ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مصطلح
"المنطقة العربية" 2-3 نوال
السباعي - مدريد " المنطقة
العربية " هي هذه المنطقة
الممتدة جغرافيا من البحرين
والإمارات العربية المتحدة على
شواطيء "الخليج الاسلامي"
– لا العربي ولا الفارسي- شرقا
، حتى المملكة المغربية
وموريتانيا على ضفاف المحيط
الأطلسي غربا ، ومن سورية وتونس
شمالا إلى السودان وجزر القمر
جنوبا ، هذه المنطقة التي كانت
ومازالت تحتل مكانا جغرافيا
مرموقا بين القارات الثلاث من
حيث المعابر المائية الرئيسية
في الاتصالات البحرية ، والتي
تشتمل على جزء من أكبر ثروات
العالم المادية من البترول
والغاز الطبيعي والكوادر
البشرية الشبابية ، وقد كانت
مهدا للرسالات الإلهية الثلاث
الرئيسية في العالم ، والتي
قلبُها الأرض المقدسة فلسطين
وفيها القدس الشريف ، حيث هاجر
موسى وولد عيسى وأسري بمحمد . هذه المنطقة
التي كانت وخلال ألف عام منطقة
جغرافية متصلة ، تتبع سلطة
سياسية واحدة ، وتنقسم إلى عدة
مناطق جغرافية معروفة تاريخيا :
أرض الحجاز ، العراق ، اليمن،
بلاد الشام ، مصر ، وشمال
إفريقية ، وبلاد المغرب ،
مقاطعات ، جعلها الاستعمار دولا
مستقلة ، بعد أن قام بتقسيمها
بمسطرته وقلمه الأحمر-الأزرق
السايكس بيكوتي ذاك!!، ومازال
فعل التقسيم وإرادته سارية
المفعول لم تتوقف منذ ستين عاما
حتى الساعة ، بجهود دؤوبة
لاقتطاع المزيد ، وتقسيم المزيد
، وتمزيق المزيد من هذه المنطقة
، بدءا بتبعيتها لهذا المستعمر
أو ذاك ، وانتهاءا بالأعراق
التي تنتمي إليها شعوب تلك
المنطقة أو تلك ، الأكراد
والتركمان في الشرق ، والأمازيغ
وعرب الصحراء في الغرب ، أو
بالطوائف والمذاهب والرسالات
التي تتبعها المجموعات البشرية
المقيمة حول الأرض المقدسة على
وجه التخصيص ، إمعانا في منح "اسرائيل"
، شرعية وسط دويلات يراد لها أن
تقام على أسس طائفية دينية
صرفة، فدويلة يهودية لاتثير
الكثير من التساؤلات وسط بحر
هائج مائج من دويلات سنية
وشيعية ونصيرية ودرزية وقبطية ،
هذا إن لم نتحدث عن دويلات كردية
وأمازيغية وتركمانية و..و..إلى
آخر هذه السلسلة من الفسيفساء
الدينية والعرقية التي كانت
خلال ألف وأربعمائة عام مصدرا
للتعددية والحوار والتعايش
والتعاون والنمو وإثراء
الحضارة الإنسانية في المنطقة ،
وأصبحت الآن معول هدم وتمزيق
وتفتيت وبلاء ودمار. هذه المنطقة
يجمع شعوبها من المحيط إلى
الخليج على اختلاف أعراقهم
ولغاتهم ولهجاتهم ورسالاتهم
الالهية وطوائفهم ومذاهبهم
واتجاهاتهم ، يجمعهم أمران
اثنان : ثقافة واحدة ، ولغة
رسمية واحدة ، يلحق بهما عامل
ثالث لعب دورا تاريخيا عجيبا ،
قديما وحديثا في جمع شعوب
المنطقة عليه ، ألا وهو وضع
مدينة القدس الشريف ، والمقدسات
الدينية فيها . أما عن
الثقافة السائدة في هذه المنطقة
، فلايمكننا بحال من الأحوال أن
نسميها من الناحية العلمية "
ثقافة عربية " ولا "ثقافة
اسلامية" ، ولكنها ثقافة خاصة
بهذه المنطقة من العالم تشكلت
خلال مئات الأعوام من انصهار
مختلف ثقافات الشعوب التي دخل
معظم أفرادها في الاسلام ، وأهم
العناصر الرئيسية في تكوين هذه
الثقافة كان العنصر العثماني
"التركي" ، والعنصر
الكردي، والعنصر العربي. وكما يعرفها
"فتح الله كولون" في كتابه
"حضارتنا ونحن نبني" ، فإن
الثقافة أو
"الخصوصية الثقافية" عند
شعب من الشعوب هي (جميع
الأحوال أو معظم السلوكيات
الفردية والجماعية التي يعبر
بها هذا الشعب عن : قيمه الأخلاقية ،
وملاحظاته العقائدية ، وأفكاره
عن الوجود والإنسان والمخلوقات . أو
بمعنى آخر : إن الخصوصية
الثقافية لشعب من الشعوب هي
المجموع العام لنتاج الفكر والفن
والعرف والعادة والتعامل
المستحصل على مرّ التاريخ في
إطار الالتزام بالحس القومي أو الملي - الديني
-) ، إنها (مجموع نظم التصرفات
الاجتماعية والأخلاقية التي
أوجدها شعب أثناء تاريخه،
وجعلها بعداً من أبعاد الوجود "القومي" أو "الملي"
-الديني - ، فتحولت مع الثبات
وعدم الرغبة أو القدرة على التطوير إلى
مكتسبات في اللاشعور أو الضمير
الجماعي لهذا الشعب ) . ولو أننا
استعرضنا أوضاع الناس في
المنطقة العربية على مختلف
مشاربهم وانتماآتهم العرقية
والدينية ، ، لوجدناهم جميعا
يفكرون بنفس النمط العام مع
وجود الاختلافات الطبيعية من
منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر
ومن طبقة اقتصادية الى أخرى ،
ويتصرفون بنفس الأبعاد
الثقافية السلوكية المنتشرة من
أبو ظبي والمنامة والدوحة ومكة
المكرمة وسائر بلاد الشام ومصر
وشمال افريقية وصولا إلى طنجة
والدار البيضاء ومكناس
ونواكشوط!! ، نفس النسق في
التفكير والسلوك والتزام
العادات والتقاليد العامة ،
التي وعلى العكس من كل مايمكن
للمراقب الدارس أن يتوقعه لاتمت
الى الاسلام بصلة في غالبيتها
العظمى !! ، إنها ثقافة منطقة
عاشت تحت حكم العثمانيين ومن
قبلهم المماليك ومن قبلهم
الأكراد ومن قبلهم العرب في
إطار الحضارة الاسلامية ألف قرن
ومائتا عام ، قبل أن تنتقل إلى
حكم الغازيين الأوربيين الذين
كان تأثيرهم في طرق تفكير الناس
وسلوكياتهم أكبر بكثير مما
يمكننا أن نتصور أو نعترف !!. لن
أدخل هنا في الآثار السلبية
والايجابية التي حملتها ثقافات
هؤلاء الأقوام إلى اللحمة
الإنسانية الموجودة في المنطقة
العربية ، فصاغت منها جميعا
الثقافة المعاصرة التي يُعرف
بها سكان المنطقة ، لأن مدار
الحديث مقتصر على العوامل التي
تجمع وتميز سكان هذه المنطقة ،
وليس دراسة العناصر المدمرة أو
البناءة التي خلفتها هذه
الثقافات مجتمعة على انسان
ومجتمعات المنطقة. هذه الثقافات
التي تمددت على حساب تراجع
المدّ الحضاري الاسلامي في
المنطقة بأبعاده الفكرية-الفلسفية
و الأخلاقية-الإنسانية ، مع
التقاعس المدمر الذي شهدته في
مجالات التفكير والفلسفة
والآداب والفنون ، والضمور
المحزن المؤلم للعلوم
الإنسانية وخاصة علوم النفس
والمجتمع والتاريخ والترجمة
والتربية، وقد لعب ثبات هذه
الصيغة الثقافية المعاصرة وعدم
وجود الرغبة أو القدرة على
التغيير والتطوير والغربلة ،
دورا خطيرا في اتجاهين متعاكسين
، أولهما ايجابي يظهر في توحيد
نمط التفكير لدى كل الشعوب التي
تقطن المنطقة العربية على
اختلاف الدين والعرق والتوجه
السياسي والانتماء الجغرافي
المحلي، وثانيهما سلبي ويتمثل
في ارتكاس متواصل للإنسان
والمجتمعات -في ظل الاستبداد
والظلم "الثقافيين"
السائدين- نحو
وضع غير إنساني وغير أخلاقي في
هذه المنطقة ، وكلاهما يلعب
اليوم دورا استثنائيا في تميز
المنطقة عالميا حيث لصقت بها
صفات التخلف والانحطاط تستوي في
ذلك حكوماتها ومجتمعاتها
وإنسانها. العامل
الثاني في الأهمية ، والذي يأتي
في المرتبة الأولى من حيث تشكيل
الصياغة الواحدة للمنطقة
العربية ، إنما هو اللغة
العربية الفصحى ، لغة القرآن
الكريم ، والتي تتميز جميع دول
المنطقة بالتزامها لغة رسمية
فيها ، هذه اللغة التي عجز الغزو
الأوربي وخلال المائة عام
المنصرمة عن تفتيتها إلى "لهجات
رسمية"، كان يرغب في جعلها
لغات محلية تُكتب وتُقرأ ،
ومازالت جامعات معروفة وعريقة
في أوربا ، ومنها على سبيل
المثال بعض جامعات مدريد ، تصر
في مناهج كليات الاستشراق
والدراسات الاسلامية فيها على
ترسيخ هذه الفكرة في رؤوس
الطلبة ، وحمل كثير منهم على
إجراء الدراسات والبحوث
اللازمة لنقل هذه الفكرة إلى
حيز التطبيق الفعلي مااستطاع
القوم إلى ذلك سبيلا . لقد صمدت
اللغة العربية الفصحى في وجه كل
العواصف والأعاصير والزلازل
بفعل الكتاب العظيم الوحيد
والفريد من نوعه على مر العصور
وكرّ أيام التاريخ ، وإذا كانت
أمة كالإسبانية تستمد مصداقية
وحدتها من كتاب "دون كيخوتة"
الذي ألفه "ميغيل دي ثيربانتس"
، كتاب صمد خمسمئة عام حفظت به
اسبانيا لغتها الواحدة ، أمام
تحدي وتصدي مختلف اللغات
الاسبانية المحلية
كالكاتالانية والغاليثية
والبالنثية والباسكية ، حيث
تستخدم في تلك المقاطعات
الاسبانية كلتا اللغتين في
الكتابة والحديث ، ومازالت
الحرب دائرة على أشدها بين تلك
المقاطعات وبين الحكومات
الاسبانية المركزية في محاولات
دؤوبة للانفصال الثقافي
واللغوي عن اسبانية الأم ، فكيف
بالمنطقة العربية وجميع دولها
تعتمد لغة "القرآن" لغة
رسمية وحيدة في البلاد ، هذا
الكتاب الذي حفظ اللغة العربية
وحفظ معها لهذه المنطقة من
العالم هويتها "العربية" . وعلى
الرغم من أن جناح الأمة الشرقي
أصبح يتحدث الانكليزية انبطاحا
ورضوخا بين يدي الغزاة
والمهاجرين ، وجناحها الغربي
مافتئ يتغنى ويفكر بالفرنسية
تحت وطأة الاستعمار الذي لم
يخرج قط من بلادنا إلا صوريا ،
وعلى الرغم من الأمية ذات
الثلاث شعب المستفحلة في طول
المنطقة العربية وعرضها ، وغزو
الفضائيات بحلوها ومرها هواءنا
وفضاءنا وعقولنا، فإن أحدا ما
لايستطيع أن يؤدي صلاة دون أن
يقرأ الفاتحة بلغة عربية سليمة
، وإن العامل الأساسي الأول في
حفاظ أية أسرة " عربية"
مسلمة أو غير مسلمة على هويتها
في الغرب إنما هو تعلم لغة
القرآن ، إذ يتعلم أبناء
المهاجرين من جميع الرسالات
الملل والنحل والأعراق في الغرب
، اللغة العربية كشرط لازم
للحفاظ على الهوية . المنطقة
العربية إذن هي هذه المنطقة من
العالم التي تمتد من المحيط
الأطلسي إلى الخليج الاسلامي
ومن البحر المتوسط إلى الصحراء
الافريقية ، والتي تلتزم جميع
دولها وشعوبها اللغة العربية
كلغة رسمية للبلاد كتابة وقراءة
وتؤدى بها عبادات الأكثرية ،
والتي تسود مجتمعاتها ثقافة
خاصة تميزها عن غيرها من ثقافات
العالم اليوم ، إنها هذه
المنطقة التي يلعب فيها هذين
العنصرين – الثقافي واللغوي-
دورا تجميعيا هائلا ، لاضرورة
فيه ولامعه لإنكار الأصول
العرقية والانتماآت الدينية
المختلفة لعشرات الجماعات
والأقوام الذين يشكلون مجتمعين
بهذين العنصرين سدة ولحمة
العنصر الإنساني فيها . هذا
العنصر الذي يمكنه أن يعيش
ويتعايش ضمن بوتقة مفهوم معاصر
عن المنطقة العربية ، يبحث في
أسس حضارية واحدة تضم الجميع
ولغة واحدة يكتب بها ويقرأها
الجميع – من غير الأميين الذين
تتجاوز نسبتهم في المنطقة
العربية ال70%- ، في إطار هوية
معاصرة لايمكن معها إلا
لإسرائيل وحدها أن تكون جسدا
سياسيا واجتماعيا وثقافيا
غريبا على المنطقة. – يتبع- ـــــــــــ المصدر
: العرب القطرية – 15/5/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |