ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 13/06/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التغيير تصنعه السياسة وليس خطبة في مصر

أوباما بين رمزية الكلام وواقع التعامل مع العالم الإسلامي

نبيل شبيب 

من قبل أن يلقي أوباما كلمته التي وعد بتوجيهها إلى العالم الإسلامي بلغ الكلام المسبق حولها مبلغا لم يترك مجالا لمزيد، ما بين مبالغات جعلت من "اليوم الموعود" وكأنه يستحق تتويجه لتأريخ بداية عصر جديد كما حاول سلفه بوش الابن أن يصنع بيوم التفجيرات في نيويورك وواشنطون، ومبالغات أخرى استبقت إلقاء الكلمة لتأكيد خوائها، سواء كان ذلك من منطلق الإفصاح عما قيل إنه نصها المكتوب سلفا، أو من حيث مقارنة الكلام المحتمل بممارسات مرئية لا تشير إلى حدوث تغيير حقيقي في السياسات الأمريكية يتعدى حدود الكلام. 

 

التغيير مطلوب قبل المبادرات الرمزية

المؤكد أن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم الإسلامي تحتاج إلى أفعال تغييرية ملموسة، وليس إلى أقوال مهما كان مضمونها، ولو بقي باراك أوباما في واشنطون ومارس سياسة جديدة ظهرت آثارها على أرض الواقع، لأصبح للكلمة التي يوجهها -بعد ذلك- إلى العالم الإسلامي من أي مكان في الأرض قيمة حقيقية، أما الآن فستبقى قيمتها رمزية ضعيفة، ولعل إدراك ذلك يضاعف الحرص على تسليط الأضواء عليها وإحاطتها بهالة رمزية ضخمة، تواري الافتقار إلى سياسات تغيير حقيقي على أرض العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي.

لا مانع في الأصل من استخدام السياسة للمبادرات الرمزية، وحشوها بالعبارات المثيرة، واختيار المكان الملائم لتوجيهها، وإحاطتها بحيل الإثارة والتشويق كفيلم سينمائي، وتوظيف الإعلام ليكون لها مفعول يخدم هدفها، ولكن جميع المبادرات الرمزية تموت سريعا، وقد ينقلب أثر التفاؤل الذي تصطنعه إلى خيبة أمل كبيرة، فتسبب نقيض المطلوب منها، ما لم تقترن بالأفعال المعبرة عن مصداقيتها.

هذا ما يسري على شعار "التغيير" فيما يرتبط بالعلاقات مع العالم الإسلامي، مما يدفع إلى التساؤل بمناسبة "الكلمة الموعودة":

هل يمكن أصلا إلقاء نظرة موضوعية تحليلية على "حجم التغيير" الموعود في سياسات أوباما ومجالاته وتفاصيله، إذا كان هذا التغيير محصورا بمبادرات رمزية ومفتقرا إلى ممارسات مرئية؟..

ثم كيف ينبغي أن يكون موقف العالم الإسلامي على ذلك؟..

إن فيما قدمه أوباما لشركائه في حلف شمال الأطلسي ما ينطوي على عروض جديدة أثقل بوزنها السياسي من الكلمات الودية، وإن فيما قدمه أوباما لروسيا والصين، وحتى لكوبا وأمريكا الجنوبية، ما بدأ يتخذ أشكالا مبدئية تختلف عما خلّفه أسلافه من موروث سياسات المواجهة والعداء، ورغم ذلك لا يزالون في ردود فعلهم على "سياسته الجديدة" بانتظار أن تتخذ تلك العروض شكلا واضحا على أرضية التطبيق العملي، فما الذي ينبغي أن يكون عليه الموقف العربي والإسلامي إذن مقابل التركيز على عناوين رمزية، دون "سياسات" جديدة أصلا، ناهيك عن ممارسات عملية، إلا في إطار إضافة الوقود على الحرب في أفغانستان وتوسيعها إلى باكستان؟..

لهذا نجد أنفسنا مقابل كثرة ما كتب وقيل عن "كلمة أوباما" أمام السؤال -شئنا أم أبينا- عن إمكانية "مناقشة" ما يعرضه أوباما على العالم الإسلامي أصلا وعن جدوى النظر فيه، ما دام خاليا من عناصر واضحة جديدة وجديرة بالنقاش، وهي لا تتجاوز -مهما بذلنا من جهد لتحديد معالمها- أطياف "رؤيا" هيولية، تذكر برؤيا سلفه بوش الابن في العام الاول من رئاسته عن "دولة" فلسطينية!. 

 

هل أوباما عاجز عن التغيير؟.

لا يصح هنا ما يميل إليه بعض الأقلام من مقولات محورها عدم مطالبة أوباما بأكثر مما يستطيع، لأسباب عديدة، منها:

أولا: كان الرئيس الأمريكي أوباما أسرع من أسلافه في التحرك العملي في الميادين التي صمم على التغيير فيها، كما تشهد خطواته على صعيد الحد من التسلح النووي، كما تشهد محادثاته المبدئية مع موسكو والاختراق الأول المتحقق منذ 12 عاما في مفاوضات مؤتمر الأمم المتحدة في جنيف.. وكذلك على صعيد حماية البيئة والمناخ داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وجميع ذلك رغم مراكز القوى الكامنة وراء صناعات السلاح والطاقة.

ثانيا: على صعيد العالم الإسلامي تحديدا، وبذريعة مكافحة الإرهاب، عمد أوباما على الفور إلى تصعيد الحرب في أفغانستان، وسعى سعيا حثيثا لنقلها إلى باكستان، ولم تمنعه عن ذلك التكاليف الإضافية الباهظة رغم الأزمة الراسمالية الطاحنة.

ثالثا: صحيح أن مطالب العالم الإسلامي المشروعة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كبيرة وكثيرة، ولكن هذا (أ) لا يلغي مشروعيتها، وبالتالي (ب) لا ينبغي الامتناع عن تأكيدها، كما أنه (ت) لا يعود حجمها ولا كثرتها إلى عدم واقعيتها، وفق ما يروق لبعض الأقلام ترويجه، إنما تعود ضخامة المطالب إلى حقيقة أنها تنبثق عن حصيلة ما راكمته عقود وعقود متوالية من أثقال بالغة الخطورة والأثر من صنيع السياسات الأمريكية والغربية، العدوانية عسكريا، والاستغلالية اقتصاديا، والمتطاولة باستمرار في ميادين القيم والأخلاق والتربية والثقافة وما يرتبط بها اجتماعيا.

إن المسؤولية عن الخلل الكبير الراهن الذي يوجب الإلحاح في مطالب العالم الإسلامي تجاه واشنطون، هي مسؤولية تلك السياسات الأمريكية التي بدأت بما شاع وصفه بالغزو الاستعماري على كل صعيد وليس عسكريا فقط، ووصلت في نهاية المطاف إلى تصعيده عسكريا دون أن تنقطع أشكاله الأخرى.. فما الذي يعرضه أوباما مقابل هذا الخلل الكبير والمطالب الكبيرة؟.. 

 

الاستمرارية تبتلع شعار التغيير

كلمة "التغيير" التي أعلنها أوباما شعارا لسياساته، لا يمكن أن تقتصر فيما يتعلق بالعلاقة مع العالم الإسلامي على تغيير جزئي بسيط، ولا نراه في الاتجاه الإيجابي، كما لا تصح محاولات إيجاد الأعذار له مسبقا من قبيل أنه لا يحكم فردا بل من خلال مؤسسات، وأنه لا يستطيع صنع ما قد يريد صنعه دفعة واحدة وإن حسنت نواياه، فعلاوة على عدم صحة ذلك على إطلاقه كما تشير الأمثلة السابقة، يبقى أن هذه مشكلة الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، وليست مشكلة ضحايا سياساتها وممارساتها، وليست قطعا مشكلة العالم الإسلامي وشعوبه ودوله، كي تتبنى جهات عربية وإسلامية البحث عن أعذار للرئيس الأمريكي، هذا علاوة على أن الفارق كبير بين الإعلان عن هدف بعيد مثل إنهاء الهيمنة والامتناع عن دعم الاستبداد، ثم التحرك مرحليا نحو تحقيقه (وهذا ما لم يعلنه أوباما تجاه العالم الإسلامي) مما قد يستحق لو حصل شيئا من التريث والانتظار، وبين مجموع ما طرحه أوباما حتى الآن، وقد ركب في معظم ميادينه مركب استمرارية ما سبق صنعه على أيدي أسلافه، ولكن مع محاولة صنعه بإخراج جديد، وهذا بالذات ما سبق لأسلافه أن صنعوه، وهو ما يستحق الرفض القاطع مع المطالبة بتغيير حقيقي!..

إن الانسحاب السريع نسبيا من العراق كان الوعد الذي ساهم إسهاما رئيسيا في وصول أوباما إلى السلطة، ولم يمض عليه أسبوعٌ رئيساً إلا ونكص على عقبيه ليتبنى ما خلّفه سلفه تحت عنوان "اتفاقية أمنية"، مستفيدا في ذلك من تبدل اهتمامات الناخب الأمريكي بسبب الأزمة الرأسمالية المتفاقمة، وسيان بعد ذلك ما ينتظر العالم الإسلامي منه أو ما يفرضه واقع احتلال العراق وضرورة إنهائه دون قيد أوشرط.. ناهيك عما لا يراد التفكير به أصلا وليس طرحه فحسب، من تعويض العراق على ما لا يمكن تعويضه، من ضحايا الحرب بشرا وإنجازات وثروات!..

وإن إغلاق جوانتانامو على الفور لتخفيف تلطيخه للسمعة الأمريكية أكثر من سواه، كان وعدا انتخابيا آخر، ومرت الأسابيع الأولى فبدأ تمييع أسلوب التنفيذ ووضع الاستثناءات، لتبقى الحصيلة في حدود ما قد يحل المشكلة في الداخل الأمريكي، وليس على صعيد أبعادها الإنسانية والقانونية والسياسية والدولية، ناهيك عما تعنيه كلمة عدالة أو كلمة حقوق لمن أصابهم وباء التعذيب والظلم في جوانتانامو وأبوغريب وانكشف أمره وفي المعتقلات السرية الأخرى.

وإن أفغانستان التي خلّف بوش الابن حربه وحرب حلف شمال الأطلسي فيها على حافة الهزيمة مع محاولات مبدئية لإيجاد مخرج من الهزيمة عبر التفاوض مع طالبان، تحولت خلال فترة وجيزة لوجود أوباما في السلطة إلى حربين في أفغانستان وباكستان معا، فشهدت المنطقة إضافة ملايين آخرين من المشردين وما لا ينقطع من الضحايا المدنيين والمسلحين وما لا يكاد يمكن حصره من التدمير.

ويمكن المضي قدما في تعداد الأمثلة من السودان والصومال ولبنان وسواه، وجميعها لا تشهد تغييرا بل استمرارية السياسات الأمريكية بإخراج جديد.

ما الذي بقي من التغيير بعد ذلك؟..

هل هو التعامل مع إيران بأسلوب آخر؟..

أليس من شأن هذا الأسلوب الذي بدت ملامحه الأولى بالظهور، أن يوجد في العالم الإسلامي بؤرة جديدة لنزاع لا يستطيع أحد استشراف مداه وعواقبه في المستقبل المنظور والبعيد؟.. 

 

بوابة فلسطين لا تُفتح بتصفية القضية

قضية فلسطين بالذات وهي القضية المصيرية المحورية في العالمين العربي والإسلامي، والقضية الأكبر والأكثر وضوحا من حيث حجم الظلم التاريخي الواقع على صعيدها على امتداد القرن الميلادي العشرين، هي القضية التي يريد أوباما في اليوم الموعود لكلمته أن "يقول" إنه يضعها في الصدارة من اهتماماته، وأن "يقول" إنه يطرح من خلالها ما يظن أنه البوابة الضرورية إلى تغيير ما استقر لدى عامة العرب والمسلمين من صورة عدوانية أمريكية على امتداد العقود الماضية.

ولكن من قبل اليوم الموعود لكلمة أوباما بدأ التمهيد من جانبه للحديث:

- عن "حقبة" زمنية أخرى من الجهود المرحلية..

- وعن ضرورة مراعاة ظروف التطرف المتزايد في الحكومة الإسرائيلية بإعطائها "فرصة زمنية" أخرى لتخفيف حدة تطرفها..

- والتلميح والتصريح بصدد ما يُراد انتزاعه من الطرف الفلسطيني والعربي علاوة على كل ما سبق انتزاعه في دروب التصفية الجائرة، لا سيما في "حق العودة" و"مستقبل القدس"..

- ثم يبقى أقصى المنتظر فيما لو زال التطرف الإسرائيلي الجديد، هو تبني ما سبق تثبيته من قبل في ظل التطرف الإسرائيلي المزمن، وفي ظل الانحياز الأمريكي المزمن، وهو ما اتخذ عنوان خارطة طريق، لقيام دويلة فلسطينية مقيدة على كل صعيد، ومع تحويل ذلك من إطار عام حول هدف عائم، إلى إطار عام حول مفاوضات عائمة.

إن الحقبة الجديدة والفرصة الزمنية الجديدة تعني عند أوباما أربع سنوات أخرى إلى أن يحقق ما تقول به خارطة الطريق التي ورثها عن سلفه، وليشهد مجرى تصفية القضية إذن مسلسلا آخر من المفاوضات، والمساومات، والاعتداءات، إضافة إلى حصار المقاومة وتدمير بنيتها التحتية -لو استطاعوا- وحصار شعب فلسطين وكسر إرادته -لو استطاعوا- ثم لا يوجد ضمان واحد لتنتهي السنوات الأربع بالفعل حتى إلى ذلك الأقل من القليل الذي تذكره خارطة الطريق!

ولا أحد يستطيع التنبؤ الآن بما سيطرحه أوباما في نهاية مطافه بالقضية لسنوات أربع أخرى، ويمكن أن يكون مؤتمرا ما على غرار "مؤتمر أنابوليس" كما صنع بوش الابن!..

هل يختلف أوباما في ذلك اختلافا يستحق الذكر عن سلفه الذي بدأ عهده بطرح عنوان "حل الدولتين" شعارا "مغريا" لمن لا يرون مستقبلا لقضية فلسطين إلا عبر واشنطون، ثم انتهى ذلك العهد إلى تقويض البقية الباقية من سلطة فلسطينية، وأرض فلسطينية، ووحدة وطنية فلسطينية.. إضافة إلى ما لا يُحتمل من المعاناة الإنسانية للشعب بأكمله؟..

إن تعامل أوباما مع قضية فلسطين ووضعها في إطار التوجه الكلامي بخطاب "معسول" إلى العالم الإسلامي يعني على ضوء ما سبق إيجاد أجواء عامة، سياسية تجد من يتبناها إقليميا، وإعلامية تجد من يروجها إقليميا، لقطع مرحلة حاسمة وخطيرة أخرى نحو تصفية القضية على حساب الحق والعدالة، مع تصوير ذلك تزويرا وكأنه "نصر" للعرب والفلسطينيين، قد تحقق بفضل "ضغوط" أوباما على الإسرائيليين!..

هنا يختلف أوباما عن سلفه فعلا، فهو أشد خطورة منه على القضية المصيرية الأولى في العالم الإسلامي. 

 

كلمة العالم الإسلامي إلى أوباما

من لا يستمع لا يملك حق الكلام.

وإذا أراد أوباما أن يستمع العالم الإسلامي إلى كلمته، عليه هو أن يستمع إلى ما يريده العالم الإسلامي أولا.

وليس العالم الإسلامي شيئا هلاميا أو خياليا -أو أسطوريا على حد تعبير أحد الصحفيين الأمريكيين- وإلا فعلام يأخذ منذ قرون الحيز الأكبر من المخططات الغربية، مؤامراتٍ ساهمت في تجزئته، وحروباً ساهمت في استعدائه، وهيمنة على الثروات ساهمت في تخلفه، وممارسات متوالية من مستوى تدبير اغتيالات وانقلابات حتى مستوى تنصيب مستبدين وأتباع إلى درجة عمل بعضهم لحساب المخابرات المركزية الأمريكية، فضلا عن جهود لا تنقطع للانحراف بالشعوب بعيدا عن العقيدة والقيم والأخلاق التي صنعت حضارتها وصاغت شخصيتها المتميزة في الأسرة البشرية؟..

يجب أن يعلم أوباما وسواه من المسؤولين الأمريكيين والغربيين:

ليس العالم الإسلامي شبكة من أنظمة حكم تنحصر قيمتها عند الغرب في ولائها له، ولا شبكة قواعد عسكرية غربية وأنابيب نفطية وأسواق استيراد استهلاكية ومشاريع استثمارية.. بل العالم الإسلامي شعوب ودول، وقضايا ومآسي، وطاقات وإنجازات، وتاريخ ومستقبل، وحضارة مضت وحضارة قادمة في مسلسل دورة الحضارات في تاريخ البشرية.. وهو في المرحلة الراهنة بالذات علاوة على ما سبق مقاومة متنامية حجما وقوة وانتشارا وصمودا وإنجازا، وهو أيضا إرهاصات حضارية واعدة تؤكد أن النهوض والتقدم أصبحا مسألة زمن، وأن العدوان الخارجي لا يمثل في هذا الإطار سوى "عراقيل" يجب تجاوزها ويمكن تجاوزها.

إذا أراد أوباما أن بتحدث إلى العالم الإسلامي فليستمع إليه أولا.. ولن يستمع إليه عبر لقاءات رسمية ومحادثات، وزيارات متبادلة ومؤتمرات، بل عندما يستوعب أن العالم الإسلامي يتحدث بنفسه عن نفسه:

- يتحدث بما يشهده من حروب ونزاعات ومن مشكلات التجزئة والتخلف ومن مآسي الحصار والتشريد.. وقد أصبح صنع ذلك بمختلف السبل من النقاط الدائمة في جداول أعمال الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.

- ويتحدث عبر أرقام الضحايا من مدنيين ومقاومين ومقاتلين، في أفغانستان وباكستان، وفي فلسطين والصومال، وفي البلقان ولبنان، وما كانت اليد الأمريكية غائبة عن أي ساحة من هذه الساحات، ولا تستطيع السياسات الأمريكية التبرؤ في أي موقع من تلك المواقع مما ارتكبته مباشرة أو عن طريق من تدعمهم دون انقطاع، سواء كانوا أمراء حرب أو أنظمة مستبدة أو فئات تُصنع على عين المخابرات الأمريكية مما يوصف بالطابور الخامس داخل بلدانها.

- ويتحدث عبر مثلث العلاقات ما بين الشعوب ومعاناتها، والفئات المهيمنة حكما وثروة وفسادا، والقوى الغربية بزعامتها الأمريكية وما تصنعه تحت عنوان "مصالحها القومية والأمنية"!..

إن العالم الإسلامي لا يحتاج إلى من يلقي كلمة في واشنطون "يشرح" فيها ما يطالب به أوباما، فساسة واشنطون أعلم بأنفسهم وبممارساتهم على حساب دوله وشعوبه، من قبل النكبة الأولى بفلسطين حتى النكبات الحالية ما بين باكستان والصومال.

والعالم الإسلامي لا يوجه "كلمة" إلى الرئيس الأمريكي، فما يريده عبارة عن مطالب وحقوق مشروعة، فكما ينطق بها لسان حاله وواقعه، ينطق بها أيضا لسان الصمود والمقاومة فيه، وليس في هذه المطالب مطلب غير مشروع..

ليس فيها ما يفضي إلى احتلال أرض أمريكية، أو تأخير الانسحاب بعد احتلال سبق، أو الاستيلاء على ثروة فيها، أو اعتقال بشر من أهلها وتعذيبهم، أو دعم حاكم مستبد أمريكي..

إنما تدور من أولها إلى آخرها حول محور واحد، أن تكف الولايات المتحدة الأمريكية عن العدوان الباطل.. ترسيخا لاغتصاب الأرض والتاريخ والمستقبل كما في فلسطين.. أو تدميرا وتقتيلا كما في العراق وأفغانستان.. أو تمزيقا وتفتيتا كما في باكستان والسودان والصومال.. أو نشرا للفوضى الهدامة كما في معظم بلدان العالم الإسلامي..

المطلوب أن تكف السياسات الأمريكية عن ربط متطلبات "الأمن القومي الأمريكي" بالوجود الأمريكي المهيمن في العالم الإسلامي، على بره وجوه ومائه، وعلى دوله وشعوبه، وعلى ثرواته وقضاياه، مع الاستهتار بأمن العالم الإسلامي نفسه، سواء كان أمن دولة من الدول، أو أمن شعب اغتصبت أرضه وشرد، أو أمن إنسانية إنسان بريء في معتقل جوانتانامو وأمثاله.

إن ما تمارسه السياسات الأمريكية عدوان غير مشروع بكل مقياس من المقاييس، والمطالبة بالكف عنه مطلب مشروع بمختلف المقاييس.. ولا يمكن أن يستمر على حساب العالم الإسلامي وأهله، على حساب حرية الأوطان، وسيادة الدول، وإنسانية الإنسان.. بل ستوقفه مقاومة العالم الإسلامي إن لم توقفه السياسة الأمريكية.

والمطلوب من أوباما هنا أن يغير.. لا أن يتكلم.

ليستمع أوباما إلى العالم الإسلامي كي يستمع إليه، شريطة أن يتحدث بعد أن يعمل، وأن يصنع تغييرا لا أن يكرر ما صنع أسلافه، وإلى ذلك الحين لن يجد في العالم الإسلامي شعوبا تستمع إليه، سواء تحدث في واشنطون أو في القاهرة أو في أي مكان من الأرض.

ولئن كان الرئيس الأمريكي في حاجة إلى "نصيحة" فعليه أن يلتفت ومن معه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإخراجها من حصيلة سياساتها العدوانية تجاه العالم الإسلامي، فليست هذه الحصيلة في صالحها الآن، ولن تكون في صالحها في المستقبل القريب أو البعيد.

ـــــــــ

المصدر : مداد القلم 11/6/2009

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ