ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أوروبا أحرقت اليهود وأرسلت من تبقى منهم
لإحراق الشرق الأوسط! جمال
محمد تقي التعامل
العنصري مع اليهود في اوروبا
ومنذ العصور الوسطى وحتى مراحل
متقدمة من العصر الحديث واقع
تاريخي تشهد له اثار تلك
الفترات وما كتب عنها، وصورة
اليهودي لدى الاوربيين ربما لا
تزيد او تقل عن صورة
شخصية شايلوك في ادب شكسبير
الا بالشيء القليل، ولفظة
الغيتو هي أوروبية النشئة ولها
كيانها الفعلي في كبريات المدن
الاوروبية، روما، البندقية،
فينا، امستردام، موسكو، مدريد،
وارشو، برلين، باريس، اثينة،
جنيف، استوكهولم، هلسنكي،
بودابست، براغ، بروكسل
وغيرها، اي ليس صحيحا ان
العرب والمسلمين هم من اخترع
الكاركتير الذي اشتهرت به ملامح
اليهودي حول العالم ـ انف طويل
يشم رائحة المال وعن بعد، وهمس
يحوم بتأمر حول الثروة والنفوذ
واينما كانا، وفكر وفعل شيطاني
يبتغي اخضاع الاخرين
واستعبادهم. لقد
كانت الكنيسة الحاضنة الشرعية
للمواقف السلبية ازاء اليهود،
على اعتبار انهم هم من قتل
المسيح، وهذا ما يفسر ايضا
انكار الكثير من اليهود
ليهوديتهم وتغييرهم لديانتهم،
ومع ظهور البروتستاتية
اعتنقتها الكثرة الكثيرة منهم،
لا شك في ان هذه الممارسات
التاريخية اضافة لخصوصية
المعتقدات اليهودية وحرصها على
الانغلاق لايمانها بان نسلها
وحده يحمل البركة الالهية ـ شعب
الله المختار ـ
وان التلذذ صبرا بالاضطهاد
والتعود عليه وتبريره
بالامتحان الالهي حتى يجيء
الزمن الموعود، زمن اقامة
الهيكل من جديد، قد جعل لهم
خصوصية نفسية ايضا عززتها
تفاعلات العزلة
الذاتية والعزلة المفروضة من
الخارج! يمكن
اعتبار حالة اليهود اكثر
الحالات تعبيرا عن ابتزاز واقع
ان الحاجة ام الاختراع، فتصور
ان يحرم اليهود في العديد من
مجتمعات العصور الوسطى وبدايات
عصر النهضة في اوروبا، من
ممارسة الاعمال المعروفة
وجعلها حكرا لغيرهم، بمعنى انهم
كانوا مجبرين على تمييز انفسهم
باشارة ما او زي محدد يتعرف من
خلاله عليهم مواطني المدينة
الاخرين، فكتب عنهم بانهم هم من
استبدع اعمال لم تكن معروفة
وقتها وبالتالي ليست ممنوعة،
كبيع الملابس المستعملة،
والانتيك، والمبادلة بالحاجات
المنزلية او الدلالة
ـ سمسرة العقارات ـ، وكتب
ايضا ان جماعات من يهود اسبانيا
مثلا راحوا يمتهنون بعضا من مهن
الغجر والذين تعمدوا
تعلمها لانها غير شائعة في
المدن الاوروبية، حيث لا مجال
امامهم، فالحجر على ممارسة
الاعمال المهمة ساري المفعول،
فمنهم من عمل في تركيب اسنان
الذهب، او صنع انواع غنية من
الخمور، واخر عمل بخياطة
المصنوعات الفخارية ـ الفرفوري
ـ واخر
عمل بحد السكاكين وتصليح
الادوات المنزلية! بعد
تكرس افرازات عصر النهضة، وخاصة
اكتشاف العالم الجديد ـ
الامريكيتين واستراليا، ثم
هيمنة مظاهر الثورة الصناعية،
هاجر الكثير من اليهود للعالم
الجديد بحثا عن فرص جديدة وربما
لتحقيق الحلم المفقود، وبعضهم
عاد الى اوروبا بعد عقود قليلة
ولكن هذه المرة، سيدا
ارستقراطيا يعمل بالصيرفة او
الرهون او بالتجارة العابرة
للقارات، او بالصحف والطباعة،
الى جانب تحرر من تبقى منهم في
اوروبا من الكثير من القيود
التي كانت مفروضة على حركتهم
وممارستهم للتجارة والاعمال
الحرة الاخرى! جميعنا
قد سمع عن البوند وهو تجمع نقابي
يهودي في روسيا وربما قرأ ما
كتبه لينين عنه، وقبلها سمع عن
كتابات ماركس حول المسألة
اليهودية، انها وغيرها تدلل على
عمق اشكالية الحالة اليهودية في
اوروبا وليس غيرها! ذوبت
علاقات الانتاج الراسمالية
التي بدأت تسود اوروبا الكثير
من الرواسب العالقة من مرحلة
الاقطاع وما سادها من علاقات
ومفاهيم اجتماعية وفكرية
ونفسية، لقد انحسر نفوذ الكنيسة
بشطريها الكاثوليكي البابوي
والبروتستانتي، وقامت الدولة
القومية دولة السوق الواحد،
وجرى اعتماد مبدأ علمنة الدولة
اي عزلها عن الدين، وسادت روح
المبادرة الفردية، وارتفع
مستوى الوعي الطبقي على حساب
الوعي الغيبي، وساهمت الحركات
الفكرية الثورية والعلمية
المستندة على الاكتشافات
المعرفية النوعية وفي كافة
المجالات، في اطلاق العنان
للخلق والابداع، فكانت
المخترعات، وفي فتح افاق جديدة
لفلسفة الوجود الانساني، وقامت
ثورات شعبية لانتزاع المزيد من
المكاسب المستحقة للطبقات
المعدمة والمسؤولة عن انتاج
الخيرات المادية، الثورة
الفرنسية، والامريكية،
والالمانية، والروسية،
المطالبة بترجمة نتائج
الانقلاب الاجتماعي الاقتصادي
الراسمالي الذي ساد تحتيا ليصل
قمة الحكم السياسي القائم ـ
فكانت المطالبات بالديمقراطية
وحكم الاكثرية، والانتخاب
بالاقتراع السري، والمطالبة
بحقوق المواطنة المتساوية ـ
العدل الاخاء المساوة ـ
كما في افكار جان جاك روسو
العقد الاجتماعي، وافكار
ادم سمث في ثروة الامم، وكذلك
دافيد ريكاردو وفي الشمول
الفلسفي المتقدم من بروسيا
الالمانية على اياد فيورباخ
وهيغل، وما جرى على رسل هذه
الانعطافات الكبيرة في مجال
التنظير والمعرفة الفكرية،
طبعا قبل هذه الانعطافات كانت
هناك اسهامات جوهرية في الفكر
السياسي والفلسفي ـ
ديكارت وميكافيلي ـ
يقابلهم رموز علمية صرفة ـ
غاليلو ونيوتن وداين ثم
داروين ومن سار على مساره في
مختلف مناحي العلوم الطبيعية! تفاعل
قسم كبير من اليهود مع
مجتمعاتهم وانصهروا بها حتى جرى
اختراق قاعدة الزواج الداخلي او
مبدأ تهويد من يقترن بيهودي او
يهودية، ولم يختلف الامر
بالنتيجة كثيرا عن الحالة في
المسيحية، اي بقاء التدين
ومؤسساته واوقافها وتناسلها
متكيفة مع الاوضاع الناشئة،
فاليهودية ايضا ومؤسساتها،
الكنس والحاخاميات، والروابط
التراتبية، بقيت متواصلة
ومتناسلة، بل انها في الحالة
اليهودية صاحبها انتعاش نسبي
بسبب من الوضع الليبرالي الذي
بدأ يسود في اوروبا الغربية
تحديدا بالتزامن مع تفتق سطح
الراسمالية الحرة ليتنفس نبت
الاحتكار الامبريالي المتبلور
بشكل الاستعمار الكولونيالي
الاول! في هذه
الاجواء ولدت الحركة الصهيونية
كحركة سياسية عنصرية استثمارية
بين الفئات الراسمالية
اليهودية، وراحت تضع التصاميم
المناسبة لمشروعها الاستثماري
الامبريالي المغلف بالاساطير
الدينية وكان تيودور هرتزل عراب
الحركة ورئيسها منذ مؤتمرها
الاول الذي عقد في نهايات القرن
التاسع عشر في
مدينة بازل، اي في سويسرا
ذاتها التي تحتضن هذه الايام
المؤتمر الاممي لمكافحة
العنصرية، ان مناقشات الجدوى
الاقتصادية والتاريخية للمشروع
الصهيوني اخذت شوطا بعيدا حتى
استقر الراي على فلسطين، فقبلها
كانت سوريا واوغندا واليمن
مرشحة كتصاميم تم تجاوزها عندما
وجدوا في فلسطين ظالتهم! الاضطهاد
في اوروبا الشرقية كان اكبر
واعمق بالنسبة لعموم طوائف
اليهود، وحكايات ملاحقات رجال
قيصر روسيا لاعضاء المؤتمر
الصهيوني وحتى في سويسرا ذاتها
معروفة، واشار بعض المؤرخين الى
ان وثائق بروتوكولات حكماء
صهيون هي من ضمن ما صادره رجال
القيصر اثناء مداهماتهم لمقر
الحركة في سويسرا! على ذكر
المؤرخين والكتاب فان بعضهم
يذهب الى القول بان اشتغال
طوائف من اليهود بتجارة المال
والاقراض بالفائدة في وسط
اقطاعي، جعلهم الراسماليين
الاوائل فيها، فحل عليهم سخط
الاقطاعيين ورقيق الارض في
آن واحد، ولكن حين نمت
الراسمالية الصناعية والتجارية
في اوروبا الغربية على مستوى
المجتمع كله اختفت المشكلة
اليهودية، وحصل ذلك وفق قانون
اساسي يقول : ان التعصب العنصري
يشتد كلما التقت الفوارق
العنصرية مع الفوارق
الاقتصادية
" مكسيم رودنسون"! لقد قال
ماركس ايضا عندما سادت اوروبا
الراسمالية : غدت كلها يهودية،
بمعنى كلها راحت تشتغل بالربا
والفائدة، بنكيا وصناعيا
وتجاريا ثم استعماريا! في وعد
بالفور 1917 تمت المصاهرة الرسمية
بعقد زواج كاثوليكي
بين الحركة الصهيونية
ومشروعها العنصري وبين المشروع
الامبريالي العالمي بنسخته
البريطانية، ثم تعددت النسخ
لتتوج بالامريكية السائرة حتى
يومنا هذا نحو مصيرها المحتوم! الصراعات
الامبريالية ذاتها ادت الى
التنكيل البغيض ببسطاء وابرياء
اليهود كما حصل اثناء الحرب
العالمية الثانية حيث، الترحيل
والعزل واعمال السخرة والابادة
على يد العصابات النازية التي
استخدمت جرائمها تلك كنوع من
التطبيق العملي لمبدأ تفوقها
الرسي، ولم تكن تلك الممارسات
الا تعبير عن الانحطاط
الامبريالي بصورته الاوروبية
التي ارادت اعادة تقاسم العالم
وفق مقاييس المركزية
الاوروبية، وهي من جانب اخر
كانت مستعدة للتخلي وعلنا عن
ادعاءاتها الفارغة تلك لو وجدت
بذلك ما ينفعها في حربها
الطاحنة مع الامبرياليات
العدوة، ونفس الشيء بالنسبة
للحركة الصهيونية كمشروع
امبريالي مستعد للتحالف مع
النازية الفاشية لتحقيق
طموحاته حتى لو كان الثمن ابادة
الملايين من اليهود، وهذا ما
حصل فعلا! بعد
هزيمة النازية وانتصار الحلفاء
تبلور مشروع المركزية
الامريكية المتمحور حول ذراع
الحلف الاطلسي، لمواجهة الخطر
الشيوعي، ولمواصلة الهيمنة
الامبريالية على مصادر الطاقة،
وهنا جرى الشروع العملي لتنفيذ
المشروع الصهيوني بالكامل
كمقاولة باطن، لها دورها في
المسار الاستراتيجي للهيمنة
الامبريالية الكونية! جرى
تسهيل الهجرة ووضع كل مقتضيات
اقامة الوطن البديل في فلسطين
موضع التنفيذ، للخلاص اوروبيا
من ترسبات الماضي وما يحمله من
احاسيس ومشاعر الذنب والتذكير
بالقذارة العنصرية التي كانت
سائدة تجاه اليهود في اوروبا،
وكأن لسان حالهم يقول :
فاليفعلوا بشعب فلسطين ما
يعوضهم عن مشاعر الاذلال والعزل
والتجريد من الحقوق الانسانية
المشروعة التي مارسناها ضدهم! كان دور
الدولة المصدرة مرسوما مقدما،
كلب حراسة للمصالح العليا،
النفط، وليحترق مجددا به او
بالقنابل النووية التي اعطيت من
يحترق، المهم الدولة باقية
كالاسفين، وما دامت الساحة
بعيدة وما دام الذي يجري يجعل من
امبريالي اوروبا وامريكا مجرد
فاعلي خير ووسطاء
لحل نزاعات شعبين لا يطيق
احدهما الاخر اليهود والعرب فان
كل الامور على ما يرام!! ما قاله
الرئيس الايراني نجاد في مؤتمر
جنيف حول العنصرية، ذكر
الاوروبيين والامريكان
بعنصريتهم التي لم ينقطع حبل
سرتها حتى يومنا هذا، واجههم
بحقيقتهم واسمعهم ما لا يريدون
سماعه، بل ما يعملون على
مسحه من ذاكرة التاريخ،
وكانهم بذلك يريدون غسل ادمغة
الشعوب! ربما لا
يعلمون بان مجرد وجود اسرائيل
كدولة يهودية على ارض فلسطين،
ومجرد بقاء ملايين الفلسطينيين
لاجئين في ديارهم وديار الجوار
في المخيمات بانتظار العودة، هو
اعلان دائم لا يحتاج الى ترويج
على عنصرية الصهيونية ومن يقف
خلفها! ــــــــــــ المصدر
: كنعان - العدد 1902- 26 ايّار (مايو)
2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |