ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
كلمتنا
نحن هي الأهم من كلمة أوباما
أين
من يقول ما يجب قوله للأمريكيين
وسائر القوى الدولية؟.
نبيل
شبيب يستخدم
في بعض الأدبيات السياسية
والإعلامية في الغرب تعبير "غنية
بالورود" في وصف اللغة
العربية، كناية عن أن ما يقال في
صيغة تصريحات وخطب لا ينبغي أن
يؤخذ بصورة دقيقة وفق ما تعبر
عنه الحروف والألفاظ، بل ينبغي
تصفية الكلمات واستخلاص
المقصود. وتُستخدم هذه المقولة
انتقائيا، ومن الأمثلة
المشهورة على ذلك استغلال
الإعلام لفترة طويلة كلمة أحمد
الشقيري الشهيرة عن اليهود "نرميهم
في البحر" فلم يجر تفسيرها عن
أنها جملة عربية بأسلوب تعبير
تصويري وتعني إنهاء الاغتصاب
والاحتلال، بل قيل "إن العرب
يريدون قتل جميع اليهود بفلسطين
ورمي جثثهم في البحر الأبيض
المتوسط"، ولا يزال يُستشهد
أحيانا بذلك حتى الآن في معرض
الدفاع عن الإسرائيليين وما
صنعوا ويصنعون بالفلسطينيين،
وقد ورد التنويه بذلك في كلمة
أوباما أيضا!..
ورود
التعبير البلاغي في خطبة سياسية
استخدام
مقولة "اللغة الحافلة
بالورود التعبيرية" عن اللغة
العربية دخل في كثير من الأحيان
في "صياغة" ما يراد قوله
غربيا للعرب والمسلمين، بدعوى
أن هذا أبلغ في التأثير على
مواقفهم واقتناعاتهم، فبدأ
يتحول الكلام السياسي بعبارات
مختارة بعناية فائقة ومضامين
محددة المعالم والمقاصد، إلى
كلام عام، "حافل بورود
البلاغة التعبيرية المنمقة"
ولكن دون مضمون يستحق الذكر. لا شك
في أن باراك أوباما قد لجأ إلى
ذلك بناء على اجتهاده الشخصي أو
اجتهادات معاونيه ومستشاريه،
ليتحدث حوالي ساعة في جامعة
القاهرة عشية ذكرى نكبة 1967م،
مخاطبا العالم الإسلامي بكلام..
لو حاولنا استخلاص مضمون محدد
لمحتواه، لكفى التعبير عنه
بجملتين أو ثلاث. على أن
المشكلة ليست فيما قال وكيف عبر
عنه، فقد مضت حقبة ماضية كان "بيع
الكلام" فيها كثير الرواج،
ونعايش هذه الأيام ارتفاع مستوى
الوعي الشعبي بدرجة لابأس بها،
ليكون رد الفعل على كل ما يقال
موقفا واضحا: نريد أفعالا لا
أقوالا!.. بين
الواقعية والتفاؤل المشكلة
الأكبر قائمة في وجود نسبة لا
بأس بها من أصحاب الأقلام في
مواقع إعلامية وسياسية أو "تابعة"
للسياسيين، في البلدان العربية
والإسلامية، لا تزال مرتبطة أو
متأثرة بالماضي وأساليبه، وتضم
فريقا منفصلا عن الوعي الشعبي
المتزايد، ومن هؤلاء من يعلق
مجرى أي حدث، وموقف أي جهة،
ومصير أي قضية، بالسياسة
الأمريكية، أو على حد تعبير
عزمي بشارة على وجه التقريب "إن
الموقف العربي الذاتي غائب، أما
انتظار ما تصنع واشنطون وتقول
سلبا أو إيجابا للتفاعل معه
فليس موقفا". كان من
ردود الأفعال السياسية
الإسرائيلية على كلمة أوباما
قول بعضهم رسميا (لأمن إسرائيل
الأولوية القصوى، فأوباما لم
يذكر أي المستوطنات التي يجب
إيقاف توسيعها ، ولم يُشر إلى
كنه الدولة الفلسطينية).. ولم
يصدر عن أي جهة رسمية عربية
القول مثلا (لأمن الفلسطينيين
والعرب والمسلمين الأولوية
القصوى، وهذا ما يحمّل العلاقات
العربية الأمريكية تناقضا
جذريا مع تأكيد أوباما استحالة
انكسار الارتباط الاندماجي
الأمريكي-الإسرائيلي). وكان من
ردود بعض الجهات الإسرائيلية
شبه الرسمية قول بعضهم (لقد
صُدمت من مقارنة أوباما بين ما
تعرض له اليهود من مجازر في
أوربا ، وبين معاناة عرب
إسرائيل).. ولم يصدر عن أي جهة
رسمية أو شبه رسمية عربية القول
مثلا (لقد صدمت بمقارنة أوباما
مقاومة الفلسطينيين للاحتلال
الغاصب الذي يمارس العدوان
الوحشي يوميا بممارسة السود
الأمريكيين وفي جنوب إفريقية
للتمييز العنصري داخل حدود
بلادهم ومن جانب مواطني بلادهم
بالوسائل السلمية لمطالبة
مقاومة الاحتلال والعدوان
الفلسطينية بالتخلي عما يسميه
عنفا). النوايا
جواب النوايا والأفعال جواب
الأفعال لئن
نظرنا في مسلسل المقالات
الإعلامية العربية، المكثف
بشكل غير مسبوق عن كلمة أوباما،
قبل إلقائها واثناء إلقائها
وبعد إلقائها، لوجدنا كثيرا من
أساليب التعبير عن دعمه وتأويل
كلامه والتفاؤل بالقادم من
أفعاله، ولكن ليس من منظور موقف
ذاتي يطالب بتغيير السياسات
الأمريكية، بل من منظور تأويل
الكلام عنها قبل تغييرها،
للمطالبة بالتجاوب معها أو "عدم
الاستعجال" بمواقف رافضة لها..
ويمكن تبويب هذه الأساليب على
محاور محددة جميعها موجهة إلى
العرب والمسلمين وكيف ينبغي لهم
أن "يكيّفوا أنفسهم ومواقفهم
وتوقعاتهم وفق ما قال أوباما"،
أي وفق تلك الكلمة التي شهدت من
الإعداد والإخراج ما يجعلها
تستحق "جائزة أوسكار"
الأمريكية بامتياز. من هذه
المحاور: 1- يجب
أن تعطوا أوباما فرصة لإثبات
حسن نواياه بالأفعال المرئية!.. والجواب:
الرئيس الأمريكي لم ينتظر حيث
لا يريد الانتظار، فاتخذ سلسلة
من القرارات وبدأ تنفيذها فورا،
وأبرزها للعيان ما يجري في
أفغانستان وباكستان، ويعيد
الوضع إلى مرحلة الاحتلال
الأولى بعد أن وصل قبل وصول
أوباما للسلطة، ونتيجة ظهور
معالم الهزيمة الأمريكية
والأطلسية، إلى مرحلة البحث عن
مخرج بما في ذلك التفاهم مع
طالبان!.. كذلك لم ينتظر بشأن
العراق، بل نكص عن وعوده
الانتخابية بانسحاب سريع، وقرر
الأخذ بما خلفه له سلفه وعلى وجه
التحديد ما سمّي "اتفاقية
أمنية" ترسّخ نتائج الاحتلال
بعد رحيل قواته العسكرية.. فما
الذي يمكن انتظاره في قضايا
أخرى ولا سيما قضية فلسطين؟.. 2- يتبنى
أوباما بوضوح "حل الدولتين..
ووقف الاستيطان.. وخارطة الطريق"
في قضية فلسطين ويواجه بذلك
السياسة الرسمية الإسرائيلية
علنا، وهذه بداية تحسب له وليس
عليه. والجواب:
الرئيس الأمريكي يتبنى حرفيا ما
تبناه أسلافه لا سيما بوش
الابن، الذي قال بهذه العناصر
الثلاث، ووضعها على أرضية
أولوية الأمن الإسرائيلي
الاندماجي بالسياسة الأمريكية،
ولم يترك أوباما مجالا للشك في
أنه يضعها أيضا على أرضية تلك
العلاقة الاندماجية "غير
القابلة للانفصام". وإخراج
سياسته وكأنها ستجد الطريق إلى
التنفيذ "رغما عن
الإسرائيليين.. وبممارسة الضغوط
عليهم" كما تحاول جهات عربية
وفلسطينية تصويرها، يعني
التمهيد لتصوير الحصيلة،
وكأنها نصر كبير، مع أن
تنفيذها، بحذافيرها على وجه
الاحتمال لا التأكيد، ناهيك عن
المساومات المؤكدة حولها وفق ما
وصف به المبادرة العربية بأنها
بداية فحسب، سيعني ذلك التنفيذ
تصفية القضية، وتلك نكبة أكبر
بحجمها ومفعولها من نكبتي 1948 و1967م،
وأقل ما فيها أن "السلام
والتطبيع" سيصبحان الغطاء
لتوجيه ضربات مباشرة للمقاومة
"الكلامية والعملية"
بأضعاف ما بدأ يجري سلفا، وتشهد
عليه آخر حلقاته في معبر رفح وفي
قلقيلية. 3- لقد
وعد أوباما بالانفتاح والتعاون
الاقتصادي والاستثماري
والتعليمي وسواه مع بلدان
العالم الإسلامي، وهذه بداية
جديدة للعلاقات الأمريكية مع
هذه البلدان، لا ينبغي التشكيك
فيها!.. والجواب:
وهل انقطع هذا التعاون من قبل؟..
أليس حجم التجارة الأمريكية مع
العدد الأعظم من البلدان
العربية والإسلامية أكبر من
حجمها مع أي طرف دولي آخر، ناهيك
عن "التجارة البينية" ضحية
الاغتيال المباشر بسبب إعطاء
الأولوية للعلاقات الخارجية؟..
أليس ما يجري تحت عنوان تعديل
المناهج التعليمية بتغريبها
مضمونا، وحتى لغويا بحشر
الإنجليزية مكان العربية على
مختلف المستويات، يجري تحت "رعاية"
التعاون مع الولايات المتحدة
الأمريكية؟.. أليس القدر الأكبر
من "التقليعات الفنية وما
يلحق بها" هو من قبيل "الاستنساخ
الرديء.. أو الاستيراد المباشر"
لما أفرزته تفرزه "الحياة على
الطريقة الأمريكية أو الغربية"؟..
4- لا
ينبغي التحامل والتشكيك..
فأوباما يقول إن العلاقات
المستقبلية ستقوم على أساس
الاحترام المتبادل!.. والجواب:
الاحترام للإسلام وقيمه
وإنجازاته في كلام أوباما لا
يختلف من قريب أو بعيد عن
احترامه من جانب كثير من
المفكرين وبعض الساسة الغربيين
الآخرين ومحوره ومنتهاه هو (الماضي
التاريخي) أما احترام الإسلام
الوسطي المعاصر الآن، فلم يرد
له ذكر في كلام، ولا تطبيق في
أفعال، لا من جانب أوباما ولا من
جانب سواه من الغربيين
المعاصرين، ومن أراد أن يبني
على الاحترام المتبادل يمكن أن
يبني عند ظهوره الفعلي على أرض
الواقع، وليس عند التنويه به في
خطبة بلاغية "حافلة بورود
الوعود" وتذكر بخطب الحملات
الانتخابية الأمريكية فحسب. 5- ألم
يتعهد أوباما بمحاربة الصور
النمطية السلبية عن الإسلام..
فعلام لا نخرج أنفسنا من الصور
النمطية السلبية عن أمريكا؟.. والجواب:
ليس لدينا "هوليوود"
لتغيير ما مارست وتمارس، وليس
لدينا من يسيء إلى مقام المسيح
عليه السلام، وليس لدينا مراكز
فكرية وبحثية كالتي تتولى في
الغرب نشر الصور النمطية عن
العرب والمسلمين، وليس لدينا
وسائل إعلام من مستوى ما صنعته
آلة التقدم الغربية ولا تنقطع
فيها صناعة الصور النمطية
السلبية.. فلئن تعهد أوباما
بمواجهة ذلك وتغييره، وصنع ذلك
فعلا، وجب عليه أيضا أن يتعهد
بمواجهة صناعة الصور النمطية عن
الولايات المتحدة الأمريكية في
أنحاء العالم، ومصانعها مشهودة
ما بين أفغانستان وكوبا، وما
بين الصومال وفلسطين، وعبر
الجيوش والقوات المنتشرة في
بحارنا وأجوائنا وأراضينا
وجيوش المستشارين والخبراء في
أعماق وزارات بلادنا ومؤسسات
تعليمنا وإعلامنا، إضافة إلى ما
صنعته الممارسات الأمريكية غير
المسبوقة منذ العصر الحجري في
جوانتانامو وأقبية المخابرات
وسجونها السرية، وفي أبوغريب
ومئات السجون والمعتقلات من
أمثاله في أرض العراق، وإضافة
إلى ما صنعته مشاهد الضحايا من
القتلى والمشوهين والمشردين
والمحرومين والمصابين بأخطر
الامراض نتيجة استخدام
اليورانيوم المنضد وسواه من
مبتكرات آلة الحرب الأمريكية،
في أنحاء الأرض الإسلامية التي
يجري تفتيتها ونشر الفوضى
الهدامة فيها وفق سياسات
أمريكية، لم يصل إليها التغيير
حتى الآن!.. هل نملك
نحن حقا تغيير هذه "الصور
النمطية".. وهل يمكن تغييرها
بكلام كثير وإجراءات محدودة حتى
الآن على طريق التغيير؟.. أليس
من المفروض بنا أن نطالب بعضنا
بعضا بأن يصل التغيير -إذا تحقق
أصلا- إلى مداه، قبل أن نطالب
بعضنا بعضا، بنسيان ما مضى،
والتعلق بما "قد" يأتي؟..
واجباتنا
الذاتية مرة
أخرى: ليست المشكلة في كلام
أوباما، وهل هو صادق أو غير
صادق، وهل فيه جديد أم ليس فيه
جديد، وهل يريد بسياسته متابعة
ما سبق ومارسه أسلافه في "ساحات
المواجهة المباشرة وساحات
التعاون على شارع باتجاه واحد"
مع اقتصار "التغيير" على
تغليب البسمات والكلام الودي
على العنجهية والعجرفة.. إنما
المشكلة كامنة في التعامل من
داخل الأرض العربية والإسلامية
مع أوباما، ومع أي رئيس أمريكي
آخر، وأي سياسة أجنبية دون
استثناء. سيان ما
يريد أوباما، لن يستفيد العرب
والمسلمون من إيجابياته ولن
يواجهوا سلبياته، إلا عندما
تكون لهم أجهزة فكرية وسياسية
ذاتية مستقلة الإرادة وطنية
المنشأ والممارسة، تحدد ما
يريدون، وتحدد السبل لتنفيذه،
وتحدد الخطوط الحمراء في
التعامل على أساسه مع الآخرين،
ثم يمكن آنذاك أن ينظر
المسؤولون من خلال منظارهم هم،
إذا انبثق عن الإرادة الشعبية
حقا، في جميع ما يعرضه الآخرون
من احتمالات التعاون على أساس
الاحترام المتبادل، أو
احتمالات المواجهة لتغليب ما
يرونه هم من مقتضيات "أمنهم
القومي" و"مصالحهم القومية"
كما يسمونها، لا سيما عندما
يكون ذلك مندمجا مع الأمن
العدواني الإسرائيلي"
اندماجا لا يقبل الانفصام. وإلى
ذلك الحين.. إلى أن توجد أجهزة
فكرية وسياسية قويمة في توجيه
سياسات البلدان العربية
والإسلامية، تحكم السلطات
الرسمية، وتحكم وسائل إعلامها
الرسمية وشبه الرسمية، وتحكم
علاقاتها بالشعوب، لا يمكن
التعامل مع سياسات أوباما
وسواه، إلا من خلال ما شاع وصفه
بثقافة الصمود والمقاومة،
وثقافة النهوض والتقدم، وثقافة
الارتفاع فوق الخلافات الذاتية
ما بين التصورات والتيارات
القائمة في المنطقة العربية
والإسلامية، وتغليب المصلحة
العليا المشتركة على ما سواها. وآنذاك
يمكن لمن يقول "السلام عليكم"
بلسان أمريكي مبين، أن يجد
الجواب على ذلك بلسان حضاري
عربي وإسلامي مبين. ــــــــ المصدر
: مداد القلم 11/6/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |