ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
نَعَم
، الإسلامُ دينُ الرحمة بقلم
الأستاذ عصام العطار من
ذِكْرَياتي العزيزةِ الغاليةِ
عندي ، التي كان لها أثرٌ بالغٌ
في حياتي ، أنّ والدي رحمه الله
تعالى دعاني مَرّةً وأنا دونَ
العاشرةِ من عمري ، فجلسَ
وجلستُ إليه ، فأخذَ بيدي
مصافحاً وأخذتُ بيده ، فقال
بصوت جادٍّ عميق : أَصْغِ إليّ
يا بُنَيّ بسمعك وفكرك وقلبك
فأنا مُحَدٍّثُكَ الآنَ بحديثٍ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أُُحِبُّ لكَ ألاّ تنساهُ مَدَى
الحياة : حَدَّثني أبي الشيخ
إبراهيم العطار ، عن أبيه الشيخ
محمود العطار ، عن أبيه الشهاب
أحمد العطار ، عن .. عن .. عن عبد
الله بن عَمْرٍو رضي الله عنه
أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه
وسلم قال : « الرَّاحِمُونَ
يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ
يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي
السَّمَاء » وقال لي
أبي : إنّ من
تقاليد أسرتنا -وهي أسرةُ علم
وحديث - أن يُرَوِّيَ الآباءُ
أبناءَهم ، والأبناءُ مِن
بعدِهمُ الأبناء - إذا آنسوا
منهم استعداداً وفهماً -منذُ
نُعومَةِ أظْفَارِهم ، هذا
الحديثَ الشريف ، في جملةِ
أحاديثَ أُخرى سَأَرْويها لكَ
بسندِها في جلساتٍ مقبلة إن شاء
الله تعالى . وهذا شأن محدّثينا
الذين تفاعلوا مع هذا الحديث
وأمثاله ، وعرفوا له قدره
الكبير ومَرَّتِ
السّنونَ والسّنون ، وَكَبِرَ
الطفلُ الصغيرُ الذي كان دونَ
العاشرةِ من العُمر ، ونَمتْ
مَعَارِفُهُ ، واتّسَعَتْ
مَدارِكُه ، وتعدَّدَتْ
تجارِبُه ، وشَهِدَ في حياته
الحقَّ والباطل ، والعدلَ
والظُّلم ، والخيرَ والشرّ ،
والْعُرْفَ والنّكْر .. ورأى
ظلمَ الإنسانِ للإنسان ، وقسوةَ
الإنسانِ على الإنسان ، وتدميرَ
الإنسان للإنسانِ وللبيئة ،
ولكلّ ما هو ضروريّ ومفيد وجميل
، لأجل منافع موقوتة زائلة ،
وأهواء ضالّةٍ فاسدَة،
وأنانيّاتٍ حقيرةٍ متحكّمة ،
دونَ أيِّ شرفٍ أو ضميرٍ
أحياناً ، ودون أيِّ إنسانية أو
رحمة .. كَبِرَ
الطفلُ الصغير ، وتقلّبتْ به
الأحداثُ والأحوالُ في بلدهِ
وعالمهِ وعصره ، فلم يُنْسِهِ
اختلافُ الليلِ والنّهار ،
وكلُّ ما رآه وعاناهُ
جَلْسَتَهُ تلكَ بينَ يَدَيْ
والدِه رحمهُ اللهُ تعالى وهو
يَرْوي لَهُ بصوتِه الخاشعِ
العميق قولَ رسولِ الله صلى
الله عليه وسلم : «
الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ
الرَّحْمَنُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى . ارْحَمُوا مَنْ
فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ
مَنْ فِي السَّمَاء » بل لقد
زادته الأيامُ ، وَخِبْرَةُ
الأيام وما
نُعانيهِ ويُعانيهِ البشرُ
كلُّهم هذه الأيام ، إدراكاً
لقيمةِ هذا الحديثِ النبَوِيّ
العظيم ، وإحساساً بِجَلالهِ
وجَمالِهِ ، وافْتِقارِ
الإنسانيةِ كلِّها إليه في
أَصْلِ وجودِها ، وفي قيمة هذا
الوجود ومن
أعاجيبِ الأيامِ هذه الأيام ،
أن يُتَّهَمَ هذا الدينُ الذي
يُعْلي من شأنِ الرحمةِ هذا
الإعلاء ، ويُعَظِّمُ ثوابَها
هذا التعظيم ، ويجعلُها في
عقيدةِ أتباعهِ وحياتِهم
شَرْطاً لما يَرْجونَهُ من
رحمةِ رَبّهِم في دُنياهُمْ
وآخرتِهم ؛ فالطُّغاة
الْبُغاةُ الأقوياءُ الذين
يُدَمّرون الأرضَ وما على
الأرضِ من إنسانٍ وحيوانٍ ونبات
، ويُسَمِّمون الأرضَ والماءَ
والهواء ، ويَغْرِسُون في
الأرضِ المهالكَ والمصائبَ
لأجيالٍ وأجيال .. هؤلاء الطغاةُ
البغاةُ الأقوياءُ يَتّهمونَ
الإسلامَ ، تصريحاً أو تلْميحاً
، بالعُنْفِ الذي لا يَعرِفُ
الرِّفْق ، والقَسْوَةِ التي لا
تَعْرفُ الرحمة ، والإرهابِ
الذي لا يكونُ معهُ أَمْن .. فإذا
ذَهَبْتَ تَكْشِفُ لهمُ
الحقائق ، وتُفَنِّدُ لهم
الأباطيل ، وتُبيِّنُ لهم
ولسائرِ الناسِ ما في الإسلامِ
من رحمةٍ شامِلَة ، ومن
إنسانيةٍ تَسَعُ البشرَ جميعاً
، وتسعُ سائرَ المخلوقات ..
قالوا : هذا كلامٌ زائفٌ خادع
لمجرّدِ التصدير ، وما الرحمةُ
والإنسانيةُ التي نُسْبغُها
على الإسلام إلاّ رِدَاءٌ
خارجيٌّ لتجميلِ صورته في
العالمِ والغربِ على الخصوص ،
وليس بينَه وبينَ حقيقةِ
الإسلام ارتباط !! وَمِنَ
الذين يتّهمون الإسلامَ
جُهَلاءُ ضالُّون ، وخُبَثاءُ
مُضَلِّلُون ، ومثلُهم مسلمونَ
جَهِلوا إسلامَهم فقبلوا فيه
افتراءَ المفترين ، أو قِلَّةٌ
قليلةٌ جِدّاً جدّاً جعلتْ من
فهمِها الخاطئ ، وتصرُّفِها
الخاطئ ، حُجَّةً لأعداءِ
الإسلام والمسلمين على الإسلام
والمسلمين ، ومُبَرِّراً لما
يُوقِعونه بهم من الظلمِ والأذى
! وما
يزال بعضُ الناسِ الطيّبين
حائرين يتساءلون أو يسألون :
هَلِ الإسلامُ دينُ رحمةٍ كما
نقول ، أمِ الرحمةُ المدّعَاةُ
للإسلامِ مُجَرَّدُ كلماتٍ
للتغطيةِ والتضليل ! نعم ،
أيها الإخوةُ المتسائلونَ أو
السائلون ، الإسلامُ دينُ رحمةٍ
، بل هو دينُ الرحمة . كِتَابهُ
رحمة ، ورسولُه رحمة ، وتاريخه -ما
استقامَ أتباعُه على نهجه- رحمة ( وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ ) [ الأنبياء : 107] «
إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ
مُهْدَاةٌ » رواه الدارمي
والبيهقي
« مَنْ
لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ »
متفق عليه وقد
تَغَلْغَلَتْ هذه الرحمةُ في
نفوس المؤمنين الصادقين الذين
صحبوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم في سيرتهِ وحديثهِ
وهَدْيهِ من كبارِ المحدّثينَ
على توالي العصور ، وتفاعلوا
معها -كما نقولُ هذه الأيام-
فاستقرّتْ في ضمائرهم ، وامتزجت
بقلوبهم وعقولهم ومشاعرهم ،
فغدتْ قطعةً من عقائدِهم
وأخلاقِهم وحياتِهم ، ولم
تَكُنْ قَطُّ عندَهم ثوباً
خارجيّاً للتجميلِ والتضليل ،
ولا كلاماً كاذباً للخداعِ
والتصدير ، ولم يكونوا يحتاجون
إلى ذلك في أَزْمِنَتِهم ، ولم
يَكُن يخطرُ لهم مثلُ ذلك
بِبَال ويحضُرُني
الآنَ وأنا أخطُّ هذه الكلمات ،
قولُ خاتمةِ الْحُفَّاظِ ابنِ
حَجَر العَسْقَلاني صاحب (فتح
الباري) : إنّ مَنْ يَرْحَـمُ أهـلَ الأرضِ قـدْ
آنَ أَنْ يَرْحَمَـهُ مَـنْ
في السَّــمَا فَارْحـمِ الخلـقَ جَميعـاً إنّمَـــا
يَرْحَـمُ الرّحْمَـانُ مِنّـا
الرُّحَمَـا وقولُ
الحافظِ الكبير (الزيْن
الْعِرَاقي) : إنْ كُنتَ لا تَرْحَمُ الْمِسْكينَ إنْ
عَدِمَا
وَلاَ الفقيرَ إذَا يَشْكُو
لَكَ العَدَمَا فكَيْفَ ترْجُو مِنَ الرّحْمَـانِ
رَحْمَتَهُ
وإنّما يَرْحَمُ
الرّحْمَانُ مَنْ رَحِمَا وقولُ
الفقيهِ الكبير (ابن عابدين) : عليكَ بِإسْعَافِ الضّعيفِ وَنَصْرِهِ
فَمَـا عَمَـلٌ إلاّ بـهِ
اللهُ يَعْلَـمُ وَكُنْ رَاحِماً أَهْلَ الْبَسيطَةِ
كُلَّهُمْ
فَمَنْ يَرْحَمُ
الْمَخْلوقَ لا شَكَّ يُرْحَمُ وغيرُ
ذلك من أقوال العلَماءِ الأعلام
والمحدثين الكبار وأخيراً
: نعم ، نعم ، أُكَرِّرُها
وأُكَرِّرُها الإسلامُ
دينُ الرحمة .. دينُ الرحمةِ
حقيقةً لا مجرّدَ دَعْوَى كدعوى
بعضِ كبارِ عالمِنا الذين
يرفعونَ شعاراتِ الحريةِ
والديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسان
... وهم يدوسون الإنسان وحقوقَ
الإنسان ــــــــــــ المصدر
: مجلة الرائد العدد
رقـم 267 رجب 1430
، تموز / يوليو 2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |