ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تعليق
: هل يكمل هذا
الحديث عن الظاهرة المريبة في
أطرها المتعددة ؟ إذا كان دور
التفكير أن يكتشف فإن دور
السياسي أن يعالج ... مركز
الشرق العربي التجسس
والتواطؤ .. دمشق
.. لقد
أثار نجاح الأجهزة الأمنية
اللبنانية في الكشف عن شبكات
وخلايا التجسس والاغتيال
والإرهاب التي تعمل لصالح
العدوّ الإسرائيلي في لبنان
دهشة العرب في جميع أقطارهم،
وكان الخبر الأساس والمادة
الأهم في وسائل الإعلام العربية
للأسابيع الماضية في حين تجاهله
الإعلام "الحر" في الغرب
تماماً. وبذلك يحتل لبنان، مرة
أخرى، مركز الصدارة في مقاومة
أعتى احتلال بل وآخر احتلال في
القرن الواحد والعشرين ، لأن
مكافحة التجسس هي اليوم شكل هام
من أشكال المقاومة بشتى أنواعها
، والأسئلة التي أثارتها هذه
العمليات متعددة الاتجاهات
وأحد أهم هذه الأسئلة هو : كيف
يصل الإنسان فعلاً إلى درجة
خيانة وطنه. وإلى حد إيذاء
جيرانه وبلدته وأرضه وشعبه.
ويتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر
هل هو المال فقط؟ هل هو العوز
المالي أم الطمع والجشع أم هناك
عوامل أخرى تساهم في انهيار قيم
وإرادة بعض العرب إلى هاوية
السقوط المشين هذه؟ والسؤال
الآخر هو هل هذا النوع من التجسس
هو شكل التواطؤ الوحيد مع العدو
الموجود في العالم العربي ؟ أم
هناك أشكال أخرى من التواطؤ مع
العدو أوصلت العرب إلى مواجهة
المحتل الإسرائيلي بصدورهم
العارية، وبانكشاف مخزي يصل إلى
حد انهيار جيوش خلال دقائق،
وانكسار الإرادة إلى حد التحالف
العلني مع العدو ضد الشقيق ؟
والسؤال الأخير، والذي ربما كان
يجب أن يكون السؤال الأول ، هو
لماذا تجاهلت كلّ وسائل الإعلام
العالمية كشف مثل هذه الشبكات
مع أنها تتعلق بالتجسس والإرهاب
؟ وهي أمور تهتم بها عادة، ولكن
في هذه الحالة ، لم تنشر شيئاً
عن كلّ هذه الشبكات، لا في
الإعلام المكتوب ولا المسموع
ولا المقروء، مع أن هذا التجسس
وعمليات الإرهاب المرتبط به
يشكل خرقاً فاضحاً للقرار 1701،
ولكن الخرق الذي تقترفه إسرائيل
لا يذكر إعلامياً، فقط إذا كان
الخرق عربياً تقيم وسائل
الإعلام الغربية "الحرة"
الدنيا ولا تقعدها، كما هو حال
تيري رود لارسن، ممثل الأمين
العام للأمم المتحدة المكلف
بمراقبة تطبيق قرارات الأمم
المتحدة حول لبنان. ولأبدأ
بمحاولات الإجابة على بعض هذه
الأسئلة من السؤال الأخير، إذ
من الواضح لماذا لم يتعامل
الإعلام الغربي "الحر" مع
أخبار كشف شبكات التجسس
الإسرائيلية في لبنان، لأن زرع
هذه الشبكات هو جزء من تنفيذ
الإستراتيجية الجديدة التي
كتبها ونشرها ونفذّها
المحافظون الجدد منذ العام 2000
بعنوان "تغيير جذري:
إستراتيجية جديدة لضمان أمن
المملكة"، والتي تضمنت
بنودها الأساسية الانقلاب على
مبدأ الأرض مقابل السلام والعمل
على "السلام للسلام" و"السلام
عبر القوة" وأن يعتبر تشبث
إسرائيل الأرض التي احتلتها
أمراً طبيعياً بل و"نبيلاً"،
وأن يتم احتواء وزعزعة استقرار
البلدان العربية أو تطويع
إرادتها لتكون تابعة ومتعاونة
في تحقيق أمن إسرائيل، وإثارة
الفتن الطائفية فيها وفصلها
بنيوياً عن بعضها لبعض بهدف
القضاء على التحديات التي تواجه
مملكة إسرائيل. وقد تضمنت هذه
الإستراتيجية آليات التنفيذ
والتي كان أحدها شن الحرب على
العراق، والأخرى الضغط على
سورية، وكذلك إثارة الفتن بين
سورية ولبنان، وبين
الفلسطينيين أنفسهم، وبين
الأردن والعراق. ومن أجل تحقيق
هذه الأهداف تسعى إسرائيل إلى
"بذل جهد خاص لمكافأة
الأصدقاء... فكثيرون من العرب
مستعدون للعمل مع إسرائيل : من
المهم تحديدهم ومساعدتهم".
وقد أصبحت هذه الدراسة أشهر
دراسة إستراتيجية في الغرب كتبت
حولها دراسات ووضعت لها
المخططات التنفيذية ولكنها لم
تحتل الصفحات الأولى في الإعلام
العربي ولم تتم دراستها لا
أكاديمياً ولا أمنياً أو
سياسياً للردّ عليها وتفنيدها،
كما كان يجب أن يكون باعتبارها
من أخطر المخططات التي استهدفت
الأمن القومي العربي برمته
لأنها تهدف إلى قلب مستقبل
المنطقة. ولكن
تواطؤ الإعلام الغربي "الحر"
مع نتائج هذه الإستراتيجية، وهي
جرائم حرب وشبكات إرهاب وتجسس
تديرها إسرائيل، لا يقلّ خطورة
عن الجرائم ذاتها. فبعد كلّ ما
حدث في الأسابيع الأخيرة في
لبنان تكتفي محطة أخبار الفوكس
وهي الأشهر والأقوى في الولايات
المتحدة بالقول: "
لبنان يكشف عن أدوات ذات
تقنية متطوّرة . يقول لبنان كانت
إسرائيل تتجسس ". يلاحظ هنا
تجنب ذكر تجنيد الجواسيس أو
تكليفهم بارتكاب أعمال إرهابية
لأنهم لا يريدون التركيز على
القضية الأساسية ألا وهي تجنيد
بعض للبنانيين لخدمة أهداف
أعدائهم على حساب حياة وأمن
ومستقبل شعبهم وبلدهم. وهنا
نعود إلى السؤال الأول ما الذي
يدفع أي إنسان إلى درجة السقوط
هذه؟ كي لا نكون تبسيطيين لا يصل
الإنسان، أي إنسان ، إلى مثل هذا
الدرك القاتم بسهولة أو لسبب
واحد بسيط ومفهوم ، ومن الواضح
أن المال ليس السبب الأساسي ،
ومن الواضح أن أهمهم لم يكن
بحاجة إلى المال ولم يتم تجنيده
بسبب العوز أو الفقر، وهناك
فقراء قضوا تحت ركام منازلهم
دون أن يقبلوا حتى مغادرة
المنزل أو القرية كي لا يتمكن
العدوّ من فرض الهزيمة عليهم. هناك
أسباب أعمق وأخطر، فالحرب
الإعلامية والعقائدية الشاملة
التي يشنها العدو وحلفاؤه ضد
العرب منذ سنوات تستهدف تقويض
ثقتهم بأنفسهم، وبلغتهم،
وبلباسهم، وبغذائهم،
وبأبنيتهم، وبطريقة حياتهم
طارحة البديل الغربي حتى
لعلاقاتهم الأسرية ولأخلاقهم
الدينية والاجتماعية. هذه
الهجمة أيضاً توصلت إلى نتائج
لا تقلّ خطورة عن التجسس
المفضوح وأدواته، إذ نلاحظ
جميعاً تراجع الاهتمام باللغة
العربية في جميع البلدان
العربية من خلال النظرة المعجبة
باللغة الأجنبية والنظرة
الدونية للغة القرآن المجيد رغم
عودة جميع بلدان العالم اليوم
للإصرار على الحديث والكتابة
والتعليم بلغتهم الأم. كما
رأينا أن معظم المدن العربية
القديمة قد هُدمت وحلت محلها
أبنية حديثة وبذلك تم محو
الذاكرة والدليل على استمرار
الوجود العربي وانتشاره
وإنتاجه لعمارة عربية متناسبة
مع البيئة . وفي كل عاصمة عربية
نزورها نرى صوراً لبيوت وصروح
لا يمكن لعاقل أن يكون قد أمر
بهدمها لأنه هدم وتدمير للذات
والهوية والتاريخ والذي يجب أن
يكون مصدر فخر واعتزاز بدلاً من
تدميره والتخلص منه. وإذا ما
أعدنا النظر بالحِرَف
التقليدية الجميلة التي كانت
جزءاً أساسياً من الصناعات
العربية التي استمرت آلاف
السنين، نرى أنها تندثر واحدة
بعد أخرى، بدلاً من تطويرها
وتحديثها كي تأخذ مكانتها ضمن
الصناعات الحديثة اليوم كما
فعلت كلّ بلدان العالم التي بنت
على تفرّدها ببعض المجالات
لتزيد من قيمة هويتها على
الساحة الدولية، فترى مثلاً
غطاء الرأس العربي يستورد من
الصين وكذلك فانوس رمضان وغيرها
من المنتجات الحرفية العربية.
والأمر ذاته ينطبق على طريقة
غذائنا المعتمدة على منتجاتنا
والتي نخسرها شيئاً فشيئاً وحتى
على لباسنا الوطني والذي هو
أنسب لعاداتنا ومناخنا ولكننا
هجرناه كي نقلّد ما يلبسه الغرب
رغم عدم موائمته لنا في الكثير
من الأحيان . كل هذا
يري أن ضعف العمل العربي لتمتين
الهوية وتعزيز الثقة بالنفس أدى
إلى نتائج كارثية على العرب في
معظم أقطارهم، وأن هذا التراجع
تزامن في السنوات الأخيرة مع
حملات مكثفة تتهم العرب
بالإرهاب وتتناول نبيهم (ص)
ومعتقداتهم وطريقة حياتهم دون
رد يذكر من قبل إدارات فقدت
إرادتها بفعل تلك الإستراتيجية
الشيطانية فلم يقابل هذه
الاعتداءات إلا بعض الردود
الشعبية المقاومة ولكن دون دعم
رسمي. المطلوب مقابل ذلك
إستراتيجية عربية تتركز في
التعليم، والسياسة، والإعلام،
لتعيد الثقة لجيل شباب ينشأ في
ظلّ دوامة معولمة ومغرضة
ومستهدفة له كي يقع في حبال
التبعية والتواطؤ والتجسس. صحيح أن
الكشف عن هؤلاء العملاء هو أمر
غاية في الأهمية، ولكن يجب أن
نرى في ذلك الخطوة الأولى فقط
للتفكير بمقاومة أشكال أخرى من
التواطؤ قد تكون أخطر بكثير
وأصعب على الكشف من الجاسوسية
المباشرة، لأنها تعمل بانتظام،
من مواقع مؤثرة، على تدمير
الهوية الثقافية والحضارية،
وعلى زرع الهزيمة في نفوس بعض
العرب، وعلى نشر موجة التعاون
مع العدو، الذي رغم دعوته لما
يسميه السلام، فإنه يواصل
إستراتيجية تقويض استقلال
البلدان العربية وتحويل
أنظمتها إلى مجرد تابع في
السياسة والاقتصاد. وليس علينا
من أجل التوصل إلى ذلك قراءة
النجوم، فالحملات المخططة
والمرسومة ضد الأمة العربية
مكتوبة ومنشورة والتنفيذ على
الأرض العربية واضح للعيان من
خلال الفتنة والفرقة والانقسام
والتراجع على معظم المستويات،
فهل من يقرأ وهل من يستوعب وهل
من يتعظ ؟ . ـــــــ المصدر
: شام برس - الاثنين 25-05-2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |