ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 26/05/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مظاهرات مرغوبة

فهمي هويدي

هذا نوع من المظاهرات نستطيع أن نتحدث عنه ونحن مرتاحون، ومطمئنون إلى أن تشجيعه لن يوقعنا تحت طائلة القانون، أو يعرّضنا لمظنة الاتهام. كما أن المشاركين في تلك المظاهرات بوسعهم أن يخرجوا إليها وهم واثقون من أنهم سيعودون إلى بيوتهم سالمين، ولن يقضي أحدهم ليلته في «تخشيبة» قسم الشرطة. إذ من الأرجح أن رجال الأمن المركزي لن يجدوا مبررا للتعرض لهم في هذه الحالة، لأن موضوع هذه المظاهرات لا علاقة له بالسياسة ولا بالأمن العام، وإنما هو إلى الأمن الخاص أقرب. هذا إذا لم يتعللوا بأن من شأن خروج تلك المظاهرات إلى الشارع أن يؤدي إلى تعطيل المواصلات العمومية. وهي الذريعة التي ابتدعها «ترزية» القوانين لقمع وجرجرة أي جماعة من الناس تخرج إلى الشارع دون إذن من الأمن إلى غياهب السجون والمعتقلات.

المظاهرات التي أعنيها هي التي ينظمها العزاب والعازبات، يطالبون فيها بحقهم في العثور على شريك للحياة. ولأنها كذلك، فهي ليست ضد أي جهة، ولكنها ضد الشعور بالوحدة ولمصلحة الرغبة المشروعة في التواصل مع الجنس الآخر. وهي فكرة تحتاج إلى شجاعة، خصوصا في عالمنا العربي والإسلامي، الذي لا تحتمل التقاليد أكثر من الهم إلى الموضوع أو التحرّك إزاءه في الظلام، وتستنكر بشدة التطرّق إليه في العلن والحديث عنه بصوت عال يسمعه الآخرون.

لست صاحب الفكرة، ولكنها استوقفتني حين قرأت أخيرا عن مظاهرة قام بها أولئك العزاب والعازبات في ريو دي جانيرو «عاصمة البرازيل»، رفعوا خلالها لافتات تعلن أنهم سئموا العيش في ظل الوحدة، وأن كل واحد منهم أو واحدة يريد شريكا في الحياة، في حين كتب بعضهم على لافتات أخرى نداء يقول: أريد حبيبا الآن.

ذكر التقرير الذي بثته الوكالة الفرنسية للأنباء أن المشكلة حادة في البرازيل، وأن هناك 52 مليون عازب من أصل مجموع السكان البالغ عددهم 190 مليون شخص،

وجدت أن الفكرة شجاعة، ويمكن أخذها على محمل الجد، خصوصا إذا وُظفت لمصلحة تشجيع الزواج وليس تشجيع اللهو والعبث، وسواء تم ذلك من خلال المظاهرات أو المسيرات الجماعية أو حفلات التعارف، فإن الهدف يظل مشروعا والاجتهاد فيه يغدو مستحبا، بدلا من الهروب من المشكلة بكتمانها أو الاحتيال عليها، خصوصا في مجتمعاتنا التي تتزايد فيها معدلات العنوسة، وترتفع نسب الطلاق بشكل ملحوظ.

في حدود علمي، فإن الجاليات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة تعاني من هذه المشكلة، وبعضها كان أكثر شجاعة منا في التعامل معها ـ وقيل لي، في لوس أنجليس بالولايات المتحدة، إن المركز الإسلامي هناك ينظم رحلات جماعية مختلطة للشباب والفتيات لكي يوفر لهم فرصة التعارف وإقامة أسر مسلمة جديدة، بدلا من البقاء في ظل الوحدة، أو الذوبان في المجتمع الأميركي من خلال الزواج بأميركيين غير مسلمين، الأمر الذي يؤدي إلى اندثار الأسر المسلمة هناك بمضي الوقت.

صحيح أن التقاليد السائدة في مجتمعنا تستنكر إعلان الرغبة في الزواج من جانب الفتيات بوجه أخص (كتاب «عايزة أتجوز» للمدونة غادة عبدالعال كان مفاجئا وجريئا في عنوانه، ما روّج له، حتى أعيد طبعه خمس مرات، لكنه كان يسخر من العرسان وينتهى بإبقاء المشكلة بلا حل).

إلا أن المسألة لم تكن بهذا التعقيد في المجتمعات الإسلامية المبكرة. إذ يذكر صحيح البخاري أن امرأة اسمها سبيعة بنت الحارث مات عنها زوجها، فلما انتهت عدّتها فإنها تزينت و«تجمّلت للخطاب». فدخل عليها رجل اسمه أبو السنابل، وقال لها ما لي أراك تجمّلت للخطّاب ترجين النكاح (تريدين الزواج)؟ وحين تقدّم لخطبتها فإنها رفضته. وفي رواية أخرى أن شابا وكهلا تقدّما لخطبتها «فحطّت إلى الشاب».

حدث ذلك قبل ألف عام، لكننا حين «تقدّمنا» كل تلك السنين تمنّعنا عليه وتحرّجنا منه، حتى صرنا نتردد في الجهر بالمطالبة بالحلال، ونؤثر عليه الحرام في السر!

ــــــــــ

المصدر : صحيفة الرؤية الكويتية 24/5/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ