ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
العلمانية
ثوب لا يصلح لأمتنا هانى
صلاح الدين بين
الحين والآخر يثير العلمانيون
العرب قضية عدم تضارب منهجهم
العلمانى مع الإسلام، ونجد منهم
من يخرج علينا على شاشات
الفضائيات وهو يحمل مسبحته
مؤكداً أن العلمانية تعزز
التدين، لكنها ترفض ربط السياسة
بالدين، وهنا وجدت نفسى متحيراً
بين الأقنعة التى يرتديها هؤلاء
العلمانيون، فتارة يشنون حرباً
لا هوادة فيها على المنهج ونظام
الحكم الإسلامى، وتارة يحاولون
استيعاب رفض الشارع العربى
والإسلامى لهم، فيخرجون
ليدللوا على أن العلمانية ليست
كفراً أو مخالفة لقواعد الأديان. وهنا
علينا أن نجرد الحقائق لهؤلاء
العلمانيين الذين يحاولون
إلباس أمتنا ثوباً لا يصلح لها
ولا يليق بتاريخها، لأن هويتنا
وتاريخنا وقيمنا وأخلاقنا،
تجعلنا فى غنى عن أى منهج أرضى
ابتدعوه أصحابه، ليتخلصوا من
سيطرة نظام الكهنوت الكنسى،
الذى أفسد حياة الأوربيين فى
العصور الوسطى، من خلال إطلاق
يد الكنيسة فى كل كبيرة وصغيرة،
حتى وصل الأمر إلى معاقبة
العلماء والمخترعين، واتهامهم
بالهرطقة والكفر والزندقة،
وذلك بخلاف محاكم التفتيش وصكوك
الغفران، وغيرها من حلقات مسلسل
السيطرة الكاملة للكنيسة على
الأوربيين فى ظل حماية الأباطرة
والملوك لها، والذى دفعهم لتبنى
شعارهم التاريخى المعروف "اشنقوا
الكهنة بأمعاء آخر إمبراطور". لذا
وجدنا ثورات وحركات إصلاحية
اجتاحت أوروبا من أجل التخلص من
هذا الظلم، ففى عام 1905م صدر
القانون الفرنسى الذى يفصل بين
الكنيسة والدولة، وهذا القانون
يمنع الكنيسة من التدخل فى شئون
الحكومة وإدارتها، معللاً ذلك
بأن الكنيسة لها قراراتها
ورؤيتها التى تستند إلى السماء،
ومن الصعب أن يخالفها أحد، ثم
توالت الدول الأوروبية فى اتخاذ
نفس الموقف، ومن هنا انطلقت
العلمانية التى عرّفتها دائرة
المعارف البريطانية بأنها هى
حركة اجتماعية، تهدف إلى صرف
الناس، وتوجيههم من الاهتمام
بالآخرة، إلى الاهتمام بهذه
الدنيا وحدها، وعرفها المعجم
الدولى الثالث الجديد بأنها "هى
نظام اجتماعى فى الأخلاق، مؤسس
على فكرة وجوب قيام القيم
السلوكية والخلقية، على
اعتبارات الحياة المعاصرة
والتضامن الاجتماعى، دون النظر
إلى الدين"!. وهكذا
يظهر بوضوح أن العلمانية على
النقيض التام للأديان، وأنها
أتت لتعالج أوضاع تخالف أوضاع
أمتنا، ففى الوقت الذى كانت
الكنيسة الغربية تحارب فيه
العلم، كانت حضارتنا ومؤسساتها
تعزز العلم والعلماء، ووصل
الأمر إلى أن من يؤلف كتاباً كان
يعوض بوزنه ذهباً. كما أن
الدولة الإسلامية فى مختلف
مراحلها كانت مدنية، لكن ذات
مرجعية إسلامية، تلتزم بمنظومة
الأخلاق والآداب العامة التى
ارتضاها الله لنا، والتى ميزت
أمتنا على مر تاريخنا، وأعطت
للجميع حرية التفكير والإبداع،
ولكن فى حدود احترام النص
الربانى، وهنا يأتى الاختلاف،
فالعلمانية تقبل الإسلام
كعبادة لا تتجاوز المساجد،
وترفضه كتشريع ينظم مختلف مظاهر
الحياة، وهنا نطرح على
العلمانيين العرب الذى انساقوا
خلف الغرب فى تفكيرهم من باب
التقليد الأعمى، بعض علامات
الاستفهام، ألم يأتى محمد صلى
الله عليه وسلم بمنهج متكامل
أصلح به أحوال شعوب كانت مضطربة
فى نظمها السياسية والاجتماعية
والاقتصادية. ألم
يرسّخ نبينا نظاماً سياسياً
وإدارياً دقيقاً، قام على
الشورى واستيعاب كل الآراء
والحرية الشخصية التى تنتهى عند
محارم الله وحرية الآخريين؟ ألم
يقسم دولته ووضع لها نظم حكم
واضح المعالم، شهد له الغرب
والشرق بالدقة والعظمة،
واستطاع من خلاله جمع أمة
تشرذمت فى دروب الصحراء وجعل
منها أمة قادت العالم على مدار
قرون عدة؟ ألم يرسّخ نبينا
العظيم قواعد عسكرية وقيماً
حربية عجز العالم بكل حضارته
المعاصرة عن تطبيقها الآن، تقوم
على تجريم جرائم الحرب
والاعتداء على العزل والنهى عن
التمثيل بالجثث والاعتداء على
النساء والأطفال والمدنيين
بشكل عام؟ ألم يرسخ المعصوم
نظاماً اقتصادياً حرم فيه
النظام الربوى الذى أغرق الغرب
الرافع لراية العلمانية فى أزمة
اقتصادية طاحنة دفعت عقلاء
الغرب أن يطالبوا بالعودة
للنظام الاقتصاد الإسلامى حتى
يخرجوا من تيه هذه الأزمة؟ بل ألم
يرسخ الرسول الكريم نظاماً
اجتماعياً عزز فيه مكانة
الأسرة، وشدد فيه على ضرورة
التكافل بين أفراد المجتمع من
خلال الزكاة، وحرم فيه الزنا
الذى أغرق الغرب فى أوحال
الإيدز والأمراض الجنسية؟ بل
نجد أن نظام الحكم الإسلامى كفل
للجميع حرية العبادة رافعاً
شعار "لكم دينكم ولى دين"،
"لا إكراه فى الدين" إنه
نظام حكم متكامل يقبله أى منطق
أو عقل، لأنه يقوم على أسس مدنية
تحيطها أطر أخلاقية وقيمية
ترتفع بالإنسان عن أوحال
المادية، كما أنه نظام راعى
الجانب المادى والطبيعة
الإنسانية الروحانية. وأنهى
كلماتى بسؤال للعلمانيين
العرب، هل من المنطق والعقل
الذى تطالبون بتحكيمهما أن يكون
لدينا نظام حكم متكامل بهذه
الدقة ثم نقوم بتركه ونلهث خلف
منهج ونظام لا يصلح لنا؟ وأرى أن
موقف العلمانيين ليس مختلفاً
كثيراً عمن انبهروا بالتجربة
الشيوعية فى أول عهدها ثم كفروا
بها بعد انهيارها، ولعل السنين
القادمة تحمل بين طياتها
انهياراً للنظام الغربى
العلمانى، الذى أطلق للمادة
العنان وعانى فراغاً روحياً،
وعلينا أن نعلم أن لأمتنا
خصوصية وخيرية ولن يصلح آخرها
إلا بما أصلح أولها وللحديث
بقية مع آثار العلمانية المدمرة
للعالم. ــــــ المصدر
: اليوم السابع – 26/4/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |