ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الصراع
حول المستقبل في لبنان وإيران فهمى
هويدى في
أجواء موت السياسة في العالم
العربي، تعد الانتخابات
اللبنانية والايرانية شيئا
مختلفا. على الأقل من حيث انها
الانتخابات الوحيدة التي لا
تستطيع أن تعرف نتيجتها قبل
اعلانها رسميا. (1) قل ما
شئت بحق الحاصل في البلدين، عن
مدى بعده أو قربه من
الديموقراطية. لكنك لن تستطيع
أن تنكر هذه الحقيقة. ذلك أنه
حتى صباح الاثنين (8 - 6) لم يكن
بوسع أحد أن يعرف على وجه
التحديد الطرف الفائز في
الانتخابات النيابية اللبنانية
التي جرت يوم الأحد. وهل هو فريق
8 آذار أو 14 آذار. الكلام ذاته
ينطبق على مصير الانتخابات
الرئاسية الايرانية التي يفترض
أن تجرى يوم الجمعة 12 -6، ويتنافس
عليها أربعة أشخاص، لا يزال
المحللون وعرافو السياسة
يختلفون حول فرص كل منهم في
الفوز. اذا
أردت أن أكون أكثر دقة فانني حين
أقارن بين الانتخابات في لبنان
وايران وبين نظيراتها في بقية
الدول العربية فانني في حقيقة
الأمر أقارن بين المنقوص
والتعيس أو بين العور والعمى.
ذلك أن خياراتنا أصبحت محصورة
بين واحدة فيها رائحة حرية
وأخرى قائمة على التزوير تسوق
لنا وهم الحرية. بحيث تقودنا
الموازنة الى القبول بالأولى
والترحيب النسبي بها، وتفضيلها
على الثانية. باعتبار أنه في مثل
هذه الحالة، فان السيئ يقدم على
الأسوأ، عقلا وشرعا.، ذلك أن
أحدا لا يتمنى أن تجرى
الانتخابات على أسس طائفية كما
في لبنان، ولا في ظل مصفاة مسبقة
للمرشحين تقصي أناسا وتجيز
آخرين كما في ايران. لكن حين تتم
الانتخابات بعد ذلك بحرية وبدون
تزوير، فان ذلك يغدو وضعا
متقدما بخطوات على البديل الآخر. (2) ليس
صحيحا أن الانتخابات اللبنانية
التي كتب هذا المقال قبل اعلان
نتائجها، كانت فقط صراعا بين
فريقي 14 و8 آذار، لأن الحضور
العربي الاقليمي والدولي
الغربي كان واضحا في كل مراحل
تلك الانتخابات. ذلك أنه لم يعد
سرا أن دول «الاعتدال» العربي،
وعلى رأسها السعودية ومصر، كانت
موجودة بدرجة أو أخرى في
الانتخابات. وكان الحضور
السعودي أقوى بكثير في مجال
التمويل لفريق 14 آذار، في حين أن
الدور المصري الداعم لذلك
الفريق كان سياسيا واعلاميا
بالدرجة الأولى. واللغط مثار
حول توقيت اطلاق قضية خلية حزب
الله في مصر الذي تزامن مع
المرحلة الأخيرة من الاعداد
للانتخابات اللبنانية، وبدا أن
من بين أهدافه التأثير في
المزاج الانتخابي في لبنان، بما
يضعف موقف حزب الله في المعركة.
بالمثل فان الدورين الايراني
والسوري في مساندة حزب الله
وفريق 8 آذار المتعاون معه لم
يكن بدوره سرا، كما أن تلك
المساندة تراوحت بين ما هو مادي
وسياسي. الطريف
أن الدعم الاقليمي للطرفين
المتصارعين في لبنان كان في
أغلبه سريا وغير معلن (رغم أن لا
شيء يبقى سريا في بيروت) في حين
أن الدعم الدولي لصالح فريق 14
آذار كان مشهرا ومعلنا في أغلبه.
اذ إضافة الى الأدوار التي ظل
يقوم بها سفراء الدول الأربع
الولايات المتحدة وفرنسا
وانجلترا وألمانيا، فان بيروت
ظلت طوال الأشهر الأخيرة تستقبل
ضيوفا من الساسة الدوليين
والغربيين، كانت رسالتهم
واحدة، وهي الحث على مساندة
فريق الحريري وجماعته،
والتحذير من التصويت لحزب الله
والجنرال عون. وكان
نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن
أرفع مسؤول غربي زار لبنان لهذا
الغرض. اذ لم يخف الرجل شيئا،
فقد عقد اجتماعا مغلقا في بيروت
مع رموز فريق 14 آذار، وخرج منه
ليطلق التصريح الذي قال فيه
صراحة ان المساعدات الأمريكية
للبنان سوف تتأثر بطبيعة
الحكومة القادمة. وهو كلام له
ترجمة وحيدة هي: اذا صوتت
الأغلبية للحريري وجماعته فان «بَرَكة»
المساعدات سوف تغرق الجميع، أما
اذا فاز فريق حزب الله وعون، فلا
ينبغي أن ينتظر اللبنانيون شيئا
يذكر من الادارة الأمريكية. في
الوقت ذاته ظل الزوار الآخرون
يتقاطرون طوال الوقت على
العاصمة اللبنانية، من الأمين
العام للأمم المتحدة الى موفد
خاص أرسله في وقت لاحق. والمبعوث
الأمريكي الخاص الى الشرق
الأوسط، الى وزراء خارجية الدول
الغربية المعنية بالملف. وحين
حل موعد التصويت والحسم، جاء
الى بيروت وفد المعهد الوطني
الديموقراطي الأمريكي، ووفد
دولي يراقب الفرز، ومائة مراقب
آخرون يمثلون الاتحاد
الأوروبي، فضلا عن خمسين مراقبا
يمثلون عشرين دولة، أوفدهم مركز
كارتر. كان
واضحا للعيان أن أولئك القادمين
من كل صوب لم يجيئوا الى بيروت
محبة في الديموقراطية وغيرة على
نزاهة الانتخابات، ولكن ذلك
الاحتشاد كان في أغلبه تعبيرا
عن حرص القوى الدولية على انجاح
فريق الحريري (جماعة 14 آذار) لأن
لها مصلحة حقيقية في ذلك. واذا
أضفت الى ذلك أن دول معسكر «الاعتدال»
العربية تقف في نفس الخندق
داعمة لذات الفريق، فان ذلك
يسلط ضوءا كافيا على حقيقة
الصراع وأطرافه الأصليين. وهو
ما يسوغ لنا أن نقول ان المعركة
الانتخابية في لبنان أصبحت جزءا
من الصراع الدائر في الشرق
الأوسط بين معسكري «الاعتدال»
الذي تقف فيه بعض الدول العربية
مع الولايات المتحدة واسرائيل،
والممانعة، الذي يضم دولا عربية
أخرى مع عناصر المقاومة الوطنية
وتدعمها ايران. وهو ذاته الصراع
الحاصل في الساحة الفلسطينية
وفي الساحة العربية. ان شئت فقل
انه صراع بين مشروعين سياسيين
مختلفين، ووجهتين متباينتين.
ومن ثم فانه من هذه الزاوية، يعد
تجسيدا للصراع حول مستقبل
المنطقة. (3) اذا
كانت الانتخابات اللبنانية تعد
نقطة تحول في حسابات القوى
الدولية والاقليمية، فان
الانتخابات الرئاسية الايرانية
تعد بدورها علامة فارقة في
حسابات القوى المحلية. وربما
جاز لنا أن نقول أيضا ان القوى
الاقليمية كانت مشاركة في
الانتخابات اللبنانية، لكنها
ظلت متفرجة في الحالة الايرانية.
واذا سمحت الأجواء اللبنانية
لبعض الرموز أن يستقووا بالخارج
وأن يتباهوا بذلك أمام الملأ،
فان ذلك يعد انتحارا سياسيا لأي
مرشح في ايران. إذن في
ايران صراع بين الداخل والداخل،
درج كثيرون على اختزاله في
التنافس بين المحافظين
والاصلاحيين. ورغم أن لذلك
الصراع تجلياته بدرجات
متفاوتة،خصوصا بعد رحيل الامام
الخميني، أي طوال العقدين
الأخيرين، فان الجولة الحالية
هي الأعنف والأكثر شراسة بين
التيارين. والسبب في ذلك أنه
يدور بين مرشحين اقوياء اقرب
الى الانداد. في
البداية رشح حوالي 480 شخصا
أنفسهم لمنصب رئيس الجمهورية،
بينهم 42 امرأة. ولكن مجلس صيانة
الدستور المكلف بالتحقق من
توافر شروط وملاءمات الترشيح في
المتقدمين أجاز أربعة أشخاص فقط
اثنان حُسبا على المحافظين
وآخران من الاصلاحيين. الأولان
هما أحمدي نجاد الرئيس الحالي
ومحسن رضائي الرئيس السابق
للحرس الثوري لستة عشر عاما خلت.
أما
الاصلاحيان فهما الشيخ مهدي
كروبي رئيس مجلس الشورى السابق
والمهندس حسين مير موسوي الذي
رأس الحكومة في الفترة بين عامي
1989/1981، وسواء
كان ترشيح اثنين عن كل تيار
تعبيرا عن تعدد مراكز القوى
داخل الفريقين، أم أنه كان حيلة
انتخابية لتشتيت الأصوات
لاضعاف مركز أحمدي نجاد في
الجولة الأولى، بحيث يحتشد
الآخرون ضده في الاعادة،
فالشاهد أن المرشحين الثلاثة لم
ينافسوا بعضهم بعضا بقدر ما
انهم صوبوا سهامهم طوال الوقت
ضد أحمدي نجاد، حتى قال الرجل في
مناظرته مع الشيخ كروبي انه
وجهت اليه خلال الحملة
الانتخابية 32 ألف تهمة و«افتراء»!. رغم أن
المرشحين يفترض أنهم يمثلون
الاصلاحيين والمحافظين، فان
شعاراتهم تداخلت بحيث أصبح
يتعذر على المواطن العادي أن
يعرف بالضبط من منهم الاصلاحي
ومن المحافظ. فالمرشح الاصلاحي
حرص على أن يبدو محافظا، وجولة
الواحد منهم في المدن والقرى
مثلا أصبحت تبدأ بزيارة مقبرة
الشهداء ثم امام الجمعة وبعدهما
يتجه الى المسجد لكي يؤدي
الصلاة ــ والمرشح المحافظ ما
فتئ يتحدث عن الحريات
الاجتماعية والعامة، حتى حرص
أحمدي نجاد على التذكير بأنه هو
من سمح للنساء بدخول «الاستاد»
للتشجيع في مباريات كرة القدم
التي تجرى على أرضه. (المحافظون
الحقيقيون في مدينة «قم»
اعترضوا على قراره وأوقفوه). المناظرات
العلنية التي تمت بين الرئيس
الحالي ومنافسيه وبثها
التلفزيون خلال الأسبوع الماضي
كانت تقليدا جديدا اتبع لأول
مرة، سمح للمجتمع أن يتعرف على
ما في جعبة كل مرشح. ومن الظواهر
الجديدة أيضا أن النساء كان لهن
دور بارز في حملات المرشحين. أحمدي
نجاد كانت شقيقته بروين نجاد
وفاطمة رجبي زوجة المتحدث باسم
الحكومة في مقدمة الداعين الى
تأييده. وهذا ما فعلته الدكتورة
زهرا رهنود زوجة مير موسوي،
وليلى بروجردي حفيدة الامام
الخميني ومعصومة خدنك مع محسن
رضائي (الثانية زوجته) وفاطمة
كروبي زوجة الشيخ مهدي كروبي،
الذي كان من قادة حملته أيضا
الصحفية جميلة كديور. الاتهامات
الأساسية التي وجهت الى أحمدي
نجاد ركزت على فشل سياسته
الاقتصادية التي أدت الى زيادة
التضخم وارتفاع معدلات
البطالة، واساءة استخدام
العوائد النفطية، وتوتير علاقة
ايران بالعالم الخارجي، خصوصا
حينما فتح ملف «المحرقة» ودخل
بسببه في معركة مع اسرائيل خسرت
فيها ايران تعاطف العالم الغربي. أما
أحمدي نجاد فقد رد على ناقديه
باتهامه لهم بأنهم موالون للغرب
ومفرطون في مبادئ الثورة، وبأن
تشدده الذي يلام عليه كان سببا
في تحسين موقف ايران بشأن الملف
النووي. ذلك أن حكومته «بأقل ثمن
ممكن أو بثمن يقترب من الصفر
حققت أهداف السياسة الخارجية
للبلاد» وعلى حد قوله. وفيما يخص
عوائد النفط فانه ذكر أنها ذهبت
لصالح الفقراء الذين كان تحسين
أوضاعهم على رأس أولوياته
ووعوده. لا تزال
المعركة محتدمة، والاستطلاعات
تتحدث تارة عن تقدم «مير موسوي»
على «أحمدي نجاد»، وتتنبأ تارة
أخرى باحتمال الاعادة بين الرجل. (4) كما
رأيت فالمعركة شرسة في ايران
ولبنان، رغم التباينات بين
الحالتين التي سبقت الاشارة الى
بعضها فيما خص موقف القوى
الاقليمية والدولية في كل منهما. لكن
هناك فروقا أخرى يتعين الانتباه
اليها، منها مثلا أن الاختلاف
بين المرشحين في ايران هو حول
الوسائل وليس المقاصد. بمعنى أن
الجميع يتحرك تحت مظلة الثورة
الاسلامية ومبادئها. كما أن
اللعبة السياسية هناك لها سقف
يتمثل في الدور الذي يؤديه
المرشد في ضبط المسار العام. لكن
الوضع مختلف تماما في لبنان،
حيث لا توجد قواسم مشتركة بين
الطرفين المتصارعين، ويتحرك كل
منهما باتجاه معاكس للآخر. ثم ان
السقف هناك محكوم بقواعد اللعبة
الدولية، ولا دخل للأطراف
المحلية فيه. من
الفروق المهمة أيضا أن الخلاف
بين التيارين في ايران سياسي
وفكري بالدرجة الأولى. لكنه في
لبنان لم يخل من مسحة مذهبية
حرصت أطراف عدة على اذكائها،
فقد اصطف فيها أغلب «أهل السنة»
في جانب واصطف أغلب الشيعة في
جانب آخر، كما انقسم الموارنة
فيما بينهم. من تلك
الفروق كذلك أن نتائج
الانتخابات في ايران لن تؤثر
كثيرا على موازين القوى في
الشرق الأوسط، أما نتائج
انتخابات لبنان فسوف ترجح كفة
على أخرى، سواء في الاشتباك
الحاصل الآن بين دول «الاعتدال»
ودول الممانعة، أو في الموقف من
المقاومة بشكل عام. وعلى
ذكر الانقسامات فهي في ايران
ليست بين اصلاحيين ومحافظين
فحسب، ولكنها أيضا بين نخبة في
المدن تقف وراء المهندس مير
موسوي وقطاع عريض من العوام
الذين ينتشرون في القرى يقفون
الى جانب أحمدي نجاد. لكن هذا
الاختلاف «الطبقي» اذا جاز
التعبير ليس قائما في لبنان،
الذي اخترق فيه الاختلاف
المذهبي كل الطبقات. ذلك كله
لا ينبغي أن يحجب الحقيقة الأهم
التي تتمثل في أن الناس في نهاية
المطاف وعند الحد الأدنى هم
الذين يختارون الفائزين، لكن
هذه الحالة على تواضعها تظل
متجاوزة للحد الأقصى في أقطار
أخرى، أعرفها وتعرفها. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |