ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقاطعة
إدارة أوباما لديربان الثاني
ودلالاتها يوسف
حمدان* على
الرغم من إدخال تعديلات جوهرية
على مشروع الوثيقة الختامية
لمؤتمر ديربان الاستعراضي
نزولا عند رغبة إدارة أوباما،
فاجأت الولايات المتحدة الأمم
المتحدة والدول الأعضاء بإعلان
رفض المشاركة فيه عشية انعقاده
في جنيف. لماذا إذا أقدمت إدارة
أوباما على تلك الخطوة التي
خيبت آمال الكثيرين في الولايات
المتحدة والعالم وماهي
دلالاتها فيما يتعلق باحتمالات
السياسة الخارجية للإدارة
الأمريكية الجديدة؟ يتضح من
البيان المقتضب لوزارة
الخارجية الأمريكية الذي بررت
به رفض المشاركة أن السبب
الرئيسي لذلك لا ينبع من نص
وثيقة ديربان الاستعراضي بل
بسبب ما ورد به من إشارة إلى
إعلان وبرنامج عمل ديربان الأول.
فقد جاء في البيان أن وثيقة
المؤتمر الاستعراضي ما زالت
تتضمن 'نصا يؤكد من جديد
وبالكامل إعلان ديربان لعام 2001،
والذي طالما قالت الولايات
المتحدة أنها لا تستطيع تأييده.
إن تضمن ذلك في وثيقة المؤتمر
الاستعراضي له التأثير نفسه كما
لو أن النص الأصلي أدخل في
الوثيقة الجديدة وتم اعتماده من
جديد'. وتابع البيان قائلا أن
وثيقة ديربان الثاني 'تستفرد
نزاعا معينا وتصدر حكما مسبقا
على قضايا أساسية لا يمكن أن تحل
إلا بالمفاوضات بين
الإسرائيليين والفلسطينيين'.
وأضاف بيان الخارجية أن 'الولايات
المتحدة لديها أيضا شواغل جدية
إزاء إضافات جديدة نسبيا إلى
النص فيما يتعلق بـ'التحريض' وهو
ما يتعارض مع التزام الولايات
المتحدة بحرية الكلمة دون عوائق'.
والمقصود هنا منع التحريض ضد
الإسلام الذي رفضه بعض
الأوروبيين بحجة أن منع التهجم
على الأديان والأنبياء والرسل
يشكل خرقا صارخا للحق في
التعبير ولحرية الكلمة. إعلان
وبرنامج عمل ديربان 2001 تقرير
ديربان الأول المعنون 'المؤتمر
العالمي لمكافحة العنصرية
والتمييز العنصري وكره الأجانب
وما يتصل بذلك من تعصب' يقع في 184
صفحة ويتضمن في بابه الأول
الإعلان وبرنامج العمل
والقرارات. الإشارة إلى النزاع
الفلسطيني الإسرائيلي، التي
تحفظت عليها الولايات المتحدة،
ترد في الفقرة 63 من الإعلان وتنص
على ما يلي: 'إننا
نشعر بالقلق إزاء المحنة التي
يعانيها الشعب الفلسطيني تحت
الاحتلال الأجنبي. ونعترف بحق
الشعب الفلسطيني الذي لا يقبل
التصرف في تقرير مصيره وإقامة
دولة مستقلة، ونعترف بحق جميع
دول المنطقة، بما فيها إسرائيل،
بأن تنعم بالأمن، وندعو جميع
الدول إلى دعم عملية السلام
واختتامها في وقت مبكر'. الفقرة
التالية (64) أشارت إلى المنطقة
بشكل عام: 'ندعو
إلى تحقيق سلام عادل وشامل
ودائم في المنطقة تتعايش جميع
الشعوب في ظله وتنعم بالمساواة
والعدل وبحقوق الإنسان المعترف
بها دولياً، كما تنعم فيه
بالأمن'. والفقرة
65 أشارت إلى حقوق اللاجئين
عموما: 'إننا
نسلم بحق اللاجئين في العودة
طواعية إلى ديارهم وممتلكاتهم
بكرامة وأمان، ونحث جميع الدول
على تيسير هذه العودة' إن
الحملة الدعائية الضارية التي
شنتها الأوساط اليمينية في
إسرائيل والولايات المتحدة ضد
ديربان، واتهمته بمعاداة
الصهيونية والسامية، ربما دفعت
البعض إلى الظن أنه يساوي بين
الصهيونية والعنصرية ويعادي
إسرائيل. ولكن الواضح من
الفقرات الواردة أعلاه ومن
غيرها أن ما أزعج هؤلاء في
الواقع هو تأييد مبادئ مسلم
بها، ومنها حق الشعب الفلسطيني
بتقرير مصيره وبإقامة دولته
المستقلة، وحق كل اللاجئين، بما
في ذلك اللاجئين الفلسطينيين
بالعودة إلى ديارهم، وحق جميع
شعوب المنطقة بالعيش بسلام وأمن
بما فيها إسرائيل. وأما
فيما يتعلق باتهام ديربان في
بيان الخارجية الأمريكية
باستفراد النزاع العربي
الإسرائيلي، فهذا الاتهام ربما
يتماشى مع الحملة الدعائية ضد
المؤتمر ولكنه يتنافى تماما مع
وثيقة ديربان التي تضمنت العديد
من القضايا والصراعات، ومنها
على سبيل المثال لا الحصر، كفاح
الشعوب الأفريقية ضد العنصرية،
والشعوب الأصلية، وقضايا
المهاجرين والمرأة والأقليات
وغيرها. وديربان لا يعادي
السامية بل اللاسامية، ويشجب
العنصرية والتمييز العنصري
والتعصب ضد أي شعب وأي عرق وأي
دين. ففي إعلان ديربان الأول
الذي شاركت فيه أكثر من 190
حكومة، وانسحبت منه إدارة بوش
وحكومة إسرائيل، أعلن في
الفقرتين 57 و 58، وهو ما أكده
ديربان الاستعراضي في جنيف: 'إننا
ندرك حقيقة أن تاريخ الإنسانية
حافل بفظائع نجمت عن الانتهاكات
الجسيمة لحقوق الإنسان، ونعتقد
أن من الممكن استخلاص دروس عن
طريق تذكر التاريخ بغية تجنب
حدوث المآسي في المستقبل؛ ونذكر
بأن المحرقة يجب ألا تنسى أبدا'. وأضاف
المؤتمر في الفقرة 61: ' كما
أننا نعترف مع بالغ القلق
بتزايد معاداة اللاسامية وكره
الإسلام في أنحاء شتى من
العالم، وكذلك بظهور حركات
عنصرية وحركات عنف تقوم على
أساس أفكار تتسم بالعنصرية
والتمييز ضد اليهود والمسلمين
والعرب'. إن الاستنتاج من هذه
الفقرات بأنها تعادي السامية
وإسرائيل لا يمكن أن يتوصل إليه
إلا من أصرعلى قلب الحقائق
وتفسير المصطلحات بعكس معانيها. ذريعة
حرية الكلمة إذا كان
الأمريكيون والغرب عامة
مستعدين لتحمل التجريح والتهجم
المهين على الديانات ورموزها
المقدسة باسم الدفاع عن حق
التعبير وحرية الكلمة، فإن
عليهم أن يجيبوا على هذه
الأسئلة: لماذ لا ينطبق حق
التعبير وحرية الكلمة على رئيس
إيران المدعو للكلام في مؤتمر
عالمي تعقده الأمم المتحدة؟
ولماذا انسحبت وفود أوروبية
كثيرة من قاعة المؤتمر حتى قبل
أن تستمع إلى ما قاله الرئيس
أحمدي نجاد؟ ألا يحق له الكلام
والتعبير عن رأي الشعب الذي
انتخبه وربما عن رأي أغلبية
شعوب المنطقة التي لم تنتخبه؟
ألا يحق لشعوب العالم الأخرى أن
تستمع إلى رأيه، مهما كان، لكي
تقرر بنفسها أن تقبله أو أن
ترفضه؟ وإذا كان يحق للصحافة
الغربية، التي تنتقد إيران
والرئيس الإيراني ليل نهار، أن
تنشر أي شيء، حتى ولو كان ضد
المقدسات، لماذا لا تجد كبرى
الصحف الغربية حقا عليها أن
تنشر نص كلمته أمام المؤتمر،
خاصة بعد أن غطته كحدث أوجب
انسحاب وفود أوروبية؟ في غياب
إجابات شافية لهذه الأسئلة،
ستظل أنوفنا معرضة لرائحة
النفاق. وفي
السياق الأمريكي، يبدو أن إدارة
أوباما اجتهدت كثيرا لتجد مبررا
آخر لمقاطعة ديربان عندما
استخدمت ذريعة حرية الكلمة في
بيان خارجيتها، لأنها والحق
يقال ظلت بعيدة عن محاولات دفاع
بعض الدول الأوروبية عن حملة
التشهير التي شنتها صحف أوروبية
ضد الرسول العربي باسم حرية
الكلمة. لكن مقاطعة المؤتمر بحد
ذاتها تشكل ازدراء صارخا لحرية
الكلمة. مؤيدون
ومعارضون كان
مستغربا أن الناطق باسم
الخارجية الأمريكية امتدح النص
المعدل الذي تم التوصل إليه
عشية المؤتمر. فقد قال روبرت وود
أن 'الولايات المتحدة تشيد
بالتقدم المحرز' في صياغة النص،
ولكنه قال 'مع الأسف' أن ذلك لا
يكفي وأعلن قرار المقاطعة الذي
افتقر إلى أي مبرر مقنع. وفي
ختام المؤتمر في 24 نيسان/إبريل،
قالت السيدة نافي بيلاي، مفوضة
الأمم المتحدة السامية لحقوق
الإنسان التي عملت أمينة عامة
للمؤتمر، في معرض تعليقها على
نتائجه، أن عددا من البلدان،
حتى بعد أن وافقت على نص الوثيقة
الختامية قبل أسبوع، قررت عشية
انعقاده الانسحاب منه، بما في
ذلك الولايات المتحدة. وأكدت
بيلاي أن المؤتمر تكلل بالنجاح
على الرغم من حملة التشويه
المنظمة التي تعرض لها، واعتمد
182 بلدا مشاركا، بما في ذلك
إيران، الوثيقة الختامية
بتوافق الآراء. الكثيرون
شجعوا بقوة مشاركة الولايات
المتحدة وعملوا على ذلك خلال
الأشهر التي سبقت انعقاده في 20
نيسان/إبريل. ففي آذار/مارس،
أثناء زيارة الأمين العام للأمم
المتحدة إلى واشنطن بعد تولي
أوباما الرئاسة، حث بان كي مون
الإدارة على المشاركة. ودعت
منظمات كبرى لحقوق الإنسان
إدارة أوباما ليس إلى المشاركة
فحسب، بل أيضا إلى أداء دور
ريادي في تعزيز حقوق الإنسان
ومكافحة العنصرية. أعضاء
ليبراليون في مجلس النواب دعوا
الإدارة إلى المشاركة. مجموعة
النواب السود في الكونغرس شددت
على أهمية مشاركة الولايات
المتحدة في المؤتمر. حزب الخضر
وزعماء دينيون عالميون
مرموقون، بما في ذلك البابا،
دعوا إلى ضرورة المشاركة. في
المقابل، نشطت مجموعة من
المتشددين في لجنة الخارجية في
مجلس النواب المعروفين
بمواقفهم المعادية للأمم
المتحدة ولمنظمات حقوق الإنسان
ومحكمة العدل الدولية
وبتأييدهم المطلق لكل سياسات
وممارسات إسرائيل، ومعها كل
الأبواق الإعلامية اليمينية
المتشددة، في شن حملة تحريض ضد
ديربان الاستعراضي، متهمة إياه
بمعاداة اللاسامية والصهيونية.
ولعل من مؤشرات الضغوط العلنية
والخفية التي وجهت إلى أوباما
الرسالة المفتوحة التي أرسلها
عدد من أعضاء لجنة الخارجية
الجمهوريين والديمقراطيين إلى
الرئيس، يهنئونه فيها على
مقاطعة المؤتمر الذي 'يقوض حرية
التعبير ويشوبه برنامج عمل
يعادي الصهيونية والسامية
ويشكك في شرعية إسرائيل كدولة
يهودية'. وتزعم هذه المجموعة
نواب نافذون مثل رون كلاين،
الديمقراطي من فلوريدا، ومايك
بينس، الجمهوري من إنديانا،
وإليوت إنغيل، الديمقراطي من
نيويورك وغيرهم. وكان الجمهوري
من نيوجرسي، سكوت غاريت، قد قدم
في 2 نيسان/إبريل مشرع قانون،
تبناه آخرون يحرم على الولايات
المتحدة تخصيص أموال لتمويل
ديربان الثاني أو أية اجتماعات
متابعة في المستقبل لديربان
الأول لعام 2001. 'أرض
معادية' في يوم
اختتام ديربان الثاني، في 24
نيسان/إبريل، كتب البروفسور
ستيفن سيتانوفيتش، من جامعة
كولومبيا، مقالة في الواشنطن
بوست، بعنوان 'أرض معادية'، روى
فيها أنه قبل أسبوع زار واشنطن
مع ثلاثين من طلاب الشهادة
الثانية في جامعته، وقضوا يومين
كاملين في اجتماعات مع أعضاء
وزارة الخارجية وأعضاء
الكونغرس وكبار المراسلين
هناك، بهدف التعرف على
الاستراتيجية الناجحة المحتملة
التي ربما تعكف إدارة أوباما
على وضعها لتغيير السياسة
الخارجية من أجل التعامل مع
أبرز القضايا الدولية. وكانت
النتيجة التي خرجوا بها في
نهاية الدراسة الميدانية هي أنه
لكي يتمكن من التعامل مع
القضايا الدولية الشائكة، فإن 'ما
يحتاج إليه أوباما وفريقه في
الحقيقة هي استراتيجية للتعامل
مع الكونغرس'. إذعان
إدارة أوباما لضغوط أعضاء مجلس
النواب المتشددين ومقاطعتة
لديربان يؤكد صحة النتيجة التي
خرج بها البروفسور وطلابه. ولكن
مقاطعة المؤتمر، وهو ليس مجرد
حدث عابر بل عملية متابعة
مستمرة، لا تعني بالضرورة أن
إدارة أوباما انسحبت كليا من
تلك العملية، لا سيما أنها
أشادت بنص وثيقته الختامية قبل
أن تعتمد بالإجماع. الأسابيع
القادمة، وبخاصة عندما يزور
رئيس الوزراء الإسرائيلي
نتنياهو واشنطن في أيار/مايو،
ستفصح عما إذا كان الإذعان في
هذه المرة، أمام 'الأرض
المعادية' في واشنطن، يمثل خطوة
تكتيكية أم نهجا استراتيجيا
للسياسة الأمريكية الجديدة في
الشرق الأوسط. ــــــــــ *إعلامي
مقيم في الولايات المتحدة -------- المصدر
: القدس العربي ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |