ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أوباما..
أوباما.. سبحان مغير الأحوال بلال
الحسن
شاع في الإعلام، أن بنيامين
نتنياهو رئيس وزراء «إسرائيل»،
هو العدو السياسي اللدود لباراك
أوباما، لأنه يرفض خطته
للتغيير. يرفض شعار حلّ
الدولتين، ويرفض وقف الاستيطان.
واحتدم الصراع حتى ليخيل
للمتابعين أن حزبين نشآ في
العالم، حزب أوباما الأميركي
وجلّ أعضائه من المسلمين
والعرب، وحزب نتنياهو وجلّ
أعضائه من الإسرائيليين
والمعادين للحزب الديموقراطي
الذي استطاع أن يتربع في البيت
الأبيض من خلال شخص أسود. لكن
الوقائع على الأرض تقول شيئاً
آخر مناقضاً، تقول إن نتنياهو
تكشّف عن صديق لأوباما، صديق
مخلص وودود. ولذلك قصة تُروى. لقد رفع
أوباما شعار التغيير، وهو قال
وشرح ودعا بكفاءة الأستاذ
الجامعي القدير، إلى تغيير
علاقات أميركا مع العالم
الإسلامي. وبما أنه يعرف أن
القضية الفلسطينية تكمن في عمق
أعماق العالم الإسلامي هذا، فقد
ركز على ضرورة إيجاد حل عادل
وسريع وإيجابي لها. لكن نتنياهو
هذا القادم من أعماق اليمين
الإسرائيلي، وقف له بالمرصاد،
وقال: لا. لا نقبل بالتخلي عن أرض
إسرائيل التاريخية. لا نقبل
بتمكين الفلسطينيين من بناء
دولة تهددنا. لا نقبل بالتنازل
عن القدس عاصمتنا الأبدية. لا
نقبل بأن لا يسلّم الفلسطينيون
بهويّة دولتنا اليهودية. لا
نقبل بالتخلي عن منابع المياه،
أو عن الأجواء، أو عن مياه
البحار الإقليمية. وبسبب ذلك
كله فإننا لا نقبل أيضاً أن
نتفاوض مع الفلسطينيين على أساس
شعار حلّ الدولتين، ولا نقبل
بوقف الاستيطان الذي هو الرمز
الحقيقي للصهيونية. وحين تجمعت
هذه اللاءات كلها، بدا كأن كل
خطة أوباما للتغيير مهددة
بالزوال والتلاشي، وأصبح الأمر
يحتاج إلى منقذ يمدّ يد العون
إلى رئيس أكبر دولة في العالم. وتشاء
الصدف، الصدف التي لا وجود لها
في علم التاريخ، أن يكون المنقذ
المنشود هو نتنياهو نفسه، فهو
الذي صنع المشكلة، وهو الذي
سيحلّها بكلمة سحرية من عنده.
وهكذا تم الإعلان عن خطاب
سيلقيه نتنياهو على طريقة
أوباما. وفي جامعة بار إيلان على
غرار جامعة القاهرة، ويسرّب فيه
خلسة الدواء السحري اللازم. وقد
تَمثّل هذا الدواء في كلمة
واحدة وحيدة، نطقها نتنياهو
فإذا بها تفتح الأبواب المغلقة،
وتصبح الترياق الذي يأتي من
العراق، كما تقول الأساطير. لقد ملأ
نتنياهو خطابه، على طريقة
السحرة، بكل ما هو مناقض للدولة
الفلسطينية. وضع أحجية هنا. ووضع
حجراً هائل الحجم هناك. وباباً
مغلقاً في الرواق. ووحشاً
أسطورياً أمام الباب الذي ينفتح
على مجال الضوء، حتى إنه يمكن أن
يتوه كل من يقرأ أو يسمع أو
يشاهد. ثم ابتعد قليلاً عن كل
هذه الخدع، وسجل على الحائط بخط
باهت لكنه مقروء: الدولة
الفلسطينية. وحين عُرض الأمر
برمّته على الرئيس الأميركي،
بدا الرئيس الأميركي بائساً
ومرتبكاً ومحبطاً، وهو ينقل
بصره بين الأحاجي والوحوش، ثم
انفرجت أساريره، وانتشى من
الفرح وهو يشاهد تلك الكلمة
السحرية مكتوبة على الحائط. رأى
أنها كلمة لم يخطّها بشر، بل
كانت كلمة تنبع من عمق الأشياء،
فتتغلب على الأحاجي والوحوش،
وتتربع وحيدةً وسيدةً للمشهد
السياسي كله. وهكذا..
فإن أوباما نسي كل الفوضى التي
جاءت في خطاب نتنياهو. نسي
الماضي والحاضر. نسي التاريخ
والجغرافيا. ونسي الصراعات
والاتفاقات. ونسي الصحيح
والكاذب. نسي الألاعيب. ونسي
المناورات. وتذكر شيئاً واحداً
فقط، وهو أن نتنياهو جاء ومعه
الكلمة السحرية «الدولة
الفلسطينية»، مكتوبة على حائط
من نار. حتى إن أوباما تفاءل بأن
خطته في التغيير ستمضي نحو
حالها، والفضل في ذلك يعود إلى
نتنياهو. نتنياهو الذي نستطيع
حتى أن نغفر له، أنه نسي الشرط
الثاني الداعي إلى وقف
الاستيطان.. فسبحان مغيّر
الأحوال. لقد تم استقباله
بالأحضان، ولم يطلب أحد منه
شيئاً. لم يطلبوا منه حتى أن
يعترف بشروط اللجنة الدولية
الرباعية. ـــــــ المصدر
: مجلة العودة 7/2009 ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |