ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
على
طريق الإصلاح السياحي فهمي
هويدى لا يكف
الحزب الوطني عن إدهاشنا. فقد
اكتشف أخيرا أن المرأة نصف
المجتمع، ولأن الاكتشاف كان
مثيرا ومفاجئا، والفرحة به لا
تحتمل التأجيل، فقد سارع جهابذة
الحزب إلى تعديل قانون مجلس
الشعب، بحيث تضاف إليه حصة
للمرأة لا تقل عن 64 مقعدا. ولكي لا
تفوت الفرصة النادرة، فإنهم
عرضوا التعديل على مجلسي الشعب
والشورى بسرعة قبل فض الدورة
البرلمانية. ونال تأييد
الأغلبية الساحقة التي يتمتع
بها الحزب، الأمر الذي اعتبره
رئيسا المجلسين إنجازا تاريخيا
وحضاريا، يستجيب لنداء الرئيس
مبارك في برنامجه الانتخابي،
ويتوج جهود السيدة قرينته في
الدفاع عن المرأة وتفعيل دورها
في المجتمع. الأوصاف
التي أطلقت على التعديل،
والأسماء التي ذكرت في سياق
الحفاوة به تكاد تحصنه ضد
التعليق أو المناقشة، كما أن
الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس
الشعب وهو يتحدث عن الأهمية «التاريخية»
للتعديل، وصف ناقديه بأنهم
رجعيون يريدون إعادتنا إلى قرون
سحيقة مضت، مع ذلك أستأذن في أن
أقول بعض الكلمات التي لم أستطع
أن أحبسها بعد الذي قرأته في
الصحف عنه. الكلمة
الأولى أنه ليس لدي أي تحفظ على
تمثيل المرأة بأي عدد في
المجالس النيابية والبلدية،
وأعتبر ذلك التمثيل من مظاهر
عافية المجتمع وحيويته. الثانية
أنني تمنيت أن يتم ذلك التمثيل
من خلال التطور الطبيعي
للمجتمع، وفي انتخابات حرة
ونزيهة يعطى فيها الجميع فرصا
متكافئة، بحيث يصبح تعبيرا عن
رضا الناس وليس تعبيرا عن رغبة
السلطة. الثالثة
أن تخصيص حصة «كوتة» للمرأة لا
علاقة له بالإصلاح السياسي،
وإنما هو أقرب إلى التجمل
السياسي الذي يعنى بتحسين
المنظر وطلاء الواجهة، ويندرج
ضمن ما أطلقت عليه من قبل وصف «الإصلاح
السياحي»، ذلك أن الإصلاح
السياسي الحقيقي له مدخل مختلف
تماما، يبدأ بإطلاق الحريات
العامة، التي تكفل للناس تمثيلا
يسمح لهم بحق المشاركة
والمساءلة وتداول السلطة. الكلمة
الرابعة أنني أشك كثيرا في أن
أحدا في بر مصر سأل يوما ما كم
عدد النساء في مجلس الشعب، لأن
السؤال الكبير الذي يشغل الجميع
طوال الوقت هو لماذا لا يقوم
المجلس بوظيفته بحيث يكون رقيبا
على السلطة التنفيذية وليس صدى
أو أداة لها؟. الكلمة
الخامسة أن وصف التعديل بأنه
خطوة تاريخية ونقلة حضارية، يعد
نوعا من الإسراف في خداع النفس
الذي يوظف اللغة فى إهدار
الحقيقة وتسويق الوهم. إن بلدا
مثل الهند، الذي تجاوز عدد
سكانه مليار نسمة وترتفع فيه
نسبة الأمية إلى 48 ٪،
ومشكلاته السياسية والاجتماعية
لا حدود لها، حققت فيه المرأة
بالديموقراطية حضورا قويا في
المجال العام. فقد رأست
الجمهورية فيه قبل عامين سيدة
هي براتبها باتل. وتقوم الآن
سونيا غاندي بدور المايسترو في
الحياة السياسية باعتبارها
زعيمة الائتلاف الحاكم بقيادة
حزب المؤتمر، الذي حقق نصرا
كبيرا في الانتخابات الأخيرة.
كما انتخبت لرئاسة البرلمان
سيدة هي ميرا كومار التي تنتمي
إلى طائفة «المنبوذين». وضمت
الحكومة الهندية الجديدة 9
وزيرات أصغرهن سنا اجاثها
سانجما وزيرة التنمية الريفية
التي يبلغ عمرها 27 سنة! هذا «التمكين»
لم يفرض على المجتمع من أعلى ولم
يتم بتدخل جراحي من جانب أي
مؤسسة سياسية، ولكنه جاء ثمرة
طبيعية للتطور الديموقراطي
الذي نضج في ظله الوعي وارتقى
بشكل تدريجي. صحيح أن الحكومة
الهندية الآن تعد مشروعا لتحديد
حصة المرأة في الحياة
النيابية،لكن ذلك يعد تقنينا
لوضع قائم بالفعل، وليس افتعالا
لوضع يفرض على المجتمع. والفرق
بين الحاصل هناك وما حدث عندنا
يجسد الفرق بين الديموقراطية
الحقيقية والديموقراطية «المضروبة»،
أو بين الجد والهزل. ــــ المصدر
: صحيفة الرؤية الكويتيه 17/6/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |