ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أنا
... و" الأندلس" -2- بقلم
نوال السباعي وصلتني
رواية "ثلاثية غرناطة"
للدكتورة "رضوى عاشور" في
زمن كنت فيه قد ركنت في زاوية من
نفسي غير منسية موضوع الكتابة
عن "الأندلس" ، بل وموضوع
الكتابة الأدبية جملة ، بسبب
الانشغال بالصحافة والبحث
والقضايا الفكرية ، بعد الأمور
الأسرية والمعيشية التي لاتترك
في بعض الأحيان للمرء – وللمرأة
بشكل خاص- كثير هامش من حرية
ووقت للإنجاز في مجال الأدب ،
هذا الجنين من شوك في الصدر،
يتحرك في قلق وعنف وحنين وشوق
يريد أن يولد ، ولايمكن منعه من
الحياة حتى لو تأخر في الخروج
إليها كثيرا ! ، وكما يقول أحد
الأدباء الإسبان : " لابد لكل
أديب أن يكون صحفياً وباحثاً ،
ولكن ليس كل صحفي وباحث أديباً
بالضرورة "، وأحيانا تتداخل
المراحل في حياة الكاتب ، فيكتب
صحاقة أدبية ، أو أدباً صحافياً
بحثياً. وصلتني
هذه الرواية فحركت في النفس
أشياءاً وأفكاراً طالما اعتلجت
فيها ثلاثين عاماً ، وكانت
"رضوى عاشور" قد طرحت من
خلال هذه الرواية الكثير من
إشارات الاستفهام التي لاتكاد
تخلو منها صفحة من صفحات هذه
الرواية التي قيل أنها ترجمت
إلى الاسبانية ، و قُدِمت في
مقاطعة "أندلوثيا" –
الأندلس- جنوب
إسبانية ، في حفل أكاديمي هام ،
الشيء الذي لم أعلم به إلا من
تصريحات الروائية المنشورة في
المواقع العربية. اللافت
للنظر أمران ، الأول عدم اهتمام
الجالية المسلمة والعربية
بمعرفة أو بنشر مثل هذه الرواية
في الأرض التي سجلت الرواية
بعضاً من تاريخها! ، اللهم إلا
ماقد كان من اهتمام على نطاق ضيق
جدا ، يقتصرعلى مشاركة بعض
الشخصيات الأكاديمية أو
الديبلوناسية أو الأدبية
في بعض المنتديات الثقافية
والأكاديمية وفي مقاطعة
"أندلوثيا " الجنوبية فقط
!، فإسبانيا
تتكون من سبعة عشرمقاطعة تتمتع
كل منها بحكم ذاتي ، وإعلام
مستقل وخصائص تاريخية وثقافية
وحتى عرقية تختلف من إحداها إلى
الأخرى ، وهو أمر يمكن أن نعود
للحديث فيه مستقبلا ، والثاني
أن هذه الرواية ومايشبهها من
إصدارات كان من المفترض أن
يُعلن عنها في أجهزة الإعلام
الاسبانية الوطنية –وليس
المحلية- لشدة أهميتها وكونها
–من وجهة نظري المتواضعة –
مفصلية في الكتابة عن الوجود
الاسلامي التاريخي في الأندلس ،
ولكن هذا الأمر ماكان ليحدث ، بل
إنه من المستحيلات في زمن
لايكاد مواطنو إسبانية يعلمون
فيه شيئاً عن هذا "الأندلس"
، لاتاريخاً ، ولاحضارة،
ولاوجوداً ، اللهم إلا مااتصل
بهاتيك الآثار "الجنوبية"
، التي تعتبر بقية من بصمات
"استعمار" مرّ من هنا
وانقضى ، الشيء عينه الذي
يعتقده بعض بني جلدتنا! . إننا
نعيش زمناً تسيطر فيه على وسائل
الإعلام الإسبانية – والغربية -
قوى لايهمها بحال من الأحوال أن
يمتد أي جسر للتفاهم ، ولا حتى
تبادل المشاعر السطحية
الإنسانية مع المسلمين والعرب ،
ولعل الفرق بين هاتين الكلمتين
ساكنٌ وفقط في أدمغة سكان
"المنطقة العربية" ، حيث
لايوجد أي فرق بينهما لدى أهل
الأرض جميعا ، وخاصة الأوربيون
منهم! ، فكلنا من وجهة نظر
الإسبان "موروس" ، وهي جمع
كلمة "مورو" ، والتي
عَرَّفْتها في كتابي
"حكايات" :( المورو : هو
المسلم العربي الدخيل الغريب
المحتقر) !، والمعاني الخمسة في
أذهان القوم مرتبطة ببعضها
ارتباطا وثيقا لدى التلفظ بهذه
الكلمة . وكان
هذا التعريف قد أثار حفيظة أحد
ألمع أساتذة الأدب والنقد
الأدبي من مصر الأخ والصديق
"أشرف دعدور" الذي كان في
حينها يعمل لنيل درجة الدكتوراه
في مدريد ، واعتبر أن هذا
التعريف هوانٌ ومذلة ، واعتراف
بالدونية أمام "الإسباني"
، إلا أنني عندما وضعت هذا
التعريف لكلمة "مورو" ،
أجريت بحثا مضنيا ً عن معاني
الكلمة ، و كان أقرب القواميس
إلى ضبط المعنى ، "القاموس
الجديد إسباني عربي" الصادر
في مدريد 1988 عن المعهد الإسباني-
العربي للثقافة ، حيث جاء في ص811
: (المورو : *مسلم * ويطلق على
مسلمي المغرب والأندلس خاصة
وعلى سائرهم عامة * إسلامي * غير
ممزوج بالماء * غير مُعَمَد *
إنسان مسالم * و"لايوجد موروس
على الشاطئ" عبارة يُلمح بها
إلى حضور من لايرغب في حضوره أو
في اطلاعه على سرّ * "أتى
الموروس" كناية عن حالة سكر)
– انتهى التعريف حسب القاموس
المشار إليه-
، ومن اللافت للنظر مع كل
هذه المعاني البالغة السوء ، أن
عبارة "غير ممزوج بالماء "
كانت قد حُشرت عمدا بهذه
الطريقة ، بينما تعني و بكل وضوح
"الغير النظيف" ، وكذلك
عبارة "
إنسان مسالم" !!، ولابد أن
الأستاذ الذي أشرف على هذا
العمل الضخم ، كان قد تلطف في
نقل المعنيين وخاصة الثاني
منهما ، والذي -أزعم – أن المراد
منه كما هو مفهوم في الثقافة
الاسبانية : الإنسان السلبي ،
الذي لايرجى خيره ولايؤمن شره!. لقد
بنيت في ذهني جدلية خاصة بمعنى
كلمة "مورو" تعتمد بصورة
أساسية على الأدبيات الإعلامية
والإنسانية والثقافية في
إسبانية مابين العامين 1980 و 2004 ،
إذ أصبح لهذا المعنى الآن
تصورات وملابسات جديدة ، خاصة
وأن اصطلاح "الإرهاب" صار
مرادفاً في أذهان العامة في
أوربة وليس في إسبانية وحدها
لكلمة "الإسلام" !!، ولقد
وجدت أن الناس في كل بلد أوربي
يستعملون لفظاً مشابهاً لكلمة
"مورو" ، فعلى سبيل المثال
يستعمل الألمان كلمة
"تركي" والتي تحمل في
أنفسهم نفس المعاني والدلالات،
مع أن تركيا لم يكن لها أي وجود
ثقافي تاريخي إنساني حضاري في
ألمانيا. لم أختر
تلك المعاني لترجمة كلمة
"مورو" جزافاً ، ولاهوانا ً
، ولست باحثة بالمعنى العلمي
للكلمة ، ولكنها حصيلة حياة ،
ومعاناة ، وتعايش قسري مؤلم،
جعلني أفهم وبالضبط المعنى الذي
يريده الناس كلما تلفظوا بهذه
الكلمة . هناك
فرق كبير بين أن تهون وبين أن
تُهان ، هناك فرق بين أن تنقل
الواقع كما هو ، وبين أن ترى
الواقع كما تريد أنت أن تراه ،
أو كما يحب الآخرون أن يروه ، لن
نستفيد شيئا إن نحن نفينا مشاعر
الغربيين تجاه المسلمين
المقيمين بين أظهرهم ، بل إن
نفينا لهذه المشاعر يتسبب في
تشويه الحقيقة ، وفي خداع
المواطن في المنطقة العربية ،
الذي ينام ويستيقظ
وفي أعماقه حلم واحد ، أن
يستقل الطائرة ، أو الباخرة ، أو
البعير ، أو خشبة في عرض المحيط
، أو قشة تطفو في مياه المضيق ،
ليصل حياً أو ميتاً إلى شاطيء
الأمن والأمان والديمقراطية
وحقوق الإنسان !. وإنه
لكذلك ..شاطيء الأمن والأمان ،
ولكن ليس للمسلم ولا للعربي ،
وإنه برّ الديمقراطية والحرية
والكرامة ، ولكن ليس لكل من هبّ
ودبّ، ولربما يدخل في نطاق ذلك
من "أكل الحب " ، ولكن يخرج
منه كل مهاجر ، يعتبره القوم
دخيلا يريد أن ينتزع منهم فضول
أقواتهم ، وفرص العمل المتاحة
لديهم ، والهواء الذي يستنشقون
، والإسفلت النظيف الذي يدوسون
، وذلك على الرغم من تأدية حقوق
الناس كاملا بنصوص القانون ،
وعدم امتهان إنسانيتهم كما نرى
ونسمع في كثير من بلادنا التي
تنتمي إلى حضارة الإسلام اسماً
، ولاتطبق منه إلا مااتصل
بالشكل والمظهر. ولمَ لا
يحرص الأوربيون على بلادهم
ومكاسبهم؟! ، وقد سهروا وكدّوا
وتعبوا ونصبوا وبذلوا كل جهودهم
، وفي كثير من أنحاء أوربة ،
بذلوا دماءهم وأرواحهم
وأعراضهم في سبيل الوصول إلى
ماوصلوا إليه اليوم ، من
استقرار اجتماعي ورفاه إنساني
وتقدم علمي وتكنولوجي ، بينما
كنا ومازال معظمنا يغط في سبات
عميق ، ويعيش منبتاً ومنفصلا عن
الواقع والعصر ، ومايتطلبه هذا
الواقع وهذا العصر . رواية
"ثلاثية غرناطة" دفعتني
لتسجيل خواطر ..بعض خواطري عن
حياتنا في إسبانية ، الشيء الذي
لم أتعرض له كثيرا ، لأن حياتنا
في إسبانية جرح ، ووجودنا فيها
مؤلم – كما هو الحال في كل الدول
الأوربية - ، ولعل أشد مافي هذا
الجرح المؤلم ، ليس الالتفات
نحو ماض غابر ولى ولم يتبق منه
إلا أطلال سياحية ، ولكنه هذا
الاضطرار القسري يوماً فيوماً
للمقارنة بين هذه البلاد التي
وجدنا أنفسنا ذات يوم
"أسرى" فيها ، على مافيها
من حرية ورياض ونسائم ، وبين تلك
"السجون الضخمة" التي
خلفناها ، وهي أبداً ماثلة في
الأرواح حقائق إنسانية مفجعة ،
عن حضارة لم يعرف أبناءها كيف
يحرسونها ويحمونها من أن تصبح
أوهاماً !!، في أروقة غرناطة
وقرطبة حيناً ، وفي ساحات بغداد
ودمشق والقيروان والقاهرة وفاس
كل حين!. -يتبع- ـــــــ المصدر
: الدار الإسلامية للإعلام ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |