ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
فتحي
يكن رحمه الله الداعية الحركي والكاتب
المفكر والأستاذ المربي
والسياسي القدير نبيل
شبيب كانت
كتبه من الكتب المفضلة بين كتب
الدعوة والحركة التي تستهوي
الشباب وتفيدهم، فأسلوب كتابته
متميز بوضوح العبارة وسلاستها،
وترتيب الأفكار كبناء هندسي،
يقول ما يريد قوله مباشرة دون
مواربة، ويعبر عن رأيه بصورة
قاطعة لا تدع مجالا للبس، وكنت
أحسب أيام الشباب، قبل عشرات
السنين، أنني أقرأ لرجل بلغ من
العمر ما بلغ، وجمع من أطراف
المعرفة والحكمة ما جمع، حتى
إذا لقيته وجها لوجه في أحد
المؤتمرات الإسلامية قبل سنوات
معدودة، لم أجد أمامي شيخا
مسنا، وقدرت أن ما خطه يراعه من
تلك الكتب كان وهو في عمر أولئك
الشباب الذين يقرؤون له، ولم
أعلم إلا يوم حمل البريد نبأ
وفاته، أنه قد بلغ 76 عاما من
العمر، فهو من مواليد 1933م،
وأدركت أن ابن السبعين الذي
لقيته في ذلك المؤتمر كان يبدو
في الأربعين من العمر حركة
ونشاطا، وأن عطاءه المتواصل
كتابة وتدريسا وفي العمل
الإسلامي والسياسي أضفى على
عمره حيوية تثير الإعجاب
والتقدير. لقد قضى
فتحي يكن رحمه الله عمره كله
عاملا لله عز وجل، وانخرط في
العمل الإسلامي وهو في ريعان
الشباب، وكان في الثلاثين من
العمر عندما تولى مسؤولية أمير
الجماعة الإسلامية (الإخوان
المسلمون في لبنان) وبقي على رأس
العمل فيها ثلاثين عاما، وفي
الوقت نفسه أسس مع زوجه
الدكتورة منى حداد جمعية الجنان
(مؤسسات تربيوية) التي انبثقت
عنها جامعة الجنان الإسلامية في
طرابلس عام 1991م، وتتبع لها أربع
كليات للآداب وإدارة الأعمال
والإعلام والصحة، بالإضافة إلى
مركز مستقل لحقوق الإنسان. ورغم
خروجه من الجماعة التي قادها
وتأسيسه جبهة العمل الإسلامي في
لبنان عام 1993م، فقد بقي على صلات
طيبة بها وبقيت تحفظ له مكانته
وتقدر إنجازاته للإسلام
والمسلمين من خلالها وخارج
إطارها، وفي مقدمتها بضعة
وثلاثون كتابا وما لا يحصى من
المقالات والمحاضرات والبحوث. كان
فتحي يكن داعية ومفكرا، وكاتبا
وأستاذا جامعيا، وزعيما
إسلاميا وسياسيا محنكا، وكان
لشخصيته من الميزات ما مكّنه من
التحرك وسط ما لا يحصى من
الألغام بلبنان، فلم ينقطع
انتماؤه إلى الإخوان المسلمين
ولا انقطعت صلته بالحكم في
سورية وهو على نزاع معهم وصاحب
القول الفصل في لبنان فترة
طويلة، بل قام بمحاولات عديدة
لرأب الصدع بين المشردين عن
سورية من الإخوان وبين الحكم
القائم في بلدهم، كما كان قادرا
على التعامل مع الأطياف
الطائفية والسياسية العديدة
على أرضية الأزمات اللبنانية
المتتابعة من قبل الحرب الأهلية
إلى ما بعد آخر الحروب
العدوانية الإسرائيلية على
لبنان. ويشهد اللبنانيون على
دوره في محاولة التوسط بين ما
عُرف بالموالاة والمعارضة،
وعلى مفعول خطبة الجمعة الشهيرة
التي ألقاها أثناء الأزمة في
صلاة ضمت الشيعة والسنة وساهمت
في الحيلولة دون تعزيز الطائفية
من وراء النزاعات السياسية،
فضلا عن موقفه من المقاومة التي
ولدت بمشاركته منذ بداياتها
الأولى، وانحاز إليها بعد أن
ارتبط اسمها بمنظمة حزب الله
وتخلت جهات كثيرة عنها. ومن شأن
كل من له مثل هذه الأدوار،
ويعايش ما عايشه فتحي يكن من
نزاعات وصراعات وأحداث، أن يجد
من يؤيد أطروحاته
ومن ينتقدها، كما كان مع سيد قطب
رحمه الله، والذي يوصف فتحي يكن
بالمفكر الحركي الثاني للإخوان
المسلمين على خطه من بعده، ومن
بين الانتقادات ما يرى في فتحي
يكن تشددا في الولاء للتنظيم
الحركي، ولوحدته وضوابطه، وهذا
ما أسهب في الحديث عنه في كتابه
"أبجديات التصور الحركي
للعمل الإسلامي"، ويوجد من لم
يقبل عذره في الانفصال عن
الجماعة الإسلامية وتأسيس جبهة
العمل الإسلامي ليقف مناصرا
المقاومة في الزوبعة التي شهدها
لبنان في السنوات الأخيرة من
عمر الداعية الراحل. وسيان
ما يقال في تلك الانتقادات
وسواها وما يمكن أن يقال عنها،
يبقى أن فتحي يكن رحمه الله كان
صادقا مع نفسه وفكره
واجتهاداته، لم يبدل ما يراه
موقفا صائبا طوال حياته، ولم
يجعل من الخلاف أو الخصومة سببا
لقطيعة أو عداء، ولم يخرج في
التعبير عما يراه عما تميز به من
أخلاقيات الإسلام، وقيم العمل
الحركي الإسلامي، وواقعية
العمل السياسي، والتمسك بأرضية
مشتركة تجمع بينه وبين الآخرين
فيما يُتفق عليه. رحم
الله فتحي يكن، وغفر له، وأسكنه
فسيح جنانه، وعوّضه عن الدنيا
وما فيها بجنة عرضها السموات
والأرض، وألهم الصبر والسلوان
زوجه الفاضلة، وابنه وبناته
الأربع، وأحفاده وجميع أقربائه
ومحبيه وإخوانه، ومن عرفه عن
بعد من خلال كتبه ومواقفه
وعطاءاته، ولله الأمر من قبل
ومن بعد، وإنا لله وإنا إليه
راجعون. ـــــــ المصدر
: مداد القلم ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |