير،
والذين يهونون من شأن المساس
بالذات الإلهية يقفون في ذات
الخندق، من حيث إنهم ينضمون إلى
أولئك الذين وصفهم القرآن بأنهم
«لا يرجون لله وقارا». إن
المعارك تفتعل، لأن واحدا من
حزب الله جاء لمساعدة
الفلسطينيين، وترتفع الأصوات
مستهجنة التصرّف، ومعتبرة أنه
بمنزلة عدوان على «الخط الأحمر».
وهذه
الأصوات ذاتها حين تهوّن من شأن
المساس بالذات الإلهية ولا ترى
فيه غضاضة، فإنها لا ترى فيه سوى
أنه خط «بمبي» ـ هل هذا معقول؟! ــــــــ المصدر
: صحيفة الرؤية الكويتيه – 23/4/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |