ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
شكر
آخر لأوباما فهمي
هويدي نحن
مدينون بالشكر للرئيس أوباما
ليس فقط لأنه أسمعنا ما أطربنا.
ولكن أيضا لأنه أتاح لنا أن نرى
القاهرة وقد اغتسلت وتجملت.
صحيح أننا لم نكن مقصودين ولم
يكن إعجابنا مطلوبا أو في
الحسبان، لأن القاهرة تجملت
للزوار وليس للسكان، ولكن ذلك
لم يمنعنا من أن نختلس نظرات إلى
المدينة ومبانيها العريقة،
التي ملأت أعيننا بهجة وأضافت
إلى جوانحنا اعتزازا ومحبة. رأينا
القاهرة طوال الساعات التي
قضاها الضيف وقد مسحت عن وجهها
علامات الشيخوخة والكآبة
والحزن، ولكن القائمين على
أمرها استخسروا فينا لحظات
البهجة، وخشوا أن نتعلق بها أو
أن نركن إليها. فعمدوا
فور رحيل الضيف وصحبه إلى إزالة
آثار التجميل الذي صار. فتم نقل
إصص الزرع التي وزعت على جوانب
الشوارع الرئيسية وتوقفت عملية
كنسها ورشها بالمياه، ولا أعرف
إن كانت الحفر التي تمت
معالجتها قد أعيدت إلى سابق
عهدها أم لا. ذلك غير فوضى
المرور التي عادت إلى طبيعتها،
ورجال الشرطة الذين اختفوا من
الشوارع فجأة، وكأن الأرض انشقت
وابتلعتهم. السؤال
البسيط الذي يخطر على البال هو:
إذا كان بمقدورنا أن ننظف
بناياتنا العريقة ونجمل
شوارعنا، فلماذا يضنون علينا
بذلك؟ ولماذا يحدث ذلك كله فقط
لجلب رضى أكابر البلد أو أكابر
الزوار الأجانب؟ أدري أن
لدى أولي الأمر إجابات عديدة
تراوح بين الأولويات
والإمكانات، لكن كل ما يقولونه
يظل ذرائع لا تصمد أمام التفنيد
والمراجعة. لقد كانت مدينة
استانبول في بؤس القاهرة قبل
خمسة عشر عاما تقريبا، وكان
الذين يزورونها يدهشون لتدهور
شوارعها وكآبة مبانيها وقتامة
فضاءاتها، وكانوا يستغربون
منظر حافلاتها وكثرة انقطاع
التيار الكهربائي وندرة المياه
فيها، ولكن ذلك كله تغير تماما
خلال تلك السنوات، بحيث أصبحت
المدينة في المرتبة الأولى بين
المدن الأوروبية. لم تهبط عليها
معجزة من السماء، ولا حدث
انقلاب في البلد. ولكن الذي حدث
أن تولى رئاسة البلدية فيها رجل
من طراز مختلف هو رجب طيب
أردوجان، رئيس الوزراء الحالي.
ولأنه جاء بالانتخاب فإنه كان
حريصا على أن يثبت ولاءه للذين
انتخبوه. ومن ثم كانت الفترة
التي قضاها في رئاسة البلدية هي
مرحلتها الذهبية، التي فرضت على
الذين انتخبوا لذلك المنصب بعده
أن ينشغلوا بخدمة مجتمع المدينة
وأن يتنافسوا في إثبات الولاء
للناس. الآن
تغيرت صورة المدينة 180 درجة،
وأصبحت نظافتها وجمال مبانيها
القديمة والحديثة ومساحات
الخضرة فيها مما يضرب به المثل.
وبعدما كبرت استانبول وقسمت إلى
عدة بلديات يتناوب على رئاستها
الأشخاص بالانتخاب فإن حمى
التنافس بين أولئك الرؤساء على
خدمة الأحياء والارتقاء بها
أعظم هدية قدمتها الديموقراطية
لسكان استانبول. إن
المحافظين عندنا جميعهم يشغلون
مناصبهم بالتعيين. لذلك فإن
ولاءهم الحقيقي لمن اختارهم،
ولا يملك المجتمع إزاءهم شيئا،
حيث لا يستطيع أن يحاسبهم، وإذا
أحسن أحد منهم في شيء فإن ذلك
يظل من قبيل التطوع الذي لا فرض
فيه ولا إلزام. من ثم أصبحت
القاعدة أن ينشغل المحافظون
باستجلاب رضى رجال السلطة أكثر
من انشغالهم باستجلاب رضى الناس. قبل
سنوات ليست بعيدة سلكت طريقا
إلى مدينة حلوان القريبة من
القاهرة، ولاحظت أنه مرصوف في
الذهاب في حين أهمل تماما طريق
العودة الموازي له، وحين سألت
عن تفسير ذلك قيل لي إن الرئيس
ذهب إلى حلوان بالسيارة، فتم
تمهيد الطريق له، لكنه عاد
بالطائرة فلم يلتفت أحد إلى
تمهيد طريق العودة، وهو ما
أقنعني بأن مشكلة نظافة المدينة
لن تحل إلا إذا حللنا مشكلة
الديموقراطية، الأمر الذي يعني
أننا سننتظر طويلا، وإن أحفادنا
وحدهم الذين يمكن أن تكتحل
أعينهم بجمال القاهرة وفتنتها،
إلا إذا زارنا أوباما مرة أخرى
وأقام عندنا بعض الوقت. ــــــــــ *
صحيفة الرؤية الكويتيه 8/6/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |