ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 18/07/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المظلومية.. طريق النساء إلى الديكتاتورية!

د. أماني أبو الفضل فرج*

للظلم دوافع تقليدية ترقى لحد الغرائزية عند الإنسان مثل شهوة الامتلاك والاستحواز المادي أو شهوة الزعامة والنفوذ التي قد لا يهم أصحابها النفع المادي بقدر ما تستهويهم رئاسة الآخرين من حولهم والهيمنة عليهم، وقد تقترن الشهوتان... فإن لم تتحقق هذه الشهوات بالفرص الطبيعية العادلة فالإنسان يسعى لتحقيقها من خلال انتزاعها قسرًا من الآخرين، مستغلاً قدرات وقوى مما ليست لديهم.

وهناك دافع آخر للظلم قد لا يستوقف الكثيرين -وقد يعذرونه أيضًا- هذا الدافع هو "المظلومية". وخطورته تكمن ليس فقط في تطرفه وإسرافه في استخدام الظلم، ولكن أيضًا في أنه مبرر خلقيًّا على عكس الدوافع الأخرى, فقد يقع الظلم المحقق على إنسان، ولكن عندما تواتيه فرصة الاستقواء فإنه يتحول إلى ظالم أكثر قسوة وشراسة من ظالمه! مع أن المفترض أن الثورة على الظلم تكون لتحقيق العدل المفقود وإعادة التوازن لعلاقة اختلت عندما انتهكها الطرف الأقوى على حساب الآخر الأضعف، وليس لقلب الميزان لصالح الطرف المنتهك وإعادة الدائرة لما كانت عليه مع تبادل للأدوار.

الإسلام والمظلومية

إن إستراتيجية الإسلام في معالجة المظلومية هي إستراتيجية تربوية تهذب الناس ولا تنتقم منهم, تعوّدهم على ضبط ميزان العدالة ولا تمتد إلى أساليب العقاب الجماعي لمن ظلم ومن لم يظلم. وهذه الإستراتيجية مبلورة في قوله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى". فالخالق العظيم الذى حرم الظلم والافتئات على حقوق الآخرين مادية كانت أم معنوية (فأورد في القرآن الكريم مصطلح الظلم بمشتقاته في ما يقارب الثلاثمائة موضع!) هو ذاته الذي أمر بمعاملة أشد أنواع الظلم ضراوة (القتل) بمنهجية عدلية ليست مبنية على الانتقام العشوائي، ولكن على القصاص المقنن من جناة بعينهم "ومن قُتِل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورًا" (الإسراء: 33).

وهكذا لا تكون المظلومية سبيلاً للفوضى واحتقان النفوس، بل وسيلة لإعادة قيم العدل والمودة والحضارة.

ولكن ماذا عن المظلومية في المناهج الأخرى غير الربانية؟ وكيف تقتص لنفسها؟ لندع التاريخ يشهد على نماذج من المظلومين كانت مظلوميتهم طريقًا إلى الديكتاتورية وظلم الناس.

فالثورة الفرنسية ظلمت بمقصلتها أكثر مما ظلم الفقر والجوع وطبقة النبلاء, والثورة البلشفية أيضًا قامت لتحارب ظلمًا بينًا لم ينكره التاريخ، ولكنها في سبيل تحقيق العدل قتلت عشرات الملايين ممن لم يقتلهم القيصر، وطرافة الثورة البلشفية هي أنها لم تنكر هذا القصد فابتدعت مصطلح "ديكتاتورية البروليتاريا" في اعتراف بأنها لا تزيح ديكتاتورًا لتحل العدل مكانه، بل لكي تنصب البروليتاريا المظلومة ديكتاتورًا أشد دمويةً وظلمًا.

والملاحظ أن كل الثورات التي استلهمت ثورة البلاشفة قد استلهمت معها هذه الروح الانتقامية باسم العدالة الاجتماعية. أكتب هذا وقد هزّ المجتمع المصري فجيعة حدثت هذه الأيام لمواطن مصري "كان" من ذوي الأملاك قتل نفسه من إملاق مع ابنتيه اليافعتين، بينما الفلاح المظلوم سابقًا يرتع في أرضه التي انتزعتها منه الثورة, وغيره كثير. لا ينكر أحد المقصد النبيل لمنظري الثورات في محاولتهم لرفع القهر والفقر، ولكنه انعدام المهارة في ضبط ميزان العدل الذي يؤدي إلى قلب الموازين على نحو مساو للماضي في قوة الظلم ومضاد له في الاتجاه كأن الحرية لا تتم إلا باستعباد آخرين. وبهذا يصبح ضحايا الثورة بحاجة إلى ثورة ترد إليهم آدميتهم.

مظلومية المرأة

ومن هنا ندلف إلى السياق الرئيسي وهو سياق المرأة... فهل ظُلِمت المرأة فعلاً؟

أمسكت بالمراجع الواحد تلو الآخر أستشف منهم الإجابة على هذا السؤال في أزمنة الغابرين، فكلما أمسكت بحقبة تاريخية وجدتها ليست البادئة... هكذا حتى انقطع التاريخ المدون ولم تنقطع معاناة النساء من الظلم. فمن الحضارة المصرية القديمة حيث كانت بنات الأعيان يقدمن إلى الملوك هدايا، ويقذف بالجميلات منهن إلى النيل ليقضين غرقًا طلبًا للفيضان! إلى المرأة في حضارة بابل وآشور التي كانت "تجلس الكثيرات منهن ثم يمر بهن الغرباء ليختاروا من النساء من يرتضون، فإذا جلست امرأة هذه الجلسة عليها ألا تعود إلى منزلها حتى يلقي أحد الغرباء قطعة من الفضة في حجرها وتسير المرأة وراء أول رجل يلقيها إليها وليس من حقها أن ترفضه أيًّا كان...". (وول ديورانت - قصة الحضارة).

أما حضارة الهند فكانت تتبرك بالدعارة المقدسة للكهنة، وكان من أنواع الزواج المقبولة الزواج بالاغتصاب والزواج بالشراء. أما البنت في حضارة الصين واليابان كانت تترك في الحقول المكشوفة للصقيع والوحوش لتقضي عليها، أما في الجزيرة العربية فكانت تدس في التراب! وفي فارس كانت المرأة المتزوجة تمنع من رؤية أي رجل حتى أبيها وأخيها! وفي حضارة الرومان  إذا مات الرجل عن امرأته لا ترث شيئًا، بينما يرث هو كل شيء منها إن ماتت قبله، وكان من حق الأب أن يقتل وليده إن كان أنثى... وحتى هذه اللحظات اللامعات التي نعمت فيها النساء بالعدل والشأن الكريم مع نزول وحي الأديان (فالمسيحية صنعتها مريم، والإسلام احتوته خديجة وعلمته عائشة وورَّثته للدنى فاطمة) لم تدم طويلاً، وضاعت مع ما صاحب نزول الأديان من توسعات وفتوحات ضمت مجتمعات جديدة وحضارات غريبة عاجزة عن فهم نصوص الشريعة، فضلاً عن مقاصدها فأفسحت للتقاليد المحلية أن تعلو على الدين وتطمس معالمه فصار التهميش والعنف ثقافة يعتبرها الرجال والنساء معًا من النسيج الطبيعي للحياة الأسرية غير منتقدة أو مستهجنة! فبدلاً من ثقافة أم البنين والعباسة وولادة بنت المستكفي تطورت الثقافة باتجاه بيوت الطاعة وأحزمة العفة والخواتين في أجنحة الحريم داخل القصور محاطات بأسوار كأنها القلاع الحصينة!.

قرائن تاريخية

إذن فمظلومية النساء ثابتة بالقرائن التاريخية وقائمة لليوم, وعلاقة الرجل والمرأة اختلت وأصبحت بحاجة إلى إعادة اتزان, فنشط المنظرون وأصحاب الفلسفات على مدار قرابة القرن وربع القرن؛ لوضع تصورات لإعادة هذا الاتزان الذي طال انتظاره، ولكنه ظهر في كثير من أجزائه وقد اصطبغ بنفس داء المظلومية المسرفة في الانتقام إلى حد التدمير أحيانًا, فبالنظر إلى معطيات معظم الحركات النسوية الحالية نجدها قائمة على فكرة أن الذكورة مطلقًا بلا تمييز هي شر يجب اجتثاثه -فكرة الانتقام الجماعي- وعليه فهي ترتكز على مبدأ استقواء المرأة واستغنائها عن الرجل والتمركز حول ذاتها (التعبير الأشهر الذي صاغه د. عبد الوهاب المسيري للتعبير عن النسوية المعاصرة) في نزعة فردية تستغني بها عن حاجتها الطبيعية للانتماء.

وحتى فكرة "تمكين المرأة" Empowerment of Women نفسها تنطوي على نقاط استقواء غير مبررة بغير أنها انتقام لمظلومية تاريخية. إن هذا المصطلح (ونرجو من القارئ الكريم النظر إلى المصطلح بلغته الأصلية الإنجليزية Empowerment بمعنى "استقواء" والذي حرصت على إيراده لتبيان دلالاته اللغوية واشتقاقه من لفظة Power، أي قوة وليس اللفظ العربي "تمكين" الذي هو ليس ترجمة صحيحة، بل يبدو أنه جاء لتخفيف وقع المصطلح الأصلي). ولا أدري لماذا يذكرني هذا المصطلح بمصطلح "ديكتاتورية البروليتاريا"، وكأنهما يشتركان في نفس المبدأ البراجماتي الذي تحوم حوله أطياف السادية والرغبة في الانتقام!.

إن فكرة الاستقواء "التمكين" هذه تملي على المرأة مراعاة صالحها الخاص وتقديمه على الصالح العام من أسرة ومجتمع ودولة (مثال ذلك نظام الحصص النسبية في تعيينات مراكز الدولة؛ لكي يكون مناصفة بين الرجال والنساء دون الالتفات لمدى الاستعداد النفسي والمهاري للشخص لتولي المناصب, وبهذا يتم تصعيد شخصيات غير مؤهلة وغير كفأة للإمساك بأزمة الأمور تعويضًا عن المظالم التاريخية، فيزداد الارتباك والهشاشة الإدارية والتقنية داخل أجهزة حكم هي بطبيعتها هشة).

تيار غير عقلاني

أما على المستوى التشريعي فالتيار الجارف وغير العقلاني في اتجاه تغليب مصلحة المرأة -وليس إنصافها- وإن كانت هي الجاني. ففي العديد من الدول يضطر القضاة المسترهبون من ضغط الجماعات النسوية إلى إصدار أحكامهم المتحيزة للمرأة في قضايا الزوجية وقضايا حضانة الأطفال، مما دفع رجال في بلاد متفرقة إلى تنظيم جمعيات احتجاجية مثل جمعية "آباء من أجل العدالة" في إنجلترا وإنشاء ملاجئ للرجال المضطهدين في تونس، وغيرها من حركات التعبير عن رفض العنف الأنثوي المضاد للعنف الذكوري التاريخي.

لقد كانت الإحصاءات في العام الماضي هي أن 23% من الرجال المصريين يتعرضون للضرب من زوجاتهن, أما هذا العام فقد بلغت النسبة 27%  والأمر في ازدياد. وهكذا بدلاً من إعادة ميزان العدل للاستواء تم قلبه والذين لا يرتضون انقلابه على هذا النحو المأساوي وغير العقلاني -رغم أنهم ضد العنف من الطرفين- أصبحوا متهمين من محاكم التفتيش النسوية بأنهم من أزلام النظام الذكوري البائد.

إن هذا الكلام ليس دعوة لاحتمال الظلم ضد النساء ولا السكوت عليه ولا حتى التعايش معه, بل هو دعوة لكل مظلوم ليثور بالمنطق ويتحدى بالعدل ويقتص بالقسطاس، وليتأمل سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي ما فرط في حق ولا أفرط في قصاص.

فرسول الله المظلوم في يوم الطائف وقف وقدميه الشريفتين وقلبه الطاهر يقتران دمًا بعدما قذفه الناس بالحجارة, وجاءه جبريل عليه السلام بعرض مُغرٍ للانتقام بأن يطبق على ظالميه الأخشبين(جبلين عظيمين) ويا له من عرض، ويا لها من لحظة ضعف ملائمة لقبوله! ولكن لأنه رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم رفض العرض في تحيز لبني جنسه من المخلوقات الطينية عسى أن يجعل الله من أصلابهم من يعبد الله. لم يستقوِ الحبيب صلى الله عليه وسلم عليهم بالمخلوقات النورية وقد كان بمقدوره, ولكنه دعا لهم بالهداية ولم يرد الله له الطلب. وفي يوم الفتح وقف وهو يشير بيده من مركز القوة والانتصار إلى من كانوا أعتى أهل الأرض استبدادًا وظلمًا قائلاً لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وهكذا تبنى الحضارات الجديرة بالديمومة؛ لأنها انبنت على التسامح والرحمة ودفع المظلومية بالتي هي أحسن ولم تبنَ على القسوة وعشق التشفي والانتقام.

_______________

*أستاذة في الأدب الانجليزي بجامعة القاهرة وناشطة نسائية ورئيسة مركز رصد أولويات المرأة

ــــــــ

المصدر : أمهات بلا حدود 14/7/2009

http://wfsp.org/articles/women_oppressed_or_oppressor.htm#***1#***1

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ