ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
فجرنا
الذي تأخر كثيراً فهمي
هويدي من
السهل أن ندعو الشباب لأن
يتفاءلوا ويصبروا، وأن يشتركوا
في دفع الخطى إلى الأمام، لكي
تحقق مصر ما تصبو إليه من تقدم،
وتحتل مكانتها في مصاف الدول
الكبرى، لذلك لا غرابة في أن
يستحث المسؤولون همم الشباب،
وأن يعطوهم دائما أملا في
المستقبل. وهو ما فعله د.أحمد
نظيف رئيس وزراء مصر حينما تحدث
قبل يومين إلى مجموعة من طلبة
الجامعات في المعسكر الذي أقيم
لهم بالإسكندرية. لا أعرف
ماذا كان رد فعل الشباب، وهل
اقتنعوا بالكلام الذي سمعوه
منه، وهل خرجوا من اللقاء أطول
قامة وأشد عزيمة وأكثر حماسا،
أم أنهم خرجوا ورءوسهم منكسة
مثلما دخلوا، لكن الذي أعرفه
أننا منذ خمسين عاما على الأقل
نسمع كلاما عن التفاؤل والصبر،
وعن دقة المرحلة التي يمر بها
الوطن وعن الحاجة إلى التسلح
بالثقة والعزيمة لكي نكسب معركة
التحدي، وظل يقال لنا إن الليل
سوف ينجلي لا محالة، وأن الفجر
آتٍ بعد حلول الظلام، وأن العسر
حتى إذا طال، فإن بشائر اليسر
ستلوح في الأفق بعد ذلك لا ريب.
ولم نمل من سماع الذين ما برحوا
ينادون بالصوت العالي، اشتدي يا
أزمة تنفرجي. اللهم
لا اعتراض. إذ لست أشك في صدق وعد
الله أن يأتي اليسر بعد العسر،
وكلي ثقة في أن سُنة الحياة ستظل
ماضية، بحيث يلوح الفجر بعد أن
يخيم الظلام، لكن الذي حدث أن
الليل طال وأن العسر تضاعف وأن
الأزمة اشتدت صحيح، لكنها لم
تنفرج، بل أصبحت أشد. بالتالي
فإن من حق جيلنا على الأقل، أن
يقول للذين يحاولون زرع الأمل
وتوزيع جرعات التفاؤل
بالمستقبل إننا شبعنا وعودا
وانتظرنا طويلا وصبرنا حتى فاض
بنا الكيل، بالتالي فهذه
الاسطوانة قديمة، والجرعات
التي تم توزيعها علينا طوال نصف
قرن انتهت مدة صلاحيتها وأصبحت
فاقدة المفعول. هذا
الكلام نقوله مفترضين أن رئيس
الوزراء يعني ما يقول، وأنه جاد
في محاولته تحفيز الشباب وإثارة
حماستهم ولم يقل ما قاله من باب
القيام بالواجب أو «طق الحنك»
وأيا كان قصده فالشاهد أن
الكلام خرج منه واحترامنا للرجل
يفرض علينا أن نأخذ كلامه على
محمل الجد، وهو ما يدعونا إلى
التساؤل: لماذا
طال الليل علينا واشتد العسر، وهل
المشكلة في المجتمع أم في
السلطة التي تديره، هل هي
في التربة أم في البذور التي
يراد زرعها، أم في الزارع الذي
عجز عن أن يستنبت البذور
ويرعاها؟ مثل هذه
الأسئلة تتردد على الألسنة
حيثما ذهب المرء وفي كل حوار
يتطرق إلى أحوال البلد
ومستقبلها. ولا أنكر أن هناك من
يتهم المجتمع بالقصور والعجز عن
التقدم. ولكني أزعم أن أصحاب هذه
الأصوات إما أنهم يسيئون الظن
بالناس أو أنهم استسلموا لليأس
ولم يعودوا يرون أملا في أي شيء،
لكني
ظللت لا أملّ من القول أن الشعوب
تُربّى، بحيث إن هناك أجواء
تستخلص من الناس أسوأ ما فيهم،
وأخرى تستخلص منهم أفضل ما فيهم.
وأن الأجواء الأولى مخيمة على
البلاد طوال العقود الأخيرة. مازلت
أقول أيضا إننا لا نستطيع أن
نغير الشعب لكننا نستطيع أن
نغير الحكومة (البعض يرى أن
التجربة أثبتت أن تغيير الحكومة
أصعب من تغيير الشعب). إن
التقدم ليس فيه سر ولكن له
قوانين وأصول. فلكي تتقدم يتعين
عليك أولا أن تملك إرادتك
المستقلة، وأن
تكون أهدافك واضحة، وأن
تكون السلطة هي القدوة التي
تُحتذى في الأداء، وأن
تكون تلك السلطة خاضعة للقانون
والمساءلة.. إلى غير
ذلك من الشروط التي لا نكاد نجد
لها أثرا في واقعنا. الأمر
الذي يعني أن السلطة التي تقود
محاولة النهوض والتقدم هي جزء
من المشكلة وليست حلاً لها. ـــــــ المصدر
: صحيفة الرؤية الكويتيه 12/7/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |