ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حرب
باردة على أجنحة الصواريخ عبد
الجليل زيد المرهون لا
ريب أن شكلاً من الحرب الباردة
يدور اليوم بين روسيا والولايات
المتحدة، فقد رد الأميركيون هذا الشهر بحدة على
قرار موسكو تعليق عضويتها في
معاهدة الحد من
الأسلحة
التقليدية في أوروبا، فيما صعّد
الروس في وقت متزامن موقفهم من
مشروع الدرع الصاروخي الاميركي
في بولندا والتشيك. هذا في حين
يتواصل التجاذب بين الطرفين في
منطقتي البحر الأسود وقزوين،
وصولاً إلى الملف النووي
الإيراني، وبرامج التسليح الروسية
المتنامية لفنزويلا.بيد أن ملف
الدرع الصاروخي يبدو الأكثر
حساسية في المسار الراهن للعلاقات الاميركية
الروسية. لقد رأى
الأميركيون أن الغرض من إقامة
نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا
يتمثل في التصدي
لأية صواريخ باليستية بعيدة
المدى قد يتم إطلاقها من الشرق
الأوسط. وأكدت واشنطن للروس أن هذا النظام لن يطلق أية
قذائف متفجرة، بل قذائف
اعتراضية لا تحمل
سلاحاً، وأنها
ترغب في ربط النظام بأنظمة دفاع
حلف شمال الأطلسي " الناتو." وتقنياً،
تعتمد الأنظمة المضادة
للصواريخ على تكنولوجيا بالغة
الدقة "لإصابة رصاصة
برصاصة". وبدل استخدام رأس
حربية متفجرة، تصطدم القذيفة
المعترضة بصاروخ عابر للقارات أثناء تحليقه على ارتفاع أدنى من
ارتفاعه المداري، وتؤدي قوة
الاصطدام إلى تدمير
القذيفتين، أي الصاروخ القادم
والصاروخ المعترض. والنجاح في
استهداف مثل هذا الصاروخ يتطلب اتخاذ إجراءات الرد خلال
فترة تتراوح بين دقيقتين إلى 15دقيقة،
وهي فترة
زمنية أقصر كثيراً من إجراءات
الردع النووي في حقبة الحرب
الباردة، حينما كانت الدول
النووية تجد أن لديها ما يصل إلى
30دقيقة لتوجيه الضربة
الانتقامية - أو الضربة الثانية. وعلى الرغم من ذلك، يمكن
القول إن مهمة اعتراض الرؤوس
النووية
العابرة
للقارات في الفضاء، تقع عملياً
عند حدود المستحيل، إذ يتحرك
الهدف بسرعة 24000كيلومتر
في الساعة، محاطاً بوسائل خداع
متعددة.وعند هذه النقطة بالذات
يركز الأميركيون ردهم على مخاوف روسيا من أن
الدرع الصاروخي في أوروبا
يستهدف صواريخها
الاستراتيجية. بيد أن
ثمة تقارير لم يعلق عليها
الأميركيون تشير إلى أن
الولايات المتحدة تعتزم نشر
بعض أسلحتها الإستراتيجية في
الفضاء الكوني، وبالأخص وضع
عناصر نظام الدفاع المضاد للصواريخ في المدار حول الأرض.
إنما حتى في حال تأكدت هذه
التقارير، فإن الربط بينها
وبين الدرع الصاروخي في أوروبا
ليس مؤكداً بعد، ويمكن أن يتضح
الأمر فقط
عند اكتمال الصورة النهائية
لمكونات هذا الدرع. وكانت
الولايات المتحدة والاتحاد
السوفيتي قد توصلا منذ أكثر من 35عاماً
إلى استنتاج
مفاده أن تعزيز الدفاع
الإستراتيجي لأحد الطرفين يقلل
على نحو ملموس من القدرة الدفاعية للطرف الآخر، ولهذا فرضت
معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ
التي وقعها الطرفان
في العام 1972والبروتوكول الملحق
بها في العام 1974قيوداً شديدة
على تطوير وسائل الدفاع الإستراتيجي كما على
توزيعها الجغرافي.وقد خرجت
واشنطن في العام
2001من معاهدة
الدفاع المضاد للصواريخ لعام 1972،
وأعلنت عن برنامج مستقبلي
لمنظومة وطنية
متكاملة للدفاع ضد الصواريخ،
بيد أن أحداث الحادي عشر من
أيلول سبتمبر قد دفعت، ضمن أمور أخرى، باتجاه إعادة توجيه
هذا البرنامج، وأضحى الحديث
يدور منذ أواخر العام
2002حول منظومة محددة للدفاع عن
أراض معينة تقع بشكل أو بآخر في
منطقة مصالح
الولايات المتحدة وحلفائها.وقد
تمت الإشارة إلى هذا التحوّل
رسميا في مذكرة "السياسة
الوطنية في مجال الدفاع المضاد
للصواريخ" الصادرة في أيار
مايو 2003وبهذا أصبح برنامج الدرع الصاروخي موجها للدفاع
عن أراضي قارة أميركا الشمالية
على نحو
مباشر،
والقارة الأوروبية، ومناطق
رئيسية في آسيا والمحيط الهادي.
واعتبار منطقة الشرق
الأوسط مصدراً للتهديدات،
المصحوبة باستخدام أسلحة
الدمار الشامل. وتتضمن
منظومة الدفاع الاميركية
المضاد للصواريخ في الوقت
الراهن 18صاروخاً اعتراضيا
تنطلق من منصات فوق سطح الأرض،
منها 16صاروخاً في ألاسكا
وصاروخان في كاليفورنيا. وتعتزم واشنطن رفع هذا العدد
بحلول العام 2013إلى 54صاروخاً،
منها 40في
ألاسكا،
وأربعة في كاليفورنيا، وعشرة في
بولندا.وتقوم شركة "بوينغ"،
التي تشرف على صناعة صواريخ الاعتراض الاميركية، ببناء
عدد إضافي من هذه الصواريخ، كما
تنوى هذه
الشركة،
الرائدة في صناعة الأجهزة
الجوية والفضائية، تركيز
جهودها على دمج نظام الرادار (SBX) والليزر
المركب على المنصة الجوية في
منظومة الدفاع الصاروخي الوطني. وإضافة
لقاعدة الصواريخ في بولندا
والرادار في التشيك، تتجه
الولايات المتحدة لنشر
منشآت الدفاع المضاد للصواريخ
في منطقة القوقاز، وذلك وفق ما
أعلنه في آذار مارس الماضي الفريق هنري أوبرينغ، رئيس
الوكالة الاميركية للدفاع
المضاد للصواريخ.وقد ظهرت في الموقع الالكتروني
لهذه الوكالة صورة لرادار سيّار
على خارطة
منطقة بحر
قزوين.وسوف يتيح هذا الرادار،
الذي يمكن نصبه على منصة سيارة
على الأرض أو
على سطح الماء، ضمان الحصول على
الإنذار المبكر لعمليات إطلاق
الصواريخ واعتراضها.وهو سيكون قادراً على رصد
الصواريخ الإيرانية، ومراقبة
ميادين التجارب
الروسية،
الخاصة بمنظومات الأسلحة
الجديدة، في كل من كازاخستان
ومقاطعة استراخان. وبالعودة
إلى مشروع الدرع الصاروخي
الاميركي في أوروبا، فقد اقترح
الروس على الأميركيين،
في صيف هذا العام، استخداماً
مشتركاً لمحطة الرادار التي
تستأجرها روسيا في غابالا بأذربيجان في مقابل
التخلي عن الدرع الأوروبي. كما
اقترح الروس
إنشاء مركزين
لتبادل المعلومات حول عمليات
إطلاق الصواريخ في موسكو
وبروكسل، وكذلك الاستخدام
المشترك لمحطة الإنذار المبكر
الروسية التي يجرى تشييدها في
جنوب روسيا. وتعتبر
محطة غابالا واحدة من أحدث
محطات الرادار التي تستند إليها
منظومة الإنذار المبكر الروسية ضد الهجمات الصاروخية.وقد
أثبتت تجربة "عاصفة الصحراء"
في العام 1991أن
بوسعها رصد الصواريخ ضمن مسارات
تحليق مختلفة، بما في ذلك لحظة
انطلاقها مباشرة.وكانت
هذه المحطة مخصصة سابقاً
لمراقبة إطلاق الصواريخ
الباليستية من منطقة آسيا والمحيط الهادي، ومراقبة الأجهزة
والأجسام الفضائية في النصف
الجنوبي للكرة
الأرضية،
وباستطاعتها مراقبة الوضع على
بعد ستة آلاف كيلومتراً. وفي
الوقت نفسه، لا يمكن
لهذه المحطة أن تهدد الروس، إذ
لا يمكن تحويل إمكانياتها
التقنية ضد روسيا لسبب بسيط هو أنها ثابتة وغير متحركة (عبارة
عن بناية كبيرة مثبتة على أحد
جدرانها
شبكة
الهوائيات)، وترصد قطاعا محددا
من الفضاء لا يشمل أي جزء من
أراضي روسيا. وعلى
الرغم من ذلك، يصعب النظر إلى
محطة غابالا باعتبارها بديلاً
عن أي درع مضاد للصواريخ،
فهي ببساطة قادرة على اكتشاف
الصاروخ، ولكنها غير قادرة على
إسقاطه، لأنها غير مزودة بأية صواريخ اعتراضية.ومن
الصعب في الوقت نفسه التوصل إلى
منظومة
دفاع صاروخي
روسية أميركية مشتركة لأننا
سنكون بصدد أنظمة تقنية متباينة
إلى حد كبير.كما
أن إقامة مثل هذه المنظومة سوف
يعني جعلها هدفاً للصواريخ
الإيرانية، وجعل روسيا طرفاً في أية مواجهة أميركية مع
طهران. فضلاً عن ذلك، ثمة تقارير
تفيد بأن
أذربيجان قد
ترفض بعد العام 2012تمديد استئجار
روسيا لمحطة غابالا، وهي قد
تتجه لتسليمها
كاملة لقوات أميركية أو أطلسية. وأياً
يكن الأمر، فقد صعّد الروس من
موقفهم المعارض لإقامة درع
صاروخي أميركي في بولندا
والتشيك.وألمحوا إلى إمكانية
نصب مزيد من الصواريخ
الاستراتيجية في شطر روسيا الأوروبي. وفي الرابع عشر من تشرين
الثاني نوفمبر الماضي، أعلن
مسؤولون روس نية
بلادهم تزويد القوات المسلحة
البيلوروسية بصواريخ "اسكندر"،
القادرة على حمل رؤوس نووية، والتي يبلغ مداها 280كم.وبالطبع،
هذا تطور خطير في الموقف، وليس
من
الواضح ما إذا
كان مجرد مناورة للضغط على
الأميركيين أم أن الروس سوف
يمضون فيه قدماً.ومتى
حدث ذلك، فقد يمهد لإعلان روسي
بالخروج من معاهدة تصفية
الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى في أوروبا ( ذات
المدى بين 300- 500كيلومتر)، خاصة
وأن الروس ما
برحوا يبدون تذمرهم من هذه
المعاهدة، إذ أتلفت بلادهم
بموجبها صواريخها ذات
المدى
المتوسط
والقصير فوجدت نفسها في محيط من
الدول التي تنتج ذات الصواريخ دونما
أية قيود، بما في ذلك الكوريتان
والصين والهند وباكستان وإيران.وكانت
واشنطن قد وقعت في العام 1987معاهدة الصواريخ
المتوسطة والقصيرة المدى مع
روسيا نتيجة
لضغوط مارسها
حلفاؤها في الناتو، إذ كانت
القارة الأوروبية مدججة بهذه
الصواريخ، مثل
"بيرشينغ" الأميركية،
والصواريخ الجوالة المرابطة
على الأرض، والصواريخ السوفيتية ذات الرؤوس الحربية
الانشطارية من طراز "س س -
20". وبموجب معاهدة عام
1987تم إتلاف 1836صاروخا
سوفيتيا و 859صاروخا أميركيا.
وعلى
الرغم من ذلك، فإن طرح احتمال
الانسحاب الروسي من معاهدة
تصفية الصواريخ القصيرة
والمتوسطة قد يكون بمثابة بالون
اختبار أكثر منه توجهاً فعلياً،
إذ بوسع الروس نشر عدد من أفواج الصواريخ
الباليستية العابرة للقارات من
طراز "توبول م"
بتكاليف
أقل بكثير، ودون حاجة لتجاوز
أطر هذه المعاهدة، خاصة وأنه لا
يستبعد أن ترد الولايات المتحدة على إحياء الصواريخ
الروسية متوسطة المدى باستئناف
برنامج صواريخ
"بيرشينغ
2"، والصواريخ الجوالة
البحرية المرابطة، وكذلك صنع
مجمعات متوسطة المدى جديدة ونشرها في أوروبا. وكان
الروس قد ردوا على اقتناء
بولندا ل 48مقاتلة أميركية من
طراز "أف 16" بنشر أربع وحدات من نظام "أس أس - 300"
للدفاع الجوي، القادر على صد
هجمات تشنها الطائرات والصواريخ
الجوالة والباليستية. وعلى
صعيد الدفاع الجوي الروسي ذاته،
تمتلك روسيا ما يمكنها من
اعتراض الطائرات والصواريخ
المهاجمة في مسرح العمليات، مثل
منظومات " اس-
400" و" اس - 300"، و"انتاي -
2500" و"تور
- م 1" و"إيغلا - س"، و"بوك
- م1" و"اوسا - أ ك م" و"تونغوسكا
- م 1"، وهي
أنظمة قادرة على إسقاط كل من
الطائرات والصواريخ، إلا أنه
يصعب تجميعها في شبكة دفاعية موحدة، إذ يعتمد كل منها على نسق
خاص من نظم المعلوماتية
والحاسوب والاستطلاع وتوجيه الصواريخ.وسوف يمثل
نظام " أس 400" ركيزة الدفاع
الجوي الروسي في الفترة
القادمة.وفي مقدور هذا النظام
أن يعوض عن ثلاثة من سابقاته "اس-300"
من حيث فعالية إصابة الطيف الكامل من الأهداف
الجوية.ولديه القدرة على مقاومة
النماذج
الجديدة من
الأهداف الجوية منها طائرات "ستلث"
والصواريخ الجوالة الصغيرة
الحجم، وكذلك
الصواريخ الباليستية ذات مدى
العمل الذي يقل عن 3500كم وضمن
سرعة تقل عن 8ر 4كم/ثانية.
ويبلغ أقصى مدى لصواريخ "أس
-400" حوالي 400كلم، وتستطيع
منظومة "أس 400" تدمير
الطائرات والصواريخ المجنحة في
كافة ارتفاعات استخدامها
القتالي، ابتداء من عشرة أمتار. وقد دخلت أول كتيبة لمنظومات
صواريخ "أس -400" المضادة
للجو الخدمة في السادس
من آب أغسطس 2007في ضواحي موسكو.
ومن ناحية أخرى، تعتمد الذراع
الصاروخية الروسية
على منظومة صواريخ "توبول - م".
وحيث يتسلح حالياً بهذه
الصواريخ، المرابطة
تحت الأرض،
خمسة أفواج من قوات روسيا
الصاروخية الإستراتيجية. هذا
فضلاً عن صواريخ "بولافا"
المرابطة على المنصات البحرية. ويحرص
الروس على التذكير بأن ذراعهم
الصاروخية قادرة على الوصول إلى
أهدافها، بغض
النظر عن وجود الدرع الصاروخي
في أوروبا، الذي يرون أنه سيصبح
"هشاً وغير ذي شأن". بيد أن حركة الروس المتسارعة
لتطوير أنظمة دفاعهم الجوي،
وبحثهم المستمر عما يعزز
ذراعهم الصاروخية، يشير إلى
أنهم مسكونون بهاجس التطورات
الدائرة حولهم.وفي أضعف
تقدير، يمكن القول إن سباق تسلح
فعلي قد انطلق اليوم، وعلى
أجنحته انطلقت موجة جديدة من الحرب الباردة. ــــــــ المصدر
: جريدة الرياض ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |