ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ترف
لا نملكه فهمي
هويدي بين
الحين والآخر، تتزايد لدي
الشكوك في براءة «الفرقعات»
التي تطلقها بعض الصحف في مصر.
ذلك أنني كنت في السابق أفسرها
بحسبانها نوعا من الجري وراء
الإثارة، التي تستهدف جذب
القراء. والذين
يشتغلون بالمهنة يعرفون أن هناك
موضوعات تقليدية تحقق هذا
الهدف، في مقدمتها ما يتعلق
بالدين والجنس والجريمة،
ولدينا في مصر أو في غيرها من
بلاد الدنيا، صحف تخصصت في
دغدغة مشاعر الناس عن طريق
الخوض في هذه الأمور في زوايا
مختلفة تحتل زاوية الفضيحة
قمتها، وفي ظل موات الحياة
السياسية في مصر، وافتقادها أي
حيوية فإن الركود بات مخيما على
نحو جعل شيوخ المهنة يتحدثون
أيضا عن موت الأخبار، ويقولون
إن مصر لم تعد دولة منتجة
للأخبار ولكن مستهلكة لها فقط.
لذلك فإن بعض الصحف أصبحت تلجأ
إلى افتعال الأخبار والنفخ
فيها، وإذ أفهم هذا الوضع إلا
أنني لم أعد أسلم به دائما، وصرت
أترك مساحة لاحتمال سوء النية،
وأميل إلى تفسير بعض تلك
الفرقعات على أنها محاولات
لإشغال الناس وإثارة الجدل
والخلاف بينهم، بما يصرفهم عن
التفكير في الأمور المهمة في
البلد. لدي عدة
نماذج لذلك النوع من الفرقعات،
لكنني سأكتفي بالوقوف عند نموذج
واحد أخير، كان موضوعه برنامج
حركة الإخوان، وموقفه في مسألة
رئاسة الجمهورية في مصر، وهل
يفتح الباب فيها للنساء
والأقباط أم لا؟ وكانت بعض
الصحف قد تحدثت عن انتهاء
مراجعة الإخوان لبرنامج حزبهم،
وأن البرنامج بعد المراجعة تبني
موقف المعارضة لهذا الموقف. وكنت
أحد الذين اتصل بهم هاتفيا
ثلاثة من الصحافيين يسألون عن
رأيي في المسألة. وفي كل مرة كنت
أقول إننا لا نملك ترف مناقشة
جنس الرئيس أو ملته، لأننا منذ
نصف قرن تقريبا مازلنا نحلم بأي
رئيس يرتضيه المجتمع وتصوت
الأغلبية لمصلحته في انتخابات
حرة ونزيهة. كان في ذهني ذلك
اللغط السقيم حول المفاضلة بين
الشورى والديموقراطية. وظل
موقفي المعلن منها أننا نريد
مشاركة فاعلة تحت أي مسمى، وأن
الجدل حول المصطلحين سوف ينتهي
بنا إلى خسارة الاثنين، بحيث لن
نفوز لا بالديموقراطية ولا
بالشورى. استغربت
ما سمعته من أحد الصحافيين من أن
أحد الإسلاميين الناشطين في
إنجلترا في تأييده لفكرة رئاسة
المرأة للدولة، قال إن ذلك يجوز
في حالتنا الراهنة، ولكنه لا
يجوز إذا ما تعلق الأمر
بالإمامة العظمى، التي تجمع أمة
النبي محمد كلها. وخشيت أن نخرج
من مناقشة جنس الرئيس وديانته
إلى شروط إقامة الإمامة العظمى
وموقفها من بقية الأجناس والملل
والنحل. كأننا
استعدنا حوارات الذين وصفوا في
التاريخ الإسلامي بالأرأيتيين،
الذين شغلوا بمناقشة التكهنات
المستقبلية وراحوا يسألون:
أرأيت لو حدث كذا أو كذا؟ ثم
يصدرون الفتاوى ويشتبكون في جدل
ومعارك وهمية بسبب المشكلات
الافتراضية. حين
سألت د.محمد حبيب نائب مرشد
الإخوان عن أصل الحكاية، كان
رده أن البرنامج لايزال تحت
الدراسة. ولم ينته بعد بحث
الموضوع المثار إعلاميا. ورغم
عدم إعجابي بالموقف الذي تبناه
الإخوان في مشروع برنامجهم
الأوَّلي. فإنني تبينت أن تجديد
إثارته لا أساس له من الصحة،
الأمر الذي حرك لدي الشك في
دوافع الفرقعة. وذهب بي سوء الظن
إلى اعتبار هذا الجدل محاولة
لإشغال الناس وإلهائهم عن أمور
كثيرة تضغط على المجتمع المصري
وتؤرقه من حكم الطوارئ والغلاء
والفساد إلى كارثة إنفلونزا
الطيور والخنازير وارتفاع نسبة
المصابين بفيروس «سي». إننا
حين نكون «في عرض» أي انتخابات
حرة، ونعجز حتى عن انتخاب عمدة
في قرية أو اتحاد للطلبة، فإن
فتح باب الجدل وسط هذه الأجواء
حول جنس رئيس الدولة وديانته
يصبح تعبيرا عما وصفه الجاحظ
بأنه: سقم في
العقل وسخف في الرأي، لا
يتأتيان إلا بخذلان من الله
سبحانه وتعالى. ـــــــــ المصدر
: صحيفة الرؤية الكويتيه 3/5/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |