ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 06/05/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لماذا لا يقـر الكاتـب أسـاسـا أن لبنـان بكيانـه القائـم شلو قطر ممزق ... مركز الشرق العربي

الدروس اللبنانية

د. وائل مرزا

لبنان بلدٌ مظلومٌ وظالم.

مظلومٌ لأن النظام الدولي حشَرَ حاضره ومستقبلهُ في أداء وظيفةٍ محدّدة. ففي كل منطقةٍ من العالم، يجب أن يوجد ذلك البلد الصغير الذي يصلح ليكون موقعاً لتنفيس الاحتقانات الإقليمية، ومختبراً لقياس أوزان القوى في المنطقة، وتجريب سيناريوهات التعايش أو الصراع فيها، واستخلاص معادلات التوازنات التي يمكن أن تحكم العلاقات بينها في نهاية المطاف. والواضح من المؤشرات المتوفرة تاريخياً أن لبنان هو البلد الذي اختير ليؤدي تلك الوظيفة في منطقة الشرق الأوسط. وظالمٌ لأن الغالبية العظمى من قياداته السياسية والاقتصادية والثقافية خَلقت ورسّخت واقعاً اجتماعياً وكياناً سياسياً يجعل لبنان مؤهلاً للقيام بتلك الوظيفة بامتياز. بهذا المعنى، يكون لبنان ظالماً لنفسه قبل أن يظلم غيره.

لسنا هنا في مقام التحليل لدور النخبة ودور الشعب في العملية المذكورة، فهذا أمرٌ يخصّ اللبنانيين، وهم أقدرُ العرب على أن يتعاملوا مع قياداتهم، وبالتالي مع النظام السياسي والاجتماعي للبلد، تأييداً أو رفضاً، بلسان الحال ولسان المقال. وبالتالي فإن الإشارة بأصابع الاتهام إلى مَنْ شارك ولم يُشارك في ظلم لبنان من أهلهِ يصبح أمراً عبثياً. لأن الحكم في هذه القضية سيبقى متروكاً للتاريخ. لكن الواقع المذكور يخلق مفارقةً، قد تكون بدورها مؤلمةً، إلا أنها حقيقةٌ لا يمكن الهروب منها على كل حال.فهذا الواقع يجعل لبنان مختبراً مصغّراً لكل ما يحدث ويمكن أن يحدث في العالم العربي. وهذا يؤهله ليعطي العرب دروساً تتعلق بجملة قضايا أساسية تُحددّ مصيرهم، وتؤثر بشكلٍ ظاهر على حاضرهم ومستقبلهم. في الإطار الداخلي.

يبدو واضحاً من التجربة اللبنانية الراهنة على الأقل أن مصير العرب وحاضرهم ومستقبلهم يعتمد إلى درجةٍ كبيرة على حسم مسألة الهوية. لا نقصد بالحسم هنا قدرة فريقٍ على أن يفرض رؤيته لطبيعة تلك الهوية على باقي الفرقاء بالعنف والقوة المادية والمعنوية. فهذا المدخل قد يكون في حدّ ذاته سبيلاً لترسيخ واقع الصراع على الهوية، بل وتفجيره بشكلٍ عنيف. خاصةً وأننا نعيش واقعاً عربياً تُطرح فيه مسألة الهوية على طاولة الحوار العام بشكلٍ غير مسبوق. صحيحٌ أن العرب اختلفوا على مسألة الهوية منذ بدايات القرن الميلادي السابق. لكن الاختلاف كان محصوراً في دوائر النّخب السياسية والثقافية. أما عامةُ الناس فقد كانوا بعيدين عملياً عن ساحة النقاش، وبالتالي القرار. وكانوا يرضون في نهاية المطاف بما ينتج عن نقاش أهل النخبة. بغضّ النظر عن الطريقة التي كان يتمُّ بها فرضُ تلك النتيجة: صناديق الاقتراع الوهمية أو جنازير الدبابات الحقيقية. لهذا، لم تكن الجماهير تهتمُّ كثيراً بالتفكير في الموضوع، وبأن يكون لها رأيٌ فيه.

أما اليوم، في زمن الفضاء الإعلامي المفتوح وعصر ثورة الاتصالات، فقد بات ممكناً لكل عربي أن يشارك في الحوار حول مسألة الهوية، بغض النظر عن السنّ والجنس والانتماء. لهذا، لايبدو غريباً أن نرى شيوع النقاش في المسألة على مستوى الجماهير، بل وتصاعدَ حدّتهِ بين الأفراد إلى درجة الاحتقان داخل البلد الواحد في كثيرٍ من الأحيان. يجب أن ندرك هنا أن كسرَ حواجز الاتصال والمعلومات لم يفتح المجال للإنسان العربي ليشارك في الحوار فقط حول مسألة الهوية، وإنما فتح المجال واسعاً أيضاً لرؤية تلك الهوية من زوايا مختلفة، وللتفكير بمكوّناتها بشكلٍ متباين، وبالتالي لتحديد طبيعتها بألف طريقةٍ وطريقة. في حين كان هذا الإنسان محصوراً في خيارين أو ثلاثة، حين يتعلق الأمر بقضية الهوية، إلى ما قبل عقدٍ ونيف من الزمان. إن رؤيةً شاملةً لمسارات الحوار في هذا الموضوع الحساس، ولسعةِ الشرائح المشاركة فيه، ولدرجة سقوط كل الخطوط الحمراء السابقة في معرض النقاش، ولحدّة الآراء والفرز المتزايد الذي يبدو فيها، تُظهر ضرورة الحركة لاستيعابهِ في أطرٍ علنيةٍ مشروعةٍ وفسيحة ومرنة. حتى يتحول إلى حوارٍ إيجابيٍ يرسم الملامح الأساسية للهوية المشتركة، ويترك المجال لاستيعاب أي اختلافٍ جانبي يتعلق بها. أما غيابُ مثل هذه الممارسة، فإنه يمكن أن يؤدي إلى فرزٍ اجتماعيٍ وثقافي واسع يخلق بدوره هوةً عميقةً لا يمكن تجاوزها عبر الشعارات والمماحكات الإعلامية. وهي هوةٌ تَفرض في نهاية المطاف الشعور باستحالة حسم مسألة الهوية دون وجود غالبٍ ومغلوب. الأمر الذي تنفتحُ معه على الواقع العربي أبوابُ الجحيم.

أما في إطار العلاقات الدولية، فإن التجربة اللبنانية تبدو أيضاً معبرةً إلى حدٍ كبير. وقد يكون من أشدّ ملامحها وضوحاً أن سياسة المحاور هي أقصر الطرق إلى الانتحار. خاصةً حين تكون تلك المحاور مبنيةً على منظومة تعريفاتٍ ومصطلحات للواقع السياسي تضعها القوى الدولية بناءً على مصالحها الثابتة، ولكن التي تتغيرُ طرقُ تحقيقها على الدوام. المفارقةُ هنا أن البعض يخلط بين ثبات المصالح ومرونة الأساليب لتحقيق تلك المصالح. لهذا، يعتقد هؤلاء أن الربط مع المصالح الثابتة هو الضمانة القوية للوجود والاستمرار، لكنهم يصابون بالصدمة والخيبة عندما تُظهر لهم الوقائع درجة المرونة الكامنة في النظام الدولي، وقدرته على استيعاب الظروف والمستجدات. بشكلٍ تسقط معه جميع التعهدات، ويمكن فيه بكل سهولة تغيير التحالفات وإقامة الصفقات.

الخطير في الموضوع أن إدراك الخصوصية اللبنانية التي بدأنا المقال بالحديث عنها قد يصبح في حدّ ذاته مصيدةً للكثيرين. خاصةً حين يظن هؤلاء أن لبنان عانى ما يعاني على المستويين الداخلي والخارجي بسبب الوظيفة السياسية التي حُشر لأدائها كبلدٍ صغير. وأن هذا يُغلق إمكانية تعميم التجربة على المنطقة العربية. لكن ما يفوت هؤلاء أن هذه المنطقة بأسرها قد تكون في نظر بعض أطراف النظام العالمي ساحةً لتنفيس الاحتقان العالمي هذه المرة، وليس الإقليمي كما هو الحال مع لبنان. وأنها قد تكون أيضاً مختبراً لقياس أوزان القوى في العالم، وتجريب سيناريوهات التعايش أو الصراع فيها، واستخلاص معادلات التوازنات التي يمكن أن تحكم العلاقات بينها في نهاية المطاف.

ــــــــ

المصدر : http://www.al-madina.com/node/133442

الأحد, 3 مايو 2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ